المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربع الثاني من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٣

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الشريف (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الشريف (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة يونس

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والعشرينمن المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة هود

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والعشرينمن المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة يوسف

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الرعد

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة إبراهيم

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحجر

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النحل

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الإسراء

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الكهف

- ‌الربع الأول من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

‌الربع الثاني من الحزب الخامس والعشرين

في المصحف الكريم (ت)

عباد الله

في حصة هذا اليوم نتناول الربع الثاني من الحزب الخامس والعشرين في المصحف الكريم، ابتداء من قوله تعالى:{قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} إلى قوله تعالى: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} .

ــ

في بداية هذا الربع تشير الآية الكريمة إلى قول إخوة يوسف بعد أن وجد (صاع الملك) في رحل بنيامين شقيق يوسف، وكان وضعه في رحله بمعرفة يوسف نفسه، كمبرر للاحتفاظ بأخيه عنده، في انتظار الفرصة المواتية لدعوة أبيه وجمع الشمل مع أعضاء عائلته كلهم في المستقبل القريب {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} وغرضهم من هذا القول فيما يظهر هو أن يبرئوا ساحتهم، ويلقوا المسؤولية على أخيهم بنيامين شقيق يوسف، مع ادعاء أن أخاه من قبل - يعنون به يوسف - كان قد سبق منه نفس العمل، وكأنهم يريدون أن يقولوا: إن هناك استعدادا نفسيا أو وراثيا خاصا في كل من هذين الأخوين لمثل

ص: 197

هذا التصرف، مرده إلى أنهما تناسلا من أم أخرى غير الأم التي تناسلوا هم منها، ولذلك كانوا برءاء، وكان يوسف وشقيقه متهمين {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ} عندما قالوا ذلك وهم ماثلون أمامه بصفته عزيز مصر، وكانوا لم يعرفوا بعد أنه هو يوسف نفسه، لكنه فيما بينه وبين نفسه {قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} تعليقا على زعمهم في تبرئتهم لأنفسهم.

ثم أخذ إخوة يوسف يستعطفون عزيز مصر - وهو نفس يوسف في هذا العهد - محاولين استرجاع أخيهم للأب، ولو بتعويضه بآخر منهم {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} ، لكن خطة يوسف الحكيمة كانت تقتضي الاحتفاظ بشقيقه بنيامين بالخصوص إلى نهاية المطاف {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ} . وهاهنا أكد يوسف عليه السلام مبدأ المسؤولية الفردية، والتبعة الشخصية، وهو أنه " لا تزر وازرة وزر أخرى " ولا يؤاخذ أحد بما فعل غيره، انسجاما مع ظاهر الحال في هذه الواقعة.

ولما أدرك إخوةَ يوسف اليأسُ من نجاح محاولتهم في استرداد بنيامين، أو تعويضه بآخر منهم، اجتمعوا وتناجوا فيما بينهم ماذا يكون موقفهم تِجاه أبيهم يعقوب، وماذا يبرِّرون به حجز أخيهم بنيامين، وبقاءه في مصر دونهم، وكان من شدة وقع هذه الحادثة في أنفسهم أن انفصل عنهم أخ ثالث هو أكبرهم

ص: 198

جميعا، إذ أحس بثقل المسؤولية، وتذكر الموثق الذي واثقوا عليه أباهم يعقوب، ولم يعد يستطيع أن يواجه أباه، خجلا منه، وخوفا من مؤاخذته، فقرر البقاء في مصر، إلى أن يسمح له أبوه ويأذن له بالعودة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا:{فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا} أي انفردوا عن غيرهم يناجي بعضهم بعضا {قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ} يريد الموضع الذي وقعت فيه الحادثة {حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} . ثم قال لباقي إخوته {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} أي بما علمنا من ظاهر الحال {وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} إشارة إلى أنهم حين أعطوا الميثاق لأبيهم في شأن المحافظة على أخيهم لم يكونوا يعرفون أنه سيسرق، أو إشارة إلى أنهم لا يعرفون حقيقة الأمر الواقع في شأن السرقة المتهم بها أخوهم بنيامين {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} أي اسأل أهل القرية {وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} أي اسأل أصحاب العير الذين رافقناهم في السفر، {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} .

وعاد إخوة يوسف من رحلتهم المثيرة، وقد تركوا وراءهم بنيامين في قبضة عزيز مصر ظاهرا، وفي ضيافة شقيقه يوسف باطنا، وانفصل عنهم كبيرهم، فبقي في عين المكان الذي وقعت فيه الحادثة، فرارا من مواجهة أبيه يعقوب، وبذلك أصبح أبوهم فاقدا لثلاثة من أبنائه بدلا من واحد، ولم يسعه إلا أن يتهمهم بأن

ص: 199

في الأمر مكيدة جديدة، كما اتهمهم من قبل بالمكيدة الأولى.

وكما قال لهم في شأن الواقعة الأولى بخصوص يوسف {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} قال لهم في شأن الواقعة الثانية بخصوص بنيامين {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} . و " الصبر الجميل " يطلق على الصبر الذي لا يصحبه جزع ولا شكوى. لكن أباهم يعقوب لم يفقد رجاءه في الله، ولا في حسن العاقبة له ولأبنائه الثلاثة، فقال {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} .

وثارت في نفس يعقوب بهذه المناسبة ذكريات ابنه يوسف الذي لم يعد يعرف عنه شيئا منذ فقده في طفولته، وكاد يفقد بصره من شدة الحزن عليه وكثرة البكاء، وهذا الحزن البالغ من طرف يعقوب على ابنه يوسف لا يستغرب منه، إذا تذكرنا أمرين في هذا المقام:

أولهما ما كان عليه ابنه يوسف من الصفات والخصال النادرة التي امتاز بها عن بقية إخوته، حتى قالت في شأنه صاحبات امرأة العزيز {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} مما يحمل أي والد كان على الاهتبال بولد ممتاز من هذا النوع، ويدفعه إلى الشغف به والحزن على فقده إلى أقصى حد.

وثانيهما ما ظنه يعقوب من أنه ارتكب في حق يوسف نوعا من التقصير والإهمال، عندما تركه أول مرة يرافق إخوته في سفرهم، ويوسف لا يزال في سن مبكرة، وهو يعرف أن إخوته يغارون منه أشد الغيرة، وكل واحد من هذين الأمرين كافٍ لأن

ص: 200

يضاعف الكمد ويزيد في الحزن {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ} أي أعرض عن أبنائه بعدما سمع كلامهم واعتذارهم دون أن يُصدّقهم فيما قالوا {وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ} أي من البكاء الناشئ عن الحزن العميق، حيث يزداد الضغط على العينين وتبدو العين بيضاء {فَهُوَ كَظِيمٌ} أي كظم غيظه، وأقبل على الله يشكو إليه دون سواه، لكن أبناءه قاطعوه في غمرة الحزن، خوفا من أن تزداد حالته سوءا بذكر يوسف والأسف عليه، {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} أي ضعيف القوة مشرفا على الهلاك {أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ}. فما وسع يعقوب إلا أن رد عليهم في الحين قائلا:{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} و " البث " هنا بمعنى الهم.

وقوله في نفس السياق {وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} تلويح إلى أنه لن يسيء ظنه بالله، وإشارة إلى شعوره الخاص بأن يوسف لا بد أن يكون على قيد الحياة، ولا بد أن تتحقق رؤياه في يوم من الأيام، مهما كانت الظواهر لا تدل على شيء، ولذلك دعا أبناءه إلى المزيد من البحث عن يوسف وأخيه بنيامين، ونهاهم عن اليأس من رحمة الله، اعتمادا على المعهود من لطفه الخفي بعباده المخلصين {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} و " التحسس " التعرف إلى الشيء عن طريق الحواس، والمراد هنا تتبع أخبار يوسف وأخيه {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} أي من رحمته {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} .

ص: 201

وامتثالا لأمر أبيهم يعقوب أعاد فريق من أبنائه الكرة، تاركين الفريق الآخر مع أبيهم، فرحلوا إلى مصر من جديد، واتخذوا جميع الوسائل للمثول مرة أخرى بين يدي عزيز مصر -وهو في الحقيقة أخوهم يوسف- طالبين منه إسعافهم بالتموين اللازم لهم، مقابل أخذه منهم بضاعة قليلة جاؤوا بها، ولم يكتموا عنه طمعهم في أن يوفي لهم الكيل، ورجاءهم في أن يتصدق عليهم بما تجود به نفسه الكريمة. {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} والضر يشمل المجاعة التي أصابت بلادهم، والهم الذي نزل بعائلتهم {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} أي بضاعة قليلة {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} .

وفي هذه المناسبة انتهز يوسف الفرصة، فكشف عن وجهه النقاب، وعرفهم بأن " عزيز مصر " الذي يتحدثون إليه الآن هو أخوهم يوسف بالذات، وأن أخاهم الذي حجزه عنده في المرة الماضية هو أخوه بنيامين، وإذن فهم الآن أفراد أسرتهم، وأمام واحد منهم، وذكرهم بما فعلوه به وبأخيه، ناسبا ذلك الفعل إلى ما كانوا عليه في حال الفتوة من جهل بحقائق الأمور، وغفلة عن خفايا الأقدار، واستعرض أمامهم نعمة الله عليه وعلى أخيه، وأن مصير كل من اتقى وصبر، هو الفوز والظفر {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} .

ص: 202

وعندما عرفوا حقيقة الأمر اعترفوا بفضل الله على أخيهم يوسف، وبإيثار ربه له عليهم، لحكمة يعلمها - {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] واعترفوا في نفس الوقت بالخطيئة التي ارتكبوها في حقه، لكنه أجابهم بجواب كله حلم وصفح، وعفو ورحمة {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} من " الخطيئة " بمعنى المعصية، لا من " الخطأ " ضد الصواب، فمن الخطأ يقال " مخطئ " لا " خاطئ ". {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ} أي لا ملامة عليكم، ولا تعنيف لكم {الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} .

ثم أعطى يوسفُ لإخوته بعد اعترافهم واعتذارهم قميصَه الخاص ليحملوه إلى أبيه يعقوب، شاهداً بحياته، مع دعوة رسمية منه إليه والى كافة أفراد عائلته بالقدوم عليه إلى مصر {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} .

وما كادت العير التي يرافقها أبناؤه تفارق أرض مصر وهم في طريقهم إليه يحملون معهم قميص يوسف، حتى أخذ يعقوب يحدث بقية أبنائه الذين بقوا ملازمين له بأنه يجد رائحة قميص يوسف من بعيد، وخشي من استبعادهم لهذا الإحساس الخاص، ومن تفنيدهم له، لأنهم لا يدركون سره {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ} أي فارقت مصر {قَالَ أَبُوهُمْ} أي لمن بقي معه {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} .

وما كاد من معه من أبنائه يسمعون مقالة أبيهم يعقوب، حتى

ص: 203

استغربوها، وتذكروا قولة إخوتهم في شأنه من قبل {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} استغرابا منهم لإفراطه في محبة يوسف والشغف به، فرددوا مثلهم نفس الفكرة والعبارة، {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ}. قال قتادة: أي من حب يوسف، لا تنساه ولا تسلاه. " يقال سلى يسلى وسلا يسلو ". {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} أي ما كاد البشير يلقي أمامه " قميص الفرحة " حتى شفاه الله من كل أثر " لقميص القرحة ". وهكذا اختار يوسف أن تكون بشرى أبيه في النهاية بقميص، كما كانت فاجعته في البداية بقميص {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} .

ولم يلبث يعقوب عليه السلام أن ذكر أبناءه جميعا بقوله من قبل {وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} والتفت إليهم قائلا: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} . فما كان منهم إلا أن أقبلوا عليه يسألونه العفو عنهم، وطلب المغفرة لهم، معترفين بخطيئتهم {قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} .

ولبَّى أب يوسف وأمه وإخوته جميعا دعوته، فاستقبلهم رسل يوسف أحسن استقبال، وبمجرد ما مثلوا بين يديه رغبهم في الإقامة معه بمصر آمنين مطمئنين، أعزاء محترمين {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} أي انحنوا أمام يوسف بصفته " عزيز مصر "، انحناءة الإجلال والتوقير، طبقا " للتشريفات " المعتادة في ذلك العصر، وليس المراد أنهم سجدوا له السجود

ص: 204