المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: تدوين الحديث في هذا العصر وأشهر الكتب المؤلفة فيه - الحديث والمحدثون

[محمد محمد أبو زهو]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌الإهداء

- ‌الداعي لنشر هذا الكتاب:

- ‌مقدمة المؤلف:

- ‌مقدمة الكتاب

- ‌المبحث الأول: معنى السنة لغة واصطلاحا

- ‌المبحث الثاني: السنة من الوحي

- ‌المبحث الثالث: منزلة السنة النبوية في الدين

- ‌المبحث الرابع: في أن السنة النبوية مبينة للقرآن الكريم

- ‌السنة في أدوارها المختلفة

- ‌الدور الأول: السنة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الأول: استعداد الصحابة لحفظ السنة ونشرها

- ‌المبحث الثاني: "مجالس النبي صلى الله عليه وسلم العلمية

- ‌المبحث الثالث: كيف كان الصحابة يتلقون الحديث، عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: البعوث والوفود، وأثرها في انتشار الحديث النبوي:

- ‌الدور الثاني: السنة في زمن الخلافة الراشدة

- ‌المبحث الأول: وصف الحالة السياسية لهذا العهد

- ‌المبحث الثاني: منهج الصحابة في رواية الحديث

- ‌المبحث الثالث: رد شبه واردة على منهج الصحابة في رواية الحديث، والعمل به

- ‌الدور الثالث: السنة بعد زمن الخلافة الراشدة إلى نهاية القرن الأول

- ‌المبحث الأول: وصف الحالة السياسية وظهور الفرق

- ‌المبحث الثاني: الخوارج ورأيهم في الخلافة

- ‌المبحث الثالث: الشيعة ومعتقداتهم

- ‌المبحث الرابع: جهود الصحابة والتابعين في جمع الحديث ورواياته ومناهضتهم للكذابين

- ‌المبحث الخامس: كتابة الحديث

- ‌المبحث السادس: تراجم لبعض مشاهير الرواة من الصحابة، رضي الله عنهم

- ‌المبحث السابع: تراجم لبعض رواة الحديث من التابعين

- ‌المبحث الثامن:

- ‌الدور الرابع: السنة في القرن الثاني

- ‌المبحث الأول: تدوين الحديث في هذا العصر وأشهر الكتب المؤلفة فيه

- ‌المبحث الثاني: شيوع الوضع في الحديث في هذا العصر

- ‌المبحث الثالث: النزاع حول حجية السنة في القرن الثاني

- ‌المبحث الرابع: تراجم لبعض مشاهير المحدثين في القرن الثاني

- ‌المبحث الخامس: الرد على تمويهات لبعض المستشرقين لها صلة بهذا العصر، وما قبله

- ‌الدور الخامس: السنة في القرن الثالث

- ‌المبحث الأول: النزاع بين المتكلمين وأهل الحديث وأثر ذلك في الحديث

- ‌المبحث الثاني: نشاط أهل الأهواء في وضع الأحاديث

- ‌المبحث الثالث: تراجم لبعض أئمة الحديث في هذا العصر

- ‌المبحث الرابع: تدوين الحديث في هذا العصر وطريقة العلماء في ذلك

- ‌الدور السادس

- ‌المبحث الأول: وصف الحالة السياسية في هذا الدور

- ‌المبحث الثاني: السنة في القرن الرابع

- ‌المبحث الثالث: السنة بعد القرن الرابع إلى آخر هذا الدور

- ‌الدور السابع

- ‌المبحث الأول: وصف الحالة السياسية

- ‌المبحث الثاني: منهج العلماء رواية السنة في هذا الدور

- ‌المبحث الثالث: عناية المسلمين بالسنة في الممالك المختلفة

- ‌المبحث الرابع: طريقة العلماء في تصنيف الحديث في هذا الدور

- ‌الخاتمة:

- ‌خاتمة الطبع:

- ‌تقاريظ الكتاب:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌المبحث الأول: تدوين الحديث في هذا العصر وأشهر الكتب المؤلفة فيه

‌الدور الرابع: السنة في القرن الثاني

‌المبحث الأول: تدوين الحديث في هذا العصر وأشهر الكتب المؤلفة فيه

الدور الرابع: السنة في القرآن الثاني

الكلام على السنة في هذا القرن، يشتمل على خمسة مباحث:

المبحث الأول: تدوين الحديث في هذا العصر، وأشهر الكتب المؤلفة فيه.

المبحث الثاني: شيوع الوضع في الحديث، ومناهضة العلماء للوضاعين.

المبحث الثالث: النزاع حول حجية السنة في هذا العصر.

المبحث الرابع: تراجم لبعض مشاهير المحدثين في هذا العصر.

المبحث الخامس: الرد على شبه لبعض المستشرقين.

المبحث الأول: تدوين الحديث في هذا العصر، وأشهر الكتب المؤلفة فيه

ظهر لك مما أسلفنا ما قام به الصحابة، والتابعون من جمع الحديث، والرحلة في طلبه، وذب الخرافات والأكاذيب عن ساحته، فانتشلوا الأحاديث من أيدي الخوارج والشيعة، ومن تظاهر بالإسلام من الفرس والروم، واليهود وغيرهم، وظهر لك أيضا أنهم أودعوا الأحاديث حوافظهم القوية، وقرائحهم الصافية، فكانوا بذلك في غنى عن الكتابة، وما روي عن بعضهم أنهم كانوا يكتبون الأحاديث، لم يكن منهم لضعف ملكة الحفظ، بل كان لزيادة التأكد من ضبط الأحاديث، وتحرير ألفاظها.

ص: 243

ثم لما انتشر الإسلام، واتسعت البلد، وشاع الابتداع، وتفرقت الصحابة بالأمصار، ومات كثير منهم في الحروب وغيرها، وقل الضبط لضعف ملكة الحفظ، دعت الحاجة إلى تدوين الأحاديث وكتابتها، فكتب أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى إلى عامله، وقاضيه على المدينة أبي بكر بن حزم:"انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم، وذهاب العلماء"، وأوصاه أن يكتب له ما عند عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وكذلك كتب إلى عماله في أمهات المدن الإسلامية بجمع الحديث، وممن كتب إليه بذلك محمد بن شهاب الزهري. ومن هذا الوقت أقبل العلماء على كتابة السنن وتدوينها، وشاع ذلك في الطبقة التي تلي طبقة الزهري. فكتب ابن جريج بمكة "150"، وابن إسحاق "151"، ومالك "179" بالمدينة، والربيع بن صبيح "160"، وسعيد بن أبي عروبة "156"، وحماد بن سلمة "176" بالبصرة، وسفيان الثوري "161" بالكوفة، والأوزاعي "156" بالشام، وهشيم "188" بواسط، ومعمر "153" باليمن، وجرير بن عبد الحميد "188"، وابن المبارك "181" بخراسان.

كان هؤلاء جميعا في عصر واحد، ولا يدري أيهم أسبق إلى جمع الحديث، ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم، وكانت طريقتهم في جمع الحديث، أنهم يضعون الأحاديث المتناسبة في باب واحد، ثم يضمون جملة من الأبواب بعضها إلى بعض، ويجعلونها في مصنف واحد، ويخلطون الأحاديث بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين، على خلاف ما كان يصنعه أهل القرن الأول كالزهري، فإنهم كانوا

ص: 244

يخصون كل مؤلف بباب من أبواب العلم، يجمعون فيه الأحاديث المتناسبة مختلطة بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين.

بدأ التدوين في أواخر عهد بني أمية على ما ذكرنا، ولكن لم يظهر شأنه تمام الظهور إلا في خلافة بني العباس، حول منتصف القرن الثاني، إذ نشطت حركة التدوين في العلوم المختلفة، وأخذت السنة حظها من ذلك1 في هذا الدور على النحو الذي سبق، ولكن أين هذه المؤلفات الحافلة، التي جمعها الزهري، ومن تلاه من المحدثين؟، إنه لم يصلنا منها إلا القليل، كموطأ الإمام مالك، ومسند الإمام الشافعي، والآثار للإمام محمد بن الحسن الشيباني أحد رواة الموطأ المتوفى سنة 189. ولعل سنة التطور في التأليف، هي التي قضت على هذه المؤلفات، والتاريخ يحدثنا أن التأليف في الفنون المختلفة الحديث وغيره، أخذ في التحسن طبقة بعد طبقة، وعصرا بعد عصر، حتى وصل إلى الذروة في الجودة والإتقان، ولا ضير في ذلك ما دامت مادة الأحاديث، التي رويت في كتب الزهري، وغيره موجودة في المصنفات التي تتجدد في كل عصر، آخذة لونا من الترتيب والتهذيب، يتناسب وذوق العصر الذي وضعت فيه، ولنتكلم على أشهر الكتب المؤلفة في هذا الدور فنقول:

موطأ الإمام مالك:

الموطأ كتاب ألفه الإمام مالك، مشتملا على حديث رسول صلى الله عليه وسلم، وأقوال الصحابة وفتاوى التابعين. طلب أبو جعفر

1 مقدمة فتح الباري ص4، ومفتاح السنة وكشف الظنون ج2 ص266 وتدريب الراوي للسيوطي ص24، وتاريخ الخلفاء له أيضا ص173.

ص: 245

المنصور الخليفة العباسي إلى الإمام مالك، أن يجمع ما ثبت لديه، ويدونه في كتاب، ويوطئه للناس، فألف كتابه هذا وسماه الموطأ. وقيل: إن سبب تسميته بذلك أنه لما ألفه عرضه على شيوخه، فواطؤوه عليه فسمي الموطأ. ذكر السيوطي في مقدمته لشرح الموطأ أن مالكا قال:"عرضت كتابي هذا على سبعين فقيها من فقهاء المدينة، فكلهم واطأني عليه فسميته الموطأ". تحرى مالك في موطئه القوي من حديث أهل الحجاز، حتى قالوا: إنه مكث في تأليفه أربعين سنة كاملة ينقحه، ويهذبه. روى السيوطي في مقدمته لشرح الموطأ عن الأوزاعي أنه قال: عرضنا على مالك الموطأ في أربعين يوما، فقال:"كتاب ألفته في أربعين سنة أخذتموه في أربعين يوما؟ ما أقل ما تفقهون فيه".

ومن عادة مالك في موطئه أن يذكر في مقدمة الموضوع، ما جاء فيه من الحديث، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ما ورد فيه من الآثار عن الصحابة والتابعين، وندر أن يكونوا من غير أهل المدينة؛ لأن مالكا لم يرحل عنها، وأحيانا يذكر ما عليه العمل أو الأمر المجتمع عليه في المدينة، وأحيانا يتبع الحديث بتفسير كلمة لغوية، أو بيان المراد من بعض الجمل.

درجة أحاديث الموطأ:

المتتبع لسيرة مالك في الحديث يجد أنه كان يتحرى في المتون، وينتقي في الأسانيد، شهد له بذلك العلماء قديما وحديثا. ولما كان الموطأ هو خلاصة لجهود هذا المحدث الكبير، والإمام القدير، في أربعين عاما جاء كتاب عظيما، متقنا في بابه، غاية في المتانة، وقد بين العلماء سلفا، وخلفا أن أحاديث الموطأ كلها صحيحة، وأن أسانيده وردت جميعها متصلة،

ص: 246

أما ما قاله الحافظ ابن حجر العسقلاني: "أن كتاب مالك صحيح عنده، وعند من يقلده على ما اقتضاه نظره من الاحتجاج بالمرسل، والمنقطع وغيرهما"، فهو يعبر عن رأيه الخاص، ولكن يرى غيره من العلماء أنه ليس في الموطأ حديث مرسل، ولا منقطع إلا قد اتصل سنده من طرق أخرى، وعليه فأحاديثه صحيحة من هذا الوجه، وقد تناول الناس أحاديث الموطأ بالتخريج، حتى في زمن مؤلفه، ووصلوا ما فيه من مرسلات ومنقطعات، ومن هؤلاء من شارك مالكا في شيوخه كالسفيانين، وابن أبي ذئب وغيرهم1. وهذا هو الحافظ ابن عبد البر أحد علماء القرن الخامس، يصنف كتابا حافلا في وصل ما في الموطأ من المرسل والمنطقع، والمعضل قال: وجميع ما فيه من قوله "بلغني"، ومن قوله عن "الثقة" عنده مما لم يسنده أحد وستون حديثا، كلها مسندة من غير طريق مالك إلا أربعة أحاديث لا تعرف أحدها، وهو في باب العمل في السهو: "إني لا أنسى، ولكن أنسى لأسن"، والثاني: "وهو في باب ما جاء في ليلة القدر من كتاب الاعتكاف، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرى أعمار الناس قبله، أو ما شاء الله من ذلك فكأنه تقاصر أعمار أمته، ألا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر"، والثالث: "وهو في كتاب الجامع"، قول معاذ: "آخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وضعت رجلي في الغرز أن قال: "حسن خلقك للناس"، والرابع وهو في باب الاستمطار بالنجوم في أواخر كتاب الصلاة: "إذا نشأت بحرية، ثم تشاءمت فتلك عين غديقة". ا. هـ.

1 انظر حجة الله البالغة جـ1 ص133.

ص: 247

وهذه الأحاديث الأربعة ثبت ما يشهد بوصلها أيضا. قال ابن عبد البر في الحديث الأول أن معناه صحيح في الأصول، وقد قال سفيان: إذا قال مالك بلغني فهو إسناد صحيح، وأما الحديث الثاني فقال السيوطي في كتابه تنوير الحوالك: له شواهد من حيث المعنى مرسلة ثم سردها، وأما الثالث فقد ورد معناه عند الترمذي، وأما الحديث الرابع، فيشهد له ما ذكره الشافعي في الأم بسنده من غير طريق مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا نشأت بحرية، ثم استحالت شامية فهو أمطرها"، هذا وقد تناول العلماء تلك الأحاديث الأربعة بالبحث والتمحيص، وحكموا بوصلها، فأفردها الحافظ ابن الصلاح في تأليفه وحكم بوصلها، وكذلك الحافظ بن مرزوق المعروف بالخطيب أفرد جزءا في أسانيدها، وكذلك ابن أبي الدنيا أسند اثنين منها في أقليد التقليد.

ومما يدل على أن هذه الأحاديث الأربعة، متصلة كغيرها من أحاديث الموطأ قول سفيان بن عيينة:"كان مالك لا يبلغ من الحديث إلا صحيحا، ولا يحدث إلا عن ثقات الناس"1. وبناء على شهادة العلماء من السلف، والخلف لهذا الكتاب بالصحة، والاتصال في جميع أحاديثه لا يسعنا إلا أن نتبعه في ذلك، ولا ينبغي أن يظن غير هذا بمثل الإمام الكبير، والمحدث النقادة الجليل أما مدار الهجرة، وعالم أهل الحجاز.

عدد أحاديث الموطأ:

اختلف العلماء في عدد أحاديثه، فابن الهباب يقول: أن مالكا روى مائة ألف حديث جمع منها في الموطأ عشرة آلاف حديث، ثم لم يزل يعرضها على الكتاب والسنة، ويختبرها بالآثار، حتى رجعت إلى خمسمائة، وأبو بكر الأبهري يقول: جملة ما في الموطأ من الآثار عن النبي صلى

1 انظر إضاءة الحالك ص63، وما بعدها.

ص: 248

الله عليه وسلم وعن الصحابة، والتابعين ألف وسبعمائة وعشرون حديثا.

المسند منها ستمائة حديث، والمرسل مائتان واثنتان وعشرون حديثا، والموقوف ستمائة وثلاثة عشر، ومن قول التابعين مائتان وخمسة وثمانون، وابن حزم يقول: أحصيت ما في الموطأ لمالك، وما في حديث سفيان بن عيينة، فوجدت في كل منهما من المسند خمسمائة حديث ونيفا، وثلثمائة مرسلا ونيفا، وفيه نيف وسبعون حديثا، قد ترك مالك نفسه العمل بها، وفيها أحاديث ضعيفة وهَّاها جمهور العلماء. ا. هـ.

وهذا الخلاف بينهم إنما هو راجع لاختلاف آخر في روايات الموطأ، فالعادون لحديثه، إنما قال كل منهم على حسب الرواية، التي وقعت له فقد نقل السيوطي في تدريبه عن الحافظ صلا الدين العلائي أنه قال:"روى الموطأ عن مالك جماعات كثيرة، وبين رواياته اختلاف من تقديم وتأخير، وزيادة ونقص ومن أكبرها زيادات رواية ابن مصعب قال ابن حزم: في موطأ ابن مصعب هذا زيادة على سائر الموطآت نحو مائة حديث". ا. هـ.

كذلك في رواية محمد بن الحسن مائة وخمسة وسبعون حديثا زادها من غير طريق مالك، منها ثلاثة عشر عن أبي حنيفة، وأربعة عن أبي يوسف والباقي عن غيرها1. ومن ذلك اختلفت أقوال الناس في عد أحاديث الموطأ، وكل حكم بما علم.

روايات الموطأ:

نسخ الموطأ كثيرة، والذي اشتهر منها يبلغ نحو الثلاثين نسخة، وكثيرا ما يقع بينها الاختلاف بالتقديم، والتأخير والزيادة والنقصان

1 انظر تدريب السيوطي ص32، وما بعدها ومفتاح السنة للخولي ص24.

ص: 249

حسب تزيد الرواة فيها، وقد ذكر السيوطي أن المشتهر عن الرواة أربع عشرة نسخة ثم سردها، منها:

1-

نسخة يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي، سمع الموطأ أولا عن عبد الرحمن المعروف بشبطون، ثم رحل إلى مالك مرتين، وسمع منه الموطأ بلا واسطة، إلا ثلاثة أبواب في آخر كتاب الاعتكاف.

2-

نسخة أبي مصعب أحمد بن أبي بكر القاسم، قاضي المدينة قالوا: إن موطأه آخر الموطآت التي عرضت على مالك، ويوجد في موطئه زيادة نحو مائة حديث عن سائر الموطآت.

3-

نسخة الإمام محمد بن الحسن الشيباني، صاحب أبي حنيفة، وهو من أجل أصحاب مالك في الحديث، كما أنه من أعظم أصحاب أبي حنيفة في الفقه، ونسخته تزيد كثيرا على نسخة يحيى الليثي، لكنه شحنها بآثار من غير طريق مالك يحتج بها لفه أبي حنيفة، وهي مطبوعة في الهند وإيران، ولها هناك وفي الحرمين شهرة عظيمة، وقال في كشف الظنون: قال أبو القاسم محمد بن حسين الشافعي الموطآت المعروفة عن مالك أحد عشر موطأ، معناها متقارب والمستعمل منها أربعة: موطأ يحيى بن يحيى، وموطأ ابن بكير وأبي مصعب الزهري. وابن وهب ثم ضعف الاستعمال إلا في موطأ يحيى، ثم موطأ ابن بكير"1.

شروح الموطأ:

شرح الموطأ خلق كثير منهم:

1-

الحافظ أبو عمر بن عبد البر النمري، القرطبي، المتوفى سنة 463هـ، وله عليه شرحان أولهما "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد"، رتبه على أسماء شيوخ مالك على

1 انظر إضاءة الحالك ص 40-51، وكشف الظنون جـ2 ص370.

ص: 250

حروف المعجم وهو كتاب لم يتقدمه أحد إلى مثله. قال ابن حزم: "لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله. فكيف أحسن منه".

وقال ابن عبد البر في وصف هذا الكتاب:

سمير فؤادي من ثلاثين حجة

وصاقل ذهني والمفرج عن همي

بسطت لهم فيه كلام نبيهم

لما في معانيه من الفقه والعلم

وفيه من الآداب ما يهتدى به

إلى البر والتقوى، ونهي عن الظلم

والثاني: "كتاب الاستذكار في شرح مذاهب علماء الأمصار"، شرح فيه الموطأ على وجهه، وكان أبو عمر رضي الله عنه، موفقا في التأليف معانا عليه.

2-

ومنهم جلال الدين السيوطي، المتوفى سنة 911، وسمى شرحه "كشف المغطى في شرح الموطأ"، واختصره في شرحه "تنوير الحوالك"، وطبع هذا الأخير مع الشرح بمصر في ثلاثة أجزاء صغيرة.

3-

ومحمد بن عبد الباقي الزرقاني، المصري المالكي، المتوفى سنة 1014هـ شرحه شرحا وسطا في ثلاثة مجلدات.

4-

وعبد الحي بن محمد اللكنوي الهندي المولود سنة 1264هـ في كتابه "التعليق الممجد على موطأ الإمام محمد"، وقد طبع بالهند.

5-

كما شرح الموطأ قطب الدين أحمد بن عبد الرحيم، المحدث الحنفي الدهلوي، المتوفى سنة 1176 شرحه في شرحين أحدهما باللسان الفارسي، وسماه "المصفى" جرد فيه الأحاديث والآثار، وحذف أقوال مالك وبعض بلاغاته، وتكلم فيه كلام المجتهدين، وثانيهما بالعربية وسماه "المسوى" اكتفى فيه بذكر اختلافات المذاهب وعلى شيء من شرح الغريب وغيره مما لا بد منه1.

1 انظر كشف الظنون جـ2 ص370، ومفتاح السنة ص27، والانتقاء لابن البر ص5-7، وإضاءة الحالك ص8-9.

ص: 251

مختصرات الموطأ:

اختصره كثير من العلماء منهم الإمام، أبو سليمان الخطابي، المتوفى سنة "288" وأبو الوليد الباجي، المتوفى سنة "474". وابن رشيق القيرواني، المتوفى سنة "456"، وابن عبد البر وسمى كتابه التقصي في مسند الموطأ، ومرسله وأبو القاسم عبد الرحمن الغافقي الجوهري، المتوفى سنة "385هـ"، اشتمل مختصره على ستمائة وستة وستين حديثا مسندا1.

عناية الناس بالموطأ:

منذ ألف مالك الموطأ، والعلماء يضربون أكباد الإبل إلى المدينة يسمعونه منه، حتى لقد رواه عن مالك بغير واسطة أكثر من ألف رجل، فكان ذلك مصادقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم، فيما رواه الترمذي:"يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل في طلب العلم، فما يجدون أعلم من عالم المدينة"، قال عبد الرازق:"هو مالك بن أنس".

عني الناس بالموطأ على اختلاف مشاربهم، فكان منهم المبرزون من الفقهاء كالشافعي، ومحمد بن الحسن وابن وهب، وابن القاسم ومنهم نحارير المحدثين كيحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الرزاق بن همام، ومنهم الملوك والأمراء كالرشيد، وابنيه الأمين والمأمون، وبذلك اشتهر الموطأ في عصر مؤلفه، فانكب الناس جميعا عليه من جميع ديار الإسلام، القاصي منهم والداني ثم لم يأت زمان، إلا ازداد الموطأ فيه شهرة على شهرة، واشتدت عناية الناس به، ولا عجب فعليه بنى فقهاء الأمصار مذاهبهم حتى أهل العراق في بعض أمورهم،

1 كشف الظنون جـ2 ص370، وإضاءة الحالك والرسالة المستطرفة ص11.

ص: 252

ولم يزل العلماء يخرجون أحاديثه، ويذكرون متابعاته وشواهده، ويشرحون غريبه، ويضبطون مشكله ويبحثون عن فقهه ويفتشون عن رجاله، كما لم يزل الخلفاء يعرفون له قدره. فهذا أبو نعيم يروى في الحلية عن مالك بن أنس أنه قال: شاورني هارون الرشيد أن يعلق الموطأ في الكعبة، ويحمل الناس على ما فيه فقلت: لا تفعل فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، اختلفوا في الفروع وتفرقوا في البلدان وكل مصيب. فقال: وفقك الله يا أبا عبد الله، وقال القاضي الفاضل في بعض رسائله: ما أعلم أن لملك رحلة في طلب العلم، إلا للرشيد فإنه رحل بولديه الأمين، والمأمون لسماع الموطأ على مالك. وكان أصل الموطأ بسماع الرشيد بخزانة المصريين، ثم رحل لسماعه صلاح الدين الأيوبي إلى الإسكندرية، فسمعه على ابن طاهر بن عوف1.

رأى بعض الكاتبين في الموطأ، والرد عليه:

يزعم بعض الكاتبين العصريين أن مالكا رحمه الله، لم يكن محدثا وأن كتاب الموطأ لم يكن كتاب حديث، وآثار وقد ذهب إلى هذا الزعم الأستاذ علي حسن عبد القادر وأيده في كتابه:"نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي".

ونحن ننقل لك بعض فقرات من كلامه في ذلك، ثم نكر عليها بالأبطال.

قال الأستاذ في كتابه المذكور: "وكتاب مالك الأساسي هو الموطأ الذي يعد -إذا ما استثنينا المجموع لزيد- أول كتاب فقهي وصل إلينا في الإسلام على العموم، والذي يصور لنا على وجه التقريب إلى

1 انظر حجة الله البالغة جـ1 ص133، كشف الظنون ج2 ص371- مفتاح السنة ص26، تاريخ الخلفاء ص195.

ص: 253

أي حد وصلت الخطوات في التدوين الفقهي إلى ذلك الوقت، ولا يمكن أن يعتبر الموطأ أول كتاب كبير في الحديث، فبالرغم مما له من مكانة في الإسلام، وما لمالك أمام دار الهجرة من تقدير، فإن كتابه لم يعتبر في الأصل كتابا في الحديث.

ثم قال: والحقيقة أن كتاب مالك ليس كتاب حديثث بالمعنى الصحيح، كالكتب التي وضعها المحدثون في القرون التالية، ولم يذكر في تاريخ الكتب ضمن كتب الحديث. فهو في الواقع كتاب فقه. ليس من أجل أن الموطأ لم يستوعب جميع أبواب كتب الحديث الجامعة، بل من ناحية الغرض من هذا الكتاب ومن ناحية الوضع. لم يكن الغرض فيه الإتيان بالأحاديث الصحيحة التي كانت موجودة إذ ذاك وجمعها، وإنما كان الغرض عند مالك النظر في الفقه والقانون. ثم أخذ يستدل لذلك بأن مالكا أودعه أقوال الصحابة، وفتاوي التابعين وبعض آراء له. إلى أن قال: ومن هنا نرى أن مالكا لم يكن جامعا للحديث، ولكنه كان زيادة على هذا أولا، وبالذات شارحا للأحاديث من جهة النظر العملية، ويمكن التدليل على هذا بأمثلة كثيرة من الموطأ -وساق بعض الأمثلة، وبعد أن تكلم عن الرأي عند مالك، قال: فمن هذا يتبين لنا بسهولة أن مالكا لم يكن محدثا، وأن الحديث عنده لم يكن المعتمد الوحيد لديه1".

من هذا نرى أن الأستاذ يبعد الموطأ من مجموعة الكتب الحديثية، ويخرج مالكا من زمرة أئمة الحديث، وسنرد عليه في كلا الأمرين.

أولا: الرد على زعمه بأن الموطأ ليس كتاب حديث.

رأينا الأستاذ يعتمد في إخراج الموطأ من كتب الحديث على أمرين.

1 انظر ص244-249 من كتاب "نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي".

ص: 254

أحدهما أنه لم يكن غرض مالك أن يجمع كتابا في الحديث الصحيح، بل كان غرضه النظر في الفقه والقانون إلخ. ثانيهما وضع الكتاب، وترتيبه على أبواب الفقه.

وللرد عليه نقول:

1-

سلمنا أن غرض مالك النظر في الفقه، والقانون كما قلت، فهل يمنع هذا من أن يكون له مع ذلك غرض آخر، وهو جمع طائفة من الأحاديث الصحيحة في كتابه، فيكون كتابا جامعا للحديث النبوي، وللفقه الإسلامي وبذلك يكون مرجعا للعلماء على اختلاف مشاربهم، محدثين وفقهاء؟ بل هذا هو الواقع الذي حدثنا عنه التاريخ. فقد روى الثقات أن علماء الأمصار على اختلاف منازعهم، رحلوا إلى المدينة لسماع الموطأ من مالك، وكان منهم الفقهاء المجتهدون أمثال مالك، كالشافعي الإمام، ومحمد بن الحسن، وأبي يوسف صاحبي أبي حنيفة النعمان. فسماع هؤلاء للموطأ وروايتهم له ونظرهم فيه ورجوعهم عن بعض المسائل إلى ما دل عليه الحديث من الموطأ، كما حصل من الإمام محمد بن الحسن، أكبر دليل على أن الموطأ أدخل في باب الحديث منه في باب الفقه، والرأي.

هذا وقد سبق لك عناية المحدثين بالموطأ، حتى في عصر مالك نفسه أمثال يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الرازق بن همام وغيرهم، حتى الملوك والأمراء أمثال الرشيد. وصلاح الدين الأيوبي مما يدلك على أن الموطأ أقرب إلى الحديث منه إلى الفقه.

2-

أن استدلال الأستاذ بوضع الكتاب على هذا النحو من ترتيبه

على الأبواب، وإيداعه كثيرا من أقوال الصحابة، وفتاوى التابعين وبعض

ص: 255

آراء مالك على أنه كتاب فقه لا كتاب حديث. لا يدل على ما ذهب إليه، ولا يخرج الموطأ عن كونه كتاب حديث، فالبخاري الذي هو إمام المحدثين غير منازع، قد سلك هذه الطريقة في جامعه الصحيح، ورتبه على أبواب الفقه، وذكر فيه الموقوفات وكثيرا من الآيات القرآنية، وكان له اجتهادات وآراء مال إليا واستدل عليها في كتابه، ومع ذلك لم يقل أحد:"إن صحيح البخاري، ليس كتاب حديث، بل هو كتاب فقه، وإنه إلى الفقه أقرب منه إلى الحديث".

ولم يكن من غرض البخاري على ما صرح به أن يستوعب الأحاديث الصحيحة، التي كانت موجودة في عصره، ويجمعها ولو كان ما يقوله الأستاذ حقا، لكان صحيح البخاري أولى بالخروج من جملة الكتب الحديثية، مع أنه من أمهاتها، والمقدم في الحديث على جميعها. فمسلك مالك في وضع كتابه على أبواب الفقه مختلطة أحاديثه بأقوال الصحابة، وفتاوى التابعين لم ينفرد به عن سائر المحدثين في عصره، بل كانت تلك طريقة المحدثين عامة في التصنيف من أقران مالك أمثال ابن عيينة، وشعبة ابن الحجاج، وعبد الرزاق، والليث بن سعد وأضرابهم.

ثانيا: الرد على زعمه أن مالكا لم يكن محدثا

كثيرا ما يردد الأستاذ في كتابه أن مالكا، لم يكن معدودا في طائفة أهل الحديث مخالفا في ذلك إجماع أئمة المسلمين في كل قرن من القرون.

ولعل الذي جعل الأستاذ يقول ذلك، أنه وجد مالكا يجتهد رأيه في بعض مسائل لم تسعفه فيها النصوص. أو أنه بنى ذلك الزعم على زعمه في الموطا أنه ليس كتاب حديث، بل هو كتاب فقه فمالك إذن عنده فقيه لا محدث، وقد تبين لك بطلان هذا الزعم فيما سبق. أما أن مالكا

ص: 256

كان يرى ويجتهد فهذا مسلم؛ لأنه إمام جليل بلغ رتبة الاجتهاد المطلق، ولكن ذلك لا يخرجه عن كونهم محدثا من كبار المحدثين، وجهبذا من جهابذة النقاد. اجتمع لدى مالك ثروة حديثية عظيمة، لم تجتمع لأحد من أقرانه، فقد ذكروا أنه روى مائة ألف حديث، وأنه كان نقادة للرجال بحاثة عن الأسانيد أقر له بذلك أقرانه قبل تلاميذه، والناس في كل عصر يعتمدون على حديثه، حتى إن البخاري إذا وجد الحدي عن مالك، فإنه لا يعدل عنه، ثم إن المحدث لا يخرجه من زمرة المحدثين نظره في الرأي، وبلوغه درجة الاجتهاد، وتكلمه على تفسير القرآن وفقه الحديث، فذلك وإن كان يلحقه بصفوف الفقهاء، لكنه لا يخرجه عن حظيرة المحدثين النبهاء، وليس مالك ببدع في ذلك، بل كان غيره من المحدثين من جمع إلى الحديث الرأي والاجتهاد، وكان له مذهب خاص كالثوري، وابن عيينة، والأوزاعي وإن بادت مذاهبهم. وهذا هو البخاري بلغ درجة الاجتهاد، وكان له آراء خالف فيها كثيرا من الفقهاء، كما ستقف عليه فيما بعد.

يقول الأستاذ تحت عنوان: "مكان الموطأ في تدوين الحديث1".

على أن مالكا، وإن لم يكن محدثا حقيقيا، فقد أعطى للمحدثين فائدة كبيرة، وأمد البحث النقدي التاريخي بأداة ثمينة، وإن لم يكن ذلك غرض مالك ذلك أنه كان ينظر بالنسبة لأغراضه العملية، إلى ما هو معترف به في المدينة من الروايات، ولم يكن قد امتد إليه هذا الشك والارتياب في الحديث، الذي أقض مضاجع المحدثين المتأخرين. فإن مسألة الإسناد لم تكن بعد أمرا ضروريا بدليل أنا نجد ثلث الموطأ مرسلا، أو مقطوعا بلا خطام، ولا أزمة كما يقول المحدثون، وقد استعمل مالك بكل هدوء المراسيل

1 ص250.

ص: 257

في استنتاجه الفقهي؛ لأنه لم يكن يدور في خلده إلا تأييده السنة، والعمل ولم يفكر كثيرا في النقد الشكلي، فمن أحاديثه البالغة 1720 نجد 600 "ستمائة" فقط مسندة و222 مائتين واثنين وعشرين مرسلة و613 "ستمائة وثلاثة عشر"، موقوفة و285 "مائتين وخمسة وثمانين" مقطوعة وبينما كان المحدثون يبحثون عن الطرق المختلفة للحديث، كان مالك يكتفي بطريق واحد الأمر، الذي يميز المحدث من غير المحدث. ولهذا نجد عند مالك كثيرا من الأحاديث، التي لا توجد عند المتأخرين". ا. هـ.

ونقول للأستاذ: من أين يعطى مالك للمحدثين فائدة كبيرة، وهو غير محدث وهل فاقد الشيء يعطيه، ومن أين هو يمد البحث النقدي التاريخي بأداءة ثمينة في الوقت، الذي تقرر فيه أنه كان لا يعتني بالأسانيد، ولا يجمع طرق الأحاديث الأمر، الذي يميز المحدث عن غير المحدث أن هذا تناقض ظاهر.

يقرر الأستاذ أن مالكا لم يكن يعني بالإسناد؛ لأن مسألة الإسناد لم تكن بعد أمرا ضروريا، فلم يكن قد سرى إلى مالك الشك في أمر الأسانيد، حتى يبحث عنها، واستدل على ذلك بوجود المراسيل، والموقوفات والمقاطيع في الموطأ -وهذا افتيات على التاريخ. من الذي قال: إن مسألة الإسناد لم تعد بعد أمرا ضروريا؟، والناس من زمن فتنة الخوارج، والشيعة في عناء البحث عن الأسانيد، وتمييز الغث من السمين، وكلما امتد الزمان كثر الكذابون والمتقولون في الأحاديث خصوصا في عصر مالك، وكيف يرمي الأستاذ مالكا بالغفلة، وعدم الإمعان فيما يتلقاه من العلم، وهو القائل: ربما جلس إلينا الشيخ، فيحدث جل نهاره ما نأخذ عنه حديثا واحدا ما بنا أن تهمه، ولكن لم يكن من أهل الحديث. وكيف لا ينظر مالك في الرجال، ويفحص الأسانيد وهو القائل: "أدركت جماعة من أهل المدينة

ص: 258

ما أخذت عنهم شيئا من العلم، وإنهم لمن يؤخذ عنهم العلم وكانوا أصنافا، فمنهم من كان كاذبا في أحاديث الناس، ولا يكذب في علمه فتركته لكذبه في غير علمه، ومنهم من كان جاهلا بما عنده فلم يكن عندي أهلا للأخذ عنه، ومنهم من كان يرمي برأي سوء"، وكيف لا يكون مالك محدثا، وهذا يحيى بن سعيد القطان يقول: كان مالك إماما في الحديث"، وهذا أبو قدامة يقول: كان مالك أحفظ أهل زمانه1.

أما وجود المراسيل، والموقوفات والمقطوعات في الوطأ، فقد كان مالك يرى الاحتجاج بها، وقد تقدم لك الكلام على ذلك فيما سبق، ويكفي في توثيقه قول سفيان بن عيينة وهو من أقرانه:"كان مالك لا يبلغ من الحديث إلا صحيحا، ولا يحدث إلا عن ثقات الناس". الحق أن مالكا كان إماما في الفقه والحديث معا.

1 انظر ترجمة مالك في الانتقاء لابن عبد البر.

ص: 259