المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربع الثالث من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٣

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الشريف (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الشريف (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة يونس

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والعشرينمن المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة هود

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والعشرينمن المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة يوسف

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الرعد

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة إبراهيم

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحجر

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النحل

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الإسراء

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الكهف

- ‌الربع الأول من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الربع الثالث من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

‌الربع الثالث من الحزب السادس والعشرين

في المصحف الكريم (ت)

عباد الله

حصة هذا اليوم تتناول الربع الثالث من الحزب السادس والعشرين في المصحف الكريم، ابتاداء من قوله تعالى:{قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} إلى قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} .

ــ

بعدما تناولت الآيات الكريمة السابقة بالذكر قصة موسى مع قومه باختصار، وبينت ما أمر الله به موسى من تذكير قومه بأيام الله، بما فيها من نعم ونقم، وبعد أن حذر الله مشركي العرب ومن والاهم من أن يصيبهم ما أصاب قوم نوح وعاد وثمود، انتقل كتاب الله إلى الحديث عن الرسل وأقوامهم عامة، من عرفت أسماؤهم وقصصهم عن طريق الوحي، ومن استأثر الله بعلمهم دون خلقه، فلم يرد عن أحوالهم أي بيان أو تفصيل {وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [الآية: 9]- {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى

ص: 256

أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}.

فها هنا يشير الله إلى الدعوة العامة والوحيدة التي جاء بها كافة الرسل عن الله في جميع العصور والأجيال، كما يشير إلى الرد القبيح المتشابه، الذي توارثه خصوم الرسالات الإلهية من أولياء الشياطين، المتعصبين المتحذلقين {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} .

وقوله تعالى هنا: {لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} ذهب سيبويه إلى أن {مِنْ} في هذه الآية للتبعيض، وعليه يكون المعنى أن الكافر إذا أسلم غفر له ما تقدم من ذنبه، أما ما يذنبه بعد دخوله في الإسلام فهو في المشيئة، وهكذا تقع المغفرة في الذنب السالف على الإسلام، ويبقى الأمر معلقا بمشيئة الله فيما وراء ذلك، ويشبه هذه الآية قوله تعالى في سورة الأحقاف:{يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الآية: 31]، وقوله تعالى في سورة نوح:{قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الآيات: 2، 3، 4] فكلها تقتضي غفران بعض الذنوب للكفار إذا آمنوا، وهذا البعض يشمل جملة ذنوبهم قبل الإيمان، مصداقا لقوله تعالى في

ص: 257

آية أخرى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38].

وكلمة {سُلْطَانٍ} في قوله تعالى: {بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} ترد في القرآن بمعنيين: المعنى الأول: الحجة والبرهان، ويشمل نفس المعجزات، كما ورد في هذه الآيات، والمعنى الثاني: القوة والقهر، كما في قوله تعالى متحديا معشر الجن والإنس:{لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمان: 33] أي لا تخترقون أقطار السماوات والأرض وتجاوزونها إلى ما وراءها إلا بقوة وقهر، وأنى لكم ذلك؟

وقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} إشارة إلى ما يحاوله الكفار من الضغط على الرسل بغية التسليم لهم بملتهم، وما يهددونهم به من النفي والإبعاد عن أرضهم إن لم يذعنوا لضغطهم، ألا ترى إلى قوله تعالى في سورة الإسراء خطابا لرسوله عليه الصلاة والسلام:{وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا * سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا} [الآيتان: 76، 77]، وإلى قوله تعالى في سورة الأنفال خطابا لرسوله أيضا {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الآية: 30]، وإلى قول ورقة بن نوفل للنبي صلى الله عليه وسلم: " يا ليتني فيها جذعا، يا ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك. قال: أو مخرجي هم؟ قال: نعم. لم يأت أحد بمثل ما

ص: 258

جئت به إلا عودي وأخرج، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ". قال أبو القاسم ابن جزي: " والعود هنا -أي في قوله- {لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} بمعنى الصيرورة -أي تصيرون على ملتنا- وهو كثير في كلام العرب، ولا يقتضي أن الرسل كانوا في ملة الكفار قبل ذلك، (فحاشاهم من ذلك).

وقوله تعالى: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} إشارة إلى ما قام به الرسل عليهم السلام من الاستنجاد بالله وطلب نصره لهم على الكفار من قومهم، وإلى أن الله لم يخلف وعده رسله، بل نصرهم على خصومهم {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} .

وقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ} إشارة إلى الصفة التي يكون عليها الكفار يوم القيامة، فلفظ {مَثَلُ} هنا بمعنى الصفة نفسها، وليس المراد به مجرد ضرب المثل، ومذهب سيبويه والفراء في هذه الآية:{مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ} هو نفس مذهبهما في قوله تعالى في بداية الربع الماضي {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} [الرعد: 35]. فعلى مذهب سيبويه يكون الخبر محذوفا تقديره -فيما يتلى عليكم- {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ} وعلى مذهب الفراء يكون الخبر هو الجملة التي بعدها {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ} [الآية: 18]. وشبهت أعمال الكفار التي يظنونها أعمالا صالحة بالرماد، لذهابها وتلاشيها وعدم اعتبارها، إذ هي فاقدة للإيمان والإخلاص الذي

ص: 259

هو شرط أساسي لقبول الأعمال.

وقوله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} إشارة إلى أن الله تعالى لا يمتنع على قدرته أن يبيد المخالفين ويمحق الكافرين، ثم يستبدل بهم من يطيع أمره ولا يعصيه، ومن يؤمن به ولا يشك فيه، على غرار قوله تعالى ضمن آية ثانية بنفس اللفظ والمعنى في سورة فاطر:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [الآيات: 15، 16، 17] ونظير قوله تعالى في آية ثالثة: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} [النساء: 133]، وقوله تعالى في آية رابعة:{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].

وقوله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} إشارة إلى الخطبة التي سيلقيها إبليس على أتباعه من الضالين والمنحرفين، والمنافقين والكافرين، عندما يرفع النقاب، ويهتك الحجاب، ويفصل في أمر الثواب والعقاب، فيعترف إبليس اللعين، لأتباعه المخدوعين، بأن الله وحده هو الذي وعد عباده وعد الحق، وأن إبليس لم يعدهم إلا وعد الباطل، ثم يتبرأ منهم، ويلقي المسؤولية كلها

ص: 260

عليهم، ويدعوهم - بدلا من أن يلوموه - إلى لوم أنفسهم. قال ابن كثير:" الظاهر من سياق الآية أن هذه الخطبة تكون من إبليس بعد دخولهم النار ".

والمراد بقوله هنا: {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} ما أنا بمغيثكم، وما أنتم بمغيثين لي، فليس في استطاعة أي واحد إنقاذ الآخر مما هو فيه من العذاب، بل كل منهما عاجز عن إنقاذ نفسه فضلا عن إنقاذ الآخر.

ثم أشار كتاب الله إلى عاقبة المؤمنين المتقين، وما يلقونه عند ربهم من حسن الجزاء، فقال تعالى:{وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ} .

وأخيرا ضرب الله المثل للعمل الصالح الذي يعمله المؤمن كلما هم بعمل، وللقول الطيب الذي يفوه به كلما فاه بخطاب، ولاسيما كلمة الإيمان، فقال تعالى:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} . كما ضرب كتاب الله المثل للعمل الفاسد والقول الخبيث، اللذين يقوم بهما الضالون والمنحرفون، والمنافقون والكافرون، ولاسيما كلمة الكفر والإلحاد، فقال تعالى:{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} والمراد بقوله {اجْتُثَّتْ} أي استؤصلت، والمراد

ص: 261

بقوله {مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} أي لا أصل لها ولا ثبات.

وقوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} المراد بالقول الثابت الشهادتان اللتان يقر بهما المؤمن من أعماق قلبه، ويشهد عليهما كل جوارحه ومشاعره، وهكذا إذا فتن الذين آمنوا في الدنيا ثبتهم الله بالقول الثابت، فلم يسلبوا بعد العطاء ولم يزلوا، وإذا فتنوا في الآخرة ثبتهم الله بالقول الثابت فلم ينسوا ولم يضلوا، وكما بشر الحق سبحانه وتعالى المؤمنين فقال في شأنهم:{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ} [النحل: 32] أنذر الكافرين ومن سلك مسلكهم من الضالين، فقال تعالى هنا:{وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} .

وختم هذا الربع بما يؤكد قدرة الله المطلقة، وتصرفه الشامل في خلقه، فقال تعالى:{وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} على غرار قوله تعالى في آية ثانية: {إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] وقوله تعالى في آية ثالثة: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54].

ص: 262