الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدور الثالث: السنة بعد زمن الخلافة الراشدة إلى نهاية القرن الأول
المبحث الأول: وصف الحالة السياسية وظهور الفرق
…
الدور الثالث: السنة بعد زمن الخلافة الراشدة إلى نهاية القرن الأول
ويشتمل على ثمانية مباحث:
1-
وصف الحالة السياسية وظهور الفرق.
2-
الخوارج ورأيهم في الخلاف-أثر الخروج في رواية الحديث.
3-
الشيعة ومعتقداتهم-أثر التشيع في رواية الحديث.
4-
جهود الصحابة والتابعين في جمع الحديث، وروايته ومناهضتهم للكذابين من شيعة، وخوارج وغيرهما.
5-
كتابة الحديث وأول من دونه.
6-
تراجم لبعض مشاهير الرواة من الصحابة -من هم الصحابة؟.
7-
تراجم لبعض رواة الحديث من التابعين -من هم التابعون؟.
8-
رد شبه على رواية الحديث، وكتابته في القرن الأول.
المبحث الأول: وصف الحالة السياسية، وظهور الفرق
لما ولي أبو بكر الصديق الخلافة، وجد من بعض القبائل نكث لحبل الدين، ونزوع إلى التحلل من أحكامه، فمنع بعضهم الزكاة، وارتد بعضهم
عن الإسلام زعما منهم أن الدين يموت بموت النبي المبعوث، حتى قال شاعرهم، والشعراء يتبعهم الغاوون:
أطعنا رسول الله إذ كان بيننا
…
فيا لفهنا ما بال دين أبي بكر
أيورثها بكرا إذا مات بعده
…
فتلك لعمر الله قاصمة الظهر
ولكن أبا بكر رضي الله عنه، وقف لهم وقفة البطل المغوار، والقائد المحنك، فقضى على الفتنة في مهدها، وأباد جراثيمها قبل أن يستفحل أمرها، وأعاد الشاردين إلى حظيرة الدين، فظلت أعناقهم لحكم الله خاضعين. ومكث أبو بكر سنتين وبضعة أشهر نشر الإسلام فيها رايته على بلاد فارس والروم. وعني رضي الله عنه بالقرآن فجمعه، وبالحديث فاحتاط له. ثم اختار للخلافة عمر بن الخطاب، فمد الفتوح طولا وعرضا، وشرقا وغربا. فاستولى على الشام كلها، وأخذ مصر وضم الجزيرة، وبقي في الخلافة عشرة أعوام وأشهرا لا يطمع قوي في حلمه، ولا يقنط ضعيف من عدله، بل ألزم القوي حده، وحفظ للضعيف حقه. وعمل على حفظ السنة من تقول المنافقين، وأشار على الصحابة، والبعوث بحفظ القرآن، والإفلال من الحديث، وهو في كل أموره متمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مضى زمن عمر والمسلمون وحدة قوية وأمة فتية. فلما ولي عثمان رضي الله عنه زاد الفتوح وتوسع فيها، وأمر بكتابة المصاحف، وفرقها على الأمصار، فقضى عل خلاف كاد يفرق المسلمين.
مكث رضي الله عنه في الخلافة اثني عشر عاما، قضى نصفها الأول
والناس في رغد من العيش وسعادة وأمن، ثم لما أخذوا عليه أمورا وعابوا عليه سياسته في توليته بعض قرابته، انتهز هذه الفرصة قوم من غير المسلمين، أخذوا يذكون نار الفتنة، ويلهبون شعور المسلمين ضد خليفتهم، وقصدهم بذلك الكيد لهذه الأمة، والعمل على قلب هذه الملة، فأثاروا لذلك الغوغاء من الأمصار المختلفة، حتى قتلوا خليفة المسلمين في بيته. ومن ذلك الحين انصدع بناء الإسلام، ودب الشقاق بين جماعة المسلمين، فقد بايع الناس علي بن أبي طالب، ولكن لم تصف له الخلافة يوما واحدا، ولم تستقم له البلاد جميعها. فهذه الشام في يد معاوية الذي قام يطالب بدم عثمان، وامتنع عن بيعة علي حتى يثأر للخليفة المقتول. فوقعت حروب طاحنة بين علي ومعاوية، أكلت كثيرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهى الأمر بموقعة "صفين" التي آل أمرها إلى التحكيم فرضيه من أصحاب علي جماعة، وأنكره آخرون، وبذلك رجعوا متخاصمين بعد أن جاءوا إخوانا متحابين.
انقسم المسلمون من ذلك الحين إلى "خوارج"، وهم الذين يعدون قبول التحكيم كفرا، فحكموا بكفر علي وأصحابه لقبولهم التحكيم.
"وشيعة"، وهم الذين شايعوا عليا، وقبلوا التحكيم وأصبح لهم عقيدة في الإمامة خاصة بهم "وجمهور"، وهم الذين لم يتلوثوا ببدعة الخروج أو التشيع. وكان منهم فريق مع علي، وفريق مع معاوية وفريق وقف على الحياد، فلم يغمس يده في تلك الفتنة أو يلوثها بهذه الدماء.
أصبح الخوارج خطرا على جيش علي، فاشتغل بحروبهم فكان ذلك قوة لمعاوية الذي كان في أطوع جند. ثم إنه لم يطل الحال على ذلك، حتى تطوع ثلاثة من الخوارج بقتل هؤلاء الثلاثة، الذين كانوا سببا في هذه المنازعات علي ومعاوية، وعمرو بن العاص فنجا من القتل عمرو ومعاوية وأصيب خليفة المسلمين علي كرم الله وجهه، بطعنة من خارجي أثيم يدعى عبد الرحمن بن ملجم. وبقتل علي اجتمع أهل الكوفة، وبايعوا ابنه الحسن فمكث في الخلافة ستة أشهر وأياما. ثم تنازل عنها لمعاوية على صلح أبرم بينهما حقنا للدماء، وذلك سنة إحدى وأربعين التي سميت بعام الجماعة لاجتماع الناس على معاوية. ولكن رغم تنازل الحسن لمعاوية عن الخلافة لم تخمد جذوة الشيعة، ولم تهدأ ثورة الخارج، بل تعالى كل فريق في رأيه واشتط كل حزب في عقيدته، حتى أصبح لكل طائفة منزع ديني خاص، كان له أثره في الحديث والفقه. وسنفرد لكل فرقة فصلا نبين فيه أشهر تعاليمها، وعقائدها وآثارها في الحديث فنقول: