الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: كيف كان الصحابة يتلقون الحديث، عن النبي صلى الله عليه وسلم
لم يكن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من يحسن الكتابة إلا نفر قليل، فقد كانت الأمية غالبة عليهم، فكان اعتمادهم في تلقي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، على استعدادهم في الحفظ على ما سبق لك آنفا، كما أنهم نهوا عن كتابة الحديث في بدء الأمر، خوف اختلاطه بالقرآن الكريم. وكان الصحابة يتلقون الحديث، عن النبي صلى الله عليه وسلم، إما بطريق المشافهة، وإما بطريق المشاهدة لأفعاله وتقريراته، وإما بطريق السماع ممن سمع منه صلى الله عليه وسلم، أو شاهد أفعاله وتقريراته؛ لأنهم لم يكونوا جميعا يحضرون مجالسه صلى الله عليه وسلم، بل كان منهم من يتخلف لبعض حاجاته.
هذا ولما كان عدد الحاضرين للسماع من حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، يختلف قلة وكثرة اختلف لذلك المروي عنه، فبعضه بلغ درجة التواتر، وهو ما نقله عنه صلى الله عليه وسلم، جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب، وهذا نوعان متواتر لفظا، وهو قليل من الأحاديث كحديث:"من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"، ومتواتر معنى وهو كثير، ومن ذلك الأحاديث الواردة في أحكام الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم
والحج والبيوع والنكاح، والغزوات مما لم يختلف فيه فرقة من فرق الإسلام. وبعضه لم يبلغ درجة التواتر، وهو الذي يسميه العلماء "خبر الآحاد".
كان الصحابة يحفظون الحاديث عن ظهر قلب، ويبلغونها للناس بطريق المشافهة، إلا ما كان من بعض أفراد قلائل كعبد الله بن عمرو بن العاص، فقد أذن له النبي صلى الله عليه وسلم في كتابة الحديث عنه.
روى الإمام أحمد في مسنده، عن عبد الله بن عمرو هذا أنه قال:"كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أريد حفظه فنهتني قريش فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا. فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اكتب فوالذي نفسي بيده، ما خرج مني إلا حق".
هذا ولاختلاف الصحابة في معرفة الكتابة، وعدم معرفتها وكثرة حضورهم مجالسه صلى الله عليه وسلم، وقلة حضورهم اختلفوا في تحمل الحديث، وأدائه قلة وكثرة، فكان منهم المقل ومنهم المكثر هذا أبو هريرة رضي الله عنه يقول فيما رواه عنه البخاري في كتاب العلم:"ما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد، أكثر حديثا عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب".
وكما اختلف الصحابة في صفة الأخذ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي كثرة المروي، وقلته لأسباب أشرنا إليها كذلك اختلفوا في فقه الحديث حسب اختلافهم في الفهم، والاستعداد الفطري،
فلم يكونوا سواء في معرفة الناسخ والمنسوخ، والعام والخاص والمطلق والمقيد، والمجمل والمفسر، ونحو ذلك إلا أنهم، كانوا كثيرا ما يرجعون إلى الرسول
صلى الله عليه وسلم عند ما يقع الاختلاف بينهم، فيصدر حكمه الفصل وقضاءه العدل.
أثر النساء في نشر الحديث:
لم تكن مجالسه صلى الله عله وسلم، قاصرة على الرجال بل كان كثير من النساء، يحضرن المسجد أيضا، ويستمعن إلى حديثه الشريف، وفي الاحتفالات العامة كالاحتفال بصلاة العيد، كن يخرجن جميعا إلى المصلى لاستماع الموعظة النبوية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن يلقى خطبة العيد في الصفوف الأمامية للرجال، ينتقل إلى صفوف النساء، يتحدث إليهن، ويعلمهن إلا أن المجالس النبوية بوجه عام، كانت الغلبة فيا للرجال دون النساء لذلك، جاء وفد النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلبن إليه أن يجعل لهن يوما يعلمهن فيه، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يجيبهن إلى ذلك. على أن هذه الدروس كلها من عامة، وخاصةلم تكن قائمة بحوائج النساء الدينية، فكثيرا ما كانت تتجدد لهن شئون لا سيما، وهن حديثات عهد بالإسلام، فكانت المرأة تقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما يعرض لها من أمر دينها، ولا تستحي أن تسأله لعلمها، أنه لإحياء في التعليم، وربما قدمت بين يدي سؤالها قولها:"يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق"، ثم تذكر حاجتها فتقول -كماجاء في البخاري- مثلا:"هل على المرأة من غسل، إذا هي احتلمت، وكثيرا ما يكون ذلك في نساء الأنصار، حتى امتدحتهن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم بقولها: "نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين"، أما من كان يغلب عليها الحياء منهن، فكان لها من أمهات المؤمنين أعظم وسيط، لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يستوضح لها عن جواب سؤالها.
أمهات المؤمنين يبلغن الحديث عن رسول الله:
ولا ننس ما لزوجاته صلى الله عليه وسلم، من فضل كبير في تبليغ أحكام الدين، ونشر السنن بين نساء المؤمنين، لا سيما ما كان من عائشة رضي الله عنها، التي كانت على مقدار عظيم من الذكاء، والفهم فقد كانت تسأله صلى الله عليه وسلم، وتناقشه في بعض المسائل، التي قد تخفى عليها، وتستوضح عن كثير من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، روى البخاري في كتاب العلم عن ابن أبي مليكة، أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، كانت لا تسمع شيئا لاتعرفه، إلا راجعت فيه حتى تعرفه.
وأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"من حوسب عذب". قالت عائشة: أو ليس يقول الله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} . قالت فقال: "إنما ذلك العرض، ولكن من نوقش الحساب يهلك". ولعل من الحكم التي لأجلها أباح الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، الزواج بأكثر من أربع قيام هؤلاء الزوجات بالتبليغ عنه صلى الله عليه وسلم، وبخاصة في الأمور، التي لا توجد منه صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، أو يستحي من فعلها بينهم، ولا يمكن الاطلاع عليها لأحد غير أمهات المؤمنين، رضي الله عنهن لذلك نجد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده، إذا اختلفوا في شيء من الأحكام كالغسل، والحيض والجماع، ونحوها يلجأون إلى أمهات المؤمنين، ويرجعون إلى أقوالهن، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك يزول ما بينهم من خلاف.
هذا ولا ريب في أن نساءه، صلى الله عليه وسلم، كن على جانب عظيم من العلم فقد أمرهن الله تعالى بالاستقرار في بيوتهن، ومدارسة القرآن والسنة في قوله:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} ، إلى أن قال:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} .
لذا كان لأمهات المؤمنين أثر فعال في نشر السنة، ولولاهن لضاعت أحاديث، وأحكام ما كنا لنطلع عليها من غيرهن، ولا سيما الأفعال التي تقع بين النبي صلى الله عليه وسلم، وأزواجه مما لا يمكن لأحد الاطلاع عليها، والوقوف على أحكامها.