المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: [في شروط الاستثناء] - روضة الناظر وجنة المناظر - ت شعبان - جـ ٢

[ابن قدامة]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌باب: العموم

- ‌مدخل

- ‌فصل: [تعريف العام]

- ‌فصل: [أقسام العام والخاص]

- ‌فصل: [في ألفاظ العموم]

- ‌فصل: [في الخلاف في عموم بعض الصيغ]

- ‌فصل: [في حكم العام الوارد على سبب خاص]

- ‌فصل: [حكاية الفعل من الصحابي تقتضي العموم]

- ‌فصل: [الخطاب المضاف إلى الناس والمؤمنين يعم العبيد والنساء]

- ‌فصل: [العام بعد التخصيص حجة]

- ‌فصل: [العام بعد التخصيص حقيقة]

- ‌فصل: [فيما ينتهي إليه التخصيص]

- ‌فصل: [الخطاب العام يتناول من صدر منه]

- ‌فصل: [العام يجب اعتقاد عمومه في الحال]

- ‌فصل: [تعريف القياس الجلي والخفي]

- ‌فصل: في تعارض العمومين

- ‌فصل: في الاستثناء

- ‌فصل: [في شروط الاستثناء]

- ‌فصل: [في حكم الاستثناء بعد جمل متعددة]

- ‌فصل: في المطلق والمقيد

- ‌فصل: [في حمل المطلق على المقيد]

- ‌باب: في الفحوى والإشارة

- ‌فصل: فيما يقتبس من الألفاظ من فحوها وإشارتها لا من صيغها

- ‌باب: القياس

- ‌فصل: تعريف القياس

- ‌فصل: في العلة

- ‌فصل: [طرق الاجتهاد في إثبات العلة]

- ‌فصل: [الأدلة النقلية للمنكرين للقياس]

- ‌فصل: [الأدلة العقلية للمنكرين للقياس]

- ‌فصل: [في مذهب النظام في الإلحاق بالعلة المنصوصة]

- ‌فصل: [في أوجه تطرق الخطأ إلى القياس]

- ‌فصل: [في أقسام إلحاق المسكوت بالمنطوق]

- ‌فصل: تقسيم المناسب من حيث تأثيره في الحكم أو عدم تأثيره

- ‌فصل: [مراتب الجنسية]

- ‌فصل: [أمور لا تكفي لإفساد علة الخصم]

- ‌فصل: [هل تثبت العلة بشهادة الأصول]

- ‌فصل: [في المسالك الفاسدة]

- ‌فصل: [في حكم العلة إذا استلزمت مفسدة]

- ‌فصل: في قياس الشَّبه

- ‌فصل: في قياس الدلالة

- ‌باب: أركان القياس

- ‌مدخل

- ‌فصل: [الركن الأول: الأصل وشروطه]

- ‌فصل: الركن الثاني: الحكم. [وشروطه]

- ‌فصل: الركن الثالث: الفرع [وشروطه]

- ‌فصل: الركن الرابع: العلة

- ‌باب: [كتاب الاجتهاد]

- ‌فصل: في حكم المجتهد

- ‌فصل: [شروط المجتهد]

- ‌فصل: مسألة: [في جواز التعبد بالقياس والاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل: [في تعبد النبي صلى الله عليه وسلم-بالاجتهاد]

- ‌فصل: [في خطأ المجتهد وإصابته]

- ‌فصل: [في تعارض الأدلة]

- ‌فصل: [هل للمجتهد أن يقول قولين في مسألة واحدة]

- ‌فصل: [المجتهد لا يقلد غيره]

- ‌فصل: [إذا نصّ المجتهد على حكم لعلة في مسألة فهو مذهبه في كل ما توجد فيه هذه العلة]

- ‌فصل: في التقليد

- ‌فصل: [فيمن يستفتيه العامّي]

- ‌فصل: [إذا تعدد المجتهدون فللمقلد سؤال من شاء]

- ‌باب: في ترتيب الأدلة ومعرفة الترجيح

- ‌مدخل

- ‌فصل: [تعريف التعارض]

- ‌فصل: في ترجيح المعاني

- ‌الفهارس

- ‌موضوعات الجزء الثاني:

- ‌الفهارس العامة:أولًا: فهرس الآيات القرآنية

- ‌ثانيا: فهرس الأحاديث

- ‌ثالثا: فهرس الآثار

- ‌رابعا: فهرس الأبيات الشعرية

- ‌خامسًا: فهرس الأعلام

- ‌سادسًا: فهرس الفرق والطوائف والملل:

- ‌سابعًا: فهرس المراجع:

- ‌باب: بيان بالأخطاء المطبعية التي وقعت في كتاب

الفصل: ‌فصل: [في شروط الاستثناء]

ويفارق النسخ -أيضًا- في ثلاثة أشياء:

أحدها: في اتصاله.

والثاني: أن النسخ رافع لما دخل تحت اللفظ، والاستثناء يمنع أن يدخل اللفظ ما لولاه لدخل1.

والثالث: أن النسخ يرفع جميع حكم النص، والاستثناء إنما يجوز في البعض2.

1 ومعناه: أن المنسوخ كان مرادًا ثم نسخ، بخلاف الاستثناء، فإنه لم يكن مرادًا من الأول.

2 هذا الفارق ليس على إطلاقه، فإن النسخ قد يرفع الحكم كلية، وقد يرفع بعضه، كما تقدم في باب النسخ.

ص: 84

‌فصل: [في شروط الاستثناء]

ويشترط في الاستثناء ثلاثة شروط:

أحدهما: أن يتصل بالكلام، بحيث لا يفصل بينهما كلام، ولا سكوت يمكن الكلام فيه؛ لأنه جزء من الكلام يحصل به الإتمام، فإذا انفصل: لم يكن إتمامًا، كالشرط، وخبر المبتدأ، فإنه لو قال:"أكرم من دخل داري" ثم قال، بعد شهر:"إلا زيدًا": لم يفهم، كما لو قال:"زيدًا" ثم قال، بعد شهر:"قائم" لم يعد خبرًا، وكذلك الشرط.

وحكي عن ابن عباس: أنه يجوز أن يكون منفصلًا3.

1 ومعناه: أن المنسوخ كان مرادًا ثم نسخ، بخلاف الاستثناء، فإنه لم يكن مرادًا من الأول.

2 هذا الفارق ليس على إطلاقه، فإن النسخ قد يرفع الحكم كلية، وقد يرفع بعضه، كما تقدم في باب النسخ.

3 الروايات عن ابن عباس متعددة: فروي عنه أنه يصح الاستثناء وإن طال الزمن، ثم اختلف عنه فقيل: إلى شهر، وقيل: إلى سنة، وقيل: أبدًا. ومنهم من أنكر ذلك وقال: لم يصح ذلك عن ابن عباس، ومنهم: إمام الحرمين والعزالي، لما =

ص: 84

وعن عطاء1 والحسن2: جواز تأخيره ما دام في المجلس3. وأومأ إليه أحمد رحمه الله في الاستثناء في اليمين4.

والأولى: ما ذكرناه5.

الشرط الثاني: أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه6

= يلزم على ذلك من ارتفاع الثقة بالعهود والمواثيق، لإمكان تراخي الاستثناء وقال القرافي: "المنقول عن ابن عباس إنما هو في التعليق على مشيئة الله تعالى خاصة.

قال: ونقل بعض العلماء أن مدركه في ذلك قوله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 23-24] .

قال: المعنى: إذا نسيت قول "إن شاء الله" فقل بعد ذلك، ولم يخصص"، شرح تنقيح الفصول ص243.

وقال الشوكاني: "ومن قال: بأن هذه المقالة لم تصح عن "ابن عباس" لعله لم يعلم بأنها ثابتة في "مستدرك الحاكم" وقال: صحيح على شرط الشيخين بلفظ: "إذا حلف الرجل على يمين فله أن يستنثي إلى سنة" وقد روى عنه هذا غير الحاكم من طرق، كما ذكره أبو موسى المديني وغيره". إرشاد الفحول "1/ 527-528" وانظر: المستدرك "4/ 303".

1 هو: عطاء بن أبي رباح بن أسلم، أبو محمد القرشي بالولاء، المكي، من أعلام التابعين، كان مفتي مكة ومحدثها، سمع من السيدة عائشة وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم رضي الله عنهم جميعًا- كما أخذ عنه أبو حنيفة والأوزاعي وابن إسحاق. توفي بمكة سنة 114هـ". انظر في ترجمته: تذكرة الحفاظ "1/ 98"، شذرات الذهب "1/ 147"، ميزان الاعتدال "3/ 70".

2 هو: الحسن بن يسار البصري. تقدمت ترجمته.

3 انظر: التمهيد لأبي الخطاب "2/ 74".

4 انظر: العدة "2/ 661".

5 أي: اشتراط اتصال المستثنى بالمستثنى منه.

6 وهو رأي أكثر الحنابلة. قال الفتوحي: "وهذا هو الصحيح من الروايتين عند =

ص: 85

فأما الاستثناء من غير الجنس: فمجاز لا يدخل في الإقرار، ولو أقر بشيء واستثنى من غير جنسه: كان استثناؤه باطلًا1.

وهذا قول بعض الشافعية.

وقال بعضهم2، ومالك وأبو حنيفة، وبعض المتكلمين: يصح؛ لأنه قد جاء في القرآن واللغة الفصيحة.

قال الله تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلامًا} 3، و {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ

} 4، {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى، إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} 5.

وقال الشاعر6:

...................وَما بالرَّبْعِ مِنْ أَحَدٍ

= الإمام أحمد رضي الله عنه واختيار الأكثر من أصحابنا وغيرهم"، شرح الكوكب المنير "3/ 286".

1 انظر "العدة "2/ 673".

2 أي: بعض الشافعية.

3 سورة مريم من الآية "62" ومحل الشاهد: أن السلام ليس من جنس اللغو.

4 سورة النساء من الآية "29" ومحل الشاهد: أن التجارة ليست من جنس المال؛ لأن المال هو الأعيان، والتجارة: هي التصرف في هذه الأعيان.

5 سورة الليل "19-20" ومحل الشاهد: أن ابتغاء وجه ربه الأعلى ليس من جنس النعمة.

6 هو: زياد بن معاوية النابغة الذبياني المضري، من فحول شعراء الجاهلية من أهل الحجاز، كان يقصده الشعراء ويعرضون عليه أشعارهم، كان أحسن الشعراء شعرًا، وأكثرهم في الكلام رونقًا، وأجزلهم بيتًا، ليس في شعره تكلف. انظر: طبقات فحول الشعراء "1/ 56".

ص: 86

إلَّا الأَوَاريّ.....1

[وقال آخر] 2:

وبلدة ليس بها أنيس

إلا اليعافير وإلا العيس3

ومثله كثير.

1 هذان جزءان من بيتين للنابغة من قصيدة مدح بها النعمان بن بشير ملك الحيرة، ويتنصل بها عما قذفوه به، وهي إحدى المعلقات السبع، مطلعها:

يا دارَ مَيَّة بالعَلياء فالسند

أقْوت فطال عليها سالف الأبد

إلى أن قال:

وقفتُ فيها أُصَيْلالًا أُسائلها

عيَّت جوابًا وما بالرَّبْع من أحد

إلا أواريَّ لأيّامًا أبيتها

والنّوى كالحوض بالمظلومة الجلد

والأواري: هي التي تسمى الطوائل، وليس من جنس أحد، وهذا هو محل الشاهد. انظرك ديوان النابغة ص25-32، وخزانة الأدب "4م 121-130".

2 القائل: هو جران العون: عامر بن الحارث بن كُلْفة، والجران: باطن العنق الذي يضعه البعير على الأرض إذا نام، وكان يعمل من جلد هذا العنق: الأسواط واشتهر هذا الشاعر بجران العود؛ لأنه هدد زوجتيه بجران جمل كبير له فقال:

خذا حذّرا يا جارتيّ فإنني

رأيت جران العود قد كان يصلح

والعود: البعير المسن.

3 البيت في ديوان جران العود ص53، وفي لسان العرب "4/ 309"، وكتاب سيبويه "1/ 133".

ومحل الشاهد في البيت قوله: "إلا اليعافير" فإنه استثناء من قوله: "أنيس" واليعافير جمع "يعفور" وهو الظبي الذي لونه لون التراب، أو هو ولد البقرة الوحشية، و"العيس" جمع "أعيس" و"عيساء" وهو من الإبل الذي يخالط بياضه شقرة.

انظر: القاموس المحيط "4/ 209"، لسان العرب "4/ 309 وما بعدها".

ص: 87

ولنا: أن الاستثناء: إخراج بعض ما يتناوله المستثنى منه بدليل: أنه مشتق من قولهم: "ثنيت فلانًا عن رأيه" و"ثنيت العنان" فيشعر بصرف الكلام عن صوبه1 الذي كان يقتضيه سياقه2.

فإذا ذكر ما لا دخول له في الكلام الأول، لولا الاستثناء، فما صرف الكلام ولا ثناه عن وجه استرساله.

فتكون تسميته استثناء تجوزًا باللفظ عن موضوعه، وتكون "إلا" ههنا بمعنى "لكن"3.

قال هذا ابن قتيبة4. وقال: هو قول سيبويه5، وقاله غيرهما من أهل العربية.

1 جاء في المصباح المنير مادة "صوب": الصوب، وزن فلس، مثل الصواب.

2 قال الطوفي: "اعلم أن الاستثناء من حيث اللفظ: استفعال، إما من التثنية؛ لأن المستثنى في كلامه يثني الجملة، أي: يأتي بجملة ثانية في كلامه، نحو: قام القوم إلا زيدًا، فهم منه قيام القوم، وعدم قيام زيد، فهي جملتان، أو من ثنى الفارسُ عِنان فرسه: إذا عطفه، لأن المستثنى يعطف على الجملة، فيخرج بعضها عن الحكم بالاستثناء". شرح مختصر الروضة "2/ 580-581".

3 لأن "لكن" يستدرك بها المتلكم خللًا وقع في كلامه أو غيره، وكذلك "إلا" يستدرك بها نحو ذلك.

4 هو: عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، من أئمة الحديث واللغة، عدّه شيخ الإشلام ابن تيمية من أهل السنة. ولد ببغداد سنة 213هـ" وقيل: ولد بالكوفة وتوفي سنة "276هـ" على الأصح. انظر: بغية الوعاة "2/ 63"، تذكرة الحفاظ "2/ 631".

5 هو: عمرو بن عثمان بن قنبر، المعروف بسيبويه، إمام مدرسة أهل البصرة في النحو، تتلمذ على الخليل بن أحمد وأبي الخطاب الأخفش وغيرهما. من مؤلفاته "الكتاب" في النحو. توفي بالبيضاء سنة "180هـ". انظر: بغية الوعاة "2/ 231" نزهة الألباء ص "71".

ص: 88

وإذا كانت بمعنى "لكن" لم يكن لها في الإقرار معنى1، فلم يصح أن ترفع شيئًا منه، فتكون لاغية، فإن "لكن" إنما تدخل للاستدراك بعد الجحد، والإقرار ليس بجحد، فلا يصح فيه.

ولذلك: لم يأت الاستثناء المنقطع في إثبات بحال.

الشرط الثالث: أن يكون المستثنى أقل من النصف.

وفي استثناء النصف وجهان.

1 هذا جواب عن قولهم المتقدم: "ولو أقر بشيء واستثنى من غير جنسه كان استثناؤه باطلًا" وحاصل الجواب: أن الاستثناء المنقطع مقدر بلكن، وهي تفيد الاستدراك؛ لأن المتكلم بها يستدرك خللًا وقع في كلامه، فمثله: الاستثناء المنقطع، ويتفرع على هذا ما ذكره الخرقي في مختصره:"ومن أقر بشيء واستثنى من غير جنسه كان استثناؤه باطلًا، إلا أن يستثني عينًا من ورِق، أو ورِقًا من عين" والمراد بالعين هنا: الذهب.

فعلى هذا يكون قوله: "إلا أن يستثني عينًا من ورق

" مخالفًا لهذه القاعدة.

وقد حمله أصحاب الإمام أحمد على الاستحسان، وحمله الطوفي على الاستثناء من الجنس البعيد، وهو أن الكل مال.

قال الطوفي: "ووجه الاستحسان: أن الذهب والفضة هما أثمان المبيعات، وقيم المتلفات، وأروش الجنايات، ومقاصدهما واحدة، فينزلا لذلك منزلة الجنس الواحد، وأما نص الخرقي على ذلك في "المختصر" فهذا وجهه.... ثم قال: وهو أحد القولين في المذهب.

ويفيد الخلاف في هذا الشرط أنه لو قال: له عندي مائة درهم إلا ثوبًا، أو إلا شاة أو غيرها من المتقومات، بطل الإقرار عندنا، وصح عند المخالف، ويلزمه مائة إلا قيمة ثوب، لاشتراك المستثنى والمستثنى منه في جنس المالية، وما يقع في المستثنى من جهالة تزال بالوساطة أو الصلح. قلت: وهذا راجع إلى الاستثناء من الجنس، غير أنه الجنس البعيد. "شرح الطوفي 2/ 597".

ص: 89

وقال أكثر الفقهاء والمتكلمين: يجوز استثناء الأكثر.

ولا نعلم خلافًا في أنه: لا يجوز استثناء الكل1.

واحتج من جوزه -أي: جوز الأكثر- بقوله تعالى: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} 2.

وقال في أخرى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} .

فاستثنى كل واحد منهما من الآخرن وأيهما كان الأكثر: حصل المقصود4.

1 خلاصة ذلك: أنه لا خلاف بين العلماء في عدم صحة الاستثناء المستغرق، فلا يصح أن يقال: له علي عشرة إلا عشرة؛ لأنه يفضي إلى العبث، ويعتبر تناقضًا كليًّا.

وفي استثناء الأكثر والنصف خلاف. واشترط قوم أن يكون أقل من النصف وهو الصحيح من مذهب الحنابلة.

قال الطوفي: "المصحِّح لاستثناء الأكثر هم أكثر الفقهاء والمتكلمين، والمانع منه أصحابنا وبعض الفقهاء والقاضي أبو بكر في آخر أقواله.

قال الآمدي: وقد استقبح بعض أهل اللغة استثناء عقد صحيح، واختار هو الوقف.

قلت: مثال استثناء العقد الصحيح: له سبعون إلا عشرة". شرح مختصر الروضة "2/ 598".

2 سورة ص "82-83".

3 سورة الحجر الآية "42".

4 وجه الدلالة من هذه الآيات: أن الله تعالى استثنى الغاوين من العباد، والغاوون أكثر، بدليل قوله تعالى:{وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 17] .

وقال الطوفي: "فاستثنى في الأولى العباد المخلصين من بني آدم، وفي الثانية =

ص: 90

وقال الشاعر:

أدُّوا التي نَقَصَتْ تسعين مِنْ مائةٍ

ثم ابْعَثوا حكمًا بالحقّ قَوَّاما1

ولأنه إذا جاز استثناء الأقل، جاز استثناء الأكثر.

ولأنه رفع بعض ما تناوله اللفظ، فجاز في الأكثر كالتخصيص.

ولنا: أن الاستثناء لغة، وأهل اللغة نفوا ذلك وأنكروه2.

قال أبو إسحاق الزجاج3: لم يأت الاستثناء إلا في القليل من الكثير4.

وقال ابن جني5: لو قال قائل: "مائة إلا تسعة وتسعين" ما كان متكلمًا بالعربية، وكان كلامه عيًّا من الكلام ولكنة.

= الغاوين من العباد، وأيهما كان الأكثر حصل المقصود". شرح المختصر "2/ 599".

1 سيأتي نقل المصنف عن ابن فصال: أن هذا البيت مصنوع لم يثبت عن العرب، فلا يصح الاحتجاج به.

2 وأهل اللغة هم الحجة في هذا المقام، ولذلك نقل المصنف كلامهم الآتي.

3 هو: إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج، عالم بالنحو واللغة والعروض، واشتهر بالزجاج، لأنه كان يعمل في خرط الزجاج، تتلمذ على المبرد، من مؤلفاته:"معاني القرآن" و"الاشتقاق". توفي ببغداد سنة "310هـ" على الأرجح. انظر: بغية الوعاة "1/ 411" وفيات الأعيان "11/ 11".

4 انظر: إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس "2/ 565".

5 هو: عثمان بن جني، أبو عثمان الموصلي، كان والده مملوكًا روميًّا لسليمان بن فهد الأزدي الموصلي، كان إمامًا في النحو والأدب، تلقى عن أبي على الفارسي، وبعد وفاته تولى مكانه في بغداد. من كتبه "الخصائص" و"المذكر والمؤنث" توفي سنة "392هـ". انظر: بغية الوعاة "2/ 132"، شذرات الذهب "3/ 140".

ص: 91

وقال القتيبي1: يقال: "صمت الشهر كله إلا يومًا واحدًا، ولا يقال: صمت الشهر إلا تسعة وعشرين يومًا" ويقول: "لقيت القوم جميعهم إلا واحدًا أو اثنين"، ولا يجوز أن يقول:"لقيت القوم إلا أكثرهم".

إذا ثبت أنه ليس من اللغة: فلا يقبل.

ولو جاز هذا: لجاز في كل ما كرهوه وقبحوه.

وأما الآية التي احتجوا بها: فقد أجيب عن احتجاجهم بها بأجوبة.

منها: أنه استثناء في إحدى الآيتين المخلصين من بني آدم وهم الأقل.

وفي الأخرى: استثناء الغاوين من جميع العباد وهم الأقل، فإن الملائكة من عباد الله، قال الله تعالى:{بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} 2 وهم غير غاوين3.

ومنها: أنه استثناء منقطع في قوله تعالى: {إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} 4 بمعنى "لكن" بدليل أنه قال في آية أخرى: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ

} 5

1 هو: عبد الله بن مسلم، المشهور بابن قتيبة. تقدمت ترجمته.

2 سورة الأنبياء من الآية "26".

3 لم يرتض الطوفي هذه الإجابة وقال: إنها ضعيفة؛ لأن المحاورة إنما وقعت في ذرية آدم، فلا يصح ضم الملائكة إليهم، حتى يكون الغاوون بالنسبة إليهم مع ذرية آدم قليلًا. انظر:"شرح المختصر 2/ 602".

4 الحجر: 42.

5 سورة إبراهيم من الآية "22" ولم يرتضه الطوفي أيضًا. ثم قال: "والجواب الصحيح عن الآية هو: أنا نمنع من استثناء الأكثر إذا صرح بعدد المستثنى منه، أما إذا لم يصرح به، فهو جائز باتفاق، كما إذا قال: خذ ما في هذا الكيس من =

ص: 92

وأما البيت فليس فيه استثناء.

مع أنه قال ابن فصال النحوي1: هذا بيت مصنوع ولم يثبت عن العرب.

وأما القياس في اللغة2: فغير جائز. ولو كان جائزًا: فهو جمع بغير علة3 ومثل هذا لو جاز استثناء البعض، جاز استثناء الكل.

ويعارضه: بأنه إذا لم يجز استثناء الكل، فلا يجوز استثناء الأكثر.

والفرق بين القليل والكثير: أن العرب استعملته في القليل دون الكثير، فلا يقاس في لغتهم ما أنكروه على ما حسّنوه وجوّزوه.

= الدراهم إلا الزيوف، وكانت أكثر، والآية من هذا الباب، لم يصرح فيها بعدد المستثنى منه، بل قال سبحانه وتعالى:"إن عبادي" وهو مقدار غير معين، بخلاف: له عندي مائة إلا تسعين، فهذا هو الممنوع". المصدر السابق5.

1 هو: علي بن فصال بن علي بن غالب المجاشعي القيرواني، المعروف بالفرزدقي نسبة إلى جده "الفرزدق"، كان عالمًا بالنحو واللغة، ظل يقرئ ببغداد حتى توفي سنة "479هـ" انظر: بغية الوعاة "2/ 183"، والبلغة ص161.

2 هذا رد على قولهم السابق: "ولأنه إذا جاز استثناء الأقل جاز استثناء الأكثر" فبين المصنف أن ذلك قياسًا في اللغة، وهو غير حجة عند كثير من العلماء. ثم عارضه برد آخر هو: قياسه على استثناء الكل، ومعناه: أن عدم جواز استثناء الكل أمر متفق عليه، فيقاس عليه: عدم جواز استثناء الأكثر؛ لأن الأكثر يأخذ حكم الكل.

ثم بين -أخيرًا- أن الحجة إنما هي في استعمال العرب؛ لأنهم أهل اللغة، وهم قد استعملوه في القليل دون الكثير، فلا يقاس ما أنكروه على ما حسنوه.

3 معناه: أن القياس لا بد له من علة جامعة بين الأصل والفرع، وقياس الأكثر على الأقل ليست فيه علة جامعة.

ص: 93