الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: القياس
فصل: تعريف القياس
…
باب: القياس
القياس في اللغة: التقدير، ومنه:"قست الثوب بالذراع": إذا قدرته به1.
قال الشاعر2، يصف جراحة أو شجة:
إذا قاسها الآسي النطاسي أدبرت
…
غثيثتها أو زاد وهيًا هزومها3.
مفهوم المخالفة من الآية الكريمة، وثانيهما: من منطوق الحديث الشريف، ولا شك أن دلالة المنطوق أقوى من دلالة مفهوم المخالفة. انظر في هذه الشروط مختصر المنتهى مع شرح العضد "2/ 174"، الإحكام للآمدي "3/ 93-94"، شرح مختصر الروضة "2/ 775" شرح الكوكب المنير "3/ 489 وما بعدها" إرشاد الفحول "2/ 59".
1 قال الجوهري: قستُ الشيء بالشيء، أي: قدّرته على مثاله، يقال: قست، أقيس، وأقوس، فهو من ذوات الياء والواو، ونظائره في اللغة كثيرة، والمصدر: قيسًا وقوسًا، بالياء والواو. انظر: الصحاح "3/ 967".
ويطلق القياس في اللغة على المساواة أيضًا، سواء أكانت حسية أم معنوية، فمن أمثلة الأول: قست هذا الكتاب بهذا الكتاب، ومن أمثلة الثاني: فلان لا يقاس بفلان، أي: لا يساويه. انظر: لسان العرب "8/ 70" القاموس المحيط "2/ 244".
قال الطوفي: "واعلم أنا قد بينا أن القياس في اللغة يدل على معنى التسوية على العموم، وهو في الشرع تسوية خاصة بين الأصل والفرع، فهو كتخصيص لفظ الدابة ببعض مسمياتها، فهو حقيقة عرفية، مجاز لغوي". شرح المختصر "3/ 219".
2 هو: خداش بن بشر بن خالد، أبو زيد التميمي المعروف بالبعيث: خطيب، شاعر، من أهل البصرة. قال فيه الجاحظ: أخطب بني تميم، كانت بينه وبين جرير مهاجاة دامت نحو أربعين سنة. توفي بالبصرة سنة 134هـ.
انظر ترجمته في: الشعر والشعراء لابن قتيبة "1/ 497"، الأعلام "2/ 302".
3 الآسي، بالمد: الطبيب. والنِّطاسي: بكسر النون أو فتحها: العالم بالطب، فهو =
"وقاس الطبيب الجراحة": إذا جعل فيها الميل1 يقدّرها به، ليعرف غورها.
وهو في الشرع:
حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما2.
وقيل: حكمك على الفرع بمثل ما حكمت به في الأصل، لاشتراكهما في العلة التي اقتضت ذلك في الأصل.
وقيل: حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما، أو نفيه عنهما، بجامع بينهما من إثبات حكم أو صفة لهما، أو نفيهما3 عنهما.
ومعاني هذه الحدود متقاربة4.
وقيل: هو الاجتهاد
= وصف للآسي: ومعنى "أدبرت": وليت. ومعنى "غثيثها": ما في الجرح من صديد ولحم ميت يؤلم المجروح. وقوله: "هزومها" الهزوم: غمز الشيء باليد، فتصير فيه حفرة، كما تغمز القربة فتنهزم في جوفها. وقد أورد له ابن منظور هذا البيت في معرض كلامه على معنى كلمة "نطس". انظر: لسان العرب "مادة: نطس".
1 الميل: آلة يدخلها الطبيب في الجرح ليعرف عمقه، ويسمى "المسبار" لأن الطبيب يختبر به الجرح، والسبر في اللغة: الاختبار.
2 المراد بالحمل: التسوية بين الأصل والفرع في الحكم.
3 أي: نفي الحكم أو الصفة.
4 هذا مسلم في التعريف الأول والثاني، أما الثالث فغير مسلم، فإن قوله:"من إثبات حكم أو صفة لهما، أو نفيهما عنهما" غير صحيح، فإن القياس يثبت حكم الفرع فقط، أما حكم الأصل فمعلوم، وإلا فكيف يقاس عليه؟
وهذه التعريفات جارية على أن حكم الفرع هو نفس حكم الأصل.
وهناك اتجاه آخر يرى أن حكم الفرع ليس هو حكم الأصل، وإنما هو مثله، ولذلك عرفه القرافي بأنه: إثبات مثل حكم معلوم لمعلوم آخر لأجل اشتباههما =
وهو خطأ، فإن الاجتهاد قد يكون بالنظر في العمومات وسائر طرق الأدلة، وليس بقياس.
ثم لا ينبيء في العرف1 إلا عن بذل المجهود، إذ من حمل خردلة لا يقال: اجتهد.
وقد يكون القياس جليًّا2 لا يحتاج إلى استفراغ الوسع وبذل
= في علة الحكم عند المثبت".
فقوله: "مثل حكم معلوم" يدل على أنه مثله لا عينه.
وقوله: "عند المثبت" ليشمل القياس الصحيح والفاسد؛ لأن علة القياس قد تكون منصوصة، وقد تكون مستنبطة، فتختلف فيها وجهة نظر العلماء، كما اختلفوا في علة الربا في الأمور الستة الواردة في حديث عبادة بن الصامت، هل هي الكيل، أو الطعم، أو الوزن، أو الاقتيات؟ فإذا قلنا: إن كل مجتهد مصيب، كان ذلك قياسًا شرعيًّا صحيحًا، وإذا قلنا: إن المجتهد يصيب ويخطئ، كان المصيب واحدًا، وغيره مخطئ. فيكون قياسه فاسدًا، ومع ذلك فهو داخل في التعريف.
انظر: الإحكام للآمدي "3/ 183" شرح مختصر الروضة "3/ 220" وما بعدها"
1 أي: عرف علماء الشرع، وحاصل الرد على هذا التعريف: أن لفظ "القياس" ينبئ عن معنى التقدير والاعتبار، والاجتهاد لا ينبئ عن ذلك، وهذا نقض للتعريف من جهة اللفظ.
وأما من جهة المعنى: فإنه منقوض بالنظر في العمومات ومواقع الإجماع وغيرها من طرق الأدلة، فإنه اجتهاد وليس بقياس.
كما أن لفظ الاجتهاد ينبئ عن بذل الجهد في النظر، والقياس قد يكون جليًّا لا يحتاج على نظر واجتهاد.
فالحاصل: أن تعريف القياس بالاجتهاد تعريف بالأعم، فإن الاجتهاد أعم من القياس، إذ كل قياس اجتهاد، وليس كل اجتهاد قياسًا. انظر: شرح الطوفي "3/ 224".
2 القياس ينقسم إلى عدة أقسام، باعتبارات مختلفة، ومن هذه الأقسام انقسامه إلى جلي، وخفي. =
الجهد. ولا بد في كل قياس من أصل، وفرع، وعلة، وحكم.
فأما إطلاق القياس على المقدمتين اللتين يحصل منهما نتيجة: فليس بصحيح؛ لأن القياس يستدعي أمرين يضاف أحدهما إلى الآخر، ويقدر به، فهو اسم إضافي بين شيئين على ما ذكرناه في اللغة1.
= فالجلي: هو ما كانت العلة الجامعة فيه بين الأصل والفرع منصوصة أو مجمعًا عليها، أو هو: ما قطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع.
والخفي: ما كانت العلة فيه مستنبطة، أو الذي لم يقطع فيه بنفي تأثير الفارق بين الأصل والفرع، مثل: قياس القتل بالمثقل على القتل بالمحدد، بجامع القتل العمد العدوان؛ لإثبات وجوب القصاص في المثقل. وهذا هو اصطلاح الجمهور في التفرقة بين القياس الجلي والخفي، أما الحنفية فلهم اصطلاح آخر. انظر: شرح العضد على مختصر ابن الحاجب "2/ 243"، شرح مختصر الروضة "3/ 223"، كشف الأسرار "2/ 122".
1 حاصل ذلك: أن المصنف أراد أن يفرق بين القياس عند الأصوليين والقياس عند الفلاسفة، وأن كلًّا منهما بعيد عن الآخر، فالقياس عند الفلاسفة عبارة عن: تركيب مقدمتين يحصل منهما نتيجة، كقول القائل: كل حيوان جسم، وكل جسم مؤلف، يلزم عنه: أن كل حيوان مؤلف، فهذه نتيجة لازمة عن مقدمتين، ولو أضفنا إليها مقدمة أخرى وهي قولنا: كل مؤلف محدث، لزم عن ذلك: أن كل حيوان محدث.
ومع التسليم بهذه النتيجة، إلا أن القياس يستدعي أمرين يضاف أحدهما إلى الآخر بنوع من المساواة، إذ تقول العرب: لا يقاس فلان إلى فلان في عقله ونسبه، وفلان يقاس إلى فلان فهو عبارة عن معنى إضافي بين شيئين. انظر: شرح مختصر الروضة "3/ 225"، نزهة الخاطر العاطر "2/ 228-229".