المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربع الثاني من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٣

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الشريف (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الشريف (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة يونس

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والعشرينمن المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة هود

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والعشرينمن المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة يوسف

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الرعد

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة إبراهيم

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحجر

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النحل

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الإسراء

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الكهف

- ‌الربع الأول من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

‌الربع الثاني من الحزب الرابع والعشرين

في المصحف الكريم (ت)

عباد الله

في حصة هذا اليوم نتناول الربع الثاني من الحزب الرابع والعشرين في المصحف الكريم، وبدايته قوله تعالى في سورة هود المكية:{يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} ونهايته قوله تعالى في سورة يوسف المكية أيضا: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} .

ــ

في بداية هذا الربع يواصل كتاب الله الحديث عن يوم القيامة، وقد بدأ الحديث عن هذا اليوم الموعود في نهاية الربع الماضي بقوله تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ} . ثم تلا ذلك قوله تعالى هنا: {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [الآية: 105]. وهكذا نجد هذه الآيات الكريمة مرتبطا بعضها ببعض، لأنها في موضوع واحد.

وقوله تعالى: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ} يماثله في

ص: 148

المعنى قوله تعالى في آية ثانية: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} [الشورى: 29]. وهذا المعنى الذي تتضمنه كلتا الآيتين تؤكده عدة آيات أخرى في كتاب الله، كقوله تعالى:{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ} [التغابن: 9]، وقوله تعالى:{رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ} [آل عمران: 9]، وقوله تعالى:{هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} [المرسلات: 38]، وقوله تعالى:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} [الكهف: 99]، وقوله تعالى:{فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ} [آل عمران: 25]، وقوله تعالى:{اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} ، [الشورى: 15]، وقوله تعالى:{قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ} [الجاثية: 26]، وقوله تعالى:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ} [النساء: 87].

وقوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} يظهر أن فيه وصفا لكيفية تنفس الأشقياء في جهنم، وأنه على خلاف ما هو معتاد في تنفس الكائنات الحية، كأن تنفس الأشقياء في جهنم يسبق فيه " الزفير " الذي هو دفع النفس إلى الخارج، على " الشهيق " الذي هو أخذ النفس إلى الداخل، بينما التنفس العادي للكائنات الحية يسبق فيه " الشهيق " الذي يأخذ به الكائن الحي حظه من الهواء المنعش إلى داخل الجسم، على " الزفير " الذي يدفعه الكائن الحي من الداخل إلى الخارج بعد أخذ حاجته منه. وفي هذا الوصف لتنفس الأشقياء في جهنم

ص: 149

إشارة إلى ما يعانونه من ضيق واختناق، حتى كأن صدورهم تغلي غليان المرجل، وعلى العكس من ذلك يكون حال السعداء في الجنة {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا} أي دون أن يتعرضوا لأي شيء من هذه الأعراض الغريبة.

وقوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} الوارد في سياق كل من السعداء والأشقياء، في تفسيره تأويلان مختلفان:

التأويل الأول: أن المراد (خالدين في الجنة أو في النار ما دامت سماوات الآخرة وأرضها) لأن الآخرة هي دار الخلود. ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى: {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} [الزمر: 74]، وإلى هذا التأويل ذهب ابن عباس حيث قال:" لكل جنة سماء وأرض "، والحسن البصري حيث قال:" سماء غير هذه السماء، وأرض غير هذه الأرض، والخلود في الجنة أو في النار ما دامت تلك السماء وتلك الأرض ". وإلى هذا التأويل مال ابن كثير في تفسيره حيث قال: " قلت: ويحتمل أن المراد بما دامت السماوات والأرض الجنس، لأنه لا بد في عالم الآخرة من سماوات وأرض، كما قال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} "] إبراهيم: 48] وبه أخذ القاضي عبد الجبار في كتابه " تنزيه القرآن عن المطاعن " إذ قال: " وجوابنا أن للنار سماء وأرضا، وكذلك الجنة، ولا يفنيان، فهذا هو المراد ".

التأويل الثاني: أن المراد هو مجرد التأبيد والدوام، على حد قول العرب: " هذا دائم دوام السماوات والأرض أو باق ما

ص: 150

لاح كوكب، وما ناح الحمام ". وإلى هذا التأويل ذهب ابن جرير وابن جزى في تفسيرهما.

وقوله تعالى: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} في سياق الكلام على الذين شقوا وارد مورد الاستثناء من قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} ، على غرار قوله تعالى في آية ثانية:{قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأنعام: 128] ويشبهه قوله تعالى في آية ثالثة: {فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [النمل: 87]، وقوله تعالى في آية رابعة:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: 68].

وقال ابن كثير ما خلاصته: " اختلف المفسرون في المراد من هذا الاستثناء على أقوال كثيرة حكاها الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في كتابه " زاد المسير "، وغيره من علماء التفسير، ونقل كثيرا منها الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله في كتابه. واختار ابن جرير ما نقله عن خالد بن معدان والضحاك وقتادة، وابن سنان، ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن أيضا أن الاستثناء (يعني " إلا ما شاء ربك "، الوارد في سياق الحديث عن الأشقياء) عائد على العصاة من أهل التوحيد، ممن يخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين، من الملائكة والنبيئين والمؤمنين، ولا يبقى بعد ذلك في النار إلا من وجب عليه الخلود فيها، ولا محيد له عنها ". قال ابن كثير: " وهذا عليه كثير من العلماء قديما وحديثا في تفسير هذه الآية الكريمة ".

ص: 151

ويمكن حمل الاستثناء الوارد في هذا السياق على طريق التأدب مع الله، كقولك " إن شاء الله " مصداقا لقوله تعالى:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23، 24] ومنه قوله تعالى في سورة الأعراف: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الآية: 49]، وقوله تعالى في سورة الأعلى:{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الآيتان: 6، 7].

وقوله تعالى تعقيبا على حكمه في شأن الأشقياء: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} إشارة إلى أن الإرادة الإلهية نافذة لا يلحقها أي خلل أو أي تعطيل، فقد بعث الله إلى الناس الرسل، وأقام عليهم الحجج، وأنذرهم سوء العاقبة، وها هو يثبت لهم أن الأمر جد لا هزل، وأن قوله قول فصل، {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [الطارق: 13، 14] وبذلك يكون عذابهم مطابقا لمقتضى العدل، ومنسجما مع روح الحكمة.

وقوله تعالى تعقيبا على وصفه لحال السعداء: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أي عطاء غير مقطوع، فيه طمأنينة لقلوبهم، وتطييب لخواطرهم، ورفع لأثر التوهم الذي يشعر به الاستثناء الوارد أيضا في سياق الحديث عنهم {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} إذ أن ظاهره يوهم احتمال انقطاع العطاء الإلهي عنهم، حيث أن ذلك العطاء ليس أمرا واجبا على الله، وإنما هو موكول إلى مجرد مشيئته، ومحض منته، ولا يبعد أن تكون الحكمة في هذا الاستثناء بالنسبة للسعداء،

ص: 152

هي أن تبقى قلوبهم معلقة بين جناحي الخوف والرجاء.

وذهب الضحاك والحسن البصري إلى أن الاستثناء في قوله تعالى: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} الوارد في سياق السعداء هو منصب على عصاة الموحدين الذين كانوا في النار ثم أخرجوا منها بعد العذاب، إذ أن هؤلاء لا يصدق عليهم ما يصدق على السعداء الأصليين الذين لم يروا العذاب أصلا، من أنهم في الجنة خالدون، لأن عصاة الموحدين يمرون بالعذاب الأليم أولا، ولا ينالهم عفو الله إلا أخيرا.

وقوله تعالى: {فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ} تعريف من الله تعالى لرسوله بأنه سيوفيهم جزاءهم، طبقا لما يقع عليه اختيارهم، وتكسبه أيديهم من الهدى أو الضلال.

و" المرية " هي الشك، والنهي عن الشك الوارد هنا في قوله تعالى:{فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ} وإن كان في ظاهره موجها للرسول عليه الصلاة والسلام، فإنه موجه في الحقيقة إلى غيره من أفراد المدعوين والمكلفين، الذين يتصور في حقهم وجود الشك، والمطلوب منهم الوصول إلى اليقين، لتمييز الحق من الباطل، نظير قوله تعالى في آية سابقة وجه فيها الخطاب إلى الرسول، والخطاب في الحقيقة موجه إلى بقية الناس {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: 94] والنبي لم يشك ولم يسأل.

ص: 153

وقوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا} أمر من الله لرسوله والمؤمنين بالثبات على الصراط المستقيم، ونهي من الله للمؤمنين عن البغي والطغيان، والظلم والعدوان، ولو كان من يقع عليه البغي والظلم مشركا. وللتحذير من الإقدام على الظلم والتورط في نتائجه قال تعالى عقب النهي عنه:{إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} بمعنى أنه يراقبكم ويراقب أعمالكم.

ثم وجه الحق سبحانه وتعالى خطابه لرسوله والمؤمنين من جديد، يأمرهم بالابتعاد عن موالاة الظلمة، وبالحذر من إعانتهم على الظلم بأي وجه من الوجوه، فقال تعالى:{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} ولا يدخل في (الركون) مجرد المخالطة والمعاشرة دون عون ولا تأييد، كما نص عليه القاضي عبد الجبار.

وبين كتاب الله أن الله وحده هو الذي يجب أن يكون ولي الذين آمنوا، يوالونه وينصرونه، ويقفون بجانب أوامره دائما، لأن غير الله وإن تولوه فلن يكون لهم وليا، إذ ليس بيده ضر ولا نفع، ولا عطاء ولا منع، وإذا اعتمدوا على غير الله وكلهم الله إلى أنفسهم، وخذلهم خذلانا مبينا {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} .

وقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} ذكر ابن كثير أن هذه الآية يحتمل أن تكون نزلت قبل فرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء، حيث لم يكن يجب من الصلوات

ص: 154

إلا صلاتان في النهار وقيام الليل

وقال القاضي أبو بكر (ابن العربي): " لا خلاف أن هذه الآية تضمنت الصلوات الخمس، والذي نختاره أنه ليس في النهار من الصلوات إلا الظهر والعصر، وباقيها في الليل، فزلف الليل ثلاثة: في ابتدائه، وهي المغرب، وفي اعتدال فحمته، وهي العشاء، وعند انتهائه، وهي الصبح ".

وقوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} عقب الأمر بالصلاة مباشرة، شبيه بقوله تعالى في آية أخرى:{إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]. فالصلاة إذا أقيمت على الوجه الأكمل هي أحسن الحسنات، وهي أكبر مطهر ومكفر للسيئات، بما تعين عليه من محاسبة النفس على الأوزار، وما تدفع إليه باستمرار من التوبة والاستغفار. جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(أرأيتم لو أن بباب أحدكم نهرا غمرا يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيئا؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: كذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن الذنوب والخطايا) رواه مالك في الموطأ، والبخاري في الصحيح، والترمذي في السنن، وأحمد في المسند. وروى الإمام أحمد من حديث أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن). والمراد " بالنهر الغمر " في حديث أبي هريرة: كثير الماء.

وقوله تعالى هنا: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} فيه إشارة إلى أن الله تعالى قادر على أن يضطر الناس جميعا إلى

ص: 155

الإيمان بعقيدة واحدة، والسير في طريق واحد، لو كان يريد أن يخلق الناس على نمط الطبيعة الآلية المجردة، لو كان يريد أن يحرمهم من أخص خصائص الإنسان، التي هي خصيصة التمتع بالإرادة والحرية، وبملكة التفكير والتقدير والاختيار، لكنه سبحانه خلقهم أناسي مجهزين بعقل وتفكر، وإرادة واختيار. والنتيجة الطبيعية لخلقهم على هذه الصورة هي اختلاف منازعهم، واختلاف مشاربهم، واختلاف اختياراتهم، وتبعا لذلك اختلاف عقائدهم ومذاهبهم، وتعدد مللهم وأديانهم، وبهذا التفسير يتضح معنى قوله تعالى هنا:{وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} أي خلقهم على صورة خاصة ميزهم بها عن بقية الحيوانات، وهذه الصورة تقتضي بطبيعتها أن تختلف آراؤهم، فالخلاف مآلها، لأنه أثر من آثارها، ومن هنالك كان في الناس شقي وسعيد، ومؤمن وكافر {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7].

وقوله تعالى هنا: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} استثناء متصل، أي إلا من رحم ربك فإنه لا يختلف، والمراد به من التزم دعوة الأنبياء والرسل، وآمن بها دون أن يشوبها بأية بدعة أو ضلالة، ولا أن يدخل عليها أي تغيير أو تبديل. وبعبارة أدق: من اختار لنفسه سيرة الرسول وأصحابه، فتمسك بها دون أن يحيد عنها وكان من حزب الله، الموعود بالفلاح والفوز والنجاة.

وقوله تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} خطاب من الله لرسوله يتضمن حكمته فيما يقصه

ص: 156

عليه من أخبار الأنبياء والرسل السابقين، فهو يضرب له المثل بهم، ويحضه على التأسي والإقتداء بسلوكهم، ويعرفه بحسن عاقبتهم، ومصير المكذبين لهم من قومهم.

وقوله تعالى: {وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} إشارة إلى هذه السورة الكريمة -سورة هود- التي قال عنها الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم: (شيبتني هود وأخواتها).

وختمت سورة هود بخطاب من الله لرسوله يأمره فيه بمواصلة عبادته لله في جميع الحالات، وبالاعتماد عليه في جميع الخطوات، ويتعهد له مرة أخرى برعايته وعنايته في المنشط والمكره والسراء والضراء، فقال تعالى:{فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} .

وبختام سورة هود ننهي حصة اليوم لطولها، مؤجلين القول في الآيات الأولى من سورة يوسف -وإن كانت مندرجة في هذا الربع- إلى الحصة المقبلة إن شاء الله، وكل آتٍ قريب.

ص: 157