الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طَرِيقَةُ بَدْءِ الْوَحْيِ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم
-
(خ م ت)، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:(" كَانَ أَوَّلَ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْوَحْيِ: الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ (1)) (2)(فَمَكَثَ عَلَى ذَلِكَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَمْكُثَ ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلْوَةُ ، فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَخْلُوَ (3)) (4)(فَكَانَ يَلْحَقُ بِغَارِ حِرَاءٍ ، فَيَتَحَنَّثُ (5) فِيهِ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ) (6)(فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا (7) حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ (8)) (9)(وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: إقْرَأ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا أَنَا بِقَارِئٍ (10)" ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي (11) حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ (12) ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: إقْرَأ، قُلْتُ: " مَا أَنَا بِقَارِئٍ "، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ ، حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: إقْرَأ ، قُلْتُ: " مَا أَنَا بِقَارِئٍ "، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: {إقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (13)) (14) (فَرَجَعَ بِهَا (15) رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رضي الله عنها) (16) (فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي "، فَزَمَّلُوهُ ، " حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ (17) قَالَ لِخَدِيجَةَ: أَيْ خَدِيجَةُ مَا لِي؟، لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي فَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ "، قَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا ، أَبْشِرْ ، فَوَاللهِ لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، فَوَاللهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ (18) وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ (19) وَتَقْرِي الضَّيْفَ (20) وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ (21) فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ - وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخِي أَبِيهَا، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ (22) فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ ، وَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ) (23) وفي رواية: (يَقْرَأُ الْإِنْجِيلَ بِالْعَرَبِيَّةِ) (24) وفي رواية: (وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ (25) وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟، " فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَبَرَ مَا رَأَى "، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللهُ عَلَى مُوسَى (26) يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا (27) لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا) (28) (حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ (29)؟ " ، فَقَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ، لَمْ يَأتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ (30) وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ ، أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا (31)) (32) (ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ (33) وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً ، حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم) (34) (حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ مِنْهُ نَفْسَهُ ، تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّكَ رَسُولُ اللهِ حَقًّا ، فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأشُهُ، وَتَقِرُّ نَفْسُهُ ، فَيَرْجِعُ ، فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ ، غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ، فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ ، تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ (35) ") (36)
(1) الْمُرَادُ بِفَلَقِ الصُّبْحِ ضِيَاؤُهُ ، وَعَبَّرَ بِهِ لِأَنَّ شَمْسَ النُّبُوَّةِ قَدْ كَانَتْ مَبَادِئُ أَنْوَارِهَا الرُّؤْيَا ، إِلَى أَنْ ظَهَرَتْ أَشِعَّتُهَا وَتَمَّ نُورُهَا. تحفة الأحوذي - (ج 9 / ص 40)
وروى (أبو نعيم في الدلائل) عن علقمة بن قيس قال: إن أول ما يؤتى به الأنبياء في المنام ، حتى تهدأ قلوبهم ، ثم ينزل الوحي بعد. صححه الألباني في صحيح السيرة ص87
(2)
(م) 160 ، (خ) 4671
(3)
السِّرُّ فِيهِ أَنَّ الْخَلْوَةَ فَرَاغُ الْقَلْبِ لِمَا يَتَوَجَّهُ لَهُ. تحفة الأحوذي (9/ 40)
(4)
(ت) 3632 ، (خ) 4671
(5)
هِيَ بِمَعْنَى يَتَحَنَّفُ، أَيْ: يَتَّبِعُ الْحَنِفِيَّةَ وَهِيَ دِينُ إِبْرَاهِيمَ، وَالْفَاءُ تُبْدَلُ ثَاءً فِي كَثِيرٍ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ " يَتَحَنَّفُ "(فتح - ح3)
(6)
(خ) 4671 ، (م) 160
(7)
أَيْ: اللَّيَالِي ، وَالتَّزَوُّد: اِسْتِصْحَاب الزَّاد. (فتح - ح3)
(8)
أَيْ: الْأَمْر الْحَقّ، وَسُمِّيَ حَقًّا لِأَنَّهُ وَحْي مِنْ الله تَعَالَى. (فتح - ح3)
(9)
(خ) 3 ، (م) 160
(10)
أَيْ: مَا أُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ. (فتح - ح3)
(11)
أَيْ: ضَمَّنِي وَعَصَرَنِي، وَالْغَطُّ: حَبْسُ النَّفَسِ، وَمِنْهُ: غَطَّهُ فِي الْمَاءِ. فتح (ح3)
(12)
أَيْ: بَلَغَ الْغَطُّ مِنِّي غَايَةَ وُسْعِي. (فتح - ح3)
(13)
سورة العلق آية: 1 - 5.
(14)
(خ) 4671 ، (م) 160
(15)
أَيْ بِالْآيَاتِ أَوْ بِالْقِصَّةِ. فتح الباري (ح3)
(16)
(خ) 3 ، (م) 160
(17)
أَيْ: لَفُّوهُ ، وَالرَّوْع بِالْفَتْحِ الْفَزَع. فتح الباري (ح3)
(18)
(الْكَلُّ) بِفَتْحِ الْكَافِ: هُوَ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ بِأَمْرِهِ ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى:{وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَم لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ} [النحل/76]
(19)
أَيِ: الْفَقِيرُ، وَالْكَسْبُ: هُوَ الِاسْتِفَادَةُ، فَكَأَنَّهَا قَالَتْ: إِذَا رَغِبَ غَيْرُكَ أَنْ يَسْتَفِيدَ مَالًا مَوْجُودًا ، رَغِبْتَ أَنْتَ أَنْ تَسْتَفِيدَ رَجُلًا عَاجِزًا فَتُعَاوِنَهُ.
(20)
أَيْ: تُكرمه.
(21)
قَوْلُهَا " وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ " هِيَ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِأَفْرَادِ مَا تَقَدَّمَ ، وَلِمَا لَمْ يَتَقَدَّمْ.
(22)
أَيْ: صَارَ نَصْرَانِيًّا، وَكَانَ قَدْ خَرَجَ هُوَ وَزَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ لَمَّا كَرِهَا عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ إِلَى الشَّامِ وَغَيْرِهَا يَسْأَلُونَ عَنِ الدِّينِ، فَأَمَّا وَرَقَةُ ، فَأَعْجَبَهُ دِينُ النَّصْرَانِيَّةِ فَتَنَصَّرَ، وَكَانَ لَقِيَ مَنْ بَقِيَ مِنَ الرُّهْبَانِ عَلَى دِينِ عِيسَى وَلَمْ يُبَدِّلْ، وَلِهَذَا أَخْبَرَ بِشَأنِ النَّبِيِّ ? وَالْبِشَارَةِ بِهِ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَفْسَدَهُ أَهْلُ التَّبْدِيلِ. فتح (ح3)
(23)
(خ) 4670
(24)
(خ) 3212
(25)
قَوْله: (فَكَانَ يَكْتُب الْكِتَاب الْعِبْرَانِيّ فَيَكْتُب مِنْ الْإِنْجِيل بِالْعِبْرَانِيَّةِ) ،
وَفِي رِوَايَة يُونُس وَمَعْمَر: (وَيَكْتُب مِنْ الْإِنْجِيل بِالْعَرَبِيَّةِ) ،
وَلِمُسْلِمٍ: (فَكَانَ يَكْتُب الْكِتَاب الْعَرَبِيّ) ،
وَالْجَمِيع صَحِيح؛ لِأَنَّ وَرَقَة تَعَلَّمَ اللِّسَان الْعِبْرَانِيّ ، وَالْكِتَابَة الْعِبْرَانِيَّة ، فَكَانَ يَكْتُب الْكِتَاب الْعِبْرَانِيّ ، كَمَا كَانَ يَكْتُب الْكِتَاب الْعَرَبِيّ، لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْكِتَابَيْنِ وَاللِّسَانَيْنِ. فتح الباري (ح3)
(26)
أَشَارَ بِقَوْلِهِ " هَذَا " إِلَى الْمَلَكِ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّبِيُّ ? فِي خَبَرِهِ، وَالنَّامُوسُ: صَاحِبُ السِّرِّ ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّامُوسِ هُنَا جِبْرِيلُ عليه السلام وَقَوْلُهُ " عَلَى مُوسَى " وَلَمْ يَقُلْ عَلَى عِيسَى مَعَ كَوْنِهِ نَصْرَانِيًّا ، لِأَنَّ كِتَابَ مُوسَى عليه السلام مُشْتَمِلٌ عَلَى أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ ، بِخِلَافِ عِيسَى، وَكَذَلِكَ النَّبِيُّ ? أَوْ لِأَنَّ مُوسَى بُعِثَ بِالنِّقْمَةِ عَلَى فِرْعَوْنَ وَمَنْ مَعَهُ، بِخِلَافِ عِيسَى، كَذَلِكَ وَقَعَتِ النِّقْمَةُ عَلَى يَدِ النَّبِيِّ ? بِفِرْعَوْنِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَهُوَ أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَمَنْ مَعَهُ بِبَدْرٍ، أَوْ قَالَهُ تَحْقِيقًا لِلرِّسَالَةِ ، لِأَنَّ نُزُولَ جِبْرِيلَ عَلَى مُوسَى مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ ، بِخِلَافِ عِيسَى ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْيَهُودِ يُنْكِرُونَ نُبُوَّتَهُ، وَأَمَّا مَا تَمَحَّلَ لَهُ السُّهَيْلِيُّ مِنْ أَنَّ وَرَقَةَ كَانَ عَلَى اعْتِقَادِ النَّصَارَى فِي عَدَمِ نُبُوَّةِ عِيسَى وَدَعْوَاهُمْ أَنَّهُ أَحَدُ الْأَقَانِيمِ ، فَهُوَ مُحَالٌ ، لَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ فِي حَقِّ وَرَقَةَ وَأَشْبَاهِهِ مِمَّنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي التَّبْدِيلِ ، وَلَمْ يَأخُذْ عَمَّنْ بَدَّلَ ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ عِنْدَ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ وَرَقَةَ قَالَ:" نَامُوسُ عِيسَى "، وَالْأَصَحُّ مَا تَقَدَّمَ، نَعَمْ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ إِلَى هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ " أَنَّ خَدِيجَةَ أَوَّلًا أَتَتِ ابْنَ عَمِّهَا وَرَقَةَ ، فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ ، فَقَالَ: " لَئِنْ كُنْتِ صَدَقْتِنِي ، إِنَّهُ لَيَأتِيهِ نَامُوسُ عِيسَى ، الَّذِي لَا يُعَلِّمُهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَبْنَاءَهُمْ ". فتح الباري (ح3)
(27)
التَّقْدِيرُ: يَا لَيْتَنِي جُعِلْتُ فِيهَا جَذَعًا، وَالْجَذَعُ: هُوَ الصَّغِيرُ مِنَ الْبَهَائِمِ، وَضَمِيرُ " فِيهَا " يَعُودُ عَلَى أَيَّامِ الدَّعْوَةِ، كَأَنَّهُ تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ عِنْدَ ظُهُورِ الدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ شَابًّا ، لِيَكُونَ أَمْكَنَ لِنَصْرِهِ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ سِرُّ وَصْفِهِ بِكَوْنِهِ كَانَ كَبِيرًا أَعْمَى.
(28)
(خ) 3
(29)
اسْتَبْعَدَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُخْرِجُوهُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ سَبَب يَقْتَضِي الْإِخْرَاج، لِمَا اِشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ مَكَارِم الْأَخْلَاق الَّتِي تَقَدَّمَ مِنْ خَدِيجَةَ وَصْفُهَا ، وَقَدْ اِسْتَدَلَّ اِبْن الدُّغُنَّة بِمِثْلِ تِلْكَ الْأَوْصَاف عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْر لَا يَخْرُج. فتح الباري (ح3)
(30)
وَفِي رِوَايَة يُونُس فِي التَّفْسِير " إِلَّا أُوذِيَ " ، فَذَكَرَ وَرَقَةُ أَنَّ الْعِلَّة فِي ذَلِكَ مَجِيئُهُ لَهُمْ بِالِانْتِقَالِ عَنْ مَألُوفِهِمْ ، وَلِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْ الْكُتُب أَنَّهُمْ لَا يُجِيبُونَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يَلْزَمهُ لِذَلِكَ مُنَابَذَتهمْ وَمُعَانَدَتهمْ ، فَتَنْشَأ الْعَدَاوَة مِنْ ثَمَّ. فتح (ح3)
(31)
(مُؤَزَّرًا) أَيْ: قَوِيًّا ، مَأخُوذٌ مِنْ الْأَزْر ، وَهُوَ الْقُوَّة.
(32)
(م) 160 ، (خ) 3
(33)
أَيْ: لَمْ يَتَعَلَّق بِشَيْءٍ مِنْ الْأُمُور حَتَّى مَاتَ.
(34)
(خ) 4670 ، (حم) 26001
(35)
قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: مَوَّهَ بَعْض الطَّاعِنِينَ عَلَى الْمُحَدِّثِينَ ، فَقَالَ: كَيْف يَجُوز لِلنَّبِيِّ أَنْ يُوفِيَ بِذِرْوَةِ جَبَل لِيُلْقِيَ مِنْهَا نَفْسه؟ ،
قَالَ: وَالْجَوَاب أَنَّ إِلْقَاء نَفْسه مِنْ رُءُوس الْجِبَال بَعْدَمَا نُبِّئَ ، فَلِضَعْفِ قُوَّته عَنْ تَحَمُّل مَا حَمَلَهُ مِنْ أَعْبَاء النُّبُوَّة، وَخَوْفًا مِمَّا يَحْصُل لَهُ مِنْ الْقِيَام بِهَا مِنْ مُبَايَنَة الْخَلْق جَمِيعًا، كَمَا يَطْلُب الرَّجُلُ الرَّاحَةَ مِنْ غَمٍّ يَنَالهُ فِي الْعَاجِل ، بِمَا يَكُون فِيهِ زَوَاله عَنْهُ ، وَلَوْ أَفْضَى إِلَى إِهْلَاك نَفْسه عَاجِلًا، حَتَّى إِذَا تَفَكَّرَ فِيمَا فِيهِ صَبْرُهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْعُقْبَى الْمَحْمُودَةِ ، صَبَرَ وَاسْتَقَرَّتْ نَفْسه.
قُلْت: أَمَّا الْإِرَادَة الْمَذْكُورَة فِي الزِّيَادَة الْأُولَى ، فَفِي صَرِيح الْخَبَر أَنَّهَا كَانَتْ حُزْنًا عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْ الْأَمْر الَّذِي بَشَّرَهُ بِهِ وَرَقَةُ ، وَأَمَّا الْإِرَادَة الثَّانِيَة بَعْد أَنْ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيل وَقَالَ لَهُ:" إِنَّك رَسُول الله حَقًّا " ، فَيَحْتَمِل مَا قَالَهُ، وَاَلَّذِي يَظْهَر لِي أَنَّهُ بِمَعْنَى الَّذِي قَبْله، وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ ، فَوَقَعَ قَبْل ذَلِكَ فِي اِبْتِدَاء مَجِيء جِبْرِيل. فتح الباري (ج 19 / ص 449)
(36)
(خ) 6581 ، (حم) 26001
(خ م حم)، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ:(قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ (1):) (2)(جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ شَهْرًا ، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الْوَادِي (3) فَنُودِيتُ) (4)(فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا ، ثُمَّ نُودِيتُ فَنَظَرْتُ ، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا ، ثُمَّ نُودِيتُ فَرَفَعْتُ رَأسِي)(5)(فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ (6) قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ وفي رواية: (عَلَى عَرْشٍ)(7) بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (8)(فَلَمَّا رَأَيْتُهُ)(9)(أَخَذَتْنِي رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ)(10)(حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الْأَرْضِ)(11)(فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي وفي رواية: (زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي)(12) وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا (13) قَالَ: فَدَثَّرُونِي ، وَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا) (14) (وَأُنْزِلَ عَلَيَّ:{يَأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (15) قُمْ فَأَنْذِرْ (16) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (17) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (18) وَالرُّجْزَ (19) فَاهْجُرْ} ) (20)(قَالَ: ثُمَّ حَمِيَ الْوَحْيُ (21) وَتَتَابَعَ (22) ") (23)
(1)(فَتْرَةِ الْوَحْيِ) أَيْ: اِحْتِبَاسِ الْوَحْيِ عَنْ النُّزُولِ. تحفة الأحوذي (ج8ص 199)
(2)
(م) 161 ، (خ) 4641
(3)
أَيْ: صِرْت فِي بَاطِنه. شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 289)
(4)
(م) 161 ، (خ) 4638
(5)
(م) 161
(6)
هُوَ جَبْرَائِيلُ ، حِين أَتَاهُ بِقَوْلِهِ:{اِقْرَأ بِاسْمِ رَبِّك الَّذِي خَلَقَ} ثُمَّ إِنَّهُ حَصَلَ بَعْدَ هَذَا فَتْرَةٌ ، ثُمَّ نَزَلَ الْمَلَكُ بَعْدَ هَذَا. تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 199)
(7)
(م) 161
(8)
(خ) 3066
(9)
(حم) 15075
(10)
(م) 161
(11)
(خ) 3066
(12)
(خ) 4641 ، و (زَمِّلُونِي) أَيْ: لُفُّونِي، يُقَالُ: زَمَّلَهُ فِي ثَوْبِهِ إِذَا لَفَّهُ فِيهِ. تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 199)
(13)
فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَبَّ عَلَى الْفَزِعِ الْمَاءُ لِيَسْكُنَ فَزَعُه. النووي (1/ 289)
(14)
(خ) 4638 ، (م) 161
(15)
أَيْ: أَيُّهَا النَّبِيُّ الْمُتَدَثِّرُ ، وأُدْغِمَتْ التَّاءُ فِي الدَّالِ ، أَيْ: الْمُتَلَفِّفُ بِثِيَابِهِ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ مُدَّثِّرًا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" دَثَّرُونِي".تحفة (8/ 199)
(16)
أَيْ: حَذِّرْ مِنَ الْعَذَابِ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِكَ. فتح الباري - (ح4)
(17)
أَيْ: عَظِّمْ رَبَّكَ عَمَّا يَقُولُهُ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ. تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 199)
(18)
(وَثِيَابك فَطَهِّرْ) أَيْ: مِنَ النَّجَاسَةِ.
وَقِيلَ: الثِّيَابُ: النَّفْسُ، وَتَطْهِيرُهَا: اجْتِنَابُ النَّقَائِصِ. فتح الباري (ح4)
(19)
الرُّجْز هُنَا: الْأَوْثَان، أَيْ: اُتْرُكْ الْأَوْثَانَ وَلَا تَقْرَبْهَا ، وَالْمَعْنَى: اُتْرُكْ كُلَّ مَا أَوْجَبَ لَك الْعَذَابَ مِنْ الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَلْزَمُ تَلَبُّسُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اِتَّقِ اللهَ وَلَا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} . تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 199)
(20)
(خ) 4640 ، (م) 161
(21)
أَيْ: اِسْتَمَرَّ نُزُوله. فتح الباري - (ج 14 / ص 130)
(22)
قال النووي: قَوْل " إِنَّ أَوَّل مَا أُنْزِلَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر} " ضَعِيف ، بَلْ بَاطِل ، وَالصَّوَاب أَنَّ أَوَّلَ مَا أُنْزِلَ عَلَى الْإِطْلَاق:{اِقْرَأ بِاسْمِ رَبّك} كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها وَأَمَّا {يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر} فَكَانَ نُزُولهَا بَعْد فَتْرَة الْوَحْي ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَنْ أَبِي سَلَمَة ، عَنْ جَابِر ، وَالدَّلَالَة صَرِيحَة فِيهِ فِي مَوَاضِع ، مِنْهَا قَوْله:(وَهُوَ يُحَدِّث عَنْ فَتْرَة الْوَحْي ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر} ، وَمِنْهَا قَوْله صلى الله عليه وسلم: " فَإِذَا الْمَلَك الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءَ " ، ثُمَّ قَالَ: فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى {يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر} ، وَمِنْهَا قَوْله: " ثُمَّ تَتَابَعَ الْوَحْي " ، يَعْنِي: بَعْد فَتْرَته ، فَالصَّوَابُ: أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ {اِقْرَأ} وَأَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ بَعْد فَتْرَة الْوَحْي {يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر} ، وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ: أَوَّلُ مَا نَزَلَ الْفَاتِحَة ، فَبُطْلَانه أَظْهَر مِنْ أَنْ يُذْكَر ، وَالله أَعْلَم. النووي (ج1ص289)
(23)
(خ) 4642 ، (م) 161