الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنا منعنا من إثباته بالقياس، لما ذكرناه ابتداء.
فأما إذا أمكن إثبات ذلك بنص، أو إجماع منقول عن أهل العصر الأول: فيكون كافيًا1.
الشرط الثاني2:
أن يكون الحكم معقول المعنى، إذ القياس إنما هو: تعدية الحكم من محل إلى محل بواسطة تعدي المقتضى.
وما لا يعقل معناه، كأوقات الصلوات، وعدد الركعات، لا يتوقف فيه على المعنى المقتضى، ولا يعلم تعديه، فلا يمكن تعدية الحكم فيه.
1 هذا دليل لأصحاب المذهب الأول، القائلين بجواز القياس على الأصل المختلف فيه إذا كان منصوصًا عليه، فإن إثبات حكم الأصل ليس من شرطه الاتفاق بين الخصمين، بل يكفي قيام الدليل الذي يغلب على ظن المجتهد.
فإن اعترض أحد فقال: لم لا تجوزون القياس على ما ثبت بالقياس، مع أنه يفيد غلبة الظن؟ فالجواب: ما تقدم من أن العلة إن كانت واحدة فليقس على الأصل الأول، وإن كانت مختلفة فلا يصح القياس.
2 من شروط الأصل.
فصل: الركن الثاني: الحكم. [وشروطه]
…
الركن الثاني: الحكم. [وشروطه] :
وله شرطان:
أحدهما: أن يكون حكم الفرع مساويًا لحكم الأصل، كقياس البيع على النكاح في الصحة1 والزنا على الشرب في التحريم، والصلاة على الصوم في الوجوب. فإن حقائق هذه الأحكام لا تختلف باختلاف متعلقها2، والسبب يقتضي الحكم، لإفضائه إلى حكمته.
1 كما يقال في بيع الغائب: عقد على غائب فصح، قياسًا على عقد النكاح.
2 أي: أن حقائق هذه الأحكام من الصحة والحرمة والوجوب كما هي ثابتة في =
فإذا كان حكم الفرع مثل حكم الأصل تأدي به من الحكمة مثل ما تأدي بحكم الأصل، فيجب أن يثبت.
أما إذا كان مخالفًا له فلا يصح قياسه عليه؛ لأن ما يتأدى به من الحكمة مخالفًا لما يتأدى بحكم الأصل إما بزيادة، وإما بنقصان1.
فإذا كانت أنقص: فإثبات الحكم في الأصل يدل على اعتبارها بصفة الكمال، فلا يلزم اعتبارها بصفة النقصان.
وإن كانت الحكمة في الفرع أكثر: فعدول الشرع عنه إلى حكم الأصل يدل على أن في تعيينه مزيد فائدة أوجبت تعيينه، أو على وجود مانع منع ثبوت حكم الفرع، فكيف يصح قياسه عليه؟
ولأن2 القياس: تعدية الحكم بتعدي علته، فإذا أثبت في الفرع غير حكم الأصل: لم يكن ذلك تعدية، بل ابتداء حكم.
وقولهم، في السلم:"بلغ بأحد عوضيه أقصى مراتب الأعيان، فليبلغ بالآخر أقصى مراتب الديون، قياسًا لأحدهما على الآخر"3.
= الأصل ثابتة في الفرع على التساوي، ولا تختلف، وإنما الذي اختلف هو المحل الذي تعلقت به.
1 كما لو قسنا الوجوب على الندب أو العكس، فإن الحكمة في الوجوب أكمل منها في الندب.
2 هذا هو الدليل الثاني على شرط المساواة بين حكم الأصل والفرع، وما سبق هو الدليل الأول.
3 توضيح هذا المثال: أنه لا يجوز قياس إثبات الأجل في العين المسلم فيها على نفي الأجل في الثمن؛ لأنه قياس إثبات على نفي؛ لأن من شرط السلم: تسليم الثمن في مجلس العقد، بينما المثمن مؤجل. فلا يصح القياس، لاختلاف الحكم في الأصل والفرع.
ليس بقياس، إذ القياس: تعدية الحكم وتوسعة مجراه، فكيف تختلف التعدية، وهذا إثبات ضده؟
وكذلك لو أثبت في الأصل حكمًا، ولم يمكنه إثباته في الفرع إلا بزيادة أو نقصان: فهو باطل؛ لأنه ليس على صورة التعدية.
مثاله: قولهم في صلاة الكسوف: "يشرع فيها ركوع زائد؛ لأنها صلاة شرعت لها الجماعة، فتختص بزيادة، كصلاة الجمعة، تختص بالخطبة، وصلاة العيد تختص بالتكبيرات".
وهذا فاسد؛ لأنه لم يتمكن من تعدية الحكم على وجهه وتفصيله1.
الشرط الثاني: أن يكون الحكم شرعيًّا.
فإن كان عقليًّا، أو من المسائل الأصولية، لم يثبت بالقياس؛ لأنها قطعية لا تثبت بأمور ظنية.
وكذلك لو أراد إثبات أصل القياس، وأصل خبر الواحد بالقياس: لم يجز، لما ذكرناه3.
1 وهذه صورة أخرى اختلف فيها حكم الفرع مع حكم الأصل بنوع من الزيادة، كما في قياس صلاة الكسوف على صلاة الجمعة وصلاة العيدين، بجامع أن كلا منها فيها زيادة على نفس الصلاة. فهذا غير جائز، لأن القائس لم يستطع من تعدية حكم الأصل للفرع على وجه الكمال والتفصيل.
2 المراد بكونه شرعيًّا: أن يكون من الفروع لا من الأصول، بدليل قوله، بعد ذلك:"فإن كان عقليًّا، أو من المسائل الأصولية. إلخ".
3 في شروط الأصل، حيث قال في شروطه: "أن يكون ثابتًا بنص أو اتفاق من الخصمين
…
ثم قال: ولو أراد إثبات حكم الأصل بالقياس على محل آخر لم يجز
…
".