المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربع الثاني من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٣

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الشريف (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الشريف (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة يونس

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والعشرينمن المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة هود

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والعشرينمن المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة يوسف

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الرعد

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة إبراهيم

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الحجر

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة النحل

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الإسراء

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والعشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الكهف

- ‌الربع الأول من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الربع الثاني من الحزب الثلاثينفي المصحف الكريم (ت)

‌الربع الثاني من الحزب الثلاثين

في المصحف الكريم (ت)

عباد الله

في حصة هذا اليوم نتناول الربع الثاني من الحزب الثلاثين في المصحف الكريم، ابتداء من قوله تعالى في سورة الكهف المكية:{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ} إلى قوله تعالى في نفس السورة: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} .

ــ

في هذا الربع يواصل كتاب الله الحديث عن " الفتية " الذين اهتدوا وآمنوا واعتزلوا قومهم وما يعبدونه من دون الله، فآووا إلى أحد الكهوف الخالية، فارين بدينهم من الفتنة والأذى، بعد أن وصف كتاب الله في الربع الماضي ما كانوا عليه من إيمان راسخ بالله، واستنكار بالغ لمعتقدات الشرك والوثنية التي كان عليها قومهم {هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} جاءت آيات هذا الربع توضح عناصر جديدة، من هذه القصة الفريدة:

ص: 429

- العنصر الأول يتعلق بنومهم في الكهف على صورة جعلتهم عبرة للمعتبرين عبر القرون والأجيال، فقد شاءت حكمة الله أن تبقى أعينهم مفتحة لا تنطبق أجفانها طيلة نومهم الطويل، وأن تتقلب جنوبهم كما يتقلب الأحياء، حتى لا تبقى جنوبهم على وضع واحد فيصيب أجسامهم البلى والتلف، {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} . وشاءت حكمة الله أن يستقر كلبهم على مدخل الكهف، باسطا ذراعيه، على هيئة أي كلب حي يقوم بالحراسة العادية أمام منزل صاحبه {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} أي بالفناء أو العتبة، وشاءت حكمة الله أن تمر الشمس بكهفهم مر الكرام، فلا تسلط أشعتها القوية على جثثهم الهامدة، لا عند الشروق ولا عند الغروب، وذلك حتى لا يلحقها أي تغيير ولا تلف {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ} أي تتنحى عنه وتميل {وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} أي تمر بشمال الكهف، مائلة منهم، وشاءت حكمة الله أن يكون نومهم في مكان متسع من الكهف، حتى تبقى جثثهم معرضة للهواء الطلق {وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ} .

- العنصر الثاني يتعلق ببعثهم من مرقدهم بعد مرور عدة قرون على اعتزالهم في الكهف ونومهم الطويل فيه، فقد شاءت حكمة الله أن يوقظهم ويبعثهم ليروا بأنفسهم غلبة الحق على الباطل، وهزيمة الشرك أمام التوحيد، ولتقوم لهم الحجة على أن الحق الذي آمنوا به هو الذي ظهر وانتصر في مدينتهم وبين

ص: 430

قومهم، وأن العاقبة للمتقين مهما طال الأمر، وبمجرد ما بعثهم الله أخذوا يتساءلون فيما بينهم عن المدة التي قضوها في الكهف، وانقسموا في تقديرها إلى فريقين، وعندما لم يهتدوا إلى جواب حاسم في الموضوع وكلوا أمر ذلك إلى علم الله، ونظرا لإحساسهم بالجوع المفرط فقد فكروا في أن يبعثوا أحدهم بما كان قد بقي معهم من النقود إلى المدينة التي اعتزلوها من قبل، ليشتري لهم منها طعاما طيبا يسدون به الرمق، لكنهم أشاروا على مبعوثهم في نفس الوقت أن يحذر ما أمكن من سكان المدينة حتى لا يشعر به أحد، ظنا منهم أن مدينتهم التي اعتزلوها من أجل الشرك لا تزال على ما فارقوها عليه، وأن أهلها لا يزالون متمسكين بعبادة الأصنام، وخوفا من أن أهلها إذا عرفوهم قتلوهم رجما بالحجارة، أو أكرهوهم على العودة إلى معتقداتهم الباطلة بدلا من عقيدة التوحيد، وفي ذلك الخسران المبين، وإلى هذا العنصر الثاني يشير قوله تعالى هنا:{وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ} أي وكما أنمناهم تلك النومة الطويلة أيقظناهم، فأخذ بعضهم يسأل بعضا عما صنع الله بهم:{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا * إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} . وسبق في الربع الماضي قوله تعالى مشيرا إلى هذا العنصر، وهو بعثهم من مرقدهم، إذ قال تعالى:{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ} أي ضربنا على آذانهم حجابا من النوم

ص: 431

العميق لا يسمعون معه أي صوت ولا صدى لأقل حركة {سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ} أي أيقظناهم {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} أي ليتبين أي الفريقين أعرف بالمدة التي قضوها في الكهف وهم نائمون، و " التلطف " حسن التخلق، وجميل الترفق.

- العنصر الثالث يتعلق بعثور الأجيال التالية على أجسادهم محفوظة من كل تغيير، وذلك بعد مرور مدة طويلة على بعثهم من مرقدهم، فقد شاءت حكمة الله أن يمكن الأجيال التالية من العثور على أجسادهم، ليتأكد الذين عثروا عليهم من أن البعث الذي وعدهم الله به حق وصدق، نظرا لأن حال الكهف في نومهم الطويل، ثم انتباههم منه بعد عدة قرون، شبيه كل الشبه بحال من يموت ثم يبعث. وبمناسبة العثور عليهم افترق الناس في أمرهم، واقترح فريق أن يبنى على باب كهفهم مبنى أثري تذكاري، بينما اقترح آخر أن يبنى على مدخل كهفهم مسجد خاص لعبادة الله، وهذا الاقتراح الثاني هو الذي رجحت كفته، وإلى هذا العنصر الثالث يشير قوله تعالى هنا:{وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} أي أطلعنا عليهم من بعدهم من الناس {لِيَعْلَمُوا} أي ليعلم الذين عثروا عليهم {أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} .

- العنصر الرابع يتعلق بعدد أصحاب الكهف، ودون

ص: 432

الاستناد إلى سند صحيح وجد من قال: إنهم ثلاثة، وكلبهم الحارس لهم هو الرابع، ووجد من قال: إنهم خمسة، وكلبهم هو السادس، ووجد من قال: إنهم سبعة، وكلبهم هو الثامن، وكتاب الله يكل علم عددهم الحقيقي في النهاية إلى علام الغيوب، وإن كان لا ينفي أن يعرف بعض الأصفياء من خلقه بعددهم على وجه التحقيق، وبهذه المناسبة يحض كتاب الله نبيه الأمين، وعن طريقه كافة المؤمنين، على الاكتفاء بما ورد عنهم في كتاب الله، وعدم المماراة في شأنهم، وينهاه عن استفتاء أهل الكتاب في أمرهم، وإلى هذا العنصر الرابع يشير قوله تعالى هنا:{سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} .

- العنصر الخامس يتعلق بعدد السنين التي مرت على أصحاب الكهف وهم رقود قبل أن يبعثهم الله من مرقدهم، ويتعرفوا على ما آل إليه أمر مدينتهم من الصلاح بعد الفساد، والإيمان بعد الشرك، وفي هذا الصدد نجد كتاب الله في الربع الماضي لا يحدد أي عدد مخصوص، بل يقول:{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} ، ونجد كتاب الله في هذا الربع يصف حيرة أصحاب الكهف أنفسهم بعد أن بعثهم الله من مرقدهم، وعدم اتفاقهم على مدة محدودة لبقائهم داخل الكهف، ويتحدث عن تسليمهم الأمر في تحديدها إلى علم الله فيقول:

ص: 433

{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} . ثم نجد كتاب الله في هذا الربع أيضا يشير إلى مدة ثلاثمائة سنة وتسع سنين، ولعل هذا التحديد مما كانت تتداوله بعض الألسنة، ولاسيما بين أهل الكتاب، لكن كتاب الله يعقب على هذا العدد نفسه، بعد ذكره مباشرة، بما يفيد أن الله وحده هو الذي يعلم مدة مكثهم بالكهف على وجه التحديد، وأنه سبحانه هو المنفرد بعلم الغيب دون سواه، وفي هذا التعقيب إشارة واضحة إلى أن العدد الوارد من قبل ليس هو العدد الحقيقي الذي يتفق مع الواقع، وإنما أتى به كتاب الله على سبيل الحكاية المجردة، لا على سبيل التأكيد والتصديق والإثبات القاطع، وكما رد كتاب الله العلم بعدة أصحاب الكهف أنفسهم إلى الله وحده رد العلم بعدة السنين التي قضوها في الكهف إلى الله وحده دون سواه، وإلى العدد المذكور يشير قوله تعالى هنا:{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} . ثم يستدرك عليه قائلا: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} . ويؤيد هذا التفسير الذي اختاره ما ذهب إليه قتادة ومطرف بن عبد الله من أن العدد المشار إليه هنا هو قول أهل الكتاب، وأن الله تعالى رد قولهم بقوله:{قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} [الآية: 26].

- العنصر السادس يتعلق بما ألقَى اللهُ على أجسادهم من المهابة والجلال، حتى يحول بينهم وبين كل متطفل يحاول أن

ص: 434

يمد اليد إليهم، بما لا يتفق مع حكمة الله ومراده، وحتى يبقوا بمنجاة من عبث العابثين، إلى أن يبلغ الكتاب أجله، وتتحقق العبرة من قصة نومهم ويقظتهم، التي لها شبه قوي بموت الموتى وبعثهم، وإلى هذا العنصر السادس يشير قوله تعالى، مخاطبا لكل من يتخيل نفسه واقفا أمامهم في كهفهم، فيحسبهم أيقاظا وهم رقود {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ} أي لو أشرفت عليهم فنظرت إليهم {لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} .

وتخللت قصة أهل الكهف التي هي محور التدبر والاعتبار في هذا الربع جملة من الآيات الكريمة، تؤكد عددا من مبادئ الإسلام القويمة، وتوجيهاته السليمة.

- منها أن من انتفع بالهدي الإلهي كالهدى الذي تضمنه كتاب الله دخل في زمرة المهتدين، ومن أعرض عنه ولم ينتفع به بقي في عداد الضالين، وذلك معنى قوله تعالى:{مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} ، ويندرج تحت هذه الآية أصحاب الكهف أنفسهم، الذين سبق أن وصفهم كتاب الله قائلا:{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} .

- ومنها أن من عزم على فعل أمر من الأمور لا بد أن يربط قوله ويعلق فعله على مشيئة الله، لأنه لا يستغني في أية لحظة من اللحظات عن استمداد العون والتوفيق من الله، وهذا الموقف يجعله في أمن من أن يكون كاذبا، لأن تعليق كلامه بالمشيئة يخرجه عن أن يكون خبرا قاطعا، وذلك معنى قوله تعالى:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} .

ص: 435

- ومنها أن من تعرض للخطأ والنسيان فأخطأه التوفيق والتسديد، عليه أن يتدارك ما فاته بالتماس الهداية من ربه من جديد، وذلك معنى قوله تعالى:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} ، أي عسى أن يهديني لشيء آخر أنفع وأقوم من الأول.

- ومنها أن من تحمل مسؤولية الدعوة إلى الله يجب عليه أن لا يتخلى عنها، وأن يواصلها دون انقطاع، وأن يؤثر بها من عندهم حرص كبير على تلقينها، واستعداد خاص لقبولها، وأن يسقط من حسابه في هذا المجال الاعتبارات الجانبية والمظاهر المادية، وإلى ذلك يشير قوله تعالى:{وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} أي ملجأ آخر تلجأ إليه {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} .

وخُتِمت آيات هذا الربع بالدعوة إلى وجوب الثبات على الحق والتمسك به دون هوادة ولا لين، في وجه الغافلين والمتنطعين، وأتباع الأهواء الظالمين، فقال تعالى خطابا لنبيه، وعن طريقه لجميع ورثته وحملة الدعوة الإسلامية من بعده:{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} أي مجاوزا للحق {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} .

ص: 436