المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربع الثاني من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٣

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الشريف (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الشريف (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة يونس

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والعشرينمن المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة هود

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والعشرينمن المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة يوسف

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الرعد

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة إبراهيم

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحجر

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النحل

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الإسراء

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الكهف

- ‌الربع الأول من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

‌الربع الثاني من الحزب الثامن والعشرين

في المصحف الكريم (ت)

عباد الله

في حصة هذا اليوم نتناول الربع الثاني من الحزب الثامن والعشرين في المصحف الكريم، ابتداء من قوله تعالى:{وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} إلى قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}

ــ

في بداية هذا الربع، يقرر كتاب الله حقيقة واقعية بالمشاهدة والعيان، لا سبيل إلى إنكارها من أي إنسان، ألا وهي ظاهرة تفاوت الأرزاق فيما بين الناس، فهناك الموسر والمعسر، وهناك الغني والمتوسط والفقير، وهذا التفاوت الحاصل في الأرزاق، لا يخص الأرزاق المادية وحدها، بل يشملها ويشمل الأرزاق المعنوية نفسها، فالمواهب العقلية، والاستعدادات الفكرية، هي أيضا تتفاوت من شخص إلى آخر، وتتفاوت حتى فيما بين أعضاء الأسرة الواحدة، بين الوالد والولد، وبين الإخوة الأشقاء.

وإذا كنا لا ندرك السر في تفضيل بعض الناس على البعض الآخر، لحكمة إلهية خفيت عنا في ذلك، فإننا نستطيع أن نتبين

ص: 340

أسباب هذا التفاضل ونعلله بالنسبة لكثير من الحالات الأخرى، التي يكون اختلاف المواهب والاستعدادات فيها من أهم العوامل الظاهرة المؤدية إلى التفاضل في الأرزاق، ولاسيما الأرزاق المادية.

و" المساواة " التي يهدف إليها الإسلام هي عبارة عن المساواة بين الناس في سد حاجياتهم الحيوية، حتى لا يسقط أحد منهم ضحية العوز والحاجة، أما المساواة في الرزق الذي يكتسبه كل إنسان، بمعنى أن يكسب جميع الناس كسبا واحدا، وبمقدار متماثل لا يزيد ولا ينقص بالنسبة لأي فرد، بالرغم من اختلاف مواهبهم، واختلاف كفاءاتهم، واختلاف مهامهم، فهي مجرد حلم من الأحلام، لا تقره طبيعة الأشياء ولا يقره الإسلام، وعلى فرض أننا ساوينا في العطاء والكسب بين شخصين أو أكثر، فإن أحدهما لا يلبث أن يتصرف بمحض إرادته في رزقه تصرفا سليما، فيستثمر ويوفر ويدخر، بينما الآخر يتصرف بمحض إرادته في رزقه تصرفا سقيما، فيسرف ويبذر، وبذلك تعود كفة أحدهما إلى الرجحان على كفة الآخر، ويعود التفاوت بينهما ثانيا إلى ما كان عليه أولا، وإلى وصف هذه الحقيقة الواقعية يشير قوله تعالى:{وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} . غير أن التفاوت في الرزق وعدم المساواة فيه، وإن كان أمرا مسلما لا يعني احتكاره والانفراد به، وإهمال الآخرين، بل إن سد حاجات المحتاجين من ملبس ومطعم ومسكن حق ثابت لهم، وهم فيه مع غيرهم سواء، وبتمكينهم من نصيبهم في الرزق يتم شكر نعمة الله. وهذا

ص: 341

المعنى هو الذي يشير إليه قوله تعالى في نفس السياق: {فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} .

على أن التفاوت بين الناس ليس منحصرا في الأرزاق وحدها، بل هو موجود حتى في أعمارهم وآجالهم، وما يصاحب ذلك من أعراض الشيخوخة والهرم، ففي نهاية الربع الماضي، وقبل الحديث عن التفاوت في الأرزاق في بداية هذا الربع، سبق قول الله تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} . فهذه الآية تشير إلى واقع محسوس: أفراد يطول عمرهم حتى يدركهم الهرم، وآخرون يموتون في شرخ الشباب، وأفراد -رغما عن طول عمرهم وهرمهم- يتمتعون بملكاتهم الذهنية إلى آخر رمق، وآخرون يردون إلى " أرذل العمر "، فيفقدون جميع ملكاتهم، أو أكثرها قبل حلول الأجل بزمن طويل، وكما أنه لا سبيل إلى المساواة بين الناس في أعمارهم وآجالهم، فإنه لا سبيل إلى المساواة بينهم في أرزاقهم ومواهبهم، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} .

وفي هذا السياق ندد كتاب الله بسخافة المشركين وعباد الأصنام والأوثان، فإنهم بدلا من أن يعبدوا خالقهم ورازقهم، ويفردوه بالعبادة والطاعة دون سواه، يتوجهون إلى من لا يملك لهم رزقا، ولا يستطيع لهم ضرا ولا نفعا، وإلى ذلك يشير قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ

ص: 342

وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ}، وقوله تعالى:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ} .

والمراد " بالعبد " هنا: الصنم والوثن الذي يعبده المشرك، وقد أطلق كتاب الله على الأصنام كلمة (عباد) في آية أخرى؛ إذ قال:{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأعراف: 194]، قال مجاهد:" هذا المثل "، أي:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} ، إلى آخر الآية، مضروب للوثن وللحق سبحانه وتعالى، فهل يستوي هذا وهذا؟ ". وقال ابن كثير: " لما كان الفرق بينهما ظاهرا بينا لا يجهله إلا غبي، جاء التعقيب على ذلك بقوله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} .

وقوله تعالى هنا: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ، نهي لعباده أن يتقولوا عليه، ويضربوا له الأمثال من عند أنفسهم ووحي خيالهم، إذ ليس لله في الحقيقة مثال، كيفما كان تصور الخيال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} . نعم إذا وجدنا في كتاب الله مثلا مضروبا من الذات العلية وقفنا عند حده، ولم نتجاوزه إلى غيره، كما لا نصفه سبحانه وتعالى ولا نسميه إلا بالصفات والأسماء الواردة في كتابه العزيز وعلى لسان نبيه الكريم.

وقوله تعالى: {وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا

ص: 343

وَجَهْرًا}، تنبيه إلى أن " الرزق الحسن " عند الله هو الذي يؤدي العبد حقه دون منّ ولا أذى، فينفق منه في سبل الخير ووجوه البر، الظاهر منها والخفي، معتمدا على وعد الله تعالى في قوله الحق:{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]، وما عدا ذلك فهو رزق، لكنه " رزق سيء "، إذ لا نفع من ورائه للغير، ولا أثر له في إشاعة البر والخير.

ونظرا لكون الإسلام يدعو إلى العمل الإيجابي والمساهمة الفعلية في إصلاح المجتمع، فإن كتاب الله يستنكر موقف الشخص الكسول العاجز، المتكل على غيره، الذي لا ينفع نفسه ولا غيره، وينوه بموقف الشخص الشجاع الصريح، الذي ينهى عن الظلم ويأمر بالعدل، والذي يعطي المثل من نفسه لبقية الناس في الهداية وحسن السلوك، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ} ، وهذه كناية عن عجزه وسلبيته، {لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ} ، أي: عبء ثقيل على غيره، {أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .

وعرض كتاب الله نماذج متنوعة توقظ الإنسان الغافل، وتلفت نظره إلى علم الله المحيط بكل شيء، وقدرته الواسعة، وحكمته الباهرة، وإبداعه الفريد في الأنفس والآفاق، مما لا مثيل له ولا نظير، فقال تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ

ص: 344

لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.

وخصَّ كتاب الله بالذكر والامتنان نعمة " الأسرة " التي يطمح إليها كل إنسان عاقل، حتى إنه ليكافح في سبيل الاستمتاع بها والحصول عليها بجميع الوسائل، فقال تعالى:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} ، فامتن على الرجال بأن جعل زوجاتهم بشرا من جنسهم، إذ خلق الذكر والأنثى من نفس واحدة، إن اختلفا في وظائفهما العملية والاجتماعية، فإنهما لا يختلفان في خصائصهما النوعية والإنسانية. والحكمة الإلهية في ذلك أن يعاشر الرجل امرأة من جنسه، وأن تعاشر المرأة رجلا من جنسها تتجاوب معه، فتحس نفس الإحساس، وتشعر بنفس الشعور، وتتكلم نفس اللغة، ثم امتن سبحانه على الآباء والأمهات بما يرزقهم من البنين والحفدة، إذ الذرية الصالحة هي أطيب الثمرات لشجرة الزواج المباركة، وهي إحدى حسنات الإنسان التي لا تنقطع بعد الموت.

ونبَّه كتاب الله إلى أن الوظيفة الأساسية التي يرمي إليها الإسلام من تأسيس البيوت لإقامة الأسر والعائلات، هي: الحصول على نوع خاص من الحياة يتميز عن كل ما عداه بالسكينة والهدوء والطمأنينة وراحة البال، ولن يؤدي البيت هذه الوظيفة الحيوية إلا إذا كان مستوفيا لشرائط الراحة والانسجام، ماديا وروحيا، وإلا إذا كان أعضاؤه المتساكنون فيه على غاية الوِفاق والوئام، وفي

ص: 345

مأمن من عوامل الشقاق والخصام، وإلى هذا المعنى الدقيق الرقيق يشير قوله تعالى:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} ، ويزيد هذا المعنى توضيحا وتحليلا، قوله تعالى في سورة الروم:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الآية: 21].

وفي سياق امتنان الله على عباده بما آتاهم من أسر وبيوت، وبنين وحفدة، عرض كتاب الله جملة من النعم التي هي شرط أساسي لحياة الأسرة وسعادة البيت، مما يتوقف عليه كل إنسان في الحر والقر، في الظعن والإقامة، في السلم والحرب، فقال تعالى:{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا} ، أي: ظلالا تقيكم حر الشمس. {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا} ، أي: حصونا تأوون إليها وتعتصمون بها، {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} ، أي: كساكم من عرى بملابس وأغطية تدفع عنكم الحر والقر، {وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} ، أي: دروع الحرب والجهاد، التي يحتاج إليها في ساحات المعارك وما ناسبها من عدة وعتاد، ثم عقب كتاب الله على ذلك كله قائلا:{كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} ، بمعنى أن من فكر في مجموع هذه النعم الإلهية، وقدرها حق قدرها، وتأمل في كرم المنعم بها وفضله، واستحضر في ذهنه ما ينشأ عن فقدها واختلالها أو الحرمان منها، من اختلال في حياة الإنسان،

ص: 346

ونزول إلى الدرك الأسفل من دركات الحيوان، لا يسعه إلا الاعتراف بجميل مولاه والإذعان والإيمان، لكن المعاندين والجاحدين مصرون على عنادهم وجحودهم رغما من تمتعهم بنعم الله، {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} .

وتناول القسم الأخير من هذا الربع بالوصف والتحليل حالة المشركين والكافرين عندما يضع الله الموازين القسط ليوم القيامة، وما يكونون عليه من وجوم ودهشة وارتباك وتردد لهول المفاجأة، وما يرددونه من اعتراف وإقرار، وما يحاولونه من تراجع واعتذار، فقال تعالى:{وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ} ، أي: فكذبهم شركاؤهم، {وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ} ، أي: واستسلم الذين أشركوا يومئذ لله مذعنين خاشعين، لكن بعد فوات الوقت. {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} .

وقوله تعالى هنا: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ} يشبه قوله تعالى فيما سبق من سورة النساء: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [الآية: 41]. وقد كان عبد الله بن مسعود يقرأ، ورسول الله يسمع، فلما وصل إلى هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" حسبك "، فالتفت عبد الله بن مسعود إلى

ص: 347

رسول الله، فإذا عيناه تذرفان، أي: وجد عينيه الكريمتين تدمعان، تأثرا من استحضار هذا المشهد الرهيب من مشاهد يوم القيامة، نسأل الله أن يستر هذه الأمة بستره الجميل.

ص: 348