الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثالث، الغريب:
وهو: ما ظهر تأثير جنسه في جنس ذلك الحكم.
كتأثير جنس المصالح في جنس الأحكام1.
1 معناه: إلحاق بعض الأحكام ببعض بجامع المناسبة المصلحية المطلقة، كإلحاق شارب الخمر بالقاذف، في جلده ثمانين، كما قال علي، رضي الله عنه:"أراه إذا سكر هذي، وإذا هذي افترى، فأرى عليه حد المفتري" فمظنة جنس الافتراء أثر في جنس الحد، وسمي هذا النوع غريبًا، لقلة التفات الشرع إليه في تصرفاته، فأصبح لقلة وقوعه كالغريب. وقال البرماوي:"وسمي غريبًا؛ لأنه لم يشهد له غير أصله بالاعتبار، كالطعم في الربا، فإن نوع الطعم مؤثر في حرمة الربا، وليس جنسه مؤثرًا في جنسه". شرح الكوكب المنير "4/ 177" قال الفتوحي: "وهذا التشبيه إنما يجري على قواعد من يقول: إن علة الربا الطعم".
فصل: [مراتب الجنسية]
ثم الجنسية مراتب، بعضها أعم من بعض:
فإن أعم الأوصاف كونه حكمًا.
ثم ينقسم إلى: إيجاب، وندب، وتحريم، وإباحة، وكراهية.
ثم الواجب ينقسم إلى: عبادة، وغير عبادة.
والعبادة تنقسم إلى: صلاة وغيرها.
فما ظهر تأثيره في الصلاة الواجبة أخص مما ظهر في العبادة، وما ظهر في العبادة أخص مما ظهر في الواجب، وما ظهر في الواجب أخص مما ظهر في الأحكام.
وفي المعاني أعم أوصافه: أنه وصف يناط الحكم بجنسه حتى يدخل فيه الاشتباه.
وأخص منه: كونه مصلحة، وأخص منه: كونه مصلحة خاصة، كالردع، أو سد الحاجة.
فلأجل تفاوت درجات الجنسية -في القرب والبعد- تتفاوت درجات الظن، والأعلى مقدمًا على ما دونه1.
1 وضح الطوفي ذلك في شرحه "3/ 395 وما بعدها" فقال: "لما تقرر أن الوصف مؤثر في الحكم، والحكم ثابت بالوصف، ومسمى الوصف والحكم جنس تختلف أنواع مدلوله بالعموم والخصوص، كاختلاف أنواع مدلول الجسم والحيوان وغيرهما من الأجناس -كما تقرر أول الكتاب- ولهذا اختلف تأثير الوصف في الحكم تارة بالجنس، وتارة بالنوع، احتجنا إلى بيان مراتب جنس الوصف والحكم، ومعرفة الأخص منها من الأعم، ليتحقق لنا معرفة أنواع تأثير الأوصاف في الأحكام.
فأعم مراتب الوصف: كونه وصفًا؛ لأنه أعم من أن يكون مناطًا للحكم، أو لا يكون، إذ بتقدير أن يكون طرديًّا غير مناسب لا يصلح أن يناط به حكم، فكل مناط وصف، وليس كل وصف مناطًا. ثم كونه مناطًا أعم من أن يكون مصلحة أو لا، فكل مصلحة مناط للحكم، وليس كل مناط مصلحة، لجواز أن يناط الحكم بوصف تعبّدي، لا يظهر وجه المصلحة فيه، وكلامنا في المصلحة في ظاهر الأمر، أما في نفس الأمر، فلا يخلو تصرف الشرع عن مصلحة.
ثم كون الوصف مصلحة؛ لأنها قد تكون مصلحة عامة، بمعنى أنها متضمنة لمطلق النفع، وقد تكون خاصة، بمعنى كونها من باب الضرورات، والحاجات، أو التكميلات والتتمات. كما سبق تقريره في الاستصلاح.
وأما الحكم: فأعم مراتبه: كونه حكمًا؛ لأنه أعم من أن يكون وجوبًا، أو تحريمًا، أو صحة، أو فسادًا. ثم كونه واجبًا ونحوه، أي: من الأحكام الخمسة، وهي الواجب، والحرام، والمكروه، والمندوب، والمباح، وما يلحق بذلك من الأحكام الوضعية -كما سبق- إذا الواجب أعم من أن يكون عبادة اصطلاحية أو غيرها.
ثم كونه عبادة؛ لأنها أعم من الصلاة والزكاة وغيرهما من العبادات. =
[تعريف آخر للملائم والغريب]
وقيل: بل الملائم: ما ظهر تأثير جنسه في جنس الحكم، كتأثير المشقة في التخفيف1.
والغريب: الذي لم يظهر تأثيره، ولا ملائمته لجنس تصرفات الشرع2، كقولنا: الخمر إنما حرم لكونه مسكرًا، وفي معناه: كل مسكر، ولم يظهر أثر السكر في موضع آخر، لكنه مناسب اقترن الحكم به.
وقولنا: المبتوتة في مرض الموت ترث؛ لأن الزوج قصد الفرار من الميراث، فعورض بنقيض قصده، قياسًا على القاتل3 -لما استعجل
= ثم كونه صلاة، إذ كل صلاة عبادة، وليس كل عبادة صلاة.
ثم كونها ظهرًا؛ لأن الصلاة أعم من الظهر، إذ كل ظهر صلاة، وليس كل صلاة ظهرًا.
ثم قال: لما عرف بما ذكرناه الأخص والأعم من الأوصاف والأحكام، فليعلم أن تأثير بعضها في بعض يتفاوت في القوة والضعف، فتأثير الأخص في الأخص أقوى أنواع التأثير، كمشقة التكرار في سقوط الصلاة، والصغر في ولاية النكاح، وتأثير الأعم في الأعم يقابل ذلك، فهو أضعف أنواع التأثير، وتأثير الأخص في الأعم وعكسه، وهو تأثير الأعم في الأخص واسطتان بين ذينك الطرفين، إذ في كل واحد منهما قوة من جهة الأخصية، وضعف من جهة الأعمية، بخلاف الطرفين، إذ الأول تمحضت فيه الأخصية، فتمحضت له القوة، والثاني تمحضت فيه الأعمية، فتمحض له الضعف".
1 هذا تعريف آخر لكل من الملائم والغريب، حيث عرف الملائم بما عرف به الغريب سابقًا. انظر: شرح الكوكب المنير "4/ 175" وشرح مختصر الروضة "3/ 398".
2 وهو اختيار الغزالي في المستصفى "3/ 622" وشفاء الغليل ص148، وانظر: شرح الكوكب المنير "4/ 177".
3 حرمان القاتل من الميراث وردت فيه أحاديث كثيرة، منها: ما أخرجه مالك في =
الميراث- عورض بنقيض قصده، فإنا لم نر الشارع التفت إلى مثل هذا في موضع آخر، فتبقى مناسبة مجردة غريبة.
وقد قصر قوم القياس على المؤثر1؛ لأن الجزم بإثبات الشارع الحكم رعاية لهذا المناسب تحكّم، إذ يحتمل أن يكون الحكم ثبت تعبدًا، كتحريم الميتة، والخنزير، والدم والحمر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع، مع إباحة الضب والضبع.
= الموطأ -كتاب العقول- باب: ما جاء في ميراث العقل والتغليظ فيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرث القاتل" كما أخرجه أبو داود، كتاب الديات، باب ديات الأعضاء، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، كذلك أخرجه ابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
أما المبتوتة: وهي التي طلقها زوجها طلاقًا بائنًا في مرض الموت، فإنها ترث زوجها أثناء العدة ولا يرثها، وبه قال جمهور الصحابة وأكثر فقهاء المذاهب المتبوعة، والمشهور عن الإمام أحمد أنها ترثه في العدة وبعدها ما لم تتزوج. وقد صح عن عثمان رضي الله عنه أنه ورّث تماضر بنت الأصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف، وكان طلقها في مرضه فبتها. واشتهر ذلك في الصحابة فلم ينكر فكان إجماعًا. انظر: السنن الكبرى للبيهقي "7/ 362" والمغني "9/ 194".
1 توضيح ذلك: أن بعض الأصوليين يرون أن القياس لا يصح إلا بالوصف المؤثر، دون الملائم والغريب، وحجتهم على ذلك: أنا لو أجزنا القياس بجامع غير مؤثر، للزم التحكم والترجيح بلا مرجح، وهذا لايجوز.
بيان ذلك: أنا لو قسنا النبيذ على الخمر-مثلًا- بعلة الإسكار، على تقدير عدم ورود النص على النبيذ، لاحتمل أن يكون تحريم الخمر تعبدًا غير معلل بعلة، كتحريم الخنزير والميتة والدم إلخ، واحتمل أن يكون تحريمها لوصف آخر لم يظهر لنا، واحتمل أن يكون للإسكار، وما دام التحريم محتملًا لهذه الأمور كان تعيين بعضها لإضافة التحريم إليه تحكمًا، بخلاف الوصف المؤثر، فإن تأثيره ثابت بالنص أو الإجماع، فلا تردد فيه.
ويحتمل أن يكون لمعنى آخر مناسب، لم يظهر لنا. "ويحتمل أن يكون حكم الشرع بتحريم الخمر تعبدًا وتحكمًا"1 ويحتمل أن يكون للإسكار.
فهذه ثلاث احتمالات.
فالتعيين تحكم بغير دليل، ووهم مجرد مستنده: أنه لم يظهر إلا هذا.
وهذا غلط، فإن عدم العلم ليس علمًا بعدم سبب آخر. وبمثل هذا القول بطل القول بالمفهوم.
وهذا لا ينقلب في المؤثر؛ فإنه عرف كونه علة بإضافة الحكم إليه نصًّا، أو إجماعًا2.
قلنا: لا يصح ما ذكروه لوجهين:
أحدهما: أنا قد علمنا من أقيسة الصحابة رضي الله عنهم في
= وأجيب عن ذلك بوجهين:
أحدهما: أن اقتران الحكم بالوصف الملائم أو الغريب يفيد الظن بأنه سببه ومقتضيه، والظن واجب الاتباع في الفروع العملية.
ثانيهما: أن الصحابة رضي الله عنهم قد ربطوا الأحكام بالأوصاف المناسبة، ولم يشترطوا كون العلة منصوصة أو مجمعًا عليها، ولو كان ذلك مشروطًا لما تركوا النص عليه، وإلا للزم على ذلك القدح في عصمة الأمة، حيث كانوا هم كل الأمة حينئذ، فلو تركوا ما هو مشترط في الاجتهاد؛ لأجمعوا على الخطأ، ولزم وقوع الخبر النبوي مخالفًا لمخبره، وهو قدح في العصمة. انظر: شرح الطوفي "3/ 402-403".
1 ما بين القوسين من المستصفى حتى يصح الكلام؛ لأن المصنف حذف التمثيل بالخمر، فأصبح قوله:"ويحتمل أن يكون للإسكار" لا عائد له.
2 هذا خلاصة ما استند إليه القائلون بقصر القياس على المؤثر، وقد سبق توضيحه.
اجتهاداتهم أنهم لم يشترطوا في كل قياس كون العلة معلومة بنص أو إجماع.
والثاني: أن المطلوب غلبة الظن، وقد حصل، فإن إثبات الشرع الحكم على وفقه يشهد لملاحظة الشرع له1.
وهذا الاحتمال راجح على احتمال التحكم بما رددنا به مذهب منكري القياس، كما في المؤثر، فإن العلة إذا أضيف إليها الحكم في محل: احتمل اختصاصها به.
وبه اعتصم نفاة القياس2.
لكن قيل لهم: عُلم من الصحابة اتباع العلل، واطّراح التعبد3، مهما أمكن، فكذا ههنا، ولا فرق.
وقولهم: "يحتمل أن ثم مناسبًا آخر، فهو وهم محض".
[فنقول] 4: غلبة الظن في كل موضع تستند إلى مثل هذا الوهم،
1 سبق توضيح هذين الدليلين.
2 أي: استدل نفاة القياس بهذا الاحتمال، وقد استدرك عليه المصنف بقوله: "لكن قيل لهم
…
".
3 عبارة الغزالي: "واطراح تنزيل الشرع على التحكم ما أمكن، فكذلك ههنا، ولا فرق".
4 ما بين القوسين من المستصفى، وعبارة المصنف: وغلبة الظن إلخ، وهي توهم أن هذا من كلام المخالفين، فكان لا بد من هذه الإضافة. وقد رد المصنف عليهم بأربعة أوجه.
الأول: أن هذا الاحتمال لا يؤثر في الوصف المناسب، ولو ظهر وصف آخر أقوى مما ظهر لنا قبلناه، وإن لم يكن أقوى رددناه.
الوجه الثاني: أنه لو رد كل ما غلب على الظن بمجرد احتمال وصف آخر لم يستقم أي قياس، لهذا الاحتمال =
ويعتمد انتفاء الظهور في معنى آخر لو ظهر لبطل الظن.
ولو فتح هذا الباب لم يستقم قياس، فإن المؤثر إنما يغلب على الظن، لعدم ظهور الفرق، ولعدم ظهور معارض.
وصيغ العموم والظواهر إنما تغلب على الظن بشرط: انتفاء قرينة مخصصة، لو ظهرت لزال الظن، وإذا لم تظهر جاز التعويل عليه.
= الوجه الثالث: أنه يحصل الظن من صيغ العموم والظواهر بشرط انتفاء القرينة المخصصة، فكذلك ما ههنا.
الوجه الرابع: أن الصحابة رضي الله عنهم، حين أجمعوا على جواز الاجتهاد لم يظهر لنا من ذلك إلا اتباع الرأي الأغلب، بدليل اختلافهم في بعض القضايا، ولم يحصروا أجناس غلبة الظن، ولم يميزوا جنسًا عن جنس، وهذا يشمل المؤثر والملائم والغريب.
ثم رد المصنف على قولهم: "هذا وهم" بأن هذا لا يصح، لأن هناك فرقًا بين الوهم والظن، وأن من بنى أمره في المعاملات على الظن كان معذورًا، بخلاف من بناه على الوهم، وفرع على ذلك تصرف ولي اليتيم في ماله بناء على الظن أو الوهم.
هذا خلاصة ما أراده المصنف في هذه المسألة. والله أعلم.
قال الجرجاني في التعريفات ص144، "الظن: هو الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض، ويستعمل في اليقين والشك، وقيل: الظن أحد طرفي الشك بصفة الرجحان".
وفي شرح الكوكب المنير "1/ 74": ".... والأول وهو الذي يحتمل النقيض عند الذاكر لو قدّره الراجح منه، وهو الذي يكون متعلقه راجحًا عند الذاكر على احتمال النقيض ظن، ويتفاوت الظن حتى يقال: غلبة الظن.
والمرجوح: وهو المقابل للظن وهم.
والمساوي: وهو الذي يتساوى متعلقه واحتمال نقيضه عند الذاكر شك".
ولم يظهر لنا من الصحابة إلا اتباع الرأي الأغلب، ولم يضبطوا أجناسه، ولم يميزوا جنسًا عن جنس، فمهما سلمتم غلبة الظن: وجب اتباعه.
وقولهم: "هذا وهم": لا يصح؛ فإن الوهم ميل النفس من غير سبب، والظن: ميلها بسبب.
وهذا الفرق بينهما.
ومن بنى أمره في المعاملات على الظن: كان معذورًا، ومن بناه على الوهم سُفِّه.
ولو تصرف في مال اليتيم بالظن: لم يضمن، ولو تصرف بالوهم ضمن.
وقد بينا الظن ههنا فيجب البناء عليه. والله أعلم.
النوع الثاني
في إثبات العلة. السبر1
قال أبو الخطاب: "ولا يصح إلا أن تجمع الأمة على تعليل أصل، ثم يختلفون في علته، فيبطل جميع ما قالوه إلا واحدة، فيعلم صحتها،
1 السبر لغة: الاختبار، ومنه سمي ما يعرف به طول الجرح وعرضه: سِبَّارًا ومسبارًا.
وبعض العلماء يكتفي بإطلاق لفظ "السبر" على هذا النوع، والبعض يطلق عليه "التقسيم" فقط، والجمهور على الجمع بينهما، إذ أن هذا الدليل مبني على أمرين: =
كي لا يخرج الحق عن أقاويل الأمة"1.
فنقول: الحكم معلل، ولا علة إلا كذا أو كذا، وقد بطل أحدهما فيتعين الآخر.
مثاله: الربا يحرم في البر بعلة، والعلة:"الكيل، أو القوت، أو الطعم" وقد بطل التعليل بالقوت والطعم، فثبت أن العلة: الكيل.
= أحدهما: حصر الأوصاف التي يتوهم صلاحيتها للتعليل، وهو المسمى بالتقسيم.
ثانيهما: سبر واختبار هذه الأوصاف ليتميز الصالح منها للتعليل وإبطال ما لا يصلح.
ولذلك عرفه الأصوليون بأنه: "إبطال كل علة عُلّل بها الحكم المعلل إجماعًا إلا واحدة فتتعين" أي: للتعليل.
مثال ذلك: أن يقول: "علة الربا في البُرِّ ونحوه: إما الكيل، أو الطعم، أو القوت، وكلها باطلة إلا الأولى، وهي: الكيل، إن كان حنفيًّا أو حنبليًّا، أو إلا الطعم، إن كان شافعيًا، أو إلا القوت، إن كان مالكيًّا، فيتعين هذا الوصف للتعليل، ويلحق الأرز والذرة ونحو ذلك بالبر، بجامع الكيل أو غيره على حسب ما تقدم. ويقيم الدليل على بطلان ما أبطله، إما بانتقاضه انتقاضًا مؤثرًا، أو بعدم مناسبته، أو غير ذلك بحسب الإمكان. انظر: البرهان "2/ 815" والإحكام للآمدي "3/ 380" وشرح مختصر الروضة "3/ 404-405" وشرح الكوكب المنير "4/ 142".
1 انظر: التمهيد "4/ 22".
صحتها؛ لجواز أن يكون الحكم ثابتًا تعبدًا، إذ لم يوجد من الدليل على صحتها إلا خلو المحل عما سواها.
والوجود المجرد لا يكفي في التعليل1.
وقول المستدل: بحثت في المحل فلم أعثر على ما يصلح للتعليل: ليس بأولى من قول خصمه: بحثت في الوصف الذي ذكرته، فلم أعثر فيه على مناسبة، أو ما يصلح به التعليل، فيتعارض الكلامان.
الأمر الثاني: أن يكون سبره حاصرًا لجميع ما يعلل به: إما بموافقة خصمه، وإما بأن يسير حتى يعجز عن إبراز غيره2.
1 خلاصة قول أبي الخطاب، وارتضاه المصنف: أنه يشترط في السبر أن يكون الحكم مجمعًا على تعليله، ولا يكفي أن يكون مختلفًا فيه؛ لأن للخصم في هذه الحالة أن يقول: إن الحكم تعبدي ولا علة له، فيبطل القياس. إلا أن للطوفي تفصيلًا آخر حيث قال:"إن كان المستدل مناظرًا، أو خصمه منتميًا إلى مذهب ذي مذهب، كفاه موافقة الخصم على التعليل، ولم يعتبر الإجماع عليه من الأمة، وإن كان الخصم مجتهدًا، اعتبر الإجماع على تعليله، إذ المجتهد لا حجر عليه إلا بإجماع الأمة، إذ بدونه له أن يلزم التعبد في الأصل، ويفسد كل علة علل بها، أما إذا أجمع على كونه معللًا، لم يمكنه ذلك، لمخالفة الإجماع، وإن كان المستدل ناظرًا لا مناظرًا، اعتبر الإجماع على التعليل أيضًا؛ لأن غرضه ليس إفحام خصم، بل استخراج حكم، وذلك إنما يحصل بحصول غلبة الظن بأن العلة هذا الوصف، ولا يحصل ذلك مع وقوع الخلاف في تعليل الحكم، وفي هذا شيء لا يخفى". شرح المختصر "3/ 405-406".
2 وبذلك يكون الخصم قد سلّم بما ذكره المستدل.
فحاصل الأمر: أن موافقة الخصم على الحصر إما اختيارية بالتسليم، أو اضطرارية بعجزه عن الزيادة على ما ذكره المستدل من أوصاف، ولذلك يجب على الخصم التسليم بالحصر، أو إبراز ما عنده لينظر فيه المستدل فيفسده عليه، =
فإن كان مناظرًا: كفاه أن يقول: هذا منتهى قدرتي في السبر، فإن شاركتني في الجهل بغيره: لزمك ما لزمني، وإن اطلعت على علة أخرى فيلزمك إبرازها في صحتها، فإن كتمانها -حينئذ- عناد، وهو محرم، وصاحبها إما كاذب، وإما كاتم لدليل مست الحاجة إلى إظهاره، وكلاهما محرم.
الثالث1: إبطال أحد القسمين:
وله في ذلك طريقان:
أحدهما: أن يبين بقاء الحكم بدون ما يحذفه، فيبين أنه ليس من العلة، إذ لو كان منها: لم يثبت الحكم بدونه.
الثاني: أن يبين أن ما يحذفه من جنس ما عهدنا من الشارع عدم الالتفات إليه في إثبات الأحكام، كالطول والقصر، والسواد والبياض، أو عهد منه الإعراض عنه في جنس الأحكام المختلف فيها كالذكورية، والأنوثية في سراية العتق2.
= ولا يكفي أن يقول المعترض: عندي وصف زائد لكني لا أذكره؛ لأنه حينئذ إما أن يكون صادقًا فيكون كاتمًا لدليل دعت الحاجة إلى إظهاره، أو كاذبًا فلا يعول على قوله.
1 من شروط صحة السبر، كما تقدم.
2 خلاصة ذلك: أن المعترض إذا أظهر وصفًا زائدًا على ما ذكره المستدل من الأوصاف، لزم المستدل أن ينظر في ذلك الوصف ويبطله بأحد طريقين:
أحدهما: أن يبين بقاء الحكم مع حذف ذلك الوصف في بعض الصور، مثل: أن يقول الشافعي أو الحنبلي: يصح أمان العبد؛ لأنه أمان وجد من عاقل مسلم غير متهم فيصح قياسًا على الحر.
فيقول الحنفي: لا نسلم أن ما ذكرت هو أوصاف العلة في الأصل فقط، بل هناك وصف آخر، وهو الحرية، وهو مفقود في العبد، فلا يصح القياس =