المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: الشيعة ومعتقداتهم - الحديث والمحدثون

[محمد محمد أبو زهو]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌الإهداء

- ‌الداعي لنشر هذا الكتاب:

- ‌مقدمة المؤلف:

- ‌مقدمة الكتاب

- ‌المبحث الأول: معنى السنة لغة واصطلاحا

- ‌المبحث الثاني: السنة من الوحي

- ‌المبحث الثالث: منزلة السنة النبوية في الدين

- ‌المبحث الرابع: في أن السنة النبوية مبينة للقرآن الكريم

- ‌السنة في أدوارها المختلفة

- ‌الدور الأول: السنة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الأول: استعداد الصحابة لحفظ السنة ونشرها

- ‌المبحث الثاني: "مجالس النبي صلى الله عليه وسلم العلمية

- ‌المبحث الثالث: كيف كان الصحابة يتلقون الحديث، عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: البعوث والوفود، وأثرها في انتشار الحديث النبوي:

- ‌الدور الثاني: السنة في زمن الخلافة الراشدة

- ‌المبحث الأول: وصف الحالة السياسية لهذا العهد

- ‌المبحث الثاني: منهج الصحابة في رواية الحديث

- ‌المبحث الثالث: رد شبه واردة على منهج الصحابة في رواية الحديث، والعمل به

- ‌الدور الثالث: السنة بعد زمن الخلافة الراشدة إلى نهاية القرن الأول

- ‌المبحث الأول: وصف الحالة السياسية وظهور الفرق

- ‌المبحث الثاني: الخوارج ورأيهم في الخلافة

- ‌المبحث الثالث: الشيعة ومعتقداتهم

- ‌المبحث الرابع: جهود الصحابة والتابعين في جمع الحديث ورواياته ومناهضتهم للكذابين

- ‌المبحث الخامس: كتابة الحديث

- ‌المبحث السادس: تراجم لبعض مشاهير الرواة من الصحابة، رضي الله عنهم

- ‌المبحث السابع: تراجم لبعض رواة الحديث من التابعين

- ‌المبحث الثامن:

- ‌الدور الرابع: السنة في القرن الثاني

- ‌المبحث الأول: تدوين الحديث في هذا العصر وأشهر الكتب المؤلفة فيه

- ‌المبحث الثاني: شيوع الوضع في الحديث في هذا العصر

- ‌المبحث الثالث: النزاع حول حجية السنة في القرن الثاني

- ‌المبحث الرابع: تراجم لبعض مشاهير المحدثين في القرن الثاني

- ‌المبحث الخامس: الرد على تمويهات لبعض المستشرقين لها صلة بهذا العصر، وما قبله

- ‌الدور الخامس: السنة في القرن الثالث

- ‌المبحث الأول: النزاع بين المتكلمين وأهل الحديث وأثر ذلك في الحديث

- ‌المبحث الثاني: نشاط أهل الأهواء في وضع الأحاديث

- ‌المبحث الثالث: تراجم لبعض أئمة الحديث في هذا العصر

- ‌المبحث الرابع: تدوين الحديث في هذا العصر وطريقة العلماء في ذلك

- ‌الدور السادس

- ‌المبحث الأول: وصف الحالة السياسية في هذا الدور

- ‌المبحث الثاني: السنة في القرن الرابع

- ‌المبحث الثالث: السنة بعد القرن الرابع إلى آخر هذا الدور

- ‌الدور السابع

- ‌المبحث الأول: وصف الحالة السياسية

- ‌المبحث الثاني: منهج العلماء رواية السنة في هذا الدور

- ‌المبحث الثالث: عناية المسلمين بالسنة في الممالك المختلفة

- ‌المبحث الرابع: طريقة العلماء في تصنيف الحديث في هذا الدور

- ‌الخاتمة:

- ‌خاتمة الطبع:

- ‌تقاريظ الكتاب:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌المبحث الثالث: الشيعة ومعتقداتهم

‌المبحث الثالث: الشيعة ومعتقداتهم

لم يوص النبي صلى الله عليه وسلم لعلي، ولا لغيره بالخلافة، ولم يرد عنه في حديث صحيح أنه عين عليا للخلافة. كما أنه لم يرد من طريق صحيح أن عليا ادعى شيئا من ذلك، ولو كان عنده في ذلك شيء لذكره للصحابة، الذين كانوا لا يتوقفون في إنفاذ وصية نبيهم صلى الله عليه وسلم. بل على عكس ذلك، فقد بايع علي أبا بكر بالخلافة، كما بايع عمر ثم عثمان رضي الله عنهم.

كانت الفكرة الأولى في التشيع لعلي أن جماعة من الصحابة، يرون بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الخلافة ميراث أدبي لعلي بن أبي طالب، وأنه أولى بها لعدة أمور منها أنه أقرب عاصب لرسول الله بعد عمه العباس، ومنها سبقه إلى الإسلام، وشهوده بدرا، وغيره من المشاهد، ومنها كونه زوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها مزاياه الخلقية والعلمية، فقد كان ذا شجاعة وقوة، وعبقرية قضائية نادرة حتى قيل "قضية ولا أبا حسن لها" أما عمه العباس، فقد تأخر إسلامه إلى فتح مكة، وشهد بدرا إلى جانب المشركين، ولم تتوفر لديه تلك المزايا. إلا أن أنصار علي لم يظهروا برأيهم هذا محافظة على وحدة المسلمين، فلم يتأخروا عن بيعة أبي بكر، والخليفتين من بعده فلا وقعت الفتنة بقتل عثمان، كان أنصار علي أول من ألح عليه في تولي الخلافة.

ثم لما قام معاوية يطالب بدم عثمان، ووقعت بينه وبين علي حروب انتهت بمعركة "صفين" على ما سبق راينا أن فكرة التشيع لعلي تلبس ثوبا

ص: 88

جديدا، وينضم إليها كثير من الزنادقة، وأرباب الأهواء والمنافقين بقصد الإفساد في الدين، ويظهر على لسان هؤلاء الذين عرفوا بالشيعة، فيما بعد أن الخلافة حق شرعي، لعلي أستحقه بوصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أجل ذلك كانوا يطلقون عليه اسم "الوصي"، وأن الخلافة من بعده حق لبنيه من أخرجها عنهم فهو غاصب ظالم. وقد حدا بهم هذا إلى انتقاص الشيخين أبي بكر وعمر؛ لأنهما غصبا عليا حقه، وقد تولوا الحسن، ثم الحسين وبعد مقتل الأخير، اختلفوا لمن تكون الخلافة من أولاد علي، فبعضهم جعلها في أكبر أولاده، فتولوا بعد الحسين ابنه عليا زين العابدين. وبعد وفاته تولوا ابنه محمد الباقر. وبعد وفاة الباقر انقسموا، فمنهم من تولى زيد بن علي، وهم المعروفون بالزيدية. ومنهم من تولى جعفر الصادق بن محمد الباقر. إلا أن الزيدية كانت أعدلهم رأيا، وأخفهم غلوا فإنهم لم يتبرأوا من الشيخين، وكانوا يقولون: أن الخلافة في أولاد علي من فاطمة.

والإمام في نظرم يتعين بالوصف لا بالاسم، كما يقول أتباع جعفر الصادق. فمن استكمل صفات الإمامة من أولاد علي، وجبت عليهم نصرته. وعلى الجملة فقد افترقت الشيعة ثلاث فرق "الكيسانية"، وتولوا محمد بن الحنفية. و"الإمامية الجعفرية"، وتولوا جعفر الصادق. و"الإمامية الزيدية"، وتولوا زيد بن علي بن الحسين.

هذه هي أشهر فرقهم، وهناك فرق كثيرة منهم لا يهمنا سردها، ولكنا نشير إلى بعض عقائد الشيعة بوجه عام فنقول:

من عقائد الشيعة:

أولا: الرجعة يعتقد أصحاب هذه العقيدة، أن عليا لم يمت بل هو حي مختف، وسيعود فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا. وبعضهم

ص: 89

يجعل ذلك لإمامهم من أولاد علي كالكيسانية، الذين اعتقدوا أن محمد بن الحنفية حي بجبال رضوى، عن يمينه أسد وعن يساره نمر، تحدثه الملائكة يأتيه رزقه غدوا وعشيا، ولا يموت حت يملأ الأرض عدلا، كما ملئت جورا.

ثانيا: النبوة ادعى بعض فرق الشيعة النبوة لعلي بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يقول أن جبريل، أخطأ في النزول بالرسالة على محمد، وإنما هي لعلي، وبعض هؤلاء يعتذر عن جريل بأن محمد يشبه عليا، وبعضهم ينحى عليه باللائمة ويكفرونه.

ثالثا: الألوهية. ذهبت فرقة من الشيعة إلى تأليه علي. وهم أصحاب ابن سبأ الحميري، ويقال: أنهم أتوا عليا فقالوا له: أنت هو، قال لهم علي: وما هو؟ قالوا: أنت الله، فاستعظم الأمر وأمر بنار فأحرقهم.

ومنهم فرقة ادعت الألوهية لمحمد صلى الله عليه وسلم.

رابعا: التقية. وهي المداراة والمداجاة. فكانوا يظهرون الطاعة لمن بيدهم الأمر، ويخفون عنهم أمر إمامهم المختفي في زعمهم، ويعملون على نشر دعوتهم في الخفاء، حتى إذا ما كثر أنصارهم قلبوا ظهر المجن للدولة الحاكمة، وشهروا عليها

السلاح، وهم يعتقدون أن الأخذ بالتقية جزء من الدين، ويتكلفون لإثباتها تأويلات باطلة لبعض الآيات كقوله تعالى:{أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} ، أي بما صبروا على التقية.

أثر التشيع في الحديث النبوي:

إنك إذا تأملت أيها القارئ في كثير من عقائد الشيعة، لا تتردد في الحكم بكفر كثير منهم، فمن يقول بحلول الباري في علي وغيره، ومن يقول بنوة علي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ومن يتأول القرآن على غير

ص: 90

تأويله ويقول: أن له سبعين بطنا. لا شك في أن جميع هؤلاء كفرة، مارقون من الدين مروق السهم من الرمية. وليس لدى هؤلاء الدعة دعاة الضلال من حجة سوى ما يزعمونه من الإلهام. والإلهام ما كان حجة عند غير الأنبياء في تقرير حقيقة من الحقائق، فإن للخصم أن يدعي الإلهام في إثبات النقيض، وإبطال ما ذهبوا إليه، إذ ليس إلهامهم بأولى من إلهام غيرهم. أما الميزان الصحيح في تحقيق الشرائع، وإثبات العقائد فهو العقل السليم، والمنطق المستقيم، والنقل الصحيح عن النبي المعصوم، الذي ثبتت نبوته بالأدلة القاطعة، والمعجزات الباهرة.

التشيع ستار لأعداء الإسلام:

ويقيني أن التشيع كان ستارا، احتجب وراءه كثير من أعداء الإسلام من الفرس، واليهود والروم، وغيرم ليكيدوا لهذا الدين، ويقلبوا نظام هذه الدولة الإسلامية، فقد كان الفرس يزعمون أنهم الأحرار والسادة، وأن ما سواهم من الأمم عبيد، وخدم، وكانت لهم الدولة من قديم الزمان، فلما بدل الله عزهم ذلا وصير ملكهم نهبا على يد العرب، الذين كانوا في نظرهم أقل الأمم خطرا، كبرت عليه المصيبة، وتعاظمت في نفوسهم البلية، فلم يطيقوا الخضوع للدولة الإسلامية، وأخذوا يعملون على أسقاطها، وتوهين شأنها حتى يعود إليهم مجدهم الضائع. ماذا يصنعون، وقد تبين لهم في الحروب أن المسلمين أصلب عودا منهم، وأقوى باسا وأشد شكيمة.

أخذوا يتحسسون أبواب الضعف عند المسلمين، فلم يجدوا بابا أنجح لهم من الحيلة والخداع. فأظهر جماعة منهم الإسلام، وانضموا إلى أهل التشيع مظهرين محبة أهل البيت، وسخطهم على من ظلم عليا رضي الله

ص: 91

عنه. ثم أخذوا يسلكون بهم مفاوز الفتن، والمهالك حتى أبعدوا كثيرا منهم عن التدين الصحيح، بما بثوه فيهم من العقائد الزائفة التي يدور معظمها على هدم قواعد الدين، والتحلل من تعاليم الإسلام، وأحكامه.

وأصل هذه الفتنة على ما ذكر المؤرخون، رجل يهودي يدعى عبد الله بن سبأ أظهر الإسلام، وغلافي حب علي، حتى زعم أن الله تعالى حل فيه.

وأخذ يؤلب الناس على عثمان رضي الله عنه. ومن هذه الأصول الملعونة -على حد تعبير ابن حزم- حدثت طائفتا الإسماعيلية، والقرامطة اللتان تجاهران بترك الإسلام جملة، وتقولان بالمجوسية المحضة.

انهالت هذه الكتائب الهائلة على الإسلام، فأجلبت عليه أول الأمر خيلها، ورجلها فردتها جيوش المسلمين مذءومة مدحورة. فالتمسوا الكيد له عن طريق الحيلة، فوجدوا إمامهم القرآن، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، والذي تكفل الله سبحنه بحفظه. فجاءت شبههم نحو يفضحها ضوء الذبالة، أما التغيير والتبديل، فلم يجدوا إليهما من سبيل، وأما التأويل والرمز كقولهم السماء محمد، والأرض أصحابه والصلاة هي دعاء الإمام، ونحو ذلك من سخافاتهم فيمجها الذوق السليم. ولما فشلوا أمام القرآن، وجهوا همهم نحو السنة النبوية، فوجدوا مجالا عظيما للدس، وإلقاء الأكاذيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

من أكاذيب الشيعة:

أخذ هؤلاء المتشيعون أعداء الإسلام، يصنعون الأحاديث في أغراض شتى حسب أهوائهم ونحلهم. فمن ذلك أحاديث، وضعوها في مناقب علي يرفعون من قدره، وأخرى وضعوها في الحط من شأن معاوية، وبني

ص: 92

أمية. وكتب الموضوعات طافحة بهذه الأكاذيب، ونحن نذكر لك بعضا منها على سبيل المثال، فمن ذلك ما ذكره السيوطي في اللآلئ المصنوعة "جـ1 ص323، 324، 359، 361، 367".

"من مات وفي قلبه بغض لعلي بن أبي طالب، فليمت يهوديا أو نصرانيا" و"يا علي أخصك بالنبوة، ولا نبي بعدي، وتخصم الناس، ولا يحاجك أحد من قريش أو لهم إيمانا بالله، وأوفاهم بعهد الله وأقومهم بأمر الله" إلخ "ستكون فتنة فإن أدركها أحد منكم فعليه بخصلتين كتاب الله، وعلي بن أبي طالب. وفي آخره وهو خليفتي من بعدي".

"إن لكل نبي وصيا، ووارثا وإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب" "مرضرسول الله صلى الله عليه وسلم المرض الذي توفي فيه. وكانت عنده حفصة وعاشة فقال لهما: أرسلا إلى خليلي، فأرسلتا إلى أبي بكر، فجاء وسلم ودخل وجلس، فلم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم حاجة، ثم قام، فخرج ثم نظر إليهما ثم قال: أرسلا إلى خليلي فأرسلتا إلى عمر، فجاء فسلم ودخل، ولم يكن للنبي حاجة فقام وخرج. ثم نظر إليهما فقال: أرسلا إلى خليلي فأرسلتا إلى علي، فجاء فسلم، فلما جلس أمرهما فقامتا.

فقال: يا علي ادع بصحيفة ودواة. فأملى وكتب علي، وشهد جبريل ثم طويت الصحيفة. قال الراوي: فمن حدثكم أنه يعلم ما في الصحيفة إلا الذي أملاها أو كتبها أو شهدها، فلا تصدقوه"، إلى غير ذلك من الروايات المكذوبة التي تثبت النبوة لعلي طورا، والخلافة والوصية بها طورا آخر، وعلى حسب عقائد الوضاع وآرائهم.

الإمام علي يفند بعض أكاذيب الشيعة:

ويظهر أن أمر الوصية من النبي لعلي بالخلافة، كان شائعا على ألسنة هؤلاء القوم، في زمن علي بن أبي طالب يدلنا على ذلك سؤال

ص: 93

بعض الصحابة له عن ذلك، وسؤال غيرم أيضا، وجواب علي كرم الله وجهه بأنه لم يكن من النبي صل الله عليه وسلم، شيء من ذلك، فقد روى البخاري في كتاب العلم عن أبي جحيفة الصحابي أنه قال: قلت لعلي: هل عندكم كتاب قال: لا "وفي رواية كتاب الجهاد: لا والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة" إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة. قال قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، ولا يتل مسلم بكافر. ا. هـ فأنت ترى أبا جحيفة يسال عليا، عن شيء خصهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أسرار الوحي.

وما سأل هذا السؤال إلا؛ لأنه سمع لغطا من الشيعة حول الوصية، والخلافة التي يدعونها لعلي، فنفى ذلك علي نفيا باتا، وأقسم على ذلك، ثم استثنى أشياء لا تمت إلى معتقدات الشيعة بصلة. وقد جاء هذا الحديث بروايات عدة في بعضها زيادات، وليس فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم، أوصى لعلي بشيء أو خصه من أسرار الوحي بشيء مما تزعمه الشيعة "فتح الباري في باب كتابة العلم 1-182".

ومما يدل على ذلك أيضا ما رواه ابن عساكر، عن الحسن أنه قال: لما قدم على البصرة، قام إليه ابن الكواء، وقيس بن عبادة فقالا له: ألا تخبرنا عن مسيرك هذا، الذي سرت فيه تتولى على الأمة، تضرب بضعهم ببعض. أعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم عهده إليك، فحدثنا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعت فقال: أما أن يكون عندي عهد من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فلا. والله لئن كنت أول من صدق به، فلا أكون أول من كذب عليه. ولو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم عهد في ذلك، ما تركت أخاتيم بن مرة، وعمر بن الخطاب يقومان على منبره، ولقاتلتهما بيدي ولو لم أجد إلا بردي هذا. ولكن رسول الله

ص: 94

صلىالله عليه وسلم لم يقتل قتلا، ولم يمت فجأة مكث في مرضه أياما، وليالي يأتيه المؤذن، فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس، وهو يرى مكاني ثم يأتيه المؤذن، فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر يصلي بالناس، وهو يرى مكاني. ولقد أرادت امرأة من نسائه، أن تصرفه عن أبي بكر فأبى وغضب وقال:"أنتن صواحب يوسف. مروا أبا بكر يصلي بالناس"، فلما قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم، نظرنا في أمورنا، فاخترنا لدنيانا من رضيه نبي الله لديننا. وكانت الصلاة أصل الإسلام، وقوام الدين فبايعنا أبا بكر، وكان لذلك أهلا لم يختلف عليه منا اثنان -إلى أن قال- فلما قبض تولاها عمر، فأخذها بسنة صاحبه وما يعرف من أمره فبايعنا عمر، ولم يختلف عليه منا اثنان. ثم قال: فلما قبض تذكرت في نفسي قرابتي، وسابقتي وسالفتي وفضلي، وأنا أظن ألا يعدل بي. ولكن خشي ألا يعمل الخليفة بعده ذنبا، إلا لحقه في قبره، فأخرج منها نفسه وولده، ولو كانت محاباة منه لآثر بها ولده. فبرئ منها إلى رهط من قريش ستة أنا أحدهم. فلما اجتمع الرهط ظننت ألا يعدلوا بي. فأخذ عبد الرحمن بن عوف مواثيقنا على أن نسمع، ونطيع لمن ولاه الله أمرنا، ثم أخذ بيد عثمان بن عفان، وضرب بيده على يده، فنظرت في أمري فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي، وإذا ميثاقي قد أخذ لغيري، فبايعنا عثمان فأديت له حقه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي. فلما أصيب نظرت في أمري، فإذا الخليفتان اللذان أخذاها بعهد رسول الله إليهما بالصلاة قد مضيا، وهذا الذي أخذ له الميثاق قد أصيب فبايعين أهل الجرمين، وأهل هذين المصرين. فوثب فيها من ليس مثلي، ولا قرابته كقرابتي، ولا علمه كعلمي ولا سابقته كسابقتي، وكنت أحق بها منه.

ا. هـ من تاريخ الخلفاء للسيوطي ص119.

ص: 95

فهذا الأثر إن صح يقضي على أوهام الشيعة في الوصية، ويبين لنا بوضوح أن أبا بكر وعمر لم يكونا غاصبين للخلافة، كما يقولون، وأن عثمان لم يكن متجنيا على علي في أخذه للخلافة. وقد عضدت هذه الرواية، رواية البخاري السابقة، وبهما وضح الحق لذي عينين.

بعض الشيعة يتخذ من الكذب في الحديث دعاية لأغراضه الدنيوية:

رأيت كيف أن الشيعة وضعوا الأحاديث، وكذبوا على رسول الله لتأييد أغراضهم الدنيئة، وأكثر من هذا كان التشيع تكأة من يطلب السلطان. فهذا هو المختار بن أبي عبيد، الذي كان أولا خارجيا، ثم زبيريا يتبع عبد الله بن الزبير، ثم شيعيا كيسانيا يدعو بالإمامة لمحمد بن الحنفية، يستغل هذه الدعوة لنفسه، ويختلق الأحاديث فقد أثر عنه، أنه لما خرج بالكوفة على عبد الله بن بن الزبير، قال لرجل من أصحاب الحديث: ضع لي حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كائن بعده خليفة يطالب له بترة ولده، وهذه عشرة آلاف درهم وخلعة، ومركوب وخادم، فقال له الرجل: أما عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا. ولكن اختر من شئت من الصحابة، وحط لي من الثمن ما شئت قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم أوكد والعذاب عليه أشد1.

تمويه الشيعة بوضع الأسانيد المزيفة:

اشتغل الشيعة بالحديث، وسمعوا من الثقات وعرفوا الأسانيد الصحيحة، ثم وضعوا عليها الأحاديث، التي تتفق وعقيدتهم وأضلوا بها كثيرا، فكان منهم من يسمى بالسدى، ومنهم من يسمى بابن قتيبة، وكانوا يروون عنهما، فيظن من لا يعرف حقيقة الحال أنهما المحدثان الشهيران، مع أن كلا من السدى وابن قتيبة، اللذين ينقل عنهما الشيعة رافضي غال.

1 الملل والنحل "1-197" واللآلئ المصنوعة "2-468".

ص: 96

ولكن جهابذة السنة، وعلماء الحديث كشفوا دخيلة أمرهم، وأطلعوا الناس على حقيقة حالهم، وميزوا بين السديين بالكبير، وهو ثقة والصغير، وهوكذاب وضاع. وكذلك ميزوا بين ابن قتيبة الشيعي، وبين عبد الله بن مسلم بن قتيبة. ولم يقتصر الشيعة على ذلك، بل وضعوا الكتب وملؤوها بأباطيلهم، ونسبوها إلى أهل السنة ككتاب سر العارفين، الذين نسبوه للغزالي.

وقد أفسد الشيعة علم الإمام علي، كرم الله وجهه بما نسبوه إليه من الأقوال، وما اعتقدوه فيه من العقائد، التي وضعوا لها الأحاديث مما جعل أصحاب الحديث من أهل الصحيح، لا يعتمدون من حديث علي، وفتاواه إلا ما جاء عنه من طريق أهل بيته خاصة، أو من طريق أصحاب عبد الله بن مسعود، كعبيدة السلماني، وشريح وأبي وائل ونحوهم. أعلام الموقعين "1-16".

الأثر العكسي للتشيع في وضع الحديث:

هذا وكان للتشيع أثر عكسي، في نفوس من ضعف إيمانهم من المسلمين لا سيما المنتمين إلى بني أمية، فوضع هؤلاء الحديث في مناقب أبي بكر وعمر، وعثمان كرد على مثالب الشيعة لهم، وانتقاصهم قدرهم، ولعمري أنها وسيلة في محاربة الخصم يمقتها الدين، بل هي من صفات المنافق، الذي إذا خاصم فجر. فلقد كان لهم من تاريخ الخلفاء الراشدين، وحسن سيرتهم وشرف صحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وما صح في فضلهم من أحاديث غنية عن الكذب على رسول الله. ويظهر أنه كان للسياسة دخل كبير في ذلك، فقد وضعت الأحاديث أيضا في فضل معاوية.

ونحن نذكر لك طائفة من هذه الأحاديث المكذوبة عن كتاب اللآلئ للسيوطي، فمن ذلك قولهم:

ص: 97

"بينما جبريل مع النبي صلى الله عليه وسلم، إذ مر أبو بكر فقال: هذا أبو بكر قال: أتعرفه يا جبريل قال: نعم. أنه لفي السماء أشهر منه في الأرض. فإن الملائكة لتسميه حليم قريش. وإنه وزيرك في حياتك، وخليفتك بعد موتك"، ومنها "لما عرج بي إلى السماء، قلت: اللهم اجعل الخليفة من بعدي علي بن أبي طالب، فارتجت السموات، وهتفت الملائكة من كل جانب يا محمد اقرأ: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّه} ، قد شاء الله أن يكون من بعدك أبو بكر الصديق"، ومنها "إن في السماء الدنيا ثمانين ألف ملك، يستغفرون الله لمن أحب أبا بكر وعمر. وفي السماء الثانية ثانين ألف ألف يلعنون من أبغض أبا بكر وعمر"، ومنها "ما في الجنة شجرة إلا مكتوب على كل ورقة منها لا إله إلا الله محمد رسول الله. أبو بكر وعمر الفاروق، وعثمان ذو النورين"، ومنها "الأمناء عند الله ثلاثة أنا وجبريل ومعاوية"، ومنها "إن الله ائتمن على وحيه جبريل، ومعاوية وكاد أن يبعث معاوية نبيا من كثرة علمه، وائتمانه على كلام ربي. يغفر الله لمعاوية ذنوبه، ووقاه حسابه وعلمه الكتاب، وجعله هاديا مهديا وهدى به"، ومنها "إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري، فاقبلوها فإنه أمين مأمون". ا. هـ.

ص: 98