الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: [هل تثبت العلة بشهادة الأصول]
ومما يشبه هذا- شهادة الأصول1.
كقولهم في الخيل: ما لا تجب الزكاة في الذكور منفردة: لم تجب في الذكور والإناث2.
= القائلون بذلك: بأن الحكم لا بد له من علة؛ لأنه أمر حادث، ولا حادث يعلل به إلا كذا وكذا -من الأوصاف- والكل باطل إلا الوصف الفلاني، فيثبت كونه علة.
وقد أجاب عنه المصنف بأن السير وحده علة، إذا تم بشروطه المتقدمة، فلا يحتاج إلى أن ينضم إليه الدوران أو غيره من المسالك.
ثم لا يلزم أن تكون علة الحكم أمرًا حادثًا، بل يجوز أن تكون سابقة على الحكم، وتتوقف على شرط حادث، كالحول في الزكاة، فإنه شرط لوجوبها، مع أن علتها بلوغ النصاب الذي تجب فيه الزكاة.
كما يحتمل أن يكون الحادث جزءًا من العلة، لا تتم إلا به، ويحتمل أن يكون الحكم أمرًا تعبديًّا غير معلل، ومع وجود هذه الاحتمالات لا يستقيم هذا المذهب.
1 المراد بشهادة الأصول: دلالة الكتاب أو السنة أو الإجماع على الحكم المعلل، أو المراد: كون الحكم المعلل له أصل معين من نوعه يوجد فيه جنس الوصف أو نوعه.
2 ودليل ذلك: أن الشريعة ساوت بين الذكور والإناث في سائر السوائم في الحكم. وجودًا وعدمًا، فقد ساوت الشريعة بين الإبل والبقر والغنم في الزكاة، فإنها تجب في ذكورها إذا انفردت، وتجب في ذكورها وإناثها إذا اجتمعت، فكذلك البغال والحمير لا تجب الزكاة في ذكورها إذا انفردت، ولا تجب في ذكورها وإناثها إذا اجتمعت. انظر: التمهيد لأبي الخطاب "4/ 28".
والذي سبّب هذا الخلاف: أن العلماء مختلفون في الخيل السائمة هل فيها زكاة أو لا؟ بعد اتفاقهم على أن المعلوفة لا زكاة فيها، وأن المعدة للتجارة فيها زكاة.
فذهب جمهور الفقهاء إلى أن الخيل السائمة لا زكاة فيها، واستدلوا على ذلك بما =
ويستدل على صحتها بالاطراد والانعكاس في سائر ما تجب فيه الزكاة، وما لا تجب.
وقولهم: من صح ظهاره: صح طلاقه كالمسلم.
ذهب القاضي وبعض الشافعية إلى صحته، لشبهه بما ذكرنا، وتغليبه على الظن.
ومنع منه بعضهم. والله أعلم.
= جاء في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على المسلم في عبده وفرسه صدقة" وهذا النفي يشمل الذكور والإناث وأنه لم يثبت في السنة العملية أخذ الزكاة من الخيل، كما أخذت من الإبل والبقر والغنم.
وذهب الإمام أبو حنيفة إلى وجوب الزكاة فيها، واستدل بأدلة كثيرة، منها: ما رواه البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الخيل لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فأما الذي له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله -أي: للجهاد- فهي لذلك أجر. ورجل ربطها تغنيًا وتعففًا ثم لم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها، فهي ذلك ستر، ورجل ربطها فخرًا ورياءً ونواءً -مناوأة- لأهل الإسلام فهي على ذلك وزر". ووجه الدلالة. عنده، أن حق الله في الرقاب هو الزكاة، وفي الظهور: إعارتها للمضطر ونحوه ليركبها، وعطف الظهور على الرقاب يقتضي المغايرة بينهما.
كما استدل على ذلك بالقياس على الإبل، فكلاهما حيوان نام ينتفع به، وقد تحقق فيه شرط الزكاة وهو السوم ويؤيده ما صح عن الصحابة رضي الله عنهم فقد روى الطحاوي والدارقطني بإسناد صحيح إلى السائب بن يزيد قال: رأيت أبي يقوم الخيل ويدفع صدقتها إلى عمر بن الخطاب.
وهناك آثار أخرى كثيرة كهذا. انظر: نصب الراية "3/ 359"، نيل الأوطار "4/ 118"، فقه الزكاة للدكتور القرضاوي "1/ 222 وما بعدها".
ومثل ما قيل في زكاة الخيل يقال في ظهار الذمي: يصح ظهاره، كما يصح طلاقة كالمسلم، فالمسلم البالغ العاقل يصح منه الطلاق والظهار، والصبي والمجنون لا =
................................................................................................
= يصحان منه. فصحة طلاق الذمي أصل لصحة ظهاره.
جاء في المغني لابن قدامة "11/ 56": "وكل زوج صح طلاقه صح ظهاره، وهو البالغ العاقل، سواء كان مسلمًا أو كافرًا، حرًّا أو عبدًا.... ثم قال: ويصح ظهار الذمي. وبه قال الشافعي، وقال مالك وأبو حنيفة: لا يصح منه؛ لأن الكفارة لا تصح منه، وهي الرافعة للتحريم، فلا يصح منه التحريم، ودليل أن الكفارة لا تصح منه: أنها عبادة تفتقر إلى النية، فلا تصح منه، كسائر العبادات، ولنا أن من صح طلاقه صح ظهاره كالمسلم، فأما ما ذكروه فيبطل بكفارة الصيد إذا قتله في الحرم، وكذلك الحد يقام عليه، ولا نسلم أن التكفير لا يصح منه؛ فإنه يصح منه العتق والإطعام، وإنما لا يصح منه الصوم، فلا تمتنع صحة الظهار بامتناع بعض أنواع الكفارة، كما في حق العبد".
والخلاصة: أن في ثبوت العلة بشهادة الأصول رأيان:
الأول: أن ذلك يثبت العلة وهو رأي القاضي أبي يعلى، وبعض الشافعية، كالشيرازي في اللمع.
وحجتهم على ذلك أن هذا الطريق شبيه بالدوران وتحصيله غلبة الظن.
الرأي الثاني: أن ذلك لا يصح، لأن شهادة الأصول ليس نصًّا في العلية، ولا إجماعًا، ولا مؤثرًا، ولا ملائمًا، ولا غريبًا، إنما هو مجرد تخيل أن الفرع المشهود له مشتمل على علة الأصل الشاهد، والظن الحاصل من التخيل ضعيف جدًّا، فلا يناط به حكم ولا يعول عليه.
قال الطوفي: "قلت: التحقيق في هذا أنه يختلف باختلاف النظار والمجتهدين قوة وضعفًا، وباختلاف الأصول الشاهدة كثرة وقلة، فمتى كان هذا الطريق مفيدًا من الظن ما يساوي ما يفيده دليل آخر متفق عليه بين الفريقين المختلفين فيه، كخبر الواحد، أو العموم، أو القياس الجلي ونحوه، صح التمسح به، إذ قد يتفق ناظر فاضل مرتاض، فتظهر له أصول كثيرة شاهدة للفرع المتنازع فيه حتى يكاد يجزم أن حكم الفرع حكم تلك الأصول، فهذا يجب المصير على ما ظنه من ذلك، إن كان مجتهدًا لنفسه، وإن كان مناظرًا أمكنه إبراز تلك الشواهد لخصمه، وقرب ما ادعاه إلى ذهنه بالمقدمات الظاهرة المقبولة حتى يحصل له =