المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٣

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الشريف (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الشريف (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة يونس

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والعشرينمن المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة هود

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والعشرينمن المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة يوسف

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الرعد

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة إبراهيم

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحجر

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النحل

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الإسراء

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الكهف

- ‌الربع الأول من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

‌الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرين

في المصحف الكريم (ت)

عباد الله

في حصة هذا اليوم نتناول الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرين في المصحف الكريم، ابتداء من قوله تعالى:{وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} إلى قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} .

ــ

في الحصة الماضية فرغنا من تفسير سورة يوسف المكية، ولم يتسع الوقت للشروع مباشرة في تفسير سورة الرعد المكية أيضا، واليوم نشرع في تفسيرها مستعينين بالله، إنه ولي التوفيق.

وأول ما نلفت إليه النظر تسمية هذه السورة الكريمة باسم " سورة الرعد " أخذا من قوله تعالى في هذه الآية {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} .

وثاني شيء نلفت إليه النظر، بمناسبة ابتداء هذه السورة بحروف الهجاء المقطعة " أ. ل. م. ر " أنه ما من سورة بُدئت

ص: 220

بهذه الحروف إلا وجاء في أعقابها الانتصار للقرآن، وتبيين أنه نزل من عند الله، وأنه حق لا شك فيه ولا ريب، كما نص على ذلك كثير من المفسرين، ولاسيما ابن كثير، بناء على استقرائه في التفسير.

وثالث شيء نلفت إليه النظر التناسب الواقع بين نهاية سورة يوسف، وبداية سورة الرعد المكيتين، فقد ختمت سورة يوسف بالحديث عن القرآن {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} كما افتتحت سورة الرعد بالحديث عن القرآن {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} .

وتحدث كتاب الله عما أبدعه بديع السماوات والأرض من مختلف الأكوان في العالم العلوي والعالم السفلي، داعيا كل الناس على اختلاف الألوان والأجناس، إلى تأمل آياته الكونية، تمهيدا للإيمان بآياته الدينية، فقال تعالى:{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ * وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} .

ص: 221

ففي هذه الآيات الكريمة عرض سريع وخاطف لمظاهر متنوعة من صنع الله العجيب، وظواهر دقيقة من تدبيره المحكم، مما يبعث على التفكر والتدبر كل من عنده عقل أو فكر.

والوحي الإلهي الذي امتاز به الإسلام لا يتهيب أن يحتكم دائما إلى العقل الناضج والفكر السليم، وأن يعتمد عليهما، بل هو واثق بانتصاره أمام فحصهما، مطمئن إلى إقناعه لهما، لأنه منبثق من صميم الفطرة الأصيلة التي فطر الله الناس عليها، ولا يوجد أي تعارض أو تناقض بينه وبينها {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} - {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} .

وقوله تعالى هنا {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} على غرار قوله تعالى في سورة لقمان {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الآية: 10]، وقد فهم بعض المفسرين أن الضمير في كلمة " ترونها " يعود على السماوات، تأكيدا لنفي العمد عنها، أي أن السماوات مرفوعة بغير عمد، كما ترونها، فهي لا ترتكز على أي شيء، ما عدا قدرة الله التي تمسكها {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} [فاطر: 41] {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [الحج: 65].

وذهب فريق آخر من المفسرين إلى أن الضمير في {تَرَوْنَهَا} عائد على العمد لا على السماوات، فيكون معنى {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} أن السماوات ليس لها عمد مرئية، ومفهوم ذلك أن للسماوات عَمَداً، لكن عمدها لا ترى، وإلى هذا التأويل ذهب

ص: 222

ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وغيرهم إذ قالوا: " لها عمد، ولكن لا ترى ".

وهذا التأويل الثاني هو الذي يتمشى معه ما ذهب إليه بعض المعاصرين في تفسير هذه الآية، من أن كتل الأجرام السابحة في الفضاء الفسيح، الهائلة ثقلا وكثافة وحيزا، وإن كان يظهر لنا أنها لا ترتكز على شيء يدعمها ويرفع ثقلها الهائل، فإن هناك شيئا محققا يمسكها ويتحكم فيها قبضا وبسطا، بإرادة الله وحسن تدبيره، وهذا الشيء الخفي هو " قانون الجاذبية "، الذي اهتدى إلى إدراكه علماء الطبيعة بعد جهد جهيد، فالعمد التي لا ترى هي " الجاذبية " التي تجذب الثقيل إلى الأثقل، والكبير إلى الأكبر، وصدق الله العظيم.

وقوله تعالى هنا {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ} لا يناقض مبدأ أن الأرض مكورة، فالمد واقع من جهة أن كل قطعة من الأرض على حدتها ممدودة، والتكوير واقع من جهة أن جملة الأرض لها شكل كروي، ولا تعارض بين الأمرين.

وقوله تعالى هنا: {وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} معناه الظاهر، والمحسوس، أنه سبحانه خلق من الثمرات أنواعا متعددة، وخلق من نوع الثمرة الواحدة عدة أصناف، مختلفة الأشكال والألوان والروائح والطعوم والأحجام والمنافع، مما يدل على عظيم قدرته، وجليل حكمته، فهناك مثلا عنب أسود وأبيض، وتفاح حلو وحامض، وهناك تمر تجاوز أصنافه العشرات

ص: 223

حتى تصل إلى المئات، إلى غير ذلك من مختلف الثمرات، وأعم من هذه الآية قوله تعالى في سورة طه:{وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى} [الآية: 53].

ويمكن أن تفسر هذه الآية بالمعنى العلمي الدقيق الذي كشف عنه النقاب " علم الحياة النباتي الجديد "، ألا وهو أن الله أودع في الثمرات عناصر ذكورة وعناصر أنوثة، وجعل بينها تزاوجا وتلاحقا مستمرا {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] وسيأتي في سورة يس وسورة الذاريات ما يفيد تعميم هذا المعنى بالنسبة للثمرات وغيرها، وذلك قوله تعالى في الأول:{سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} [الآية: 26] وقوله تعالى في الثانية: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الآية: 49].

وقوله تعالى {صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} المراد بالصنوان الأصول المجتمعة في منبت واحد، كالرمان والتين وبعض النخيل، والمراد بغير الصنوان ما كان على أصل واحد كسائر الأشجار.

وقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} من الممكن أن تحمل الأغلال هنا على معناها المجازي، إشارة إلى ما هم مقيدون به من سلاسل التقليد الأعمى، التي تشدهم إلى الأوهام الباطلة، والمعتقدات الضالة، مما يحول بينهم وبين تفتح الأذهان، وإدراك حقيقة الإيمان، وهذا المجاز يجري مجرى " الطبع " و " الختم على القلوب "، الواردين في

ص: 224

مثل هذا السياق في عدة آيات كريمة.

وقوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} أي يستعجلون النقمة بدلا من النعمة، والغاشية بدلا من العافية، وذلك على سبيل التحدي للرسول والاستخفاف بعذاب الله. و " المثلات " جمع مثلة بفتح الميم وضم الثاء، وهي العقوبة العظيمة من الله، التي تماثل الذنب وتجعل من نزلت به مضرب الأمثال بين الناس.

وقوله تعالى {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} عقب قوله {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} يشبهه قوله تعالى في آية أخرى {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 272]. قال ابن عباس في تفسير هذه الآية: " يقول الله تعالى أنت يا محمد منذر، وأنا هادي كل قوم "، فالمعنى إذن إنما عليك الإنذار، والله هو الهادي لمن يشاء إذا شاء. قال أبو القاسم ابن جزي في تفسيره:" وقد يكون المعنى: إنما أنت نبي منذر، ولكل قوم هاد من الأنبياء ينذرهم، فليس أمرك ببدع ولا مستنكر ". وهذا المعنى يشبهه قوله تعالى في آية أخرى {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24].

وانتقل كتاب الله إلى الحديث عما انفرد به الحق سبحانه وتعالى من علم الغيب والإطلاع على " سر السر "، بحيث لا تخفى عليه خافية، ومن ذلك خفايا الأرحام وما تنطوي عليه عند الإنسان وغيره من الحيوان، فقال تعالى:{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} فالله

ص: 225

تعالى هو المنفرد يعلم ما في الأرحام على وجه التحقيق، أذكر أم أنثى، أوحيد أم توأم {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى} ، وهو المنفرد وحده بعلم ما يقع في الأرحام من زيادة أو نقص، وسلامة أو آفة، وتعجيل أو تأجيل {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} ، وهو المنفرد وحده بعلم النسمات {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} .

وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} إشارة إلى عدل الله المطلق وحكمته البالغة، وأنه لا يسلب النعم، ويبتلي بالنقم، إلا من غير طريقته في الشكر والطاعة، فأعرض عن الله، ونأى عنه بجانبه، فإذا انتقل من المعصية إلى الطاعة، ومن الكفر إلى الشكر، ومن الانحراف إلى الاستقامة، أكرمه الله بعفوه ورضاه، وسلك به مسالك النجاة، فردا كان أو أمة.

وقوله تعالى {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} يشبه قوله تعالى في نفس السياق: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} . والمراد التنبيه إلى أصوات الرعد الهائلة المماثلة للانفجار، وإلى ما يرافقها أحيانا من صواعق تحرق الأخضر واليابس، الأمر الذي يدل على قدرة الله، ويثير في النفوس الخوف من عذاب الله، مما يهز كيان الإنسان، ولو كان ضعيف الإيمان، ويضطره إلى تسبيح الله وتنزيهه ولو لم يكن ذلك باللسان.

ص: 226

وسجود من في السماوات والأرض معناه الانقياد المطلق لقضاء الله وقدره، أحب من أحب وكره من كره، فالعارف بالله يخضع له طوعا، وغيره يخضع له كرها. أما سجود " الظلال " غدوة وعشية {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} فمعناه انقيادها في القبض والبسط لمشيئة الله، طبقا لما في كلتا الحالتين من مصلحة " لخلق الله "، بما في ذلك الإنسان والحيوان والنبات.

وقوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: هي التوحيد، أي أن إفراد الله بالعبادة والدعاء دون سواه هو الحق الذي لا حق دونه، أما التوجه إلى غيره سبحانه بهما أو بأحدهما فهو أبطل الباطل {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} .

وقوله تعالى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} إشارة إلى ضياع عبادتهم في الدنيا، لأنهم يقومون بها لمعبودات باطلة، وإلى إحباط أعمالهم في الآخرة، لأنهم يبنون أعمالهم على أساس فاسد {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23].

وقوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ} . قال أبو إسحاق ابن جزي في تفسيره: " هذا مثل ضربه الله للحق وأهله، والباطل وحزبه، فمثل الحق وأهله بالماء الذي ينزل من السماء،

ص: 227

فتسيل به الأودية وينتفع به أهل الأرض، وبالذهب والفضة والحديد والصفر -أي النحاس الأصفر- وغيرها من المعادن التي ينتفع بها الناس، وشبه الباطل، في سرعة اضمحلاله وزواله، بالزبد الذي يرمي به السيل، وبزبد تلك المعادن، الذي يطفو فوقها إذا أذيبت، وليس في الزبد منفعة، وليس له دوام ".

وقوله تعالى: {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} أي أخذ كل واد من الماء بحسبه، وهو إشارة إلى القلوب وتفاوتها من جهة استعدادها سعة وضيقا، وقوله {ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ} مثل معدن الذهب والفضة، وقوله {أَوْ مَتَاعٍ} مثل معدن الحديد والنحاس، وقوله:{كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ} أي إذا اجتمع الحق والباطل فإن الباطل لا يثبت أمام الحق ولا يدوم، كما أن الزبد لا يثبت مع الماء ولا مع ما يسبك في النار من مختلف المعادن، بل يذهب ويضمحل.

جاء في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا، فكان منها طائفة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، فشربوا ورعوا وسقوا وزرعوا، وأصابت طائفة منها أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه الله بما بعثني، ونفع به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به). {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ

ص: 228

كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ * لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}.

ص: 229