المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الخاتمة: أطلعناك أيها القارئ على ألوان من جهود علماء الإسلام، في - الحديث والمحدثون

[محمد محمد أبو زهو]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌الإهداء

- ‌الداعي لنشر هذا الكتاب:

- ‌مقدمة المؤلف:

- ‌مقدمة الكتاب

- ‌المبحث الأول: معنى السنة لغة واصطلاحا

- ‌المبحث الثاني: السنة من الوحي

- ‌المبحث الثالث: منزلة السنة النبوية في الدين

- ‌المبحث الرابع: في أن السنة النبوية مبينة للقرآن الكريم

- ‌السنة في أدوارها المختلفة

- ‌الدور الأول: السنة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الأول: استعداد الصحابة لحفظ السنة ونشرها

- ‌المبحث الثاني: "مجالس النبي صلى الله عليه وسلم العلمية

- ‌المبحث الثالث: كيف كان الصحابة يتلقون الحديث، عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: البعوث والوفود، وأثرها في انتشار الحديث النبوي:

- ‌الدور الثاني: السنة في زمن الخلافة الراشدة

- ‌المبحث الأول: وصف الحالة السياسية لهذا العهد

- ‌المبحث الثاني: منهج الصحابة في رواية الحديث

- ‌المبحث الثالث: رد شبه واردة على منهج الصحابة في رواية الحديث، والعمل به

- ‌الدور الثالث: السنة بعد زمن الخلافة الراشدة إلى نهاية القرن الأول

- ‌المبحث الأول: وصف الحالة السياسية وظهور الفرق

- ‌المبحث الثاني: الخوارج ورأيهم في الخلافة

- ‌المبحث الثالث: الشيعة ومعتقداتهم

- ‌المبحث الرابع: جهود الصحابة والتابعين في جمع الحديث ورواياته ومناهضتهم للكذابين

- ‌المبحث الخامس: كتابة الحديث

- ‌المبحث السادس: تراجم لبعض مشاهير الرواة من الصحابة، رضي الله عنهم

- ‌المبحث السابع: تراجم لبعض رواة الحديث من التابعين

- ‌المبحث الثامن:

- ‌الدور الرابع: السنة في القرن الثاني

- ‌المبحث الأول: تدوين الحديث في هذا العصر وأشهر الكتب المؤلفة فيه

- ‌المبحث الثاني: شيوع الوضع في الحديث في هذا العصر

- ‌المبحث الثالث: النزاع حول حجية السنة في القرن الثاني

- ‌المبحث الرابع: تراجم لبعض مشاهير المحدثين في القرن الثاني

- ‌المبحث الخامس: الرد على تمويهات لبعض المستشرقين لها صلة بهذا العصر، وما قبله

- ‌الدور الخامس: السنة في القرن الثالث

- ‌المبحث الأول: النزاع بين المتكلمين وأهل الحديث وأثر ذلك في الحديث

- ‌المبحث الثاني: نشاط أهل الأهواء في وضع الأحاديث

- ‌المبحث الثالث: تراجم لبعض أئمة الحديث في هذا العصر

- ‌المبحث الرابع: تدوين الحديث في هذا العصر وطريقة العلماء في ذلك

- ‌الدور السادس

- ‌المبحث الأول: وصف الحالة السياسية في هذا الدور

- ‌المبحث الثاني: السنة في القرن الرابع

- ‌المبحث الثالث: السنة بعد القرن الرابع إلى آخر هذا الدور

- ‌الدور السابع

- ‌المبحث الأول: وصف الحالة السياسية

- ‌المبحث الثاني: منهج العلماء رواية السنة في هذا الدور

- ‌المبحث الثالث: عناية المسلمين بالسنة في الممالك المختلفة

- ‌المبحث الرابع: طريقة العلماء في تصنيف الحديث في هذا الدور

- ‌الخاتمة:

- ‌خاتمة الطبع:

- ‌تقاريظ الكتاب:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌ ‌الخاتمة: أطلعناك أيها القارئ على ألوان من جهود علماء الإسلام، في

‌الخاتمة:

أطلعناك أيها القارئ على ألوان من جهود علماء الإسلام، في خدمة الحديث النبوي من حفظ في الصدور إلى تدوين في الكتب، إلى بيان حال المتون من صحة، وضعف إلى محاربة للكذابين في كل عصر، حتى وصلتنا الأحاديث مشفوعة ببيان حالها، فحفظوا بذلك على الأمة دينها، واستحقوا من الله أفضل الجزاء، ومن المسلمين أعظم ثناء وتقدير.

والآن نتحدث إليك عن لون آخر من جهودهم، في خدمة السنة عن طريق علومها المختلفة الأنواع، وما قاموا به من جلائل الأعمال، كوضع قوانين الرواية، وتأسيس قواعد الجرح والتعديل، ورفع التناقض الظاهري عن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، إلى غير ذلك مما ستقف على فوائده، فتؤمن ايمانا صادقا بما لأسلافنا من نفاذ في البصيرة، وبعد نظر في عواقب الأمور، وعلو كعب في هذه الفنون الحديثية القيمة، لا سيما إذا علمت أن هذه الفنون لم تأت عفو الخاطر، بل كان بعضها وليد عصور متقادمة، وجهود أمة بأسرها عرفت للسنة قدرها، فأتوا بما لم يأت بعشر معشاره، أمة من الأمم من يوم أن بعث الله الرسل عليهم الصلاة والسلام إلى خلقه، وإليك طرفا من جهود علماء الحديث في ذلك:

1-

علم ميزان الرجال، أو الجرح والتعديل:

هذا الفن هو، عماد علوم السنة، إذ به يتميز الصحيح من السقيم، والمقبول من المردود، وقد أطبق العلماء على وجوب كشف حال الضعفاء، والكذابين من الرواة، وإقامة النكير عليهم صيانة للدين، فالكلام على جرح الرواة، وتعديلهم أمر واجب على المسلمين، وقد دلت قواعد الشريعة الغراء على أن حفظها فرض كفاية، ولا يتأتى حفظها إلا بذلك، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

لذا تكلم في الجرح والتعديل خلائق، لا يحصون ذكر منهم ابن عدي الجرجاني المتوفى سنة "365" في كتابه الكامل جملة إلى زمنه:

فمن الصحابة ابن عباس سنة "68"، وعبادة بن الصامت سنة "34"، وأنس بن مالك المتوفى سنة "93"، ومن التابعين عامر الشعبي "104"، وابن سيرين "110"هـ، وسعيد بن المسيب سنة "93"، وهم قليل بالنسبة

ص: 454

لمن بعدهم وذلك لقلة الضعف، فيمن يروون عنهم إذ أكثرهم صحابة، وهم عدول وغير الصحابة منهم أكثرهم ثقات، ولا يكاد يوجد في القرن الأول من الضعفاء إلا القليل.

وأما القرن الثاني فقد كان في أوائله من أوساط التابعين، جماعة من الضعفاء وضعف أكثرهم نشأ غالبا من قبل تحملهم، وضبطهم للحديث، فكانوا يرسلون كثيرا، ويرفعون الموقوف، وكانت لهم أغلاط وذلك مثل أبي هارون العبدري سنة"143"، ولما كان آخر عصر التابعين، وهو حدود الخمسين ومائة تكلم في التعديل والتجريح طائفة من الأئمة، فضعف الأعمش المتوفى سنة"148" جماعة ووثق آخرين. ونظر في الرجال شعبة "سنة160"، وكان متثبتا لا يروى إلا عن ثقة، ومثله مالك بن أنس "سنة179"، وممن كان في هذا العصر إذا قال قبل قوله معمر "سنة153"، وهشام الدستوائي "سنة154" والأوزاعي "سنة156"، وسفيان الثوري "سنة161"، وابن الماجشون "سنة213"، وحماد بن سلمة "سنة167"، والليث بن سعد "سنة175".

وبعد هؤلاء طبقة منهم ابن المبارك "سنة181"، وهشيم بن بشير "سنة188"، وأبو إسحاق الفزاري "سنة185"، والمعافى بن عمران الموصلي "سنة185" وبشر بن المفضل "سنة816"، وابن عيينة "سنة197"، وقد كان منهم طبقة أخرى منهم ابن علية "193"، وابن وهب "197" ووكيع بن الجراح "سنة197".

وقد انتدب في ذلك الزمان لنقد الرجال، الحافظان الحجتان يحيى بن سعيد القطان "سنة189"، وعبد الرحمن بن مهدي "سنة198"، وكان للناس وثوق بهما، فصار من وثقاه مقبولا، ومن جرحاه مجروحا

ص: 455

ومن اختلفا فيه -وذلك قليل- رجع الناس فيه إلى ما ترجح عندهم.

ثم ظهرت بعدهم طبقة أخرى يرجع إليهم في ذلك منهم يزيد بن هارون "سنة206"، وأبو داود الطيالسي "سنة204"، وعبد الرزاق بن همام "211"، وأبو عاصم النبيل بن مخلد "سنة212".

ثم صنفت الكتب في الجرح والتعديل، والعلل وبينت فيها أحوال الرواة، وكان رؤساء الجرح والتعديل في ذلك الوقت جماعة، منهم يحيى بن معين "سنة 233"، وقد اختلف آراؤه وعباراته في بعض الرجال، كما تختلف آراء الفقيه النحرير وعبارته في بعض المسائل، التي لا تكاد تخلص من أشكال، ومن طبقته أحمد بن حنبل "سنة241"، وقد سأله جماعة من تلامذته عن كثير من الرجال، فتكلم فيهم بما بدا له، ولم يخرج بهم عن دائرة الاعتدال، وقد تكلم في هذا الأمر محمد بن سعد "سنة230"، كاتب الواقدي في طبقاته، وكلامه جيد معقول، وأبو خيثمة زهير بن حرب "سنة234"، وله في ذلك كلام كثير، وأبو جعفر عبد الله بن محمد النبيل، حافظ الجزيرة الذي قال فيه أبو داود: لم أر أحفظ منه، وعلي بن المديني "سنة234"، وله التصانيف الكثيرة في العلل والرجال، ومحمد بن عبد الله بن نمير "سنة234" الذي قال فيه أحمد:"هو درة العراق"، وأبو بكر بن أبي شيبة "سنة235"، صاحب السند وكان آية في الحفظ، وعبد الله بن عمرو القواريري "سنة235"، الذي قال فيه صالح جزرة:"هو أعلم من رأيت بحديث أهل البصرة"، وإسحاق بن راهويه إمام خراسان "سنة237"، وأبو جعفر محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي "سنة242"، الحافظ وله كلام جيد في الجرح والتعديل، وأحمد بن صالح حافظ مصر "سنة248"، وكان قليل المثل، وهارون بن عبد الله الحمال "سنة243"، وكل هؤلاء من أئمة الجرح والتعديل.

ص: 456

ثم خلفهم طبقة أخرى متصلة بهم منهم إسحاق الكوسج "سنة251"، والدارمي "سنة255"، والبخاري "سنة256"، والحافظ العجلي نزيل المغرب، ويتلوهم أبو زرعة "سنة264". وأبو حاتم "سنة277" الرازيان، ومسلم "سنة261"، وأبو داود السجستاني "سنة275"، وبقي بن مخلد "سنة276"، وأبو زرعة الدمشقي "سنة281".

ثم من بعدهم جماعة منهم عبد الرحمن بن يوسف البغدادي، وله مصنف في الجرح والتعديل، وكان كأبي حاتم في قوة النفس، وإبراهيم بن إسحاق الحربي "سنة285"، ومحمد بن وضاح "سنة289" حافظ قرطبة، وأبو بكر بن أبي عاصم "سنة287"، وعبد الله بن أحمد "سنة290"، وصالح جزرة "سنة293"، وأبو بكر البزار "سنة292"، ومحمد بن نصر المروزي "سنة294"، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة "سنة297"، وهو ضعيف لكنه من الأئمة في هذا الأمر.

ثم من بعدهم جماعة، منهم أبو بكر الفريابي والبرديجي، والنسائي "سنة303"، وأبو يعلى "سنة307"، وابن خزيمة "سنة311"، وابن جرير الطبري "سنة310"، والدولابي "سنة311"، وأبو عروبة الحراني "سنة318"، وأبو الحسن أحمد بن عمير، وأبو جعفر العقيلي "سنة322".

ويتلوهم جماعة منهم ابن أبي حاتم "سنة327"، وأحمد بن نصر البغدادي، شيخ الدارقطنى "سنة323"، وآخرون.

ثم من بعدهم جماعة منهم أبو حاتم بن حبان البستى "سنة354"، والطبراني "سنة360"، وابن عدي الجرجاني "سنة365"، وكتابه في الرجال إليه المنتهى في الجرح والتعديل.

ص: 457

وقد جاء من بعد ابن عدي وطبقته جماعة، منهم أبو علي الحسين بن محمد النيسابوري "سنة365"، وله مسند معلل في ألف جزء وثلثمائة جزء، وأبو الشيخ بن حيان "سنة369"، وأبو بكر الإسماعيلي "سنة371"، وأبو أحمد الحاكم "سنة378"، والدارقطنى "سنة385"، وبه ختمت معرفة العلل.

ثم من بعدهم جماعة منهم أبو عبد الله بن منده "سنة395"، وأبو عبد الله الحاكم "سنة405"، وأبو نصر الكلاباذى "سنة398"، وعبد الرحمن بن فطيس قاضي قرطبة "سنة402" وله دلائل السنة، وعبد الغني بن سعيد "سنة409"، وأبو بكر بن مردويه الأصفهاني "سنة416".

ثم من بعدهم جماعة منهم: محمد بن أبي الفوارس البغدادي "سنة412"، وأبو بكر البرقاني "سنة425"، وأبو حاتم العبدري، وخلف بن محمد الواسطي، وأبو مسعود الدمشقي، وأبو الفضل الفلكي "سنة438"، وله كتاب الطبقات في ألف جزء، وأبو القاسم محمود السهمي، وأبو يعقوب وأبو ذر الهرويان. ثم من بعدهم جماعة منهم أبو الحسن الخلال "سنة439"، وأبو يعلى الخليلي "سنة446"، وأبو عبد الله الصوري وأبو سعد السمان، ثم من بعدهم جماعة منهم ابن عبد البر "سنة463"، وابن حزم "سنة456"، والأندلسيان والبيهقي "سنة458"، والخطيب "سنة 463".

ثم من بعدهم جماعة منهم ابن ماكولا "سنة475"، وأبو الوليد الباجي "سنة474"، وقد صنف في الجرح والتعديل، وأبو عبد الله الحميدي "سنة488" وغيرهم.

ص: 458

ثم من بعدهم جماعة منهم أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي "سنة507"، والمؤتمن بن أحمد بن علي الساجي "سنة507".

ثم من بعدهم جماعة منهم أبو موسى المديني "سنة581"، وأبو القاسم بن عساكر "سنة523"، وابن بشكوال "سنة578"، وبعدهم جماعة منهم عبد الحق الأشبيلي، وابن الجوزي "سنة597"، وأبو عبد الله بن الفخار المالقي، وأبو القاسم السهيلي "سنة581"، وبعدهم جماعة منهم أبو بكر الحازمي "سنة584"، وعبد الغني المقدسي "سنة600" والرهاوي، وابن المفضل "سنة616".

ثم من بعدهم جماعة منهم أبو الحسن القطان "سنة638"، وابن الأنماط "سنة619"، ابن نقطة "سنة629"، وغيرهم.

ثم من بعدهم جماعة منهم ابن الصلاح "سنة642"، والحافظ المنذري "سنة656"، وأبو عبد الله البراذلي "سنة636"، وابن الأبار، وأبو شامة "سنة625"، وأبو البقاء النابلسي وبعدهم جماعة منهم ابن دقيق العيد "سنة702".

ثم من بعدهم جماعة منهم ابن تيمية "سنة728"، والحافظ المزي "سنة742"، وابن سيد الناس "سنة734"، وأبو عبد الله بن أيبك الذهبي "سنة748"، والشهاب بن فضل الله "سنة749"، والحافظ مغلطاي "سنة763"، والشريف الحسيني الدمشقي، والزين العراقي "سنة806".

ثم من بعدهم جماعة منهم الولي العراقي، والبرهان الحلبي.

وابن حجر العسقلاني "سنة852"، وغير هؤلاء كثير في كل عصر، إلا أن المتقدمين كانوا أرسخ قدما في هذا الفن من المتأخرين1. فأنت ترى أن

1 توجيه النظر ص114-116.

ص: 459

هذه ثمانية قرون كاملة تبدأ بعصر الصحابة، وكلها مشحونة بالأئمة الأعلام من علماء الجرح والتعديل، الذين وزنوا الرواة بميزان العدل، وأنزلوهم منازلهم فجزاهم الله عن الدين خير الجزاء.

كتب الجرح والتعديل:

من العلماء من تكلم في كتابه على الضعفاء من الرواة فقط، ومنهم من قصر مؤلفاته على الثقات لا غير، ومنهم من جمع النوعين، وكل قصد الخير وإليك طائفة من أشهر الكتب في ذلك.

كتب الثقات: أفرد الثقات بالتأليف، كثير من العلماء ومن هذه الكتب:

1-

كتاب الثقات لأبي حاتم بن حبان البستي. إلا أنه ذكر فيه عددا كثيرا من المجهولين، الذين لا تعرف أحوالهم، وطريقته فيه أنه يذكر من لم يعرفه بجرح وإن كان مجهولا لم يعرف حاله، وقد قال هو في صفة العدل:"العدل من لم يعرف من الجرح، إذ الجرح ضد العدالة فمن لم يعرف بجرح فهو عدل". ا. هـ.

وقد سبق لك أن جمهور المحدثين يخالفونه في ذلك على أنه قد ذكر في الثقات قوما، أعاد ذكرهم في كتاب الضعفاء والمجروحين له، وبين ضعفهم فهذا الصنيع إن لم يعد من باب تغير الاجتهاد، فهو منه غفلة وسهو وقد رتب الثقات لابن حبان الحافظ، نور الدين الهيثمي.

2-

كتاب الثقات لزين الدين، قاسم بن قطلوبغا الحنفي المتوفى "سنة879" جميع فيه الثقات، ممن ليس في الكتب الستة في أربع مجلدات.

3-

وكتاب الثقات لخليل بن شاهين1.

1 كشف الظنون ج1 ص272، والرسالة المستطرفة ص109 و110.

ص: 460

كتب الضعفاء: صنف في هذا النوع كثير من الحفاظ والجهابذة من علماء السنة، ونقدة الرجال فمن ذلك: كتاب الضعفاء لإمام المحدثين أبي عبد الله البخاري "256"، وكتاب الضعفاء والمتروكين للنسائي، وكتاب الضعفاء لأبي حاتم بن حبان البستي، وكتاب الضعفاء للدارقطنى، وكتاب الضعفاء لمحمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي، المتوفى "سنة322"، الثقة صاحب التصانيف وكتابه كبير مفيد. وكتاب الضعفاء لأبي نعيم عبد الملك بن محمد، الجرجاني "سنة323"، وكتاب الضعفاء لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي "سنة597"، وكتابه كبير وقد اختصره الذهبي، ثم ذيله كما ذيله علاء الدين مغلطاي "سنة762"، ومن الكتب الهامة في ذلك: كتاب الكامل لأبي أحمد عبد الله بن محمد بن عدي بن عبد الله بن محمد بن المبارك، الجرجاني الحافظ الكبير، أحد الجهابذة المرجوع إليهم في العلل والرجال، ومعرفة الضعفاء المتوفى سنة "365هـ". ذكر فيه كل من تكلم فيه، وأن كل من رجال الصحيحين وذكر في ترجمة كل راو حديثا، أو أكثر من غرائبه ومناكيره، وهو في مقدار ستين جزءا في اثني عشر مجلدا، ويعتبر هذا الكتاب أكمل كتب الجرح، وعليه اعتماد العلماء، ومنها. ميزان الاعتدال في نقد الرجال للحافظ، شمس الدين الذهبي المتوفى "سنة 748"، رتبه على حروف المعجم حتى في الآباء، ورمز على اسم الرجل لمن أخرج له في كتابه من الأئمة الستة، قال في خطبته: "وفيه من تكلم فيه مع ثقته، وجلالته بأدنى لين، وبأقل تجريح فلولا أن ابن عدي، أو غيره من مؤلفي كتب الجرح، ذكروا ذلك الشخص لما ذكرته لثقته، ولم أر من الرأي أن أحذف اسم أحد ممن ذكر بتليين خوفا من أن يتعقب علي، لا أني ذكرته لضعف فيه عندي، إلا ما كان في كتاب البخاري وابن عدي، وغيرهما من الصحابة

ص: 461

فإني أسقطهم لجلالة الصحابة، ولا أذكرهم في هذا المصنف فإن الضعف، إنما جاء من جهة الرواة إليهم، وكذا لا أذكر في كتابي من الأئمة المتبوعين في الفروع أحدا لجلالتهم في الإسلام، وعظمتهم في النفوس". ا. هـ.

وكتابه مطبوع في مجلدين أو ثلاثة، وقد ذيل عليه الحافظ زين الدين العراقي في مجلد، وعمل ابن حجر العسقلاني "لسان الميزان"، ضمنه ما في الميزان، مما ليس في تهذيب الكمال، وزاد في الكتاب جملة كثيرة كما زاد فيه تذييل شيخه العراقي على الميزان، ورمز لزيادته هو بحرف زاي، ولتذليل شيخه بحرف ذال، وهو مطبوع في ثلاثة مجلدات1.

كتب جامعة بين الثقات، والضعفاء:

الكتب في هذا النوع كثيرة جدا منها تواريخ البخاري الثلاثة الكبير، وهو على حروف المعجم ابتدأ بمن اسمه محمد والأوسط، وهو على السنين والصغير، وكتاب الجرح والتعديل لابن حبان، وكتاب الجرح والتعديل لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي المتوفى "سنة327"، وهو كبير في ستة مجلدات اقتص فيه أثر البخاري وأجاد فيه، وكتاب الجرح والتعديل لأبي إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني الحافظ، وكتاب التكميل في معرفة الثقات والضعفاء، والمجاهيل للعماد ابن كثير جمع فيه بين تهذيب المزي، وميزان الذهبي مع زيادات وتحرير في العبارات، وهو أنفع شيء للمحدث والفقيه، وكتاب الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد المتوفى "سنة235"، وهو من أعظم ما صنف جمع فيه الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى وقته، فأجاد وأحسن إلى غير ذلك2.

1 توجيه النظر ص118، وكشف الظنون ج1 ص272 و515 والرسالة المستطرفة ص108 و109.

2 كشف الظنون ج1 ص272 الرسالة المستطرفة ص110. مفتاح السنة ص151، وما بعدها توجيه النظر ص118.

ص: 462

2-

معرفة الصحابة:

معرفة الصحابة بأسمائهم وكناهم فن جليل اعتنى به علماء الحديث، قديما وحديثا إذ به يعرف الحديث أمتصل هو أم مرسل. قال الحاكم1 في كتابه علوم الحديث:"ومن تبحر في معرفة الصحابة، فهو حافظ كامل الحفظ، فقد رأيت جماعة من مشايخنا، يروون الحديث المرسل عن تابعي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوهمونه صحابيا، وربما رووا المسند عن صحابي يتوهمونه تابعيا". ا. هـ.

وقد تناول العلماء هذا الفن بالتأليف فمن ذلك: كتاب الصحابة لابن حبان وهو مختصر في مجلد، وكتاب أبي نعيم الأصفهاني، وكتاب معرفة الصحابة لأبي أحمد بن عبد الله العسكري، وهو مرتب على القبائل، وكتاب علي بن المديني شيخ البخاري، ذكر فيه من نزل من الصحابة في سائر البلدان، وهو في خمسة أجزاء لطيفة. وكتاب ابن منده، وذيله لأبي موسى المديني. هذا ومن أحسن الكتب في هذا الفن وأكثرها فوائد:"الاستيعاب في معرفة الأصحاب"، للحافظ ابن عبد البر لولا ما شأنه بذكر ما شجر بين الصحابة، وحكايته عن الأخباريين والغالب عليهم الإكثار والتخليط في ما يروونه، وهو مطبوع الآن وقد ذيل عليه ابن فتحون ذيلا حافلا، كما ذيل عليه آخرون، وكتاب أسد الغابة لعز الدين بن الأثير، المتوفى سنة "630" جمع فيه كتبا أربعة: هي كتاب ابن منده، وكتاب أبي موسى المديني، وكتاب أبي نعيم، وكتاب ابن عبد البر، وزاد عليها أسماء من غيرها وضبط، وحقق أشياء حسنة. على ما فيه من التكرار حسب الاختلاف في الاسم أو الكنية، وهو مطبوع أيضا وقد اختصره الحافظ الذهبي "748" في كتاب لطيف سماه

1 ص25.

ص: 463

"التجريد"، وبين من ذكر غلطا، ومن لا تصح صحبته، ولم يستوعب ذلك، ثم جاء شيخ الإسلام العسقلاني المتوفى سنة "852" فألف كتابه:"الإصابة في تمييز الصحابة". جمع فيه ما في الاستيعاب وذيله وأسد الغابة وتجريده، واستدرك عليهم كثيرا، فجاء كتابا عظيم النفع كثير الفائدة، وهو مطبوع الآن1.

3-

علم تاريخ الرواة:

تكلم الناس على تاريخ الرواة ورحلاتهم، ومواطنهم وأبانوا عن مواليدهم ووفياتهم، وكثير من أحوالهم مما له أثر في توهينهم، أو تقويتهم فميزوا أوقات ضبطهم، وانتباههم من أوقات غفلتهم واختلاطهم، وكشفوا عن كل ذلك بما لا يدع مجالا للريب فتراهم يقولون مثلا: فلان ولد عام كذا، وسمع عمره كذا وارتحل إلى البلد الفلاني في وقت كذا، وسمع من الشيخ الفلاني والتقى بفلان ولم يلتق بفلان، وفلان اختلط قبل موته بكذا شهر أو سنة، وفلان سمع من فلان قبل الاختلاط، فيقبل وفلان سمع منه بعد الاختلاف، فلا يقبل وهلم جرا. وإنك لتلمح من أقوالهم هذه الفائدة الكبرى، التي يفيدها هذا الفن من فنون الحديث، ولقد وفاه علماء الحديث حقه لما يترتب عليه من اتصال الحديث وانقطاعه، وقوته وضعفه إلى غير ذلك، ونحن نذكر لك شيئا من هذه الفوائد ليعظم في نظرك هذا الفن فمن ذلك:

1-

أن العلم بتاريخ الرواة طريق لمعرفة ما يقبل من أحاديث الثقات، الذين أدركهم الاختلاط، وما لا يقبل منها.

1 كشف الظنون ج1 ص74، والتدريب ص201، وما بعدها والرسالة المستطرفة ص94، 151.

ص: 464

2-

أن العلم بتاريخ الرواة يعرف به المتقدم، والمتأخر من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعلم أن أحد الخبرين ناسخ، والآخر منسوخ عند تعارضهما مع تعذر الجمع بينهما، وبذلك يذهب التعارض، ويندفع التناقض عن حديثه صلى الله عليه وسلم.

3-

الوقوف على اتصال السند، وانقطاعه فقد يقع من بعض الرواة الكذب أو التدليس، أو الارسال ولا يظهر ذلك إلا للعالم بالتاريخ الواقف على حقيقة الحال، وكثيرا ما حكم العلماء على رواة بالكذب، وعلى أحاديث بالوضع بسبب اطلاعهم على تواريخهم، وأنهم لم يلتقوا بمن حدثوا عنه، بل ولدوا بعد موتهم بسنين طوال، وإليك بعض الأمثلة: سأل إسماعيل بن عياش رجلا أي سنة كتبت، عن خالد بن معدان؟ فقال: سنة 113هـ، فقال: أنت تزعم أنك سمعت خالد بن معدان بعد موته بسبع سنين، فإنه مات سنة 106هـ، وسأل الحاكم محمد بن حاتم الكشي، عن مولده لما حدث عن عبد عن حميد، فقال سنة "260"، فقال: هذا سمع من عبد بن حميد بعد موته بثلاث عشرة سنة، وروى مسلم في مقدمة صحيحه، أن المعلى بن عرفان قال: حدثنا أبو وائل قال: خرج علينا ابن مسعود بصفين. قال أبو نعيم: يعني الفضل بن دكين حاكيه، عن المعلى- أتراه بعث بعد الموت وذلك؛ لأن ابن مسعود توفي سنة 32هـ قبل انقضاء خلافة عثمان بثلاث سنين، وصفين كانت في خلافة علي بعد ذلك.

هذه أمثلة ناصعة تصور لنا مبلغ حرص هؤلاء الأعلاء، وعنايتهم بالوقوف على أحوال الرواة، واهتمامهم البالغ بالرواية والإسناد لذلك قال سفيان الثوري:"لما استعمل الرواة الكذب، استعملنا لهم التاريخ"، وقال حفص بن غياث القاضي:"إذا اتهمتم الشيخ، فحاسبوه بالسنين"،

ص: 465

يعني سنة وسن من كتب عنه، وقال حسان بن يزيد:"لم نستعن على الكذابين بمثل التاريخ نقول للشيخ: سنة كم ولدت؟. فإذا أقر بمولده عرفنا صدقه من كذبه"، وكتب تاريخ الرواة كثير جدا، وقد تقدم لك بعضها وإليك جملة من كتب وفيات الرواة فمن ذلك:

الوفيات لعبد الله بن أحمد بن ربيعة الربعي، الدمشقي سنة "373" جمعه من الهجرة إلى سنة "338". وذيله لعبد العزيز بن أحمد بن محمد الكتاني، الدمشقي الحافظ سنة 466، وذيل على كتاب الكتاني، تلميذه هبة الله بن أحمد الأنصاري الأكفاني، المتوفى سنة524 نحو عشرين سنة إلى سنة485، وسماه جامع الوفيات، ثم ذيل على الأكفاني شرف الدين علي بن المفضل المقدسي، ثم الإسكندري الحافظ، المتوفى سنة611، وصل فيه إلى سنة581، ثم ذيل على ابن المفضل زكي الدين، أبو محمد عبد العظيم المنذري، المتوفى سنة "656" وهو ذيل كبير كثير الإتقان والفائدة في ثلاثة مجلدات سماه "التكملة لوفيات النقلة"، ثم ذيل على المنذري تلميذه الحافظ، عز الدين أحمد بن محمد الشريف الحسيني الحلبي المصري، المتوفى سنة 695 في مجلد. ثم ذيل على الشريف أحمد بن أيبك الدمياطي، المحدث وصل فيه إلى سنة 749، ثم ذيل على ابن أيبك الحافظ زين الدين العراقي إلى سنة "762"، ثم ذيل عليه ابنه ولي الدين العراقي المتوفى سنة "826".

ومن كتب الوفيات "كتاب در السحابة في وفيات الصحابة للصاغاني" والأعلام بوفيات الأعلام للذهبي، وتاريخ الوفاة للمتأخرين من الرواة لأبي سعد السمعاني، إلى غير ذلك1.

1 التدريب ص254، توجيه النظر ص118 و119، مقدمة ابن حجر ج2 ص143، الباعث الحثيث 293 مقدمة ابن الصلاح ص189 و190 ومفتاح السنة ص155.

ص: 466

هذا ولم يقتصر الأئمة على التأليف في رجال الحديث عامة، بل أفردوا بالتصنيف رجال بعض كتب الحديث فمن ذلك: رجال صحيح البخاري لأحمد بن محمد الكلاباذي، المتوفى سنة 398هـ، ورجاله كذلك لمحمد بن داود الكردي، المتوفى سنة 925هـ، ورجال صحيح مسلم لأحمد بن علي المعروف بابن منجويه، المتوفى سنة 428هـ، ورجاله أيضا لأحمد بن علي الأصفهاني، وجمع محمد بن طاهر المقدسي، المتوفى سنة "507" بين رجال الصحيحين في كتاب جمع فيه بين كتابي الكلاباذي، وابن منجويه ورتبه على الحروف، وأحسن كما استدرك عليهما، وكذلك جمع بينهما اللالكائي، المتوفى سنة "498"، وأفرد رجال السنن لأبي داود أبو علي الغساني، المعروف بالجياني، المتوفى سنة "498"، وجمع السيوطي رجال الموطأ، وتعجيل المنفعة في رجال الأربعة: موطأ مالك ومسند الشافعي، ومسند أحمد، ومسند أبي حنيفة، للحافظ ابن حجر العسقلاني، ورجال السنن الأربع، سنن النسائي وأبو داود والترمذي وابن ماجه، لأحمد بن أحمد الكردي، المتوفى سنة 763، والكمال في معرفة الرجال لعبد الغني المقدسي، المتوفى سنة 600 جمع فيه رجال الكتب الستة، وتهذيب الكمال لجمال الدين يوسف المزي، المتوفى سنة 742هـ، وهو كتاب كبير لم يؤلف مثله، وزوائد الرجال على تهذيب الكمال للسيوطي، وقد اختصر التهذيب الحافظ للذهبي في كتابه الكاشف، اقتصر فيه على من ذكر له رواية في الكتب الستة، دون من عداهم مما في كتاب المزي، واختصره أيضا الحافظ ابن حجر في كتابه، تهذيب التهذيب، وهو أكمل من كاشف الذهبي، ولابن حجر أيضا تقريب التهذيب، وهو مختصر جدا وتهذيب التهذيب وتقريب التهذيب مطبوعان الآن، إلى غير ذلك من كتب الرجال، وهي كثيرة1.

1 الرسالة المستطرفة ص153، وما بعدها.

ص: 467

4-

معرفة الأسماء، والكنى، والألقاب:

قد يكون للراوي اسم وكنية أو اسم ولقب، وربما اشتهر باسمه دون كنيته أو العكس، أو اشتهر بلقبه دون اسمه أو العكس، وقد عني الحفاظ ببيان هذا النوع عناية تامة، فتكلموا على كل صنف، ودونوا ذلك في مؤلفات خاصة، وفائدة التنبيه على أن الراوي، اشتهر باسم كذا وكنيته كذا، أو العكس أو اشتهر بلقب كذا، واسمه كذا أو العكس، ألا يظن من لا معرفة له بذلك، أنهما شخصان وربما ذكر الراوي بهما معا في الإسناد، فيظن من لا يقف على حقيقة الأمر، أنهما رجلان، وقد يجره ذلك إلى تضعيف الثقة، وتوثيق الضعيف وفي هذا من الخطر ما فيه، وإليك جملة من الكتب في هذا النوع:

كتب في أسامي من يعرف بكنيته:

1-

كتاب علي بن المديني.

2-

كتاب مسلم.

3-

كتاب النسائي.

4-

كتاب ابن أبي حاتم.

5-

كتاب ابن حبان.

6-

كتاب الحاكم أبي أحمد النيسابوري -شيخ أبي عبد الله الحاكم- المتوفى سنة378، في أربعة عشر سفرا حرر فيه، وأجاد وزاد على غيره، ورتبه الذهبي على المعجم، واختصره وزاد عليه وسماه "المقتنى في سرد الكنى".

7-

كتاب ابن عبد البر، وهو المسمى بالاستغنا في معرفة الكنى.

8-

كتاب "المنى في الكنى" للحافظ السيوطي، هذا ولأبي بشر محمد بن أحمد الدولابي، المتوفى سنة 310 كتاب الكنى والأسماء، وهو مطبوع بحيدر أباد بالهند سنة "1322" في مجلدين.

وفي بيان كنى المعروفين بالأسماء، الذي هو عكس هذا النوع كتاب لابن حبان يقع في ثلاث مجلدات.

ص: 468

كتب في الألقاب:

1-

كتاب الأسماء والألقاب لأبي الفرج بن الجوزي، واسمه كشف النقاب عن الأسماء والألقاب.

2-

وكتاب مجمع الآداب في معجم الأسماء، والألقاب لأبي الوليد الفرضي، محدث الأندلس.

3-

وكتاب الكنى، والألقاب لأبي عبد الله الحاكم.

4-

وكتاب نزهة الألباب للحافظ العسقلاني، جمع فيه مع التلخيص ما لغيره وزيادة وزاد عليه تلميذه السخاوي زوائد كثيرة، وضمها إليه في تصنيف مستقل، وللسيوطي كتاب "كشف النقاب على الألقاب"1.

المتفق والمفترق، والمؤتلف، والمختلف، والمتشابه:

هذه أنواع ثلاثة تقع في أسماء الرواة، ولا يحصل العلم بها إلا للحفاظ المتقن الذي سبر هذا الفن، ومارس تلك الصناعة وقد كان للمحدثين عناية فائقة ببيان هذه الأنواع، ولنتكلم على كل منها فنقول:

1-

المتفق والمفترق: وهو أن يتفق اثنان فأكثر من الرواة في الاسم لفظا، وخطا وذلك مثل الخليل بن أحمد مسمى به ستة أشخاص. ومثل أحمد بن جعفر بن حمدان مسمى به أربعة أشخاص إلى غير ذلك، وقد تناول العلماء هذا النوع بالتصنيف فمن ذلك:

كتاب المتفق، والمفترق للخطيب البغدادي، وهو كتاب نفيس في مجلد كبير وكتاب المتفق، والمفترق للحافظ محمد بن النجار البغدادي، وكتاب أبي بكر الجوزقي.

1 مقدمة ابن الصلاح ص164 وما بعدها، الباعث الحثيث ص256، وما بعدها وتدريب الراوي ص221، وما بعدها مفتاح السنة ص155.

ص: 469

2-

المؤتلف والمختلف: وهو أن يتفق اسما راويين، فأكثر خطأ فقط ويختلفا بالنطق نحو سلام وسلام، وعماره وعمارة، وقد صنف في بيان هذا النوع كثير من المحدثين فمن هذه المصنفات: كتاب المؤتلف والمختلف للدارقطنى وكتابه حافل، وكتاب عبد الله بن علي الأندلسي، الرشاطي، المتوفى "542"، وكتاب أبي سعيد الماليني، وكتاب عبد الغني بن سعيد الأزدي المصري، الحافظ المشهور النسابة المتفنن، المتوفى سنة 409، وهو مطبوع في الهند، وكتاب تكملة المختلف للخطيب أحمد بن علي "سنة463"، جمع فيه بين كتابي الدارقطنى، وعبد الغني وزاد عليهما وجعله كتابا مستقلا، ثم جاء هبة الله بن علي بن جعفر، الحافظ، المعروف بابن ماكولا المتوفى سنة475، فزاد على كتاب التكملة المذكور، وضم إليها أسماء وقعت له، وجعله كتابا مستقلا وسماه الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف، والمختلف من الأسماء والكنى والأنساب، وهو في مجلدين وعليه اعتماد المحدثين، وقد تناوله الناس كل بعد الآخر بالزيادة والتذييل، وكتاب تقييد المهمل، وتمييز المشكل لأبي علي الغساني الجياني، نسبة إلى جيان مدينة كبيرة بالأندلس، المتوفى سنة "498"، وهو خاص بأسماء رجال الصحيحين، وللذهبي كتاب مختصر لخصه من كتب عبد الغني، وابن ماكولا وابن نقطة، وأبي الوليد الفرضي، ولكنه أجحف في الاختصار، واكتفى بضبط القلم فصار مناقضا لموضوعه لعدم الأمن من التصحيف فيه، وفاته من أصوله أشياء واسم كتابه المشتبه في أسماء الرجال طبع في ليدن، وقد اختصر كتاب الذهبي هذا الحافظ ابن حجر العسقلاني، وضبطه بالحروف على الطريقة المرضية، وزاد فيه كثيرا مع شدة تحريه وسماه:"تبصرة المنتبه في تحرير المشتبه"، ويوجد مخطوطا بدار الكتب المصرية.

ص: 470

3-

المتشابه: كالوليد بن مسلم ومسلم بن الوليد، ويزيد بن الأسود والأسود بن يزيد. وقد تناوله العلماء أيضا بالبيان، والتصنيف ومن هذه الكتب: كتاب "تلخيص المتشابه في الرسم، وحماية ما أشكل منه عن بوادر التصحيف والوهم" للخطيب البغدادي في مجلد، ثم ذيل عليه هو أيضا، وهو كتاب كثير الفائدة قال ابن الصلاح: أنه من أحسن كتبه، وقد اختصره علاء الدين بن التركماني، المارديني كما اختصره جلال الدين السيوطي، وسمى كتابه "تحفة النابه بتلخيص المتشابه"1.

5-

علم تأويل مشكل الحديث:

هذا فن جليل، ويسمى أيضا تأويل مختلف الحديث، وعلم اختلاف الحديث وكل عالم بل كل مسلم يحتاج للوقوف عليه، فإن بمعرفته يندفع التناقض عن كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ويطمئن المكلف إلى أحكام الشرع. ومشكل الحديث هو أن يرد حديثان، يناقض كل منهما الآخر ظاهر. وقد عني علماء الحديث بالكلام على هذا النوع، ووفقوا بين المتون المتعارضة بما يزيل إشكالها. ولا يكمل لذلك الفن، سوى فقهاء المحدثين الغواصين على دقائق المعاني: وأول من تكلم في هذا الفن الإمام، محمد بن إدريس الشافعي، المتوفى سنة 204، رحمه الله وصنف فيه كتابه المعروف باختلاف الحديث، وإن كان لم يقصد إلى استيفائه، بل ذكر جملة منه يسبه بها على طريقة الجمع بين ما ظاهره التناقض، وهذا الكتاب من رواية الربيع بن سليمان، المرادي عن الشافعي في مجلد واحد، مطبوع على هامش الجزء السابع من كتاب الأم للشافعي أيضا،

1 مقدمة ابن الصلاح ص172-185، والباعث الحثيث 274، وما بعدها وتدريب الراوي ص235، وما بعدها والرسالة المستطرفة ص86، وما بعدها ومفتاح السنة ص156، وما بعدها.

ص: 471

ثم صنف في هذا النوع من العلم، الإمام أبو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، المتوفى سنة276هـ، وسمى كتابه "تأويل مختلف الحديث"، رد فيه على أعداء أهل الحديث، وجمع بين الأخبار التي ادعوا فيها التناقض، وأجاب عما أوردوه من الشبه على بعض الأخبار المتشابهة، وقد أحسن فيه كثيرا وأجاد، وكتابه مطبوع متداول في جزء صغير، ثم صنف أيضا محمد بن جرير الطبري "310"، وأبو يحيى زكريا بن يحيى الساجي "307"، وأبو جعفر الطحاوي "321"، وسمى كتابه مشكل الآثار، وهو من أجل كتبه ولأبي الفرج بن الجوزي "597""التحقيق في أحاديث الحلاف"، هذا وقد كان أمام الأئمة ابن خزيمة من أحسن الناس كلاما في هذا النوع من فنون الحديث، حتى روى عنه أنه قال:"لا أعرف حديثين متضادين، فمن كان عنده، فليأتيني به أؤلف بينهما". ا. هـ1.

6-

معرفة الناسخ والمنسوخ من الحديث:

عني السلف الصالح من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم بمعرفة الناسخ والمنسوخ، وهو فن صعب المنال، إلا على جهابذة السنة، وحفاظها الواقفين على تاريخ التشريع الإسلامي. قال الإمام الزهري "124":"أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ الحديث من منسوخه"، وقد كان للإمام الشافعي رضي الله عنه في هذا النوع من علوم الحديث، اليد الطولى والسابقة الأولى، فالإمام أحمد بن حنبل على جلالته في علم السنة، يقول لابن وارة -وقد قدم من مصر: كتبت كتب الشافعي؟ قال: لا، قال: فرطت، ما علمنا المجمل من المفسر ولا ناسخ الحديث من منسوخه، حتى جالسنا الشافعي.

1 التدريب ص197، وما بعدها. مقدمة ابن الصلاح ص143، كشف الظنون ج1 ص206، مفتاح السنة ص154، الرسالة المستطرفة ص118، وما بعدها.

ص: 472

والنسخ في اصطلاح العلماء، هو رفع الشارع حكما منه متقدما بحكم منه متأخر. فالمتأخر يسمى الناسخ والمتقدم يسمى المنسوخ. وله شروط تكلفت بذكرها كتب أصول الفقه. وله طرق يعرف بها منها التصريح من النبي صلى الله عليه وسلم، به كما في حديث:"كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها"، ومنها تصريح الصحابي به كقوله مثلا:"كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ترك الوضوء مما مست النار"، ومنه ما يعرف بالتاريخ كحديث شداد بن أوس، عند أبي داود والنسائي مرفوعا:"أفطر الحاجم والمحجوم"، ذكر الشافعي رحمه الله أنه منسوخ بحديث ابن عباس رضي الله عنهما:"أن النبي صلى الله عليه وسلم، احتجم وهو محرم صائم"، أخرجه مسلم، فإن في بعض طرق حديث شداد أن ذلك كان زمن الفتح سنة ثمان وابن عباس، إنما صحبه صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع سنة عشر، ومنه ما عرف بدلالة الإجماع، كحديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة، ولفظه على ما رواه أبو داود والترمذي من حديث معاوية:"من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه". قال النووي في شرح مسلم: "دل الإجماع على نسخه، وإن كان ابن حزم خالف في ذلك، فخلاف الظاهر لا يقدح في الإجماع"، والإجماع لا ينسخ ولا ينسخ، ولكن يدل على وجود ناسخ غيره.

هذا وقد صنف في الناسخ والمنسوخ من الحديث خلق كثير، منهم الإمام أحمد بن حنبل، والإمام أبو داود السجستاني، صاحب السنن، وأحمد بن إسحاق الديناري "318"، ومحمد بن بحر الأصفهاني "323"، وأحمد بن محمد النحاس "338"، وأبو محمد قاسم بن أصبغ "340"، وهبة الله بن سلامة "140"، وأبو حفص عمر بن شاهين "385"، وللإمام

ص: 473

أبي بكر زين الدين محمد بن أبي عثمان الحازمي -نسبة إلى جدة حازم- الهمداني الحافظ المتقن، المتوفى سنة "584" ببغداد كتاب مشهور بين العلماء يسمى "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار"، في مجلد وهو مطبوع في حيدر آباد وحلب ومصر1.

7-

معرفة غريب الحديث:

غريب الحديث ما يقع فيه من كلمات غامضة بعيدة من الفهم لقلة استعمالاتها، قال الإمام أبو سليمان الخطابي:"الغريب من الكلام إنما هو الغامض البعيد من الفهم، كما أن الغريب من الناس هو البعيد عن الوطن المنقطع عن الأهل. والغريب من الكلام يقال على وجهين، أحدهما أن يراد به أنه بعيد المعنى غامضه لا يتناوله الفهم إلا عن بعد ومعاناة فكر، والوجه الآخر أن يراد به كلام من بعدت به الدار من شواذ القبائل. فإذا وقعت إلينا كلمة من كلامهم استغربناها". ا. هـ.

قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفصح العرب لسانًا. حتى كان يخاطب وفود العرب على اختلاف قبائلهم، وألسنتهم بما يفهمونه، وكان أصحابه رضي الله عنهم، يفهمون أكثر ما يقوله. وما لم يفهموه سألوه عنه واستمر الأمر على هذا المنوال، إلى أن لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالرفيق الأعلى، وفي عصر الصحابة كان اللسان العربي سليما، لا يعتريه خلل ولا تشوبه عجمة إلى أن حصلت الفتوحات، ودخل في الإسلام كثير من الأعاجم، واختلطوا مع العرب بالازدواج، فنشأ جيل جديد تشوب لسانه عجمه، فتعلموا من اللسان ما لا بد لهم منه

1 معرفة علوم الحديث للحاكم ص85، وتدريب الراوي ص195، ومقدمة ابن الصلاح ص139. والباعث الحثيث ص202، وكشف الظنون ج2 ص276، والرسالة المستطرفة ص60، ومفتاح السنة ص158.

ص: 474

في الخطاب، ثم جاء التابعون سالكين طريقتهم، إلا أن لغة القوم كانت سائرة إلى الاستعجام شيئا فشيئا، فما انقضى عصر التابعين، إلا وقد استحال اللسان العربي أعجميا، واستغلق على الناس فهم كثير من ألفاظ الحديث النبوي، فألهم الله أئمة الدين معالجة هذا الداء العضال صيانة لهذا العلم الشريف، حتى لا يصبح طلاسم أمام عجمة المتأخرين، فتكلم في غريب الحديث جماعة من أتباع التابعين، منهم مالك بن أنس الإمام، وسفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، ثم تتابع الناس بعدهم في الكلام على هذا الفن، مبينين للناس معاني كلماته المستغلقة، وألفوا في ذلك الكتب القيمة، التي كانت فيما بعد عدة الأجيال المتلاحقة، وذخيرة القرون المتأخرة، ولولا همة هؤلاء الأئمة الأعلام لما انتفعنا اليوم بأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، وإليك نبذة عن تاريخ التدوين في هذا النوع من علوم الحديث:

أول من صنف في غريب الحديث -على ما قيل- أبو عبيدة، معمر بن المثنى التميمي، البصري المتوفى سنة "210" جمع فيه كتابا صغيرا، ولم تكن قلته لجهله بغيره بل؛ لأن كل مبتدئ في شيء يكون مقلا فيه عادة؛ ولأن الناس كانت لا تزال فيهم بقية من معرفة، وأثارة من علم فلعله قصد إلى ما يخفى على بعض الناس، وترك ما يعرفه كل الناس، ثم جمع أبو الحسن النضر بن شميل المازني، النحوي "204" بعده أكثر منه، ثم جمع عبد الملك بن قريب، الأصمعي كتابا أحسن فيه وأجاد، وكان في عصر أبي عبيدة، وكذلك جمع فيه محمد بن المستنير، المعروف بقطرب المتوفى "206" وغير هؤلاء من الأئمة، جمعوا أحاديث، وتكلموا على لغتها في أوراق، ولم يكد أحدهم ينفرد عن غيره بكثير، بل كانوا فيما جمعوه متقاربين، ثم ألف من بعدهم أبو عبيد القاسم بن سلام "سنة224"

ص: 475

كتابا جليلا: اتخذه الناس العمدة في هذا الفن، ويقال: أنه أفنى فيه عمره إذ جمعه في أربعين سنة، بقي هذا الكتاب يرجع فيه الناس فيما أهمهم، حتى جاء أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، الدينوري المتوفى سنة276، فصنف كتابه المشهور نهج فيه منهج أبي عبيد القاسم، فجاء كتابه مثل كتابه أو أكبر، ولم يودعه من كتاب أبي عبيد القاسم شيئا، إلا ما تدعوا إليه الحاجة، كزيادة شرح أو بيان لفظ، وقال في مقدمته:"أرجو ألا يكون بقي بعد هذين الكتابين من غريب الحديث، ما يكون لأحد فيه مقال"، وممن صنف في ذلك الإمام إبراهيم الحربي، المتوفى سنة285 بسط القول في كتابه، واستقصى الأحاديث وأطال بذكر المتون، وأسانيدها مما زهد الناس فيه.

ثم أكثر الناس التصنيف لهذا الفن إلى أن جاء الإمام، أبو سليمان حمد الخطابي البستي، المتوفى سنة378، فصنف كتابه المشهور في غريب الحديث، سلك فيه طريقة أبي عبيد القاسم، وابن قتيبة، ووجه همته إلى جمع ما بين في كتابيهما، فكانت هذه الكتب الثلاثة تعد أمهات كتب غريب الحديث المتداولة، غير أنه لم يكن بين تلك الثلاثة، وغيرها من الكتب كتاب مرتب يسهل الاطلاع عليه، فتخلص في هذا العصر عصر الخطابي الإمام، أحمد بن محمد الهروي المتوفى سنة401، فصنف كتابه المشهور في الجمع بين غريبي القرآن والحديث، مرتبا له على حروف المعجم على وضع لم يسبق إليه، ولم يشحنه بالمتون والأسانيد والرواة، وجمع فيه من غريب الحديث ما في كتب من تقدمه، وزاد عليه، فجاء كتابا جامعا حسن الوضع، إلا أنه جاء الحديث فيه متفرقا في حروف كلماته:

صار هذا الكتاب عدة الناس في معرفة الغريب، وقد اقتفى أثره كثير من الناس، واستدركوا ما فاته أيضا إلى أن جاء جار الله أبو القاسم، محمود بن عمر الزمخشري "سنة538"، فصنف كتابه "الفائق"، ورتبه

ص: 476

على وضع اختاره مقفى على حروف المعجم، ولكن في العثور على معرفة الغريب منه مشقة، وإن كانت أقل من غيره مما سبقه؛ لأنه جمع في التقفية بين إيراد الحديث مسرودا جميعه أو بعضه، ثم شرح ما فيه من غريب، فيجيء شرح كلماته الغريبة في حرف واحد، فترد الكلمة في غير حروفها، فكان كتاب الهروي أقرب متناولا، وأسهل مأخذا، وقد ألف أبو موسى محمد بن أبي بكر المديني، الأصفهاني "581" كتابا جمع فيه على طريقة الهروي ما فاته من غريب القرآن والحديث، وكذلك صنف أبو الفرج ابن الجوزي "514" كتابا في غريب الحديث خاصة نهج فيه منهج الهروي، بل إن كتابه مختصر من كتاب الهروي، لا يزيد عليه إلا الكلمة الشاذة، بخلاف كتاب أبي موسى المديني، فإنه لا يذكر منه، إلا ما دعت إليه الحاجة.

ثم جاء الإمام، أبو السعادات مبارك بن محمد بن محمد الشيباني، المعروف بابن الأثير المتوفى "606"، فجمع ما في كتاب الهروي، وأبي موسى من غريب الحديث والأثر، وأضاف إليه ما عثر عليه في كتب السنة من صحيح، وسنن وجوامع، ومصنفات، ومسانيد، وقد رمز لما في كتاب الهروي بالهاء، ولما في كتاب أبي موسى المديني بالسين، وسمى كتابه "النهاية في غريب الحديث والأثر". قال السيوطي:"وهو أحسن كتب الغريب، وأجمعها وأشهرها الآن وأكثرها تداولا، وقد فاته الكثير فذيل عليه الصفي الأرموي "سنة723" بذيل لم تقف عليه". ا. هـ.

وقد لخص النهاية لابن الأثير الحافظ، جلال الدين السيوطي "سنة911" في كتاب سماه "الدر النثير تلخيص نهاية ابن الأثير"، وزاد فيه زيادات، وهو مطبوع الآن مع النهاية على هامشها1.

مقدمة ابن الصلاح ص137، وما بعدها والرسالة المستطرفة ص115، وتدريب الراوي ص193، والباعث الحثيث ص200، ومفتاح السنة ص140، وكشف الظنون ج2 ص55 و407، ومعرفة علوم الحديث للحاكم ص88.

ص: 477

ومما يلتحق بكتب الغريب كتب المجازات النبوية، التي جاءت في الحديث ومن أحسن ما ألف في ذلك "كتاب المجازات النبوية" للإمام العالم الشريف الرضي، محمد بن الحسين، المتوفى سنة406، وهو مطبوع بمصر الآن.

8-

معرفة علل الحديث:

هذا الفن من أجل علوم الحديث، وأشرفها، وأدقها، ولا يتأهل للنظر فيه إلا الراسخون في علوم الحديث من أهل الخبرة، والحفظ والفهم الثاقب، ولهذا لم يتصدر للكلام فيه، إلا أفذاذ الرجال وجهابذة السنة وأطباء الحديث، كابن المديني وأحمد بن حنبل، والبخاري ومسلم ويعقوب بن شيبة، وأبي حاتم وأبي زرعة والدارقطنى، وذلك؛ لأن العلة في اصطلاحهم عبارة عن أسباب خفية غامضة، قادحة في صحة الحديث مع أن الظاهر السلامة منها، وربما وجدت العلة في الإسناد الذي رجاله ثقات الجامع، لشروط الصحة من حيث الظاهر، قال الحاكم:"وهذا النوع من معرفة علم الحديث، علم برأسه غير الصحيح والسقيم والجرح والتعديل، قال: وإنما يعلل الحديث من أوجه، ليس للجرح فيها مدخل، فإن حديث المجروح ساقط واه، وعلة الحديث تكثر في أحاديث الثقات بأن يحدثوا بحديث له علة، ويخفى عليهم علته فيصير الحديث معلولا والحجة فيه عندنا الحفظ، والفهم والمعرفة لا غير". ا. هـ.

وقد تناول هذا العلم بالتصنيف كثير من الأئمة، فمن ذلك كتاب علي بن المديني، المتوفى "سنة234"، وكتابه من أجل الكتب، وكتاب العلل للبخاري "سنة256"، وكتاب العلل لمسلم بن الحجاج النيسابوري، وكتاب العلل للترمذي، وقد شرحه الحافظ، أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد البغدادي، ثم الدمشقي الحنبلي المعروف بابن رجب، المتوفى

ص: 478

سنة "795"، وكتاب العلل لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون، البغدادي المعروف بالخلال، المتوفى سنة "311"، وكتاب العلل لابن أبي حاتم عبد الرحمن الرازي، الحافظ الثبت، المتوفى سنة 327، وكان ممن جمع بين علوم الرواية، ومعرفة الفقه، وكتابه مطبوع بمصر في مجلدين، وهو من أجل الكتب في بابه مرتب على أبواب الفقه، وكتاب العلل لعلي بن عمر الدارقطنى، المتوفى سنة "375"، وهو أجمع كتاب في العلل مرتب على المسانيد، وليس من جمع الدارقطنى، بل الجامع له تلميذه الحافظ أبو بكر البرقاني، وكتاب ابن الجوزي وهو المسمى "بالعلل المتناهية في الأحاديث الواهية"، وعليه في كثير منه انتقاد. وللحافظ ابن حجر العسقلاني كتاب في علل الحديث سماه "الزاهر المطول في الخبر المعلول"، هذا ويوجد الكلام على علل الحديث، مفرقا في كتب الحديث الأخرى، كنصب الراية لتحريج أحاديث الهداية للحافظ الزيلعي، وفتح الباري لابن حجر العسقلاني، ونيل الأوطار للشوكاني، وكتاب المحلى لابن حزم، وكتاب تهذيب سنن أبي داود لابن القيم، وغير ذلك1.

9-

معرفة الموضوعات، وكشف حال الوضاعين:

نشأة الوضع في الحديث وبدء ظهوره:

كانت السنة النبوية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مصونة من تقول الكذابين، محفوظة من دجل المنافقين، وذلك أنه فوق وجوده صلى الله عليه وسلم بين ظهراني المسلمين. يقضي على الخرافات

1 الرسالة المستطرفة ص110، والتدريب ص88، وما بعدها وتوجيه النظر ص264، وما بعدها ومقدمة ابن الصلاح في بحث المعلل ص42، وعلوم الحديث للحاكم ص71 و112، وما بعدها ومفتاح السنة ص159، والباعث الحثيث ص58، وما بعدها.

ص: 479

والأكاذيب، فإن الوحي ما زال ينزل عليه، وكثيرا ما كان يفضح سر المنافقين، لذلك لم يجرؤ أحد أن يتقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، فلما كان زمن الشيخين احتاطا كثيرا للأحاديث، وأرهبا المنافقين والأعراب من التزيد فيها كما سبق لك بيانه، ولما أن ولي عثمان رضي الله عنه، ووقعت الفنتة في زمنه، وجد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي، الذي أوقد نيران الفتنة، وألب الناس على خليفة المسلمين حتى قتلوه ظلما، ثم لما ولي علي كرم الله وجهه الخلافة، وكان ما كان بينه وبين معاوية في صفين، افترق الناس إلى شيعة وخوارج، وجمهور كما رأيت وهنا ظهر الكذب على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، واشتد أمره من الشيعة، والخوارج ودعاة بني أمية، لذلك يعتبر العلماء مبدأ ظهور الوضع في الحديث من هذا الوقت "سنة41هـ"، وهذا التحديد إنما هو لظهور الوضع في الحديث، وإلا فقد وجد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك حتى في زمنه، صلى الله عليه وسلم، ومن أجل ذلك يقول صلى الله عليه وسلم:"من كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار"، فما قال النبي عليه الصلاة والسلام ذلك، إلا لحادثة وقعت في عصره كذب عليه فيها، ويستأنس لذلك بما أخرجه ابن عدي في كامله عن بريدة قال: "كان حي من بني ليث على ميل من المدينة، وكان رجل قد خطب منهم في الجاهلية، فلم يزوجوه فأتاهم وعليه حلة فقال: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كساني هذه وأمرني أن أحكم في أموالكم ودمائكم، ثم انطلق فنزل على تلك المرأة التي كان خطبها، فأرسل القوم إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: كذب عدو الله، ثم أرسل رجلا فقال: إن وجدته حيا، فاضرب عنقه، وإن وجدته ميتا فاحرقه بالنار، فجاء فوجده قد لدغته أفعى

ص: 480

فمات فأحرقه بالنار فلذلك، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:"من كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار"، وقد ذكر السيوطي في تحذير1 الخواص طائفة من الروايات بهذا المعنى، ولكن كما قلنا: إن هذا كان قليلا نادرا في عهد النبوة.

ثم إن الوضع في الحديث أخذ يشيع، وينتشر في كل عصر وقد حدثناك عن عوامل ذلك في القرون الثلاثة، وعن جهود العلماء في مناهضة الوضاعين. والآن نذكر لك الوسائل، التي اتخذوها في جهاد هؤلاء الكذابين، والطرق التي سلكوها في القضاء على أباطيلهم، فإنهم لم يكتفوا بطريق دون طريق، بل حاربوا أعداء الحديث بكل سلاح، وأخذوا عليهم المسالك، وسدوا في وجوههم جميع الطرق.

سلك علماء الإسلام، وأعلام السنة طريقين. "إحداهما": نظرية فوضعوا القواعد الدالة على وضع الحديث، وأقاموا الإمارات الصادقة على ذلك بما لا يدع مجالا للشك، و"الأخرى": عملية وذلك ببيانهم لأشخاص الوضاعين، وتعريف الناس بهم وبيان الموضوعات، التي وضعوها والأكاذيب التي اختلقوها، وصنفوا في ذلك الكتب المعروفة بكتب الموضوعات، وأصبحت السنة النبوية أمامنا بحذافيرها في الصحاح، والجوامع، والسنن والمسانيد، وغيرها معروفة، وصارت الأحاديث المكذوبة غير خافية على أحد من علماء الحديث، وبذلك سهلت مهمة الوقوف على درجة الأحاديث، أهي صحيحة أم حسنة، أم ضعيفة أم موضوعة مكذوبة، فجزى الله علماء السنة أفضل ما يجزى علماء أمة.

1 ص11، وما بعدها.

ص: 481

الطريقة الأولى في الدلالة على وضع الحديث:

وضع علماء الإسلام وجهابذة هذه الفنون قواعد، لا تكاد تخطئ في الدلالة على وضع الحديث، وذلك؛ لأن ملكة النقد كانت راسخة فيهم، حتى أصبحوا نقادا بالأرواح والأبدان، ونحن نذكر لك بعض هذه القواعد لتلمس بنفسك، أنهم ما فرطوا في مهمتهم الشريفة فنقول:

1-

يعرف الوضع بقرينة في الراوي، تنادى عليه بالكذب فيما يقول، ومثال ذلك ما أسنده الحاكم عن سيف بن عمر التميمي أنه قال: كنت عند سعد بن ظريف، فجاء ابنه من الكتاب يبكي، فقال مالك؟ قال: ضربني المعلم، قال: لأخزينهم اليوم، حدثني عكرمة عن ابن عباس مرفوعا:"معلمو صبيانكم شراركم أقلهم رحمة لليتيم، وأغلظهم على المسكين"، ومثال ذلك أيضا ما روي أنه قيل لمأمون بن أحمد الهروي، ألا ترى إلى الشافعي ومن تبعه بخراسان، فروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم:"يكون في أمتي رجل يقال له: محمد بن إدريس أضر على أمتي من إبليس، ويكون في أمتي رجل يقال له: أبو حنيفة هو سراج أمتي"، إلى غير ذلك.

2-

يعرف الوضع بقرينة في المروي، كأن يكون الحديث ركيك المعنى فقط أو ركيك اللفظ والمعنى معا، أما ركة اللفظ فقط، فلا تدل على الوضع لجواز أن الراوي تصرف في لفظ الحديث، فأتى بلفظ ركيك من عنده، ويكون معنى الحديث صحيحا، وله أصل عن النبي، صلى الله عليه وسلم، فلا تدل ركاكة اللفظ فقط على أن الحديث الموضوع، اللهم إلا إذا ادعى الراوي أن الحديث الذي رواه من لفظ النبي، صلى الله عليه وسلم، وصرح بذلك فإنه يكون كاذبا؛ لأن النبي، صلى الله عليه

ص: 482

وسلم كان أفصح العرب، وعند ذلك تدل ركاكة اللفظ وحدها على وضع الحديث وكذب راويه، ومثال ركاكة المعنى ما نسبوه كذبا إلى النبي، صلى الله عليه وسلم:"لا تسبوا الديك فإنه صديقي"، و"الديك الأبيض الأفرق حبيبي وحبيب حبيبي جبريل" و"لو كان الأرز رجلا لكان حليما".

3-

من أدلة وضع الحديث أن يكون مخالفا للعقل، بحيث لا يقبل التأويل أو مخالفا للمحس المشاهد مثال الأول: الإخبار عن الجمع بين الضدين، أو نفي الصانع وذلك؛ لأنه لا يجوز ورود الشرع بخلاف مقتضى العقل، ومثال ذلك الحديث:"خلق الله الفرس فأجراها، فعرقت فخلق نفسه منها"، فهذا لا يقوله عاقل، ومثال الثاني حديث:"الباذنجان شفاء من كل داء"، فهذا باطل؛ لأن المشاهد المحس هو أن الباذنجان يزيد الأمراض شدة.

4-

من أدلة الوضع أن يكون الحديث مخالفا لدلالة القرآن القطعية، أو السنة المتواترة، أو الإجماع القطعي مع عدم إمكان الجمع، ومن هنا زيف العلماء الحديث، الذي يحدد المدة الباقية للدنيا بسبعة آلاف سنة؛ لأنه يخالف قوله تعالى:{يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} ، وأبطلوا حديث:"ولد الزنا لا يدخل الجنة"، لمعارضته لقوله تعالى:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ، كما زيفوا أحاديث متناقضة للسنة المتواترة، أو الإجماع القطعي، كالأحاديث الدالة على أن كل ما يسمى بأحمد أو محمد لا يدخل النار، فإنه من المعلوم من الدين بالضرورة، أن النار لا يجار منها بالألقاب، والأسماء وإنما يتخلص منها بالعمل الصالح.

5-

من علامات وضع الحديث، اشتماله على مجازفات يرتفع عنها

ص: 483

كلام النبوة كحديث: "من قال لا إله إلا الله خلق الله من تلك الكلمة طائرًا له سبعون ألف لسان، لكل لسان سبعون ألف ألف لغة يستغفرون الله له"، ومن ذلك حديث:"من اغتسل من الجنابة حلالا، أعطاه الله قصرا من درة بيضاء، وكتب له بكل قطرة ثواب ألف شهيد".

6-

من علامات كذب الحديث، أن يكون أمرا تتوفر الدواعي على نقله، أو يصرح الحديث نفسه بأن الواقعة، حصلت في مشهد عظيم من الصحابة، ثم لا يشتهر ولا يرويه إلا عدد قليل، ومن ذلك ما يدعيه بعض الشيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم، أعطى عليا الخلافة في غدير خم حين رجوعه من حجة الوداع، بحضرة جم غفير أكثر من مائة ألف.

7-

مجيء الحديث على خلاف مقتضى الحكمة، والمنطق السليم المعقول كحديث:"جور الترك ولا عدل العرب"، فإن الجور مذموم على الإطلاق كما أن العدل محمود على كل حال.

8-

من علامات وضع الحديث، أن يكون الراوي له رافضيا والحديث في فضائل آل البيت؛ لأن الروافض متعصبون لآل البيت طاعنون على سائر الصحابة، ويعدون الشيخين غاصبين للخلافة من علي بن أبي طالب، ومالأهما على ذلك سائر الصحابة.

9-

من أمارة بطلان الحديث مناقضته للتاريخ الصحيح، كحديث وضع الجزية عن أهل خيبر، الذي قرنه واضعه بشهادة سعد بن معاذ، إذ إن سعدا توفي في غزوة الخندق وكانت قبل خيبر، على أن الجزية لم تشرع في زمن خيبر ولم تكن معروفة للصحابة إلا بعد عام تبوك.

10-

ومن أدلتهم على وضع الحديث ادعاء أحد رواته، أنه أدرك من العمر فوق ما جرت به سنة الله في خلقه، حتى لقي من تقدم بزمن

ص: 484

بعيد، وتلقى عنه، وذلك كالأحاديث التي رواها رتن الهندي مدعيا أنه لقى النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو لم يظهر إلا بعد ستمائة سنة من الهجرة، فإن بعض الجهال يزعم أنه اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: عمرك الله، فهذا ليس له أصل عند أئمة الحديث إذ إنه لم يعش أحد من الصحابة ممن لقي النبي، صلى الله عليه وسلم، أكثر من خمس وتسعين سنة، غير أبي الطفيل، حتى إن الناس بكوا عليه، وقالوا: هذا آخر من لقي النبي، صلى الله عليه وسلم.

11-

من أدلة الوضع في الحديث، ادعاء بعض الصوفية أنه تلقى الحديث، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، بطريق الكشف، دون أن يكون له سند متصل صحيح، أو بطريق الرؤيا كذلك إذ إنه من المتفق عليه بين علماء الدين أن الرؤيا، والكشف لا يتقرر بهما حقيقة شرعية، لما يكتنفهما من التخليط وعدم الضبط، فإضافة شيء إلى الدين من غير أن يقوم عليه دليل من الكتاب، أو السنة المتلقاة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، بالسند الصحيح يعتبر ابتداعا في الدين، وزعما باطلا مردودا على من يزعمه.

هذا وقد تكلم المحدثون على سبيل الإجمال، والتفصيل في معرفة الموضوعات والوضاعين، فتراهم يقولون: من الأحاديث الموضوعة أحاديث الاكتحال، والأدهان والتطيب يوم عاشوراء، والأحاديث التي وضعها بعض الزنادقة، وجهلة المتصوفة في فضائل القرآن سورة سورة إلا ما استثنى1، والأحاديث التي تروى في التختم بالعقيق لا يثبت منها

1 قال الحافظ السيوطي في تدريبه: اعلم أن السور التي صحت الأحاديث في فضائلها: الفاتحة، والزهراوان، والأنعام، والسبع الطوال مجملا، والكهف، ويس، والدخان، والملك، والزلزلة، والنصر، والكافرون، والإخلاص، والمعوذتان، وما عداها لم يصح فيها شيء.

ص: 485

شيء، والحرز المنسوب لأبي دجانة الأنصاري، ومسند أنس بن مالك الذي يروي عن جعفر بن هارون الواسطي، عن سمعان بن أنس، وهو مقدار ثلثمائة حديث يرويها سمعان المهدي، عن أنس وأوله:"إن أمتي في سائر الأمم كالقمر في النجوم"، وأحاديث الأشج وأحاديث خراش، وأحاديث نسطور الرومي، وأحاديث رتن الهندي، والأحاديث المنسوبة إلى محمد بن سرور البلخي، وأحاديث شهر بن حوشب كلها موضوعة.

كذلك تتبعوا الأخبار الواردة في كتب التفسير، والملاحم، والمغازي، ووزنوها بميزان النقد الصحيح، فالإمام أحمد بن حنبل يقول:"ثلاث كتب ليس لها أصل المغازي، والملاحم، والتفسير"، قال الخطيب في جامعه: وهذا محمول على كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة، غير معتمد عليها لعدم عدالة ناقليها، وزيادة القصاص فيها، فأما كتب الملاحم فجميعها بهذه الصفة، وليس يصح في ذكر الملاحم المرتقبة، والفتن المنتظرة غير أحاديث يسيرة، وأما كتب التفاسير فمن أشهرها كتابا الكلبي. ومقاتل بن سليمان، وقد قال الإمام أحمد في تفسير الكلبي من أوله إلى آخره كذب، قيل له: فيحل النظر فيه؟ قال: لا، وقال أيضا: كتاب مقاتل قريب منه، وأما المغازي فمن أشهرها كتب محمد بن إسحاق، وكان يأخذ عن أهل الكتاب. وقال الشافعي: كتب الواقدي كذب. وليس في المغازي أصح من مغازي موسى بن عقبة1. ا. هـ.

الطريقة الثانية في بيان العلماء للموضوعات، ومحاربة الوضاعين:

هذه هي الطريقة العلمية، التي استنفذت كثيرا من جهود العلماء في كل عصر، فإنه لم يخل عصر من وجود أعداء الإسلام، كادوا له عن طريق

1 تدريب الراوي ص98، وما بعدها وكشف الخفاء ومزيل الإلباس وخاتمته.

ص: 486

وضع الأحاديث: ومن أبرز الأعمال التي قام بها هؤلاء الجهابذة هي تصنيف الكتب في بيان الأحاديث الموضوعة، وإليك طائفة من هذه الكتب:

1-

كتاب تذكرة الموضوعات لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي، المتوفى سنة "507".

2-

كتاب الأباطيل لأبي عبد الله الحسن بن إبراهيم، الهمداني الجوزقي. نسبة إلى جوزقان ناحية من همدان، الحافظ المتوفى سنة "543"، قال الذهبي: وهو محتو على أحاديث موضوعة، وواهية مع أوهام فيه، وقد بين بطلان أحاديث واهية بمعارضة أحاديث صحاح لها. ا. هـ.

3-

كتاب الموضوعات الكبرى، لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، المتوفى سنة "597" في نحو مجلدين، إلا أنه تساهل فيه كثيرا بحيث أدخل فيه الضعيف، والحسن والصحيح قال الذهبي:"ربما ذكر ابن الجوزي في الموضوعات أحاديث حسانا قوية. قال: ونقلت من خط السيد أحمد بن أبي المجد قال: صنف ابن الجوزي كتاب الموضوعات، فأصاب في ذكره أحاديث شنيعة مخالفة للنقل، والعقل وما لم يصب فيه إطلاقه الوضع على أحاديث بكلام بعض الناس في أحد رواتها كقوله: فلان ضعيف أو ليس بالقوي أو لين، وليس ذلك الحديث مما يشهد القلب ببطلانه، ولا فيه مخالفة، ولا معارضة لكتاب ولا سنة ولا إجماع. ولا حجة بأنه موضوع سوى كلام ذلك الرجل في روايه، وهذا عدوان ومجازفة". ا. هـ. وقال شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني: "غالب ما في كتاب ابن الجوزي موضوع، والذي ينتقد عليه بالنسبة إلى ما لا ينتقد قليل جدا، قال: وفيه من الضرر أن يظن ما ليس بموضوع موضوعا، عكس الضرر بمستدرك الحاكم، فإنه يظن

ص: 487

ما ليس بصحيح صحيحا، قال: وينبغي الاعتناء بانتقاد الكتابين، فإن تساهلهما أعدم الانتفاع بهما إلا لعالم بالفن؛ لأنه ما من حديث إلا ويمكن أن يكون قد وقع فيه تساهل". ا. هـ.

وقد ألف الحافظ ابن حجر "القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد"، أورد فيه أربعة وعشرين حديثا في المسند، ذكرها ابن الجوزي في الموضوعات ومن بينها حديث في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:"إن طالت بك مدة أوشك أن ترى قوما يغدون في سخط الله، ويروحون في لعنته في أيديهم مثل أذناب البقر". وذيل السيوطي على هذا الكتاب بذيل في الأحاديث، التي بقيت في كتاب الموضوعات من المسند، وهي أربعة عشر مع الكلام عليها.

4-

كتاب اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، للحافظ السيوطي اختصره من كتاب ابن الجوزي، فعلق الأسانيد وذكر منها ما تمس إليه الحاجة، وأتى بالمتون وكلام ابن الجوزي عليها، وتعقب كثيرا منها وتتبع كلام الحفاظ في تلك الأحاديث لا سيما شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر، والآلئ المصنوعة مطبوعة بمصر الآن، هذا وقد ألف السيوطي كتابا سماه "القول الحسن في الذب عن السنن"، أورد فيه مائة وبضعة وعشرين حديثا ذكرها ابن الجوزي في الموضوعات مع أنها ليست بموضوعة، ففي سنن أبي داود منها أربعة أحاديث، وفي سنن الترمذي 23 حديثا، وفي سنن النسائي حديث واحد، وفي سنن ابن ماجه 16 حديثا، وفي صحيح البخاري، رواية حماد بن شاكر، حديث واحد، وهو:"كيف بك يا ابن عمر إذا عمرت بين قوم يخبأون رزق سنتهم؟ "، ومنها ما هو في كتاب خلق الأفعال للبخاري في غير الصحيح، وفي مسند الدارمي، والمستدرك للحاكم، وصحيح ابن حبان، وتصانيف البيهقي، وغيرها من الكتب أحاديث كثيرة حكم عليها ابن الجوزي بالوضع، وليست بموضوعة.

ص: 488

5-

كتاب "تنزيه الشريعة المرفوعة، عن الأخبار الشنيعة الموضوعة". لأبي الحسن علي بن محمد الكناني، المتوفى سنة "963"، وهو أجمع كتاب في الموضوعات.

6-

تذكرة الموضوعات لرئيس محدثي الهند، جمال الدين الفتني الملقب بملك المحدثين، المتوفى قتيلا سنة 986هـ.

7-

كتاب الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، للقاضي أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد الشوكاني، اليمني المتوفى سنة "1250هـ"، لكنه أدرج فيه كثيرا من الأحاديث، التي لم تبلغ درجة الوضع، بل ومنها صحاح وحسان قلد في ذلك ابن الجوزي، وأضرابه من المتساهلين.

8-

كتاب "تحذير المسلمين، من الأحاديث الموضوعة على سيد المرسلين"، في جزء لطيف لمحمد البشير، ظافر أبي عبد الله المالكي، الأزهري، المتوفى سنة "1325هـ"1.

علم أصول الرواية، أو علم مصطلح الحديث:

قدمنا لك بضعة أنواع من علم أصول الرواية، وإليك الآن نبذة يسيرة عن تاريخه والتعريف به:

هو علم يبحث فيه عن حقيقة الرواية وشروطها، وأنواعها وأحكامها، وحال الرواة وشروطهم، وأصناف المرويات وما يتعلق بها2، وهذا العلم

1 انظر تدريب الراوي ص100، وما بعدها، والرسالة المستطرفة ص111، وما بعدها.

2 "حقيقة الرواية": نقل الخبر وإسناده إلى من عزي إليه بتحديث، أو إخبار وغير ذلك، و"شروطها": تحمل الراوي لما يرويه بنوع من أنواع التحمل من سماع، أو عرض أو إجازة ونحوها. و"أنواع الرواية": الاتصال والانقطاع ونحوهما، "وأحكامها" القبول أو الرد، و"حال الرواة العدالة، والجرح وشروطهم في التحمل، والأداء، و"أصناف المرويات": المصنفات من المسانيد والمعاجم والأجزاء، وغيرها من أحاديث، وآثار ونحوهما و"ما يتعلق بهذه المصنفات": هو معرفة اصطلاح أهلها، انظر مقدمة تدريب الراوي للسيوطي.

ص: 489

هو المسمى بعلم مصطلح الحديث، وبه يعرف المقبول من المردود من حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

نشأته: ولم يكن هذا العلم بحالته الراهنة، معروفا لدى أهل القرون الثلاثة الأولى، مسمى بهذا الاسم مجموعة أنواعه بعضها إلى بعض في مصنف واحد، وإن كان قد سبق منهم الكلام في أنواع مفردة، وتثبتوا في قبول الأخبار، كما كان من الشيخين أبي بكر وعمر، وتكلموا في الجرح والتعديل، ونقبوا عن علل الأحاديث، ووضعوا في بعض الأنواع كتبا كما حصل ذلك من علي بن المديني، شيخ البخاري الذي كان علامة زمانه في علوم الحديث، فلم يترك بابا من أبوابه إلا وضع فيه كتابا، كذلك ألف غيره أنواعا مفردة كالبخاري ومسلم، والترمذي وغيرهم، وكان تأليفهم كما قلنا لا يعدو الكلام على أنواع مفردة، أما جمع هذه الأنواع، والكلام عليها في مصنف واحد فلم يحدث ذلك إلا في منتصف القرن الرابع الهجري فيما يغلب على الظن.

قال الحافظ ابن حجر في أول شرحه للنخبة ما نصه: "إن أول من صنف في ذلك القاضي، أبو محمد الرامهرمزي، المتوفى سنة 360 في كتابه "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي"، لكنه لم يستوعب، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري، المتوفى سنة405، لكنه لم يهذب ولم يرتب، ثم تلاه أبو نعيم الأصفهاني، فعمل على كتاب الحاكم مستخرجا، وأبقى أشياء للمتعقب، ثم جاء بعدهم الخطيب أبو بكر البغدادي، المتوفى سنة "463"، فصنف في قوانين الرواية كتابا سماه "الكفاية"، وفي آدابها كتابا سماه "الجامع لآداب الشيخ والسامع"، وقل فن من فنون الحديث، إلا وقد صنف فيه الخطيب كتابا مفردا، فكان كما قال الحافظ ابن نقطة: "كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على

ص: 490

كتبه"، ثم جاء بعدهم بعض من تأخر عن الخطيب، فأخذ من هذا العلم بنصيب، فجمع القاضي عياض المتوفى سنة "544" كتابا لطيفا سماه "الإلماع"1 وأبو حفص الميانجي جزءا سماه "ما لا يسع المحدث جهله"، وأمثال ذلك من التصانيف التي اشتهرت. قال: إلى أن جاء الحافظ تقي الدين عمرو بن عثمان بن الصلاح عبد الرحمن الشهرزوري، نزيل دمشق فجمع في ذلك كتابه المشهور بمقدمة ابن الصلاح، فهذب فنونه وأملاه شيئا بعد شيء على تلاميذه بالمدرسة الأشرفية، عندما ولي تدريس الحديث بها، فلهذا لم يقع ترتيبه على وضع متناسب، إذ كان الأولى به أن يذكر ما يتعلق بالمتن وحده، وما يتعلق بالسند وحده، وما يشتركان معا فيه. وما يختص بكيفية التحمل والأداء وحده، وما يختص بصفات الرواة وحدة، واعتنى بتصانيف الخطيب المفرقة فجمع شتات مقاصدهم، وضم إليها من غيرها مخب فوائدها فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره، فلهذا عكف الناس عليه، وساروا بسيره فلا يحصى كم ناظم له ومختصر، ومستدرك عليه ومقتصر ومعارض له ومنتصر". ا. هـ. بتصرف يسير.

هذه نبذة يسيرة توضح لنا، كيف نشأ التأليف في علم أصول الرواية على الوضع الحالي، من ضم أنواع مختلفة بعضها إلى بعض في مصنف واحد، ولننتقل بك إلى الكلام على أشهر تلك الكتب، وأهمها:

أهم كتب أصول الرواية:

أولا: كتاب "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي"، لأبي الحسن بن خلاد الرامهرمزي، المتوفى سنة "360" هجرية. وهو أول مصنف ظهر في فن مصطلح الحديث، وهو وإن لم يستوعب أنواع الفن يعتبر أجمع

1 منه نسخة بدار الكتب الظاهرية بدمشق.

ص: 491

ما صنف في عصره، والكتاب لم يطبع إلى الآن، ويوجد مخطوطا بدار الكتب المصرية.

ثانيا: معرفة علوم الحديث للحاكم، أبي عبد الله النيسابوري، المتوفى سنة "405"هـ، وهو كتاب قيم اشتمل على اثنين وخمسين نوعا من علوم الحديث، وهو مدعم بالأسانيد قد طبع لأول مرة بمطبعة دار الكتب المصرية بتصحيح، وتعليق العالم الهندي الجليل الأستاذ، الدكتور السيد معظم حسين كما قدمه بنبذة عن تاريخ تدوين الحديث، ونشأة علوم المصطلح، ولم يغفل الكلام على ترجمة المؤلف، فجزاه الله خيرًا.

ثالثًا: كتاب "الجامع لآداب الراوي والسامع"، للحافظ أحمد بن علي المعروف بالخطيب، البغدادي صاحب تاريخ بغداد، المتوفى "463".

رابعا: "الكفاية في معرفة أصول الرواية"، للخطيب البغدادي أيضا.

خامسا: كتاب علوم الحديث المعروف بمقدمة ابن الصلاح، للحافظ البارع أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري، المشهور بابن الصلاح المتوفى سنة "642هـ"، لخص فيه كتب الخطيب المتفرقة وزاد عليها، فجمع بذلك على طالبي هذا الفن ما تفرق من أنواعه في حسن عبارة، وكمال وتهذيب وقد اتقد عليه في وضعه، كما سبق لك وهو انتقاد شكلي لا يضيره، وكتابه مطبوع بالهند الآن، ويشتمل على خمسة وستين نوعا من علوم الحديث.

وكتاب ابن الصلاح هذا يعتبر خاتمة المصنفات، وأجودها في هذا الفن لذلك نجد العلماء فيما بعد يعولون عليه في أبحاثهم، ومن تصدى منهم للتأليف في علوم الحديث، لا يعدو أن يكون ناظما له، أو مختصرا

ص: 492

أو شارحا فمن الناظمين له زين الدين العراقي، المتوفى سنة 806هـ في ألفية سماها "نظم الدرر في علم الأثر"، وقد أتمها سنة 768هـ، وعمل عليها شرحا سماه فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، وقد طبع بمصر عام "1355هـ"، وقد تناول الناس ألفية العراقي بالشرح منهم السخاوي، والسيوطي والشيخ زكريا الأنصاري، المتوفى سنة "928هـ".

وقد نظم مقدمة ابن الصلاح أيضا الحافظ السيوطي، المتوفى سنة 911هـ في ألفية زاد فيها على ألفية العراقي نكتبا عزيزة، وفوائد جليلة وهي مطبوعة الآن بمصر قال في أولها:

لله حمدي وإليه أستند

وما ينوب فعليه أعتمد

ثم على نبيه محمد

خير صلاة وسلام سرمد

وهذه ألفية تحكي الدرر

منظومة ضمنتها علم الأثر

فائقة ألفية العراقي

في الجمع والإيجاز واتساق

والله يجزي سابغ الإحسان

لي وله ولذوي الإيمان

وممن شرح مقدمة ابن الصلاح الزين العراقي، المتوفى سنة806 شرحها شرحا مختصرا سماه "التقييد والإيضاح لما أطلق، وأغلق من كتاب ابن الصلاح"، ويعرف أيضا بنكت العراقي على مقدمة ابن الصلاح، وللحافظ ابن حجر عليها نكت أيضا تسمى "الإفصاح بتكميل النكت على ابن الصلاح"، وكذلك شرحها بدر الدين الزركشي، المتوفى سنة "714هـ".

وقد اختصر المقدمة كثير من العلماء منهم الإمام، شرف الدين النووي، المتوفى سنة "676"، وسمى كتابه "الإرشاد في علم الإسناد"، ثم اختصر الإرشاد في كتاب آخر سماه "التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير

ص: 493

النذير"، وهو المشهور الآن وعليه عدة شروح للزين العراقي، والسخاوي وللحافظ السيوطي شرح سماه "تدريب الراوي شرح تقريب النواوي"، وهو من أعظم الكتب في أصول الرواية، ومن أنفس كتب الحافظ السيوطي، وقد طبع بمصر سنة "1307هـ"، ونفدت نسخه.

هذا ومن المتون الجامعة الممتعة "نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر"، للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني، المتوفى سنة "852هـ"، وشرحها له أيضا ويسمى. "نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر"، وهو شرح وجيز عظيم النفع غزير العلم، وقد شرحه كثير من العلماء منهم على القارئ الحنفي، المتوفى سنة "1014هـ" وهو على شرح النخبة، وسماه "مصطلحات أهل الأثر"، وقد طبع بمطبعة أخوت باستنبول.

وللسيد الشريف الجرجاني، المتوفى سنة "816هـ" كتاب "المختصر في مصطلح أهل الأثر"، وقد شرحه محمد عبد الحي اللكنوي، الهندي المتوفى سنة "1304هـ" في كتاب "ظفر الأماني في شرح مختصر الجرجاني"، وقد طبعت رسالة الجرجاني، وشرحها ظفر الأماني بالهند، ولعمر بن محمد بن فتوح البيقوني الدمشقي، المتوفى سنة "1080هـ" منظومة تعرف بالبيقونية، وعليها شروح كثيرة منها شرح الزرقاني، وطبعت بمصر مرارا وطبع أحد شروحها المسمى "البهجة الوضية شرح متن البيقونية"، للشيخ محمود نشابه بدار الخلافة سنة "1328"، إلى غير ذلك من المنظومات، والمختصرات وهي كثيرة جدا بعضها مطبوع، والآخر مخطوط يطول ذكرها، ويصعب عدها فنجتزئ بما ذكرناه1.

هذه أيها القارئ قرابة أربعة عشرة قرنا من الزمان، والسنة النبوية

1 أنظر مقدمة الدكتور معظم حسين لمعرفة علوم الحديث للحاكم.

ص: 494

الشريفة بين أعداء يكيدون لها، وأنصار يناضلون عنها وهذه أيها القارئ جهود جبارة، قام بها هؤلاء الأئمة الأعلام في كل مكان، وزمان مخلفين وراءهم تلك الثروة الطائلة من الحديث، وعلومه في متناول أيدينا اليوم ناطقة بحسن صنيع الأولين، شاهدة على المتأخرين بالتفريط، والإهمال حيث أغفلوا تلك الكنوز الثمينة، وتركوها تنعى أصحابها، حتى أصبحت ما بين مستشرق يبعث بها، وجاهل لا يعرف قيمتها ولا غرابة فإن هذا هو الطابع العام لنا في هذه الأيام، ولكنا مع ذلك لا نقطع الرجاء في أن يهيئ الله تعالى لدينه من ينصره على أعدائه، وأملنا وطيد في نخبة من علماء الأزهر اليوم، كرست حياتها على إحياء السنة، والدفاع عنها بالكتابة تارة وبالدرس أخرى، وأخيرا نوجه رجاءنا لأولي الشأن في الأزهر أن يعملوا على إحياء المخطوطات الحديثية بطبعها، وتحريرها وتسهيلها على طلاب العلم، والتوسع في دراسة الحديث النبوي دراسة، تعتمد على تحليل الأسانيد، والمتون ونقدهما، ويعني فيها برد الشبهات، وحل المشكلات فإنه لا يخفى عليهم مكان السنة من التشريع الإسلامي.

وبعد فإنى لمتفائل لهذه العجالة بالنفع العميم، أن تم تأليفها صبيحة ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر في السابع والعشرين من رمضان سنة 1365 هجرية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، والحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات.

ص: 495