الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} 1 مقيدة بالإيمان، مطلقة بالنسبة إلى السلامة وسائر الصفات.
ويسمى الفعل مطلقًا، نظرًا إلى ما هو من ضرورته من: الزمان، والمكان، والمصدر، والمفعول به، والآلة فيما يفتقر إلى الآلة والمحل للأفعال المتعدية، وقد يتقيد بأحدها، دون بقيتها2 والله أعلم.
= الأوصاف، ككمال الخلقة، والطول، والبياض وأضداد ذلك. انظر: شرح الكوكب المنير "3/ 393-394".
1 سورة النساء من الآية "92".
2 ومعناه: أن الفعل قد يقيد ببعض مفاعيله دون بعض، فيكون مطلقًا مقيدًا بالإضافة إلى بعضها دون بعض، مثل:"صم يوم الاثنين" فإن الصوم مقيد من جهة ظرف الزمان، ولو قيل:"صم في المدينة يومين" لكان على عكس ما تقدم انظر: شرح مختصر الروضة "2/ 634".
فصل: [في حمل المطلق على المقيد]
إذا ورد لفظان: مطلق ومقيد، فهو على ثلاثة أقسام:
القسم الأول:
أن يكون في حكم واحد، بسبب واحد، كقوله، عليه السلام:"لا نِكَاحَ إلَّا بِوَليٍّ" 3، وقال:"لا نِكَاحَ إلَّا بِوَليٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهدَيْ عَدْلٍ" 4، فيجب حمل المطلق على المقيد.
= الأوصاف، ككمال الخلقة، والطول، والبياض وأضداد ذلك. انظر: شرح الكوكب المنير "3/ 393-394".
1 سورة النساء من الآية "92".
2 ومعناه: أن الفعل قد يقيد ببعض مفاعيله دون بعض، فيكون مطلقًا مقيدًا بالإضافة إلى بعضها دون بعض، مثل:"صم يوم الاثنين" فإن الصوم مقيد من جهة ظرف الزمان، ولو قيل:"صم في المدينة يومين" لكان على عكس ما تقدم انظر: شرح مختصر الروضة "2/ 634".
3 تقدم تخريج هذه الرواية قريبًا.
4 هذه الرواية أوردها المصنف في المغني "9/ 368" فقال: "وروى أبو بكر البرقاني بإسناده عن جابر قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي مرشد، وشاهدي عدل" ولم نجدها في كتب السنة إلا عند البيهقي في كتاب النكاح =
وقال أبو حنيفة: لا يحمل عليه؛ لأنه نسخ، فإن الزيادة على النص نسخ، فلا سبيل إلى النسخ بالقياس1.
وقد بينا فساد هذا2، فإن قوله:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} 3 ليس بنص في إجزاء الكافرة4، بل هو مطلق يعتقد ظهور عمومه، مع تجويز الدليل على خصوصه، والتقييد صريح في الاشتراط، فيجب تقديمه.
= باب: لا نكاح إلا بولي مرشد عن ابن عباس موقوفًا. السنن الكبرى "7/ 124" وأورده الهيثمي في كتاب النكاح، باب ما جاء في الولي والشهود، ولم يورد فيه لفظ "مرشد" انظر: مجمع الزوائد "3/ 286" والحديث بلفظ "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" حديث مشهور له طرق كثيرة جعلته من قسم الصحيح، كما تقدم قريبًا.
ومحل الشاهد في الحديثين: أن الأول مطلق في الولي بالنسبة إلى الرشد والغي وفي الشهود بالنسبة إلى العدالة والفسق، والثاني مقيد بالرشد في الولي، والعدالة في الشهود، وهما متحدان في السبب والحكم، فالسبب هو النكاح، والحكم: نفي النكاح بدون ولي وشهود.
1 الصواب أن رأي الحنفية في صورة اتحاد السبب والحكم متفق -في الجملة- مع رأي الجمهور، في صورة ما إذا كان الحكم مثبتًا. انظر: كشف الأسرار "2/ 287". قال المجد ابن تيمية: "فإن كان المطلق والمقيد مع اتحاد السب والحكم في شيء واحد، كما لو قال: "إذا حنثتم فعليكم عتق رقبة". وقال في موضع آخر: "إذا حنثتم فعليكم عتق رقبة مؤمنة" فهذا لا خلاف فيه، وأنه يحمل المطلق على المقيد، اللهم إلا أن يكون المقيد آحادًا والمطلق تواترًا، فينبني على مسألة الزيادة على النص، هل هي نسخ؟ وعلى النسخ للتواتر بالآحاد والمنع قول الحنفية" المسودة ص146.
2 في مسألة: الزيادة على النص، هل هي نسخ أو لا؟
3 سورة المجادلة من الآية3.
4 لأنه كما يجوز بالمؤمنة يجوز بالكافرة، فهو ظاهر في العموم، فيجوز تخصيصه، =
القسم الثاني: أن يتحد الحكم ويختلف السبب، كالعتق في كفارة الظهار، والقتل، قيد الرقبة في كفارة القتل بالإيمان، وأطلقها في الظهار.
فقد روي عن الإمام أحمد رحمه الله ما يدل على أن المطلق لا يحمل على المقيد، وهو اختيار أبي إسحاق بن شاقلا، وقول جل الحنفية، وبعض الشافعية1.
واختار القاضي: حمل المطلق على المقيد2.
وهو قول المالكية3، وبعض الشافعية4، لأن الله -تعالى- قال:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} 5، وقال في المداينة:
= أما التقييد فإنه صريح في اشتراط الإيمان، فيقدم على الظاهر.
وعبارة الغزالي: "فلو قال في كفارة القتل". {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} ثم قال فيها مرة أخرى: "فتحرير رقبة مؤمنة" فيكون هذا اشتراطًا، ينزل عليه الإطلاق"، المستصفى "3/ 398".
1 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص283، العدة "2/ 638" كشف الأسرار "2/ 287" الإحكام للآمدي "3/ 5"، نهاية السول "2/ 141".
2 انظر: العدة "638 وما بعدها".
3 جاء في نثر الورود "1/ 325": "وظاهر كلامه -أي: المصنف- أن أكثر العقلاء لا يحمل أحدهما على الآخر وأنهما سواء في ذلك، ليس كذلك، لأن حمل المطلق على المقيد فيما إذا اتحد الحكم واختلف السبب قال به جل الشافعية والحنابلة وكثير من المالكية". وفي الإشارات للباجي ص41: "أكثر المالكية على أنه لا يحمل المطلق على المقيد إلا بدليل يقتضي ذلك".
4 وهل هذا الحمل من قبيل اللغة، أو على القياس عليه؟ خلاف بين أصحاب هذا المذهب. انظر في ذلك: شرح العضد على مختصر ابن الحاجب "2/ 156".
5 سورة الطلاق من الآية2.
{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} 1، ولم يذكر عدلان ولا يجوز إلا عدل، فظاهر هذا حمل المطلق على المقيد.
ولأن العرب تطلق في موضع، وتقيد في موضع آخر، فيحمل أحدهما على صاحبه.
كما قال2:
نحن بما عندنا وأنت بما
…
عندك أرض والرأي مختلف
وقال آخر:3
وما أدري إذا يمّمتُ أرضًا
…
أريد الخير أيهما يليني
أألخير الذي أنا أبتغيه
…
أم الشر الذي هو يبتغيني
1 سورة البقرة من الآية: 282.
2 الشاعر هو: قيس بن الحطيم بن عدي بن عمرو الخزرجي، من شعراء الجاهلية توفي قبل ظهور الإسلام، وابنه ثابت بن قيس من الصحابة.
والبيت من قصيدة له مطلعها:
رد الخليطُ الجمالََ فانقبضا
وقطّعوا من وصالك السببا
والخليط: المجاور في الدار. انظر: ديوان قيس بن الحطيم ص171، 239، تحقيق الدكتور ناصر الدين الأسد، الكتاب لسيبويه "1/ 37".
ومحل الشاهد: أنه حذف من الشطر الأول عبارة "راضون" لدلالة قوله: "راض" عليها في الشطر الثاني، والتقدير: نحن بما عندنا راضون.
3 الشاعر هو: المثقب العبدي. والبيتان من قصيدة له مطلعها:
أفاطم قبل بَيْنِك متّعيني
ومنعك ما سألت كأن تبيني
انظر: ديوان المثقب العبدي ص212، معاني القرآن للفراء "1/ 231"، الشعر والشعراء لابن قتيبة "1/ 396".
ومحل الشاهد في قوله: "أريد الخير" فإن التقدير: وأتوقى الشر.
وقال أبو الخطاب: يبني عليه من جهة القياس1؛ لأن تقييد المطلق كتخصيص العموم، وذلك جائز بالقياس الخاص على ما مر2.
فإن كان ثَمَّ مقيدان بقيدين مختلفين ومطلقًا: ألحق بأشبههما به وأقربهما إليه3.
ومن نصر الأول4 قال: هذا تحكم محض يخالف وضع اللغة، إذ لا يتعرض القتل للظهار، فكيف يرفع الإطلاق الذي فيه؟
والأسباب المختلفة تختلف -في الأكثر- شروط واجباتها.
ثم يلزم من هذا تناقض؛ فإن الصوم مقيد بالتتابع في الظهار، وبالتفريق في الحج، حيث قال تعالى:
1 انظر: التمهيد "2/ 181".
2 في قول المصنف: "التاسع: قياس نص خاص إذا عارض عموم نص آخر فيه وجهان".
قال الطوفي في شرحه "2/ 640": "معنى هذا الكلام" أن يحمل المطلق على المقيد إن وافقه قياس دل عليه، قياسًا على تخصيص العام بالقياس، كما سبق، وإن لم يوافقه قياس لم يحمل المطلق على المقيد".
3 معنى ذلك: أنه إذا وجد لفظ مطلق، ومقيدان متضادان، حمل المطلق على ما هو أشبه به وأقرب إليه من المقيدين المتضادين، وهو تفريع على القول بحمل المطلق على المقيد، ومن أمثلة ذلك: غسل الأيدي في الوضوء، ورد مقيدًا بالمرافق، كما في الآية الكريمة، وورد مقيدًا بالكوع في السرقة بالإجماع المستند إلى السنة، فقد روي عن أبي بكر الصديق وعمر رضي الله عنهما أنهما قالا: إذا سرق السارق فاقطعوا يمينه من الكوع، ولا مخالف لهما في الصحابة. ومسح الأيدي في التيمم ورد مطلقًا، فهل يلحق بالسرقة، فيقيد بالكوع، أو بالوضوء في تقييده بالمرافق. ولهذا خرج الخلاف انظر شرح الطوفي "2/ 645".
4 أي: مذهب القائلين بعدم حمل المطلق على المقيد.
{ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} 1، ومطلق في اليمين، فعلى أيهما يحمل؟
وفي المواضوع التي استشهدوا بها: كان التقييد بأمر آخر2، والله أعلم.
القسم الثالث:
أن يخلف الحكم: فلا يحمل المطلق على المقيد، سواء اتفق السبب أو اختلف، كخصال الكفارة، إذا قيد الصيام بالتتابع، وأطلق الإطعام3؛ لأن القياس شرطه: اتحاد الحكم، والحكم ههنا مختلف4.
1 سورة البقرة من الآية "196".
وقد اعترض الشيخ الطوفي على هذا التمثيل فقال: "أما تردد صوم كفارة اليمين بين صوم الظهار والحج، فمثال ذكره الشيخ أبو محمد، وفيه نظر؛ لأن الصوم في كفارة اليمين ما ورد عن الشرع إلا مقيدًا بالتتابع، بناء على أن العمل بقراءة ابن مسعود، رضي الله عنه: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات" وأنها إما قرآن، أو خبر، كما سبق، نعم يصح تمثيل الشيخ أبي محمد بناء على قول من لا يرى التتابع فيهن وضرب الأمثلة في أصول الفقه لا يختص بمذهب" شرح المختصر "2/ 645-646".
2 أي: القائلون بحمل المطلق على المقيد، وهو ما تقدم من شروط العدالة في المداينة، وفي الشواهد الشعرية. ويقصد المصنف أن التقييد لم يكن بحمل المطلق على المقيد، وإنما من قرائن خارجية.
3 هذا مثال لاتفاق السبب.
ومثال اختلاف السبب: الأمر بالتتابع في كفارة اليمين، على قراءة ابن مسعود وإطلاق الإطعام في كفارة الظهار.
4 معناه أن المطلق والمقيد لما كان حكمهما بالنظر إلى كل واحد منهما منفردًا مختلفًا عن الآخر، كان فائدة حمل أحدهما على الآخر: اتحاد الحكم، فلما كان حكمهما مختلفًا امتنع حمل أحدهما على الآخر. انظر: شرح الطوفي "2/ 644".