المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربع الأخير من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٣

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الشريف (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الشريف (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة يونس

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والعشرينمن المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة هود

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والعشرينمن المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة يوسف

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الرعد

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة إبراهيم

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحجر

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النحل

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الإسراء

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الكهف

- ‌الربع الأول من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الربع الأخير من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

‌الربع الأخير من الحزب الثلاثين

في المصحف الكريم (ت)

عباد الله

في حصة هذا اليوم نتناول الربع الأخير من الحزب الثلاثين في المصحف الكريم، ابتداء من قوله تعالى:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} إلى قوله تعالى: {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} .

ــ

في بداية هذا الربع أعاد كتاب الله الحديث عن تتويج آدم وبنيه بتاج الخلافة عن الله في الأرض، للقيام بعمارتها، وتنظيم شؤونها، طبقا للتوجيهات الإلهية، والنواميس الأخلاقية، وأشار إلى كبر إبليس وعناده، وتمرده على أمر الله وانتقاده، فقال تعالى:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} ، وبذلك كشف كتاب الله النقاب عن طبيعة إبليس، وأنه على خلاف ما يتوهمه المتوهمون لا يدخل في عداد الملائكة المقربين، الذين {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، وإنما هو من فصيلة " الجن " التي يوجد فيها المؤمن والكافر، والبر والفاجر، وكون إبليس من الجن لا من الملائكة هو الذي يوضح مغزى

ص: 453

المفاضلة، التي عقدها إبليس نفسه بين شخصه وبين آدم أبي البشر، إذ قال فيما حكى عنه كتاب الله في سورة الأعراف وسورة ص:{أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [12، 76].

والمعروف أن الملائكة خلقوا من نور، بينما الجن خلقوا من نار، والإنس خلقوا من طين، وبهذا البيان يتضح لجميع الأذهان أن الآيات الأخرى التي ورد فيها ذكر {إبليس} مستثنى من {الملائكة} إنما ورد ذكره فيها على معنى " الاستثناء المنقطع " الذي يعتبر فيه " ما بعد إلا " خارجا عما ورد قبلها لا داخلا فيه، وأنه لا سبيل إلى حمله على " الاستثناء المتصل " لتخالف الأصلين، وتباين الطبيعتين، قال تعالى في سورة الحجر:{وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} [الآية: 27]، وقال تعالى في سورة الرحمان:{وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الآية: 15].

ثم لفت كتاب الله أنظار بني آدم إلى العداوة المتأصلة بينهم وبين إبليس وذريته، وأن هذه العداوة الراسخة والدائمة التي يكنها إبليس لآدم وذريته كافية لأن تجعلهم على حذر من موالاته ومتابعته، فكيف يعادون ربهم، ويوالون عدوهم، وذلك قوله تعالى:{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} . وقد حذر كتاب الله في غير ما سورة وغير ما آية بني الإنسان، من مطاوعة الشيطان، ومواجهة خالقهم ورازقهم بالتمرد والعصيان، لما في ذلك من سوء العاقبة ومنتهى الخسران،

ص: 454

فقال تعالى في سورة فاطر: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [الآية: 6]، وقال تعالى في سورة الأنعام:{وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الآية: 142].

وأشار كتاب الله إلى عناصر السوء التي أضلت الناس عبر القرون والأجيال، وفي طليعتها إبليس وجنوده من شياطين الإنس والجن، وطواغيت الشرك والكفر، بما فيهم سدنة الأصنام، وعبدة الأوثان، وأدعياء العلم والقوة، المتطاولون على الله في مختلف العصور والأزمان، مؤكدا أن هذه العناصر كلها لا تتوفر على علم صحيح تكتنه به حقائق الأشياء، حتى ينخدع بها الأغرار، ولا على قوة ذاتية تتصرف بها في الكون، حتى ينخدع بها الأغرار، فالله تعالى قد تفرد بخلق المخلوقات وتكوين الأكوان بفضل حكمته، وبمحض مشيئته، دون أن يشرك معه أحدا في تصميمها وخلقها، ولا أن يستعين بأحد في تدبير أمورها وتسييرها، وبذلك انفرد سبحانه بإيجادها وإمدادها، كما انفرد سبحانه بعلم حقيقتها والإحاطة بكنهها، فهو وحده الذي بيده مقاليد التصرف في الكون، وهو وحده مصدر العلم الحق، ومنبع الحقيقة المطلقة، عن الكون والمكون، وعن الخلق والخالق:{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255]. وهذه المعاني المفصلة هي التي تضمنها بصفة مجملة قوله تعالى هنا: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} . ووصف " المضلين " الوارد في هذه الآية، والمعبر به عن العناصر التي

ص: 455

تقوم بتضليل الخلق والتغرير بهم يناسبه ما حكاه كتاب الله على لسان إبراهيم الخليل عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} [إبراهيم: 35، 36].

ثم وصف كتاب الله موقف المشركين الحرج يوم القيامة، ممن كانوا يزعمون أنهم شركاء لله، عندما يأمر الله أتباع أولئك الشركاء أن ينادوهم ليشفعوا فيهم، ثم يدعونهم فعلا فلا يستجيبون لهم، بل يتجاهلونهم بالمرة، كأنهم لا يعرفونهم، أو كأن بينهم عداوة متأصلة من قديم {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} ، قال الحسن البصري:" موبقا أي عداوة " وقال ابن الأعرابي: " كل شيء حاجز بين شيئين فهو موبق ".

ومضى كتاب الله يصف الخيبة التي يمنى بها الأتباع الضالون عندما تنتهي أحلامهم، ويتبرأ منهم سادتهم الذين أضلوهم، وكما وصفهم كتاب الله في الربع الماضي بوصف " المجرمين " إذ قال في حقهم:{فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ} وصفهم في هذا الربع أيضا بوصف " المجرمين " بعد أن وصفهم في الآية السابقة بوصف " المضلين "، فقال تعالى:{وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} أي أنهم بعدما رأوا النار التي كانوا في شك من وجودها أصبحوا يتوقعون دخولها، فانتقلوا من درجة الشك إلى درجة الظن، غير أن الظن، أمام الأمر الواقع، ليس له من دافع، لم يلبث أن انقلب إلى يقين، إذ

ص: 456

لا سبيل لنجاتهم من النار، بعدما سبق أن وجهه إليهم الحق سبحانه وتعالى من إنذار وإعذار:{وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} . وبما يقرب من المعنى الوارد في هذا السياق جاء قوله تعالى في سورة البقرة: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [الآية: 166]، قوله تعالى في سورة الأنعام:{وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الآية: 94].

وانتقل كتاب الله إلى بيان أن الحق سبحانه وتعالى لم يترك وسيلة من وسائل إقناع الإنسان وهدايته إلى الحق والخير، ومساعدته على الاختيار المحمود، إلا وضمنها آيات الذكر الحكيم، وبالرغم من كل ذلك لا يزال يوجد من بين الناس من يصر على إنكار الحق والتمسك بالباطل، إما عنادا وجحودا، وإما تقليدا وجمودا، منبها في نفس الوقت إلى جهل هذا الفريق من الناس بحكمة الله، وعدم شكرهم لرحمة الله، إذ لا يعجز الحق سبحانه وتعالى أن يسلط عليهم عذابا يستأصلهم من الوجود، أو يعاقبهم بعذاب عاجل سريع، بدلا من أن يؤجل عقابهم إلى اليوم الموعود، فقال تعالى:{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا * وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} أي أنهم علقوا تصديقهم بالرسالة على برهان مادي محسوس يؤكد من لم يؤمن بها في الحين،

ص: 457

كأن يحل بساحتهم ما حل بمن قبلهم من الأقوام البائدة، مثل عاد وثمود، من إبادة واستئصال، أو يحل بساحتهم عذاب سريع على وجه الاستعجال، لكن الله تعالى رد عليهم تحديهم المحموم فقال:{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} أي أن رسالة الرسل لا تتجاوز البشارة للمصدقين المؤمنين، والنذارة للمكذبين الكافرين، وليس من اختصاص الرسل أن يقرروا بمحض إرادتهم عذابا معينا، أو يستعجلوا العذاب قبل وقته، لمن لم يؤمن بالله، فأمر العقاب والثواب موكول تقريره وتحديد نوعه إلى الله، دون سواه.

وتوضيحا لحكمة الله ورحمته في الانفراد بهذا التدبير، وما يؤول إليه المصير، قال تعالى:{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا} أي لا محيص عنه ولا مفر.

ثم عقب كتاب الله على ذلك بما يفيد أن أظلم الظالمين لأنفسهم وللحقيقة، هم أولئك المتعنتون الذين أتيحت لهم فرص الاهتداء إلى الحق، لكنهم فضلوا الإعراض عنها، وبدلا من أن يعيدوا النظر في أحوالهم وتصرفاتهم ومعتقداتهم على ضوء الهدى الإلهي أصروا على ضلالهم، ولم يغيروا من حالهم، فأقفلوا على أنفسهم جميع الأبواب، ولم يبق أي أمل ولا رجاء في هدايتهم بآيات ربهم المنزلة في الكتاب، وذلك قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ

ص: 458

إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا}.

وانتقل كتاب الله إلى الحديث عن رحلة موسى من مقر إقامته إلى مجمع البحرين، وبرفقته فتاه، للقاء عبد من عباد الله آتاه الله من لدنه علما لم يؤته موسى:{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} - {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} .

واستغرق وصف هذه القصة القسم الثاني من هذا الربع، والقسم الأول من الربع الآتي، وهذه القصة توحي بعدة أمور:

- الأمر الأول - أن الله رفع العلماء بعضهم فوق بعض درجات {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} فلا ينبغي لأي عالم أن يعتقد أن عنده منتهى العلم، أو جميع أنواع العلم، وكما أنه سبحانه يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر، فإنه يفيض من علمه على شخص ما لا يفيضه على آخر، ولا ينبغي لأي عالم أن يقنع بما عنده من العلم دون أن يطلب المزيد دائما:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} ، بل عليه أن ينتهز جميع الفرص والمناسبات، لتلقي أطيب النفحات {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} .

- الأمر الثاني - أن العالم بالرغم من كونه عالما لا بد له من أن يلتزم منتهى الأدب مع من هو أعلم منه، وأن لا يعترض على الطريقة التي يختارها معلمه لتعليمه: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي

ص: 459

عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا}.

- الأمر الثالث - أن العالم ينبغي له أن يتخطى بنظره حدود المظاهر والظواهر، ويتطلع قبل كل شيء إلى حكم الأشياء وأسرارها، ويتعرف على مقاصدها وأهدافها، ويلم بظروف النوازل وملابساتها، وبذلك يتحاشى إصدار الأحكام، التي لا تناسب المقام، وإلا أدى به الحال إلى الوقوع في الغلط، وارتكاب الشطط {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} .

- الأمر الرابع - أن المستزيد من العلم ينبغي له أن يتأنى ولا يستعجل من هو أعلم منه، فلا يلح عليه بكثرة السؤال لأن ذلك يؤدي به إلى المضايقة والإملال، {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} -

{قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} . روى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يرحم الله موسى لوددنا أنه صبر، حتى يقص الله علينا من خبرهما). وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل لرأى العجب، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة، ولو صبر لرأى العجب). و " الذمامة " بفتح الذال هي الحياء والإشفاق من الذم واللوم، وبهذه التوجيهات والإرشادات يربينا الذكر الحكيم على السلوك القويم.

ص: 460