الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثاني: أن لا يصيب علته عند الله تعالى1
والثالث: أن يقصر في بعض أوصاف العلة2.
الرابع: أن يجمع إلى العلة وصفًا ليس منها3
الخامس: أن يخطئ في وجودها في الفرع، فيظنها موجودة، ولا يكون كذلك.
= للجوف، ومخرج للحدث، فيلحق به كل طعام مرخ للجوف، والصحيح المشهور أن ذلك تعبد. انظر: شرح الطوفي "3/ 347".
1 مثل: أن يعتقد أن علة الربا في البر هي: الطعم، فيلحق به الخضروات وسائر المطعومات، بينما هي غير ذلك.
2 عبارة الغزالي في المستصفى "الثالث" أنه إن أصاب في أصل التعليل، وفي عين العلة، فلعله قصر على وصفين أو ثلاثة، وهو معلل به مع قرينة أخرى زائدة على ما قصر اعتباره عليه".
3 مثل أن يعلل الحنبلي القصاص: بأنه قتل عمد عدوان، فيوجب القصاص. فيقول الحنفي: نقصت من أوصاف العلة وصفًا، وهو الآلة الصالحة السارية في البدن، يعني: المحدّد، فلا يصح إلحاق المثقل به، وهذا مثال للنقص من أوصاف العلة، ومثال الزيادة: أن يعلل الحنفي بما تقدم، فيقول الحنبلي: زدت في أوصاف العلة وصفًا ليس منها، وهو: صلاحية الآلة، والعلة: هي القتل العمد العدوان فقط. انظر: شرح الطوفي "3/ 348".
وقد ذكر الغزالي وجهًا آخر وهو إثبات العلة بمجرد الوهم والحدس. انظر المستصفى "3/ 590 وما بعدها".
فصل: [في أقسام إلحاق المسكوت بالمنطوق]
إلحاق المسكوت بالمنطوق ينقسم إلى مقطوع ومظنون:
فالمقطوع ضربان:
أحدهما: أن يكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق، وهو المفهوم1
ولا يكون مقطوعًا حتى يوجد فيه المعنى الذي في المنطوق وزيادة، كقولنا: إذا قبل شهادة اثنين، فثلاثة أولى، فإن الثلاثة: اثنان وزيادة.
وإذا نهى عن التضحية بالعوراء2: فالعمياء أولى، فإن العمى: عوَر مرتين.
فأما قولهم: "إذا وجبت الكفارة في القتل الخطأ، ففي العمد أولى" و"إذا ردت شهادة الفاسق، فالكافر أولى"3: فهذا يفيد الظن
1 أي: فحوى الخطاب، أو مفهوم الموافقة الأولوي كما سبق، وقد اختلف العلماء في تسميته قياسًا، والراجح أنه لا يسمى قياسًا، لأنه لا يحتاج إلى إعمال فكر واستنباط علة، كما أن المسكوت عنه أولى من المنطوق، فكيف يقاس عليه وهو أولى منه بالحكم. ولعل المسألة راجعة إلى الاصطلاح ولا مشاحة فيه. وقد سبق توضيح ذلك في مبحث المفاهيم.
2 عن البراء بن عازب، رضي الله عنه: قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أربع لا تجوز في الضحايا: العوراء البيّن عورها، والمريضة البيّن مرضها، والعرجاء البيّن ضَلَعُها، والكبيرة التي لا تنقي" أي: التي لا نقي لها وهو: المخ. رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وحسنه الإمام أحمد وقال: ما أحسنه من حديث. انظر: سبل السلام "4/ 93".
قال الصنعاني: "والحديث دليل على أن هذه الأربعة العيوب مانعة من صحة التضحية، وسكت عن غيرها من العيوب، فذهب أهل الظاهر إلى أنه لا عيب غير هذه الأربعة. وذهب الجمهور إلى أنه يقاس عليها غيرها مما كان أشد منها أو مساويًا لها، كالعمياء ومقطوعة الساق" المصدر السابق.
3 معنى ذلك: أن قياس القتل العمد على القتل الخطإ في وجوب الكفارة التي وردت في قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطًَا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ
…
} =
لبعض المجتهدين، وليس من الأول؛ لأن العمد نوع يخالف الخطأ، فيجوز أن لا تقوى الكفارة على رفعه، بخلاف الخطأ.
والكافر يحترز من الكذب لدينه، والفاسق متهم في الدين.
الضرب الثاني:
أن يكون المسكوت مثل المنطوق، كسراية العتق في العبد1، والأمة مثله، وموت الحيوان في السمن2، والزيت مثله.
وهذا يرجع إلى العلم بأن الفارق لا أثر له في الحكم، وإنما يعرف ذلك باستقراء أحكام الشرع في موارده ومصادره في ذلك الجنس.
وضابط هذا الجنس: أن لا يحتاج فيه إلى التعرض للعلة الجامعة، بل بنفي الفارق المؤثر، ويعلم أنه ليس ثم فارق مؤثر قطعًا.
= [النساء:92] وكذلك شهادة الكافر قياسًا على رد شهادة الفاسق، كل ذلك ليس من قبيل النوع الأول، وهو القياس الأولوي؛ لما قاله المصنف من أن القتل العمد فيه قصاص، ولا تقوى الكفارة على رفع إثمه، بخلاف الخطأ، وكذلك هناك فرق بين شهادة الكافر وشهادة الفاسق.
1 وهو ما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق شركًا له في عبد قوّم عليه نصيب شريكه، ثم يعتق". أخرجه البخاري في كتاب الشركة، باب تقويم الأشياء بين الشركاء بقيمة عدل، كما أخرجه في كتاب العتق، وكذلك مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
2 سئل الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- عن الفأرة تقع في السمن الذائب، فلم تمت؟ قال: لا بأس بأكله، وفي رواية أخرى قال: إذا كان حيًّا فلا شيء، إنما الكلام في الميت. المغني "1/ 72" وما قيل في السمن يقال في الزيت لأنه مثله.
فإن تطرق إليه احتمال: لم يكن مقطوعًا به، بل يكون مظنونًا1
وقد اختلف في تسمية هذا قياسًا2.
وما عدا هذا من الأقيسة: فمظنون3.
وفي الجملة، فالإلحاق له طريقان:
أحدهما: أنه لا فارق إلا كذا، وهذه مقدمة4.
ولا مدخل لهذا الفارق في التأثير، وهذه مقدمة أخرى5.
فيلزم منه نتيجة، وهو أن لا فرق بينهما في الحكم6.
وهذا إنما يحسن إذا ظهر التقارب بين الفرع والأصل، فلا يحتاج إلى التعرض للجامع لكثرة ما فيه من الاجتماع.
1 خلاصة ذلك: أن إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق تارة يكون قطعيًّا، وتارة يكون ظنيًّا، فإن كان الذهن يتبادر إلى المسكوت عنه دون نظر وتأمل وبحث عن العلة، وأنه لا فارق بين الأصل والفرع، وأنه ليس هناك مؤثر آخر، فهذا هو القطعي، وإن تطرق إليه احتمال مما تقدم كان ظنيًّا، وهذا هو الضابط لهذه المسألة.
2 سبق في باب دلالة المفهوم أن بعضهم يسميه قياسًا جليًّا، وبعضهم يسميه مفهوم موافقة، والبعض يطلق عليه دلالة النص، وقلنا: إن ذلك راجع إلى الاصطلاح، ولا مشاحة فيه.
3 أي: ما عدا ما ذكرناه يعتبر من الأقيسة المظنونة، وهو ما يطلق عليه: القياس الخفي.
4 صغرى.
5 كبرى.
6 مثال ذلك أن يقال: لا فارق بين العبد والأمة في سراية العتق، وتنصيف الحد إلا الذكورية، ولا أثر لذلك، فيجب استواؤهما في الحكم.
الثاني: أن يتعرض للجامع فيبينه، ويبين وجوده في الفرع1. وهذا المتفق على تسميته قياسًا2.
وهذا3 يحتاج إلى مقدمتين، أيضًا:
أحدهما: أن السكر-مثلًا- علة التحريم في الخمر.
والثانية: أنه موجود في النيبذ.
فهذه المقدمة الثانية يجوز أن تثبت بالحس، ودليل العقل، والعرف، وأدلة الشرع4.
1 معناه: أن يثبت أن العلة في الأصل كذا، ثم يبين أن هذه العلة موجودة في الفرع، فيجب استواؤهما في الحكم.
مثال ذلك أن يقال: العلة في تحريم الخمر: الإسكار، وهي موجودة في النبيذ، فيجب استواؤهما في الحكم.
2 اسم الإشارة عائد على الطريق الثاني، أما الطريق الأول ففيه خلاف، هل يسمى قياسًا أو لا؟
قال الطوفي في شرحه "3/ 353": وذلك لأن القياس اعتبار شيء بغيره، أو الجمع بين شيئين بالقصد الأول، وهو يتحقق في بيان علة الأصل ووجودها في الفرع، أما إلغاء الفارق، فليس ذلك موجودًا فيه بالقصد الأول، إنما الموجود فيه إلغاء الفارق، وأما الجمع بين الأصل والفرع، فإنما يحصل فيه بالقصد الثاني".
3 اسم الإشارة عائد على الطريق الثاني أيضًا.
4 لأن إثبات وجود هذه العلة في الفرع قائم على اجتهاد المجتهدين، فيجوز أن يكون بالحس أو العقل أو العرف أو أدلة الشرع.
أما المقدمة الأولى وهي: كون السكر علة التحريم فلا تثبت إلا بالشرع؛ لأن العلل الشرعية ليست مؤثرة في الحكم بذاتها، وإنما هي علامة على وجود الحكم ومشتملة على الحكمة الباعثة على تشريع الحكم، إذ من المعلوم أن أفعال الله -تعالى- معللة بالحكم ورعاية مصالح العباد، فهو -سبحانه- لا يفعل =
وأما الأولى: فلا تثبت إلا بدليل شرعي، فإن كون الشدة علامة التحريم وضع شرعي، كما أن نفس التحريم كذلك، وطريقه طريقه، فالشدة التي جعلت علامة للتحريم يجوز أن يجعلها الشارع علامة للحل، فليس إيجابها لذاتها.
[أدلة إثبات العلة] 1
وأدلة الشرع ترجع إلى "نص" أو "إجماع" أو "استنباط" فهذه ثلاثة أقسام:
القسم الأول: إثبات العلة بأدلة نقلية2، وهو ضربان3:
= شيئًا عبثًا لغير مصلحة وحكمة، بل أفعاله -جل شأنه- صادرة عن حكمة بالغة لأجلها شرع لعباده ما شرع، تفضلًا منه وإحسانًا.
انظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية "3/ 112، 8/ 70".
1 وهي ما يطلق عليها: "مسالك العلة".
2 أي: من الكتاب والسنة.
3 في أكثر النسخ "ثلاثة أضرب" لكن المصنف -كما سيأتي- ذكر ضربين فقط:
الأول: النص الصريح، والثاني: التنبيه والإيماء إلى العلة.
ولعل السبب في ذلك: أن الإمام الغزالي، الذي يعتبر كتابه "المستصفى" أصلًا لهذا الكتاب، جعل ذلك ثلاثة أضرب: الصريح، والتنبيه والإيماء على العلة، والتنبيه على الأسباب بترتيب الأحكام عليها بصيغة الجزاء والشرط، وبالفاء التي هي للتعقيب والتسبيب.
وجمهور العلماء يجعلونها ثلاثة أضرب أيضًا، هي: النص القاطع، وهو الذي يدل على التعليل دلالة صريحة دون احتمال لغيره، مثل: لعلة كذا، أو لسبب كذا، أو لأجل كذا، ولكي، والنص الظاهر: وهو ما يدل على العلية مع احتمال غيرها احتمالًا مرجوحًا، وله ألفاظ معينة تدل على التعليل، كاللام والباء وإنّ، والإيماء. =
الأول- الصريح1:
وذلك أن يرد فيه لفظ التعليل كقوله تعالى: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً} 2 {لِكَيْلا تَأْسَوْا} 3، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} 4، {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ} 5
= فالمصنف أخذ عنوان المستصفى في جعلها ثلاثة أضرب، وأدخل الظاهر مع القاطع وجعلهما ضربًا واحدًا، أو يكون ذلك من تصرف النساخ. انظر في هذه المسألة: الإحكام للآمدي "3/ 38"، فواتح الرحموت "2/ 295"، الإبهاج للسبكي "3/ 22"، شرح مختصر الروضة "3/ 356 وما بعدها".
1 تقدم تعريفه آنفًا.
2 سورة الحشر من الآية "7" وهي قوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ
…
} أي: إنما جعل مصرف الفيء في هذه الجهات حتى لا يتداوله الأغنياء جيلًا بعد جيل، أو قومًا بعد قوم، ولا تنتفع به الجهات المحتاجة إليه.
3 سورة الحديد من الآية "23" وقبلها قوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} أي: أخبر الله تعالى بأن كل ما يجري في هذا الكون مسطر في اللوح المحفوظ قبل أن يقع، لئلا تحزنوا على ما يفوتكم ولا تفرحوا -فرح بطر وتكبر- بما يأتيكم من نعم.
4 سورة الأنفال من الآية "13" والحشر من الآية "4" والمشاقة: المخالفة، وسميت بالمشاقة؛ لأن المخالف صار في شق آخر. قال في المصباح:"شاقّه، مشاققة، وشقا: خالفه، وحقيقته: أن يأتي كل منهما ما يشق على صاحبه، فيكون كل منهما في شق غير شق صاحبه". ومحل الشاهد هنا: أن الله تعالى قد أخبر في الآية التي قبلها بأن قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ} بسبب شقاقهم أو لعلة شقاقهم، كما رتب -سبحانه- العلة في سورة الأنفال على قوله: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ
…
} ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله.
5 سورة المائدة من الآية "32" وهناك خلاف بين العلماء في متعلق {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ} =
{لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ} 1، {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} 2.
وقول النبي، صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم2:"إِنَّما جُعِلَ الاسْتِئْذانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ" 3، و "إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ"4.
= فالمشهور أنه متعلق بـ"كتبنا" أي: كتبنا على بني إسرائيل بسبب قتل ابن آدم أخاه، صونًا للدماء. وقيل: متعلق بندامة ابن آدم على قتل أخيه، أو من أجل عدم مواراة أخيه، حتى نبهه الغراب على ذلك والتعليل صحيح على كل تقدير. انظر: شرح الطوفي "3/ 358".
1 سورة البقرة من الآية "143" وقبلها قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} أي: ليمتحن الله -تعالى- عباده بالانقياد في التحول من قبلة إلى قبلة.
2 سورة المائدة من الآية "95" وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} أي: أوجبنا عليه الفدية عقوبة على فعله ليذوق وبال أمره، أي: ثقل فعله وسوء عاقبة ذنبه، والتعليل هنا ظاهر، أي: لعلة إذاقته وبال أمره.
3 أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب الامتشاط، وفي كتاب الاستئذان، باب الاستئذان من أجل البصر، ومسلم في كتاب الأدب، باب: تحريم النظر في بيت غيره، والترمذي في كتاب الاستئذان، باب من اطلع في دار قوم بغير إذنهم وعبد الرزاق في المصنف: كتاب الجامع، باب الرجل يطلع في بيت الرجل. كما أخرجه الإمام أحمد في المسند "5/ 330/ 335".
4 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود ومالك وأحمد، والرواية التي معنا هي لفظ مسلم عن عائشة رضي الله عنها في كتاب الأضاحي، باب ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام، جاء فيها قالوا: يا رسول الله، إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم، ويجعلون فيها الودك. "دسم اللحم والشحم" قال:"وما ذاك" قالوا: نَهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث فقال: "إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفّت فكلوا وادخروا وتصدقوا". والمراد =
وكذلك إن ذُكر المفعول له، فهو صريح في التعليل؛ لأنه يذكر للعلة والعذر، كقوله تعالى: {
…
لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ} 1، {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} 2.
وما جرى هذا المجرى من صيغ التعليل.
فإن قام دليل على أنه لم يقصد التعليل نحو: أن يضاف إلى ما لا يصلح علة: فيكون مجازًا، كما لو قيل:"لم فعلت هذا"؟ قال: "لأني أردتُ"، فهذا استعمال اللفظ في غير محله3.
فأما لفظة "إنّ" مثل قوله، عليه السلام، لما ألقى الروثة: إِنَّها رِجْسٌ"4، وقال، في الهرة: "إِنَّها لَيْسَتْ بِنَجسٍ، إِنَّها مِنَ الطَّوَّافِينَ
= بالدافة: جماعة من المساكين قدموا المدينة، فنهى صلى الله عليه وسلم عن ادخار لحوم الأضاحي، حتى يتصدق عليهم أهل المدينة، ويوسعوا عليهم انظر: الموطأ "2/ 485".
1 سورة الإسراء من الآية "100" وهي قوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} . أي: خشية أن تنتهي هذه الخزائن.
2 سورة البقرة من الآية "19".
3 معناه: أن الأصل في وضع اللغة أن يضاف الفعل إلى علته وسببه، فإن أضيف إلى ما لا يصلح علة فهو مجاز، ويعرف ذلك بوجود دليل على عدم صلاحيته للعلية، كما في المثال الذي أورده المصنف، وإنما لم يكن علة؛ لأن الإرادة ليست علة للفعل، وإن كانت هي الموجبة لوجوده، أو المصححة له، لأن المقصود بالعلة: المقتضى الخارجي للفعل، أما الإرادة فليست معنى خارجًا عن الفاعل: انظر: شرح الطوفي "3/ 359/ 360".
4 رواه البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه في كتاب الوضوء، باب: الاستنجاء بالحجارة لكن بلفظ "ركس" بدل "رجس" ومثله رواية الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الاستنجاء بالحجرين، والنسائي: كتاب الطهارة، باب =
عَلَيكُمْ"1 و "لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِها وَلَا عَلَى خَالَتِهَا؛ إِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ" 2.
فإن انضم إلى "إنّ" حرف الفاء: فهو آكد، نحو قوله، عليه السلام:"لَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فإِنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّيًا"3.
قال أبو الخطاب: هذا صريح في التعليل.
وقيل: بل هذا من طريق التنبيه والإيماء إلى العلة، لا من طريق الصريح4. والله أعلم.
= الرخصة في الاستطابة بحجرين، ثم قال:"الركس: طعام الجن".
وأخرجه بالرواية التي أوردها المصنف ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الاستنجاء بالحجارة، والنهي عن الروث والرمة، وأحمد في المسند "1/ 388". وهناك خلاف طويل بين العلماء في كون الرجس هو الركس أو غيره. ينظر: النهاية في غريب الحديث "2/ 100" والمصباح المنير مادة "ركس".
1 تقدم تخريجه.
2 تقدم تخريجه أيضًا.
3 أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب: كيف يكفن المحرم عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا ومسلم: كتاب الحج، باب: ما يفعل بالمحرم إذا مات، كما أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي.
4 خلاصة ما يريده المصنف من أول قوله: "فأما لفظة إنّ" إلى هنا: أن هذه الأمثلة وما يشبهها فيها مذهبان: أحدهما: أنها من قبيل الصريح، وثانيهما: أنها من قبيل الإيماء. فأبو الخطاب يرى أنها صريحة، خصوصًا إذا لحقته الفاء، كما في حديث المحرم، فإنه يزداد بها تأكدًا، لدلالتها على أن ما بعدها سبب للحكم فيما قبلها. ويرى غير أبي الخطاب أنها من قبيل التنبيه والإيماء. وهذا ما جرى عليه الطوفي في شرحه "3/ 360-361" لكن ذلك يخالف ما نص عليه أبو الخطاب في التمهيد؛ حيث جعل "إنَّ" من قبيل الصريح، وما دخلت عليه الفاء من قبيل =
الضرب الثاني، التنبيه والإيماء إلى العلة1:
وهو أنواع ستة:
أحدها: أن يذكر الحكم عقيب وصف بالفاء، فيدل على التعليل بالوصف
= الإيماء. قال: "وأما التنبيه: فضروب، منها: أن يكون في الكلام لفظ غير صريح في التعليل، فيعلق الحكم على علته بلفظ الفاء. وهو على ضربين:
أحدهما: أن تدخل الفاء على السبب والعلة، ويكن الحكم متقدم، كقوله صلى الله عليه وسلم في المحرم حيث وقصته ناقته:"لا تخمروا رأسه، ولا تقربوه طيبًا، فإنه يحشر يوم القيامة ملبيًا" التمهيد "4/ 11".
والغزالي في المستصفى "3/ 606-607" جعل "إنّ" المجردة، والتي انضمت إليها الفاء من قبيل الإيماء.
وقد جعل الطوفي الخلاف في ذلك خلافًا لفظيًّا فقال: "النزاع في هذا لفظي، لأن أبا الخطاب يعني بكونه صريحًا في التعليل: كونه تبادر منه إلى الذهن بلا توقف في عرف اللغة، وغيره يعني بكونه ليس بصريح: أن حرف "إنّ" ليست للتعليل في اللغة، وهذا أقرب إلى التحقيق، وإنما فهم التعليل منه فهمًا ظاهرًا متبادرًا بقرينة سياق الكلام، وصيانة له عن الإلغاء؛ لأن قوله: "إنها من الطوافين عليكم والطوافات، إنها ليست بنجس" ونحو ذلك، لو قدّر استقلاله وعدم تعلقه بما قبله، لم يكن له فائدة، فتعين لذلك ارتباطه بما قبله، ولا معنى له إلا ارتباط العلة بمعلولها، والسبب بمسببه. فبهذا الطريق يثْبُت كونه للتعليل لا بوضع اللغة" شرح مختصر الروضة "3/ 361".
قال ابن بدران، تعليقًا على كلام الطوفي:"أقول: يعلم كل لغوي أن حرف الجر يحذف من "إنّ" قياسًا مطردًا" والمحذوف كالثابت، ففهم التعليل إنما جاء من اللام المحذوفة لا من "إنّ" فالأقرب إلى التحقيق ما قاله أبو الخطاب". نزهة الخاطر العاطر "2/ 260".
1 قال الطوفي في شرحه "3/ 361": "وهو ضرب من الإشارة، والفرق بينه وبين =
كقوله تعالى: {
…
قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} 1، و {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 2 وقول النبي، صلى الله عليه وسلم:"مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ" 3، و "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيتَةً فهِيَ له"4.
فيدل ذلك على التعليل؛ لأن الفاء في اللغة للتعقيب، فيلزم من ذكر الحكم مع الوصف بالفاء: ثبوته عقيبه، فيلزم منه السببية، إذ لا معنى للسبب إلا ما ثبت الحكم عقيبه.
= النص: أن النص يدل على العلة بوصفه لها، والإيماء يدل عليها بطريق الالتزام، كدلالة نقص الرطب على التفاضل، أو بطريق من طرق الاستدلال عقلًا" والخلاصة: أن دلالة الإيماء على العلة دلالة معنوية، ودلالة النص دلالة لفظية.
1 سورة البقرة من الآية "222".
2 سورة المائدة من الآية "38".
3 أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما -مرفوعًا- في كتاب الجهاد، باب: لا يعذب بعذاب الله حديث "3017" وفي كتاب استتابة المرتدين، باب: حكم المرتد والمرتدة حديث "6922" وأحمد في المسند "1/ 282، 283، 322، 323"، وأبو داود: كتاب الحدود، باب المرتد عن دينه، حديث "4351" والترمذي: كتاب الحدود، باب: ما جاء في المرتد، حديث "1458" والنسائي: كتاب تحريم الدم، باب: الحكم في المرتد "7/ 104" وابن ماجه: كتاب الحدود، باب المرتد عن دينه، حديث "2535".
4 أخرجه أبو داود في سننه حديث "3073" والترمذي "1378" والبيهقي "6/ 142" والدارمي: كتاب البيوع، باب: من أحيا أرضًا ميتة فهي له، وأحمد في مسنده "3/ 338، 381" والنسائي بلفظ: "من أحيا أرضًا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق".
كما أخرجه البخاري تعليقًا في باب: من أحيا أرضًا مواتًا، من كتاب الحرث والمزارعة.
وقوى سنده الحافظ في الفتح "5/ 19". ورواه أبو عبيد في الأموال "286" عن =
ولهذا يفهم منه السببية وإن انتفت المناسبة، نحو قوله:"مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوضَّأْ"1.
ويلحق بهذا القسم2: ما رتبه الراوي بالفاء، كقوله:"سَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَسَجَدَ"3 و"رَضَخَ يَهُودِيٌّ رَأْسَ جَارِيَةٍ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ"4. يفهم منه السببية فلا يحل نقله.
= عائشة رضي الله عنها بلفظ: "من أحيا أرضًا ليست لأحد، فهو أحق بها".
1 تقدم تخريجه.
2 أي: يلحق بالنوع الأول، وهو: ما ذكر فيه الحكم عقب الوصف بالفاء في كلام الشارع، ما ورد على لسان الراوي مقرونًا بالفاء؛ لأنه من أهل اللغة.
3 روي عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "صلى بهم فسهى فسجد سجدتين، ثم تشهد ثم سلم" أخرجه أبو داود: كتاب الصلاة، باب: سجدتي السهو فيهما تشهد وتسليم حديث "1039"، والترمذي في أبواب الصلاة، باب: ما جاء في التشهد في سجدتي السهو، حديث "395" والحاكم في كتاب السهو، باب: سجدتي السهو بعد السلام "1/ 323" وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" قال الذهبي في الميزان "1/ 267": "أشعث بن عبد الملك ثقة، لكنه ما خرّجا له في الصحيحين".
4 روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن يهوديًّا قتل جارية على أوضاح "حلي الفضة" لها، فقتلها بحجر، قال: فجيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبها رمق، فقال لها:"أقتلك فلان؟ " فأشارات برأسها أن لا. ثم قال لها الثانية، فأشارات برأسها أن لا. ثم سألها الثالثة فقالت: نعم، وأشارت برأسها، فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حجرين.
أخرجه البخاري في كتاب الديات، باب: إذا قتل بحجر أو عصًا، ومسلم: في كتاب القسامة، باب: ثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره "1672" وأبو داود: كتاب الديات، باب: يقاد من القاتل، وباب القود بغير حديد، والترمذي حديث "1394" والنسائي: كتاب القسامة، باب القود من الرجل للمرأة، وباب القود من غير حديدة. كما أخرجه الإمام أحمد في المسند "3/ 170، 171".
من غير فهم السببية؛ لكونه تلبيسًا1 في دين الله.
والظاهر أن الصحابي يمتنع مما يحرم عليه في دينه، لا سيما إذا علم عموم فساد، فيظهر أنه فهم منه التعليل.
والظاهر أنه مصيب في فهمه، إذ هو عالم بمواقع الكلام ومجاري اللغة، فلا يعتقد السببية إلا بما يدل عليها، واللفظ مشعر به. ولا يحتاج إلى فقه الراوي، فإن هذا مما يقتبس من اللغة، دون الفقه2.
الثاني:
ترتيب الحكم على الوصف بصيغة الجزاء يدل على التعليل به.
كقوله تعالى: {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} 3. {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} 4، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} 5. أي: لتقواه.
وقول النبي، صلى الله عليه وسلم:"مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيراطَانِ"6.
1 التلبيس: المبالغة في الخلط. جاء في المصباح المنير مادة "لبس" ولبستُ الأمر لبسًا، من باب ضرب: خلطته. وفي التنزيل: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9] والتشديد مبالغة".
2 قال الفتوحي في شرح الكوكب المنير "4/ 127": "ولا فرق في العمل بذلك بين كون الراوي صحابيًّا أو فقيهًا أو غيرهما، لكن إذا كان صحابيًّا فقيهًا كان أقوى"
3 سورة الأحزاب من الآية: "30".
4 سورة الأحزاب من الآية "31".
5 سورة الطلاق من الآية "2".
6 أخرجه البخاري: كتاب الذبائح، باب: من اقتنى كلبًا ليس بكلب صيد أو ماشية، ومسلم: كتاب المساقاة، باب: الأمر بقتل الكلاب، والترمذي: أبواب الصيد، =
وكذلك ما أشبهه؛ فإن الجزاء يتعقب شرطه ويلازمه.
فلا معنى للسبب إلا ما يستعقب الحكم ويوجد بوجوده.
النوع الثالث:
أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر حادث، فيجيب بحكم، فيدل على أن المذكور في السؤال علة.
كما روي أن أعرابيًّا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت وأهلكت. قال: "مَاذَا صَنَعْتَ"؟ قال: واقعت أهلى في رمضان. فقال، عليه السلام:"أعْتِقْ رَقَبَة" 1 فيدل على أن الوقاع سبب؛ لأنه ذكره جوابًا له، والسؤال كالمعاد في الجواب، فكأنه قال:"وَاقَعْتَ أَهْلَكَ فَاعْتِق رَقَبَة".
واحتمال أن يكون المذكور منه ليس بجواب: ممتنع، إذ يفضي ذلك إلى خلو محل السؤال عن الجواب، فيتأخر البيان عن وقت الحاجة، وهو ممتنع بالاتفاق.
النواع الرابع:
أن يُذكر مع الحكم شيء، لو لم يقدر التعليل به: لكان لغوًا غير مفيد.
فيجب تقدير الكلام على وجه مفيد، صيانة لكلام النبي صلى الله عليه وسلم عن اللغو.
= باب: ما جاء من أمسك كلبًا ما ينقص من أجره والنسائي: كتاب الصيد، باب الرخصة في إمساك الكلب للماشية، وباب الرخصة في إمساك الكلب للصيد، كما أخرجه الإمام مالك: كتاب الاستئذان، باب: ما جاء في أمر الكلام، والإمام أحمد في المسند "2/ 4، 8، 37، 47، 60، 101، 113، 156".
1 تقدم تخريجه.
وهو قسمان:
أحدهما: أن يُستنطق السائل عن الواقعة بأمر ظاهر الوجود، ثم يذكر الحكم عقيبه، كما سئل صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر فقال:"أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ"؟ قالوا: نعم. قال "فَلَا إِذَنْ"1.
فلو لم يقدر التعليل له: كان الاستكشاف عن نقصان الرطب غير مفيد لظهوره2.
الثاني أن يعدل في الجواب على نظير محل السؤال: كما روي أنه لما سألته الخثعمية عن الحج عن الوالدين، فقال، عليه السلام:"أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ، أَكَانَ يَنْفَعُهَا"؟ قالت: نعم. قال: "فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ بِالقَضاءِ"3.
فيفهم منه: التعليل بكونه دينًا تقريرًا لفائدة التعليل.
1 أخرجه أبو داود: كتاب البيوع، باب في التمر بالتمر عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مرفوعًا، والترمذي: كتاب البيوع، باب: ما جاء في النهي عن المحاقلة والمزابنة وقال: "حديث صحيح".
كما أخرجه ابن ماجه والنسائي ومالك والحاكم والشافعي والدارقطني. انظر نصب الراية "4/ 40-42" والاستفهام من الرسول الله صلى الله عليه وسلم عن يبس الرطب- استفهام تقريري؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك.
2 قال الغزالي في المستصفى "3/ 608"، عند الاستدلال بهذا الحديث: ففيه تنبيه على العلة من ثلاثة أوجه.
أحدها: أنه لا وجه لذكر هذا الوصف لولا التعليل به.
الثاني: قوله: "إذًا" فإنه للتعليل.
الثالث: الفاء في قوله "فلا إذًا" فإنه للتعقيب والتسبيب".
3 تقدم تخريج الحديث وبيان أن هذه ليست رواية الخثعمية، وإنما رواية امرأة من جهينة.
النوع الخامس: أن يذكر في سياق الكلام شيء لو لم يعلل به: صار الكلام غير منتظم
كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ....} 1 فإنه يعلم منه التعليل للنهي عن البيع بكونه مانعًا من السعي إلى الجمعة؛ إذ لو قدرنا النهي عن البيع مطلقًا من غير رابطة الجمعة يكون خبطًا2 في الكلام.
وكذا قوله، عليه السلام:"لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان" تنبيه على التعليل بالغضب، إذ النهي عن القضاء مطلقًا من غير هذه الرابطة لا يكون منتظمًا.
النوع السادس: ذكر الحكم مقرونًا بوصف مناسب، فيدل على التعليل به كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا
…
} 4. و {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} ، أي: لبرهم وفجورهم، فإنه يسبق إلى الأفهام التعليل به، كما لو قال: "أكرم العلماء وأهن الفسّاق" يفهم منه: أن إكرام العلماء لعلمهم، وإهانة الفساق لفسقهم.
فكذلك في خطاب الشارع، فإن الغالب منه: اعتبار المناسبة.
بل قد نعلم أنه لا يرد الحكم إلا لمصلحة: فمتى ورد الحكم مقرونًا بمناسب: فهمنا التعليل به.
1 سورة الجمعة من الآية "9".
2 هو: السير على غير جادة، أو طريق واضحة. تاج العروس مادة "خبط".
3 تقدم تخريجه.
4 سورة المائدة من الآية "38".
5 سورة الانفطار "13، 14".
ففي هذه المواضع يدل على أن الوصف معتبر في الحكم، لكنه يحتمل: أن يكون اعتباره لكونه علة في نفسه.
ويحتمل أن اعتباره لتضمنه للعلة نحو: نهيه عن القضاء مع الغضب، ينبه على أن الغضب علة لا لذاته، بل لما يتضمنه من الدهشة المانعة من استيفاء الفكر، حتى يلتحق به الجائع والحاقن.
ويحتمل: أن ترتيبه فساد الصوم على الوقاع؛ لتضمنه إفساد الصوم، حتى يتعدى إلى الأكل والشرب.
والظاهر: الإضافة إلى الأصل، فصرفه عن ذلك إلى ما يتضمنه يحتاج إلى دليل1.
1 خلاصة ذلك: أن الوصف في هذا النوع، أي: في كل موضع رتب الحكم عليه معتبر في تعريف الحكم، أو في تأثيره ووجوده، إلا أن الوصف الذي رتب الحكم عليه يحتمل أن يكون علة لذاته، كإحياء الأرض الموات، فإنه علة بنفسه لملك الأرض.
ويحتمل أن الوصف ليس علة لذاته، بل لما تضمنه واشتمل عليه من معنى جعله علة، كالنهي عن القضاء أثناء الغضب، فهل العلة هي: مطلق الغضب، أو ما تضمنه الغضب من تشويش الفكر وعدم استيفاء النظر للحكم الصحيح، ومثل ذلك: وجوب الكفارة بالوقاع في رمضان، هل العلة هي الوقاع بذاته، أو ما تضمنه الوقاع من إفساد الصوم الذي يكون بالوقاع كما يكون بالأكل والشرب.
فمن قال: إن العلة هي ذات الغضب لم يلحق به غيره، ومن قال: إن العلة هي: ما تضمنه الغضب ألحق به ما يشبهه كالجوع المفرط، وكالحاقن وأمثال ذلك.
كذلك في كفارة الوقاع، من قال: إن الوقاع هو العلة، لم يلحق به غيره من المفطرات، ومن قال: إن العلة ما تضمنه الوقاع من إفساد الصوم، ألحق به الأكل والشرب. وقد رجح المصنف أن كلًّا من الغضب والوقاع علة بنفسه، وأن إضافة غيره إليه تحتاج إلى دليل، غير أنه رجح في كتب الفقه أن الغضب ليس علة =
.......................................................................
= بذاته، وإنما يقاس عليه كل ما يشوش الفكر، أما الوقاع فاعتبره علة بذاته لا يقاس عليه غيره.
قال في المغني "14/ 19-20": ".... ثم يخرج في اليوم الذي وعد بالجلوس فيه إلى مجلسه على أكمل حال وأعدلها، خليًا من الغضب، والجوع الشديد، والعطش، والفرح الشديد، والحزن الكثير، والهم العظيم، والوجع المؤلم، ومدافعة الأخبثين أو أحدهما، والنعاس الذي يغمر القلب؛ ليكون أجمع لقلبه، وأحضر لذهنه، وأبلغ في تيقظه للصواب، وفطنته لموضع الرأي، ولذلك قال النبي، صلى الله عليه وسلم: "لا يقضي القاضي وهو غضبان" فنص على الغضب، ونبه على ما في معناه من سائر ما ذكرناه".
وقال في الكافي: "1/ 352": "باب ما يفسد الصوم وما يوجب الكفارة: يحرم على الصائم الأكل والشرب للآية والخبر، فإن أكل أو شرب مختارًا ذاكرًا لصومه أبطله
…
" ثم قال: "ومن جامع في الفرج، فأنزل أو لم ينزل فعليه القضاء والكفارة، لما روى أبو هريرة أن رجلًا جاء فقال: يا رسول الله، وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال:"هل تجد تعتق رقبة"؟ قال: لا. قال: "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين"؟ قال: لا قال: فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرَق تمر "الفرَق: بفتح الراء -مكيال يسع ستة عشر رطلًا". فقال: "أين السائل؟ خذ هذا فتصدق به" فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟! فو الله ما بين لا بتيها -يريد الحرّتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه فقال: "أطعمه أهلك" متفق عليه.
وبذلك يكون المصنف قد فرق بين مسألتي: الغضب والوقاع في نهار رمضان، فقاس على الأول ولم يقس على الثاني.
قال في المغني في كتاب الصيام: "نقل عن الإمام مالك: تجب الكفارة بكل ما كان هتكًا للصوم، إلا الردة؛ لأنه إفطار في رمضان، أشبه الجماع. وحكي عن عطاء والحسن والزهري والثوري والأوزاعي وإسحاق، أن الفطر بالأكل والشرب يوجب ما يوجبه الجماع، وبه قال أبو حنيفة، إلا أنه اعتبر ما يتغذى به أو يتداوى به". =
القسم الثاني. ثبوت العلة بالإجماع:
كالإجماع على تأثير "الصغر" في الولاية1.
وكالإجماع على أن علة منع القاضي من القضاء وهو غضبان اشتغال قلبه عن الفكر والنظر في الدليل والحكم، وتغير طبعه عن السكون والتلبث للاجتهاد.
وكتأثير تلف المال تحت اليد العادية2 في الضمان؛ فإنه يؤثر في الغصب إجماعًا، فقيس السارق -وإن قُطع- على الغاضب، لاتفاقهما في العلة المؤثرة في محل الوفاق إجماعًا.
فلا تصح المطالبة بتأثير العلة في الأصل، للاتفاق عليها.
= ثم قال: "ولنا: أنه أفطر بغير جماع فلم توجب الكفارة، كبلع الحصاة أو التراب، أو كالردة عند مالك.
ولأنه لا نص في إيجاب الكفارة بهذا، ولا إجماع، ولا يصح قياسة على الجماع؛ لأن الحاجة إلى الزجر عنه أمس، والحكم في التعدي به آكد، ولهذا يجب به الحد إذا كان محرمًا، ويختص بإفساد الحج دون سائر محظوراته، ووجوب البدنة، ولأنه -في الغالب- يفسد صوم اثنين "أي الرجل والمرأة" بخلاف غيره" ولعل هذه الأسباب هي التي جعلت المصنف يفرق بين المسألتين.
1 أي: ولاية الإجبار على البكر الصغيرة، وعلى الصغير في المال أو النكاح، فيقول الحنفي في الثيب الصغيرة: صغيرة، فتجبر على النكاح، قياسًا على البكر الصغيرة، والابن الصغير، ويدعى أن العلة في الأصل: الصغر بالإجماع، وقد تحققت في الفرع.
2 أي: المعتدية. وتوضيحه: أن تلف المال تحت اليد العادية علة للضمان على الغاصب إجماعًا، فيلحق به تلف العين في يد السارق، وإن قطع بها؛ لأن يده عادية، فضمن ما تلف فيها كالغاصب، لاشتراكهما في الوصف الجامع وهو التلف تحت اليد العادية. انظر: شرح الطوفي "3/ 376-377".
وإن طولب بتأثيرها في الفرع، فجوابه أن يقال: القياس لتعدية حكم العلة من موضع إلى موضع.
وما من تعدية إلا ويتوجه عليها هذا السؤال، فلا يفتح هذا الباب، بل يكلف المعترض الفرق، أو التنبيه على مثار خيار الفرق1.
وكذلك لو قال: الأخوّة من الأبوين أثرت في التقديم في الميراث إجماعًا، فلتؤثر في التقديم في النكاح.
أو قال: الصغر أثر في ثبوت الولاية على البكر: فكذلك على الثيب.
1 معنى هذا: أنه إذا قاس المستدل على علة مجمع عليها، فليس من حق المعترض أن يطالب بتأثير تلك العلة في الأصل؛ لأن ذلك ثابت بالإجماع، ولا بتأثيرها في الفرع؛ لأنها مطّردة في كل قياس، إذ القياس عبارة عن تعدية حكم الأصل إلى الفرع بالجامع المشترك بينهما، وما من قياس إلا ويتجه عليه سؤال المطالبة بتأثير الوصف في الفرع، فيقال: مثلًا: ما الدليل على أن الصغر مؤثر في إجبار الثيب الصغيرة؟
قال المصنف: "فلا يفتح هذا الباب، بل يكلف المعترض الفرق، أو التنبيه على مثار خيال الفرق" أي: يقال له: قد بينت أن العلة مؤثرة في الأصل بالاتفاق، وبينت وجودها في الفرع، فتم القياس، فإن كان عندك ما تبين به عدم تأثيرها فهاته. فإن أمكن للمعترض أن يثبت ذلك ببيان أن هناك فرقًا بين الأصل والفرع وجب على المستدل أن يجيب عنه. هذا معنى كلام المصنف، لكن الغزالي زاد المسألة توضيحًا فقال: "وهذا السؤال إما أن يوجهه المجتهد على نفسه، أو يوجهه المناظر في المناظرة: أما المجتهد فيدفعه بوجهين:
أحدهما: أن يعرف مناسبة المؤثر، كالصغر، فإنه يسلط الولي على التزويج للعجز، فيقول: الثيب كالبكر في هذه المناسبة.
الثاني: أن يتبين أنه لا فارق بين الفرع والأصل إلا كذا وكذا، ولا مدخل له في =
القسم الثالث: ثبوت العلة بالاستنباط.
وهو ثلاثة أنواع:
أحدها: إثبات العلة بالمناسبة.
وهو: أن يكون الوصف المقرون بالحكم مناسبًا1.
= التأثير، كما ذكرناه في إلحاق الأمة بالعبد في سراية العتق ونظائره. فيكون هذا القياس-تمامه- بالتعرض للجامع ونفي الفارق جميعًا.
وإن ظهرت المناسبة استغني عن التعرض للفارق.
وإن كان السؤال من مناظر، فيكفي أن يقال:"القياس لتعدية حكم العلة من موضع إلى موضع، وما من تعدية إلا ويتوجه عليها هذا السؤال، فلا ينبغي أن يفتح هذا الباب".
بل يكلف المعترض الفرق، أو التنبيه على مثار خيال الفرق، بأن يقول، مثلًا:"أخوّة الأم أثرت في الميراث في الترجيح؛ لأن مجردها يؤثر في التوريث، فلم قلت: "إذا استعمل في الترجيح ما يستقل بالتأثير، فيستعمل حيث لا يستقل".
فتقبل المطالبة على هذه الصيغة، وهي أولى من إبدائه في معرض الفرق ابتداء.
أما إذا لم ينبه على مثار خيال الفرق، وأصر على صرف المطالبة، فلا ينبغي أن يصطلح المناظرون على قبوله؛ لأنه يفتح بابًا من اللجاج لا ينسد.
ولا يجوز إرهاقه إلى طلب المناسبة؛ فإن ما ظهر تأثيره بإضافة الحكم إليه فهو علة، ناسب أو لم يناسب". المستصفى "3/ 615-616".
ومعنى "خيال الفرق" أي: الفرق الذي يتخيله المناظر، وفي بعض النسخ "حبال" بالحاء ومعناه: الوسائل التي يلجأ إليها المناظر.
1 وتسمى بالإخالة، أي: الظن؛ لأن الحكم بمناسبة الحكم يظن أن الوصف علة لهذا الحكم، كما تسمى المصلحة، والاستدلال، ورعاية المقاصد، وتخريج المناط.
والمناسبة في اللغة: الملائمة، يقال: الثوب الأبيض مناسب لصلاة الجمعة، أي: ملائم له.
ومعناه: أن يكون في إثبات الحكم عقيبه مصلحة.
ولا يعتبر أن يكون منشأ للحكمة، كالسفر مع المشقة، بل متى كان في إثبات الحكم عقيب الوصف مصلحة فيكون مناسبًا، كالحاجة مع
= أما عند الأصوليين: فلها تعريفات كثيرة، منها: ما ذكره المصنف. أما الآمدي: فقد عرف المناسب، ومنه يعرف تعريف المناسبة: فقال: "المناسب: عبارة عن وصف ظاهر منضبط يلزم من ترتيب الحكم عليه حصول ما يصلح أن يكون مقصودًا للشارع، من تحصيل مصلحة أو تكميلها، أو دفع مفسدة أو تقليلها، دنيا وأخرى، على وجه ما يمكن إثباته بما لو أصر الخصم على منعه بعده، يكون معاندًا" انظر: الإحكام "3/ 388".
وترتب على ذلك أن يكون المناسب ثلاثة أقسام:
ضروري، وحاجي، وتكميلي.
فالضروري: ما تقوم عليه حياة الناس الدينية والدنيوية، وإذًا فقد اختل نظام الحياة، وفسدت أحوال الناس، وينحصر في خمسة أشياء: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال.
والحاجي: هو ما يترتب عليه التوسعة على الناس ورفع الحرج عنهم، مثل: مشروعية البيع والقراض والسلم والرهن وسائر المعاملات التي تجري بين الناس.
والتكميلي: هو ما تقتضيه المروءة ومكارم الأخلاق ومحاسن العادات، مثل: مشروعية الطهارة، وستر العورة، وأخذ الزينة وآداب الأكل والشرب ونحو ذلك. ومن المعلوم أن الضروري آكدها، ويليه الحاجي، ثم التكميلي، أو التحسيني، كما يسميه بعض العلماء.
ويترتب على ذلك أنه إذا اجتمعت كلها في وصف واحد قدم الأهم، مثال ذلك: أن نفقة النفس ضرورية، ونفقة الزوجة حاجية، ونفقة الأقارب تتمة وتكملة، ولهذا قدم بعضها على بعض، على الترتيب المتقدم، وتأكدت نفقة الزوجة على نفقة القريب، فتسقط بمضي الزمن دون نفقة الزوجة. انظر: الموافقات "2/ 6"، شرح مختصر الروضة "3/ 385".
البيع، والشكر مع النعمة، فيدل ذلك على التعليل به، إذ قد علمنا أن الشارع لا يثبت حكمًا إلا لمصلحة.
فإذا رأينا الحكم مفضيًا إلى مصلحة في محل، غلب على ظننا أنه قصد بإثبات الحكم تحصيل تلك المصلحة، فيعلل بالوصف المشتمل عليها1.
1 معنى قول المصنف: "ولا يعتبر. أي الوصف، منشأ للحكمة" إلخ. يقتضي تعريف "المنشأ والحكمة".
فالإنشاء: محل النشيء وهو الظهور، يقال: نشأ ينشأ نشأ ونشوءًا: إذا بدا وظهر، ومنشأ الشيء: مظهره ومبدأه، وهو الموضع الذي يظهره.
أما الحكمة: فهي الغاية المطلوبة من تشريع الحكم، كحفظ الأنفس والأموال بتشريع القصاص وقطع اليد.
ومعنى ذلك: أن كون الوصف المناسب منشأ للحكمة المطلوبة من الحكم ليس شرطًا، بل المعتبر: ثبوت المصلحة عقيبه، وهو أعم من أن يكون منشأ لها أو لا. وهو رأي جمهور العلماء. وهذا يصدق على ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن يكون الوصف منشأ للحكمة المطلوبة من الحكم، كقولنا: السفر منشأ المشقة المبيحة للترخص، والزنا منشأ المفسدة، وهي: تضييع الأنساب وإلحاق العار، وانتهاك الحرمات، فهذه الأوصاف ينشأ عنها الحكمة التي ثبتت هذه الأوصاف لأجلها.
الصورة الثانية: أن يكون الوصف معرفًا للحكمة ودليلًا عليها، كقولنا: النكاح أو البيع الصادر ممن هو أهل لذلك يناسب الصحة، أي: يدل على الحاجة التي اقتضت جعل البيع سببًا لتحصيل الانتفاع بواسطة الصحة، كما أن النكاح سبب للاستمتاع بالزوجة.
الصورة الثالثة: أن يظهر عند الوصف، ولم ينشأ عنه، ولم يدل عليه، كشكر النعمة المناسب للزيادة منها، فالشكر هو الوصف المناسب، وزيادة النعمة هي الحكمة، ووجوب الشكر هو الحُكم. انظر: شرح مختصر الروضة "3/ 386-387".