المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربع الأخير من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٣

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الشريف (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الشريف (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة يونس

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والعشرينمن المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة هود

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والعشرينمن المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة يوسف

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الرعد

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة إبراهيم

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحجر

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النحل

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الإسراء

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الكهف

- ‌الربع الأول من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

‌الربع الأخير من الحزب الرابع والعشرين

في المصحف الكريم (ت)

عباد الله

في حصة هذا اليوم نتتاول الربع الأخير من الحزب الرابع والعشرين في المصحف الكريم، ابتداء من قوله تعالى:{قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} إلى قوله تعالى: {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}

ــ

ترتبط الآية الأولى من هذا الربع، ارتباطا وثيقا بالآيات السابقة قبلها في نهاية الربع الماضي، ذلك أن امرأة العزيز التي راودت يوسف عن نفسه فصرف الله عنه السوء والفحشاء، ابتدأت تروج الإشاعات عن مراودتها له بين نسوة كبار القوم، مع توجيه اللوم لها والتشنيع عليها سراً.

وسعياً منها في إيقاف تلك الإشاعات عند حدها، والقضاء عليها في مهدها دعتهن إلى مأدبة في قصرها، وكان من جملة ما قدمت إليهن في تلك المأدبة فواكه وسكاكين صغيرة معدَّة

ص: 174

لتقشيرها وقطعها، وعندما كانت بأيديهن الفواكه والسكاكين الخاصة بها، أمرت فتاها يوسف -وكان إذ ذاك لا يزال مملوكا لزوجها- بالخروج فجأة على النسوة الحاضرات والمرور أمامهن، فما كاد يباغتهن يوسف مقبلا ومدبرا، حتى بهت ضيوف امرأة العزيز من مرآه، وجرحن بالسكاكين أيديهن، بدلا من تقشير الفواكه، دون شعور منهن، وعند ذلك اتجهت إليهن امرأة العزيز، مبررة أمامهن ما وقع لها قبلهن من الشغف به، ثم أخبرت ضيوفها بأنها قد راودته فعلا، لكنه امتنع امتناعا باتا، ومضت في حديثها أمامهن تهدده بالسجن والإهانة إن لم يفعل ما تأمره به، ولم يلبث ضيوفها من النساء أن عذرنها ووقفن إلى جانبها ينصرنها، ويطالبن يوسف معها بإلحاح أن يستجيب لامرأة العزيز، وأن يحقق رغبتها، وذلك بعدما كن يلمنها قبل رؤية يوسف، لكن يوسف لم يتراجع عن موقفه أمام تهديد امرأة العزيز، ولا أمام إغراء ضيوفها، وأصر على الاعتصام بحبل التقوى والعفاف، وأخذ يتضرع إلى الله أن يصرف عنه كيد امرأة العزيز وصاحباتها حتى لا يقع في الشرك.

وإلى هذا الجزء من قصة يوسف تشير الآيات الكريمة التالية: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ} والمراد " الفتى " هنا الخادم المملوك {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} أي أعدت لهن مجلسا مفروشا {وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أي أعظمن شأنه {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} أي حززن أيديهن بالسكاكين،

ص: 175

من فرط الدهشة وشدة الإعجاب {وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} تنزيها لله وتعجبا من قدرته على خلق مثل يوسف {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} أي طلب العصمة وامتنع مما أردته منه {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} أي يعامل بالصغار، والإهانة والاحتقار {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} . يقال صبا يصبو إذا مال إلى الشيء {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} .

وقول يوسف هنا فيما حكاه عنه كتاب الله {السِّجْنُ - أَحَبُّ - إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} لا يقصد من قوله {أَحَبُّ} المعنى الحقيقي للتفضيل، وإنما هو وارد هنا على غرار قول القائل:" الجنة أحب إلي من النار، والعافية أحب إلي من البلاء ".

إلا أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، فقد أخذ خبر امرأة العزيز يزداد انتشارا، ورأى العزيز وصحبه أنه لا بد من اتخاذ تدبير زجري ضد يوسف، ولو كان هذا التدبير تدبيرا ظالما، وذلك دفاعا عن شرف امرأة العزيز، وصرفا للأنظار عنها إلى تثبيت التهمة في يوسف، رغم براءته عندهم وعند الله، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى:{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} .

ومن حِكَم الأقدار أن يوسف دخل السجن معه فَتيان آخران، وكلاهما من فِتيان قصر الملك، وكانا يصحبانه ويرافقانه

ص: 176

في السجن، وأدركا أن ليوسف مواهب خاصة، وأن له قدرة على تعبير الرؤيا، فقصا عليه ذات يوم رؤياهما، وكانت رؤيا الأول أنه رأى نفسه يعصر خمرا، فعبر له رؤياه بأنه سيفارق السجن بعد قليل، وسيسقي بعد إطلاق سراحه سيده خمرا ويكون ساقيه الخاص، وطلب إليه إذا عاد إلى القصر أن يذكر لملكه أمر يوسف ويحدثه عنه، عسى أن ينصفه من امرأة العزيز ويطلق سراحه.

وانتهز يوسف فرصة اهتمام صاحبيه في السجن بتعبير رؤياهما وإصغائهما إليه، ليحدثهما بشيء من عقيدته ودينه، وهما أهم شيء لديه، عسى أن يهتديا على يديه إلى عقيدة التوحيد، وينصرفا عن عبادة الأصنام والأوثان. غير أن الفتى الذي فارق السجن ما كاد يعود إلى قصر سيده حتى نسي وصية يوسف الذي عبر به رؤياه، فلم يذكر لملكه أمر يوسف، ومضت سنوات أخرى على يوسف وهو في السجن دون أن يتذكره أحد، إلى أن رأى ملك مصر نفسه رؤيا أقضَّت مَضجَعه، وأثارت وساوسه، فأخذ يبحث عمن يعبِّرها له التعبير اللائق. وعندئذ تذكَّر ساقيه الخاص -وهو الفتى الذي كان في السجن مع يوسف، والذي عبر له يوسف رؤياه تعبيرا صادقا- أن يوسف لا يزال في السجن، وأنه أحسن من يعبر لملك مصر رؤياه، فاستأذن سيده، وذهب إلى السجن يسأل عن يوسف ويعرض عليه رؤيا الملك، فما كان من يوسف إلا أن عبر له الرؤيا أحسن تعبير، وما كان من ملك مصر إلا أن دعاه إلى مجلسه، لكن يوسف أصر على عدم مغادرة السجن إلا بعد نظر الملك نفسه في قضيته، وإعلان براءته، واعتراف الجميع

ص: 177

بعفته وعصمته، وذلك ما تشير إليه الآيات الكريمة:{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ * وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} أي عند سيدك، لكن ذلك الفتى نسي أمر يوسف بمجرد ما فارق السجن {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} أي قضى يوسف في السجن سنوات أخرى من جراء نسيان صاحبه له وإهمال أمره {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} أي تذكر بعد مدة {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ} إلى آخر الآيات.

أما رؤيا الملك فخلاصتها أنه رأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبعُ بقراتٍ مَهازيل، ضعاف في غاية الهزال، كما رأى

ص: 178

سبع سنبلات خضر، وسبع سنبلات يابسات، وهذه الرؤيا هي التي جاء يعرضها على يوسف رفيقه في السجن من قبل، ذلك الرفيق الذي أصبح ساقيا للملك عقب إطلاق سراحه، فقال له فيما حكته الآيات الكريمة {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} .

فما كان من يوسف عليه السلام إلا أن أفتاه في أمر هذه الرؤيا وعبرها له أصدق تعبير، مبينا للملك وملإه أنهم سيستقبلون سبع سنوات كلها رخاء وخصب، تزدهر فيها الحقول، وتزكو الغلات، ويصفو العيش وتطيب الحياة، ثم يستقبلون في أعقابها سبع سنوات من الجدب والقحط، لا يفي فيها (النيل) بوعده، ولا يمدهم برفده، ولا يجدون قائما يحصد، ولا حصيدا يخزن، ثم بعد سنوات الجدب السبع يظلهم عام خصيب يغاثون فيه، فتجود عليهم الأرض بما يأكلون، ويجدون ما يأتدمون به ويعصرون، ومنبها لهم في نفس الوقت إلى أنه من الخير لهم أن لا يأكلوا كل ما يأتيهم من محاصيل سنوات الرخاء، وأن يدخروا أكبر قسم منها في أهرائهم ودورهم دون أن يخرجوه من سنابله، حتى يبقى مصونا فيها من فعل الحشرات وفعل الرطوبة، وذلك احتياطا لسنوات الجدب التي تليها.

وهذه المعاني هي التي تشير إليها بقية الآيات الكريمة: {قَالَ} أي يوسف {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا} أي على الدوام وبغير انقطاع، من (دأَب) على العمل إذا داوم عليه {فَمَا

ص: 179

حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ} أي اتركوه بعد الحصاد في سنبله غير مدروس، ولا تدرسوا منه إلا ما تحتاجون لأكله، علما منه بأن الحبة إذا بقيت في غشائها انحفظت، وهذا المعنى يتفق معه ما وصل إليه العلم الحديث، من أن ترك الحب في سنابله عند تخزينه فيه وقاية له من التلف، الذي يحدث عادة بسبب العوامل الجوية وغيرها من الآفات. {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} أي ثم تأتي بعد ذلك سبع سنين ذات شدة وجوع، تستهلكون فيها ما ادخرتموه في سنابله من سنوات الرخاء السبع، إذ تجدونه صالحا للأكل والاقتيات {إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ} أي لا يفضل لكم مما كنتم خزنتموه وادخرتموه إلا القليل {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ} من الغيث بمعنى المطر، أو من الغوث بمعنى الفرج {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} إشارة إلى ما سيكون فيه من غلات صالحة للعصر في المعاصر كالزيتون والعنب والسمسم.

فلما بلَّغ ساقي الملك الخاص إلى سيده تعبير يوسف لرؤياه، وفطن لما في تعبير يوسف من نصح بالغ وحسن تدبير، أدرك أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن يوسف ليس شخصا عاديا، فبالإضافة إلى عفته التي يعلم عنها الحقيقة ها هو يخترق حجب الغيب بما علمه الله من تأويل الأحاديث، وها هو يرى البعيد قريبا، ولا يكون في النهاية إلا مصيبا {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} أي سيدك {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} ، فلم يَسَع

ص: 180

الملك إلا أن يدعو امرأة العزيز وصاحباتها، ويحقق بنفسه من جديد {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ} ، فكان جوابهن تأكيدا لعفته، وإعلانا لبراءته {قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} ، تبرئة ليوسف {مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} أي تبين وظهر {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} أي من الصادقين في كونه بريئا من مراودتي، أو محاولة الاعتداء على كرامتي.

ومضت توضح السر في اعترافها بمحاولتها مع يوسف دون أدنى نتيجة، معلنة براءة يوسف براءة مطلقة، مؤكدة أنها لا تريد أن تصر عل اتهامه كذبا وزورا بعدما تجلى الحق وظهر {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} .

ص: 181