الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شريطته كمستدرك الْحَاكِم أبي عبد الله النَّيْسَابُورِي وَغَيرهَا وجملتها مَذْكُورَة فِي كشف الظنون ثمَّ فِي جنان الْمُتَّقِينَ
الْفَصْل الْخَامِس فِي ذكر نقلة الحَدِيث من أهل الِاجْتِهَاد والْحَدِيث
اعْلَم أَن أَحْوَال نقلة الحَدِيث فِي عصور السّلف من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ كَانَت مَعْرُوفَة عِنْد كل أهل بَلْدَة فَمنهمْ بالحجاز وَمِنْهُم بِالْبَصْرَةِ والكوفة من الْعرَاق وَمِنْهُم بِالشَّام ومصر والجميع معروفون مَشْهُورُونَ فِي أعصارهم قيل وهم ثَلَاثُونَ رجلا كَمَا أوردهم الْحَاكِم فِي كِتَابه معرفَة عُلُوم الحَدِيث وَكَانَت طَريقَة أهل الْحجاز فِي أعصارهم فِي الأسنايد أَعلَى مِمَّن سواهُم وأمتن فِي الصِّحَّة لاستبدادهم فِي شُرُوط النَّقْل من الْعَدَالَة والضبط وتجافيهم عَن قبُول الْمَجْهُول الْحَال فِي ذَلِك وَسَنَد الطَّرِيقَة الحجازية بعد السّلف الإِمَام مَالك عَالم الْمَدِينَة ثمَّ أَصْحَابه مثل الإِمَام مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي وَالْإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل وأمثالهم
قَالَ الشاه ولي الله الْمُحدث الدهلوي فِي الْإِنْصَاف فِي بَيَان أَسبَاب الِاخْتِلَاف ثمَّ أنشأ الله تَعَالَى قرنا آخر فَرَأَوْا أَصْحَابهم قد كفوا مُؤنَة جمع الْأَحَادِيث وتمهيد الْفِقْه على هَذَا الأَصْل فتفرغوا لفنون أُخْرَى كتمييز الحَدِيث الصَّحِيح الْمجمع عَلَيْهِ من كبراء أهل الحَدِيث كيزيد بن هَارُون وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وَأحمد وَإِسْحَاق وأحزابهم وكجمع أَحَادِيث الْفِقْه الَّتِي بنى عَلَيْهَا فُقَهَاء الْأَمْصَار وعلماء الْبلدَانِ مذاهبهم وكالحكم على كل حَدِيث بِمَا يسْتَحقّهُ وكالشاذة والفاذة من الْأَحَادِيث الَّتِي لم يرووها أَو طرقها الَّتِي يخرج من اجْتِهَاد الْأَوَائِل مِمَّا فِيهِ اتِّصَال أَو علو سَنَد أَو رِوَايَة فَقِيه أَو حَافظ عَن حَافظ وَنَحْو ذَلِك من المطالب الْعَالِيَة وَهَؤُلَاء هم البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَعبد بن حميد والدارمي وَابْن مَاجَه وَأَبُو يعلى وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ والخطيب
والديلمي وَابْن عبد الْبر وأمثالهم وَكَانَ أَو سعهم علما عِنْدِي وأنفعهم تصنيفا وأشهرهم ذكرا رجَالًا أَرْبَعَة متقاربين فِي الْعَصْر
أَوَّلهمْ أَبُو عبد الله البُخَارِيّ وَكَانَ غَرَضه تَجْرِيد الْأَحَادِيث الصِّحَاح المستفيضة الْمُتَّصِلَة عَن غَيرهَا واستنباط الْفِقْه والسيرة وَالتَّفْسِير مِنْهَا فصنف جَامعه الصَّحِيح فوفى بِمَا شَرط ونال من الشُّهْرَة وَالْقَبُول دَرَجَة لَا ترام فَوْقهَا
قلت وَفِي كتاب العبر لِابْنِ خلدون وَأما البُخَارِيّ وَهُوَ أَعْلَاهَا رُتْبَة فاستصعب النَّاس شَرحه واستغلقوا منحاه من أجل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من معرفَة الطّرق المتعددة ورجالها من أهل الْحجاز وَالشَّام وَالْعراق وَمَعْرِفَة أَحْوَالهم وَاخْتِلَاف النَّاس فيهم وَلذَلِك يحْتَاج إِلَى إمعان النّظر فِي التفقه فِي تراجمه لِأَنَّهُ يترجم التَّرْجَمَة ويورد فِيهَا الحَدِيث بِسَنَد أَو طَرِيق ثمَّ يترجم أُخْرَى ويورد فِيهَا ذَلِك الحَدِيث بِعَيْنِه لما تضمنه من الْمَعْنى الَّذِي ترْجم بِهِ الْبَاب وَكَذَلِكَ فِي تَرْجَمَة وترجمة إِلَى أَن يتَكَرَّر الحَدِيث فِي أَبْوَاب كَثِيرَة بِحَسب مَعَانِيه واختلافها وَمن شَرحه وَلم يسْتَوْف هَذَا فِيهِ فَلم يوف حق الشَّرْح كَابْن بطال وَابْن الْمُهلب وَابْن التِّين وَنَحْوهم وَلَقَد سَمِعت كثيرا من الْمَشَايِخ رَحِمهم الله تَعَالَى يَقُولُونَ شرح كتاب البُخَارِيّ دين على الْأمة يعنون أَن أحدا من عُلَمَاء الْأمة لم يوف مَا يجب لَهُ من الشَّرْح بِهَذَا الِاعْتِبَار انْتهى
وَقَالَ الْمُصْطَفى الشهير بحاجي خَليفَة فِي كشف الظنون لَعَلَّ ذَلِك الدّين قضى بشرح الْمُحَقق ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي والعيني بعد ذَلِك انْتهى
قلت وَلذَلِك لما قيل لشيخ شُيُوخنَا الكاملين مَوْلَانَا مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد الشَّوْكَانِيّ أما تشرح الْجَامِع للْبُخَارِيّ كَمَا شَرحه الْآخرُونَ من الْعلمَاء قَالَ لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح يَعْنِي بِهِ فتح الْبَارِي لِلْحَافِظِ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي وَلَا يخفى مَا فِيهِ من اللطف انْتهى
وثانيهم مُسلم النَّيْسَابُورِي كَانَ غَرَضه تَجْرِيد الصِّحَاح الْجمع عَلَيْهَا بَين الْمُحدثين الْمُتَّصِلَة المرفوعة مِمَّا يستنبط مِنْهُ السّنة وَأَرَادَ تقريبها
إِلَى الأذهان وتسهيل الاستنباط مِنْهَا فرتب ترتيبا جيدا وَجمع كل طرق حَدِيث فِي مَوضِع وَاحِد ليتضح اخْتِلَاف الْمُتُون وتشعب الْأَسَانِيد أصرح مَا يكون وَجمع بَين المختلفات فَلم يدع لمن لَهُ معرفَة بِلِسَان الْعَرَب قدرا فِي الْإِعْرَاض عَن السّنة إِلَى غَيرهَا
قلت وَفِي كتاب العبر لِابْنِ خلدون وَأما صَحِيح مُسلم فكثرت عناية عُلَمَاء الْمغرب بِهِ وأكبوا عَلَيْهِ وَأَجْمعُوا على تفضيله على كتاب البُخَارِيّ من غير الصَّحِيح مِمَّا لم يكن على شَرطه وَأكْثر مَا وَقع لَهُ فِي التراجم وأملي الإِمَام المارزي من فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة عَلَيْهِ شرحا وَسَماهُ الْمعلم بفوائد مُسلم اشْتَمَل على عُيُون من علم الحَدِيث وفنون من الْفِقْه ثمَّ أكمله القَاضِي عِيَاض من بعده وتممه وَسَماهُ إِكْمَال الْمعلم وتلاهما مُحي الدّين النَّوَوِيّ بشرح استوفى مَا فِي الْكِتَابَيْنِ وَزَاد عَلَيْهِمَا فجَاء شرحا وافيا
قلت وَسَيَأْتِي ذكر هَذِه الشُّرُوح وَغَيرهَا فِي الْبَاب الرَّابِع إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وثالثهم أَبُو دَاوُد السجسْتانِي وَكَانَ همه جمع الْأَحَادِيث الَّتِي اسْتدلَّ بهَا الْفُقَهَاء ودارت فيهم وَبنى عَلَيْهِ الْأَحْكَام عُلَمَاء الْأَمْصَار فصنف سنَنه وَجمع فِيهَا الصَّحِيح وَالْحسن واللين الصَّالح للْعَمَل قَالَ أَبُو دَاوُد وَمَا ذكرت فِي كتابي حَدِيثا أجمع النَّاس على تَركه وَمَا كَانَ مِنْهَا ضَعِيفا صرح بضعفه وَمَا كَانَ فِيهِ عِلّة بَينهَا بِوَجْه يعرفهُ الخائض فِي هَذَا الشَّأْن وَترْجم على كل حَدِيث لما قد استنبط مِنْهُ عَالم وَذهب إِلَيْهِ ذَاهِب وَلذَلِك صرح الْغَزالِيّ بِأَنَّهُ كتاب كَاف للمجتهد
ورابعهم أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ وَكَانَ اسْتحْسنَ طَريقَة الشَّيْخَيْنِ حَيْثُ بَينا وَمَا أبهما وَطَرِيقَة أبي دَاوُد حَيْثُ جمع كل مَا ذهب إِلَيْهِ ذَاهِب فَجمع كلتا الطريقتين وَزَاد عَلَيْهَا بَيَان مَذَاهِب الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وفقهاء الْأَمْصَار فَجمع كتابا جَامعا وَاخْتصرَ طَرِيق الحَدِيث اختصارا لطيفا فَذكر وَاحِدًا وأومئ إِلَى مَا عداهُ وَبَين أَمر كل حَدِيث من أَنه
صَحِيح أَو حسن أَو ضَعِيف أَو مُنكر وَبَين وَجهه ليَكُون الطَّالِب على بَصِيرَة من أمره فَيعرف مَا يَصح للاعتبار عَمَّا دونه وَذكر أَنه مستفيض أَو غَرِيب وَذكر مَذَاهِب الصَّحَابَة وفقهاء الْأَمْصَار وسمى من يحْتَاج إِلَى التَّسْمِيَة وكنى من يحْتَاج إِلَى الكنية فَلم يدع خَفَاء لمن هُوَ من رجال الْعلم وَكَذَلِكَ يُقَال أَنه كَاف للمجتهد مغن للمقلد انْتهى مَا فِي الأنصاف مَعَ ضم الضميمة
قَالَ ابْن خلدون وَأما كتب السّنَن الْأُخْرَى وفيهَا مُعظم مَأْخَذ الْفُقَهَاء فَأكْثر شرحها فِي كتب الْفِقْه إِلَّا مَا يخْتَص بِعلم الحَدِيث فَكتب النَّاس عَلَيْهَا واستوفوا من ذَلِك مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من علم الحَدِيث وموضوعاتها والأسانيد الَّتِي اشْتَمَلت على الْأَحَادِيث الْمَعْمُول بهَا من السّنة وصل
وَاعْلَم أَيْضا أَن الْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين تفاوتوا فِي الْإِكْثَار من هَذِه الصِّنَاعَة والإقلال فَأَبُو حنيفَة رحمه الله يُقَال بلغت رِوَايَته إِلَى سَبْعَة عشر حَدِيثا أَو نَحْوهَا وَمَالك رحمه الله إِنَّمَا صَحَّ عِنْده مَا فِي كتاب
الْمُوَطَّأ وغايتها ثَلَاثمِائَة حَدِيث وَنَحْوهَا وَأحمد بن حَنْبَل فِي مُسْنده خَمْسُونَ ألف حَدِيث وَلكُل مَا أَدَّاهُ اجْتِهَاده فِي ذَلِك وَقد تَقول بعض المبغضين المتعسفين إِلَى أَن مِنْهُم من كَانَ قَلِيل البضاعة فِي الحَدِيث فَلهَذَا قلت رِوَايَته وَلَا سَبِيل إِلَى هَذَا المعتقد فِي كبار الْأَئِمَّة لِأَن الشَّرِيعَة إِنَّمَا تُؤْخَذ من الْكتاب وَالسّنة وَمن كَانَ قَلِيل البضاعة من الحَدِيث فَيتَعَيَّن عَلَيْهِ طلبه وَرِوَايَته وَالْجد والتشمير فِي ذَلِك ليَأْخُذ الدّين عَن أصُول صَحِيحَة ويتلقى الْأَحْكَام عَن صَاحبهَا الْمبلغ لَهَا وَإِنَّمَا قلل مِنْهُم من قلل الرِّوَايَة لأجل المطاعن الَّتِي تعترضه فِيهَا والعلل الَّتِي تعترض فِي طرقها سِيمَا وَالْجرْح مقدم عِنْد الْأَكْثَر فيؤديه الِاجْتِهَاد إِلَى ترك الْأَخْذ بِمَا يعرض مثل ذَلِك فِيهِ من الْأَحَادِيث وطرق الْأَسَانِيد وَيكثر ذَلِك فتقل رِوَايَته لضعف فِي الطّرق هَذَا مَعَ أَن أهل الْحجاز أَكثر رِوَايَة للْحَدِيث من أهل الْعرَاق لِأَن الْمَدِينَة دَار الْهِجْرَة ومأوى الصَّحَابَة وَمن انْتقل مِنْهُم إِلَى الْعرَاق كَانَ شغلهمْ بِالْجِهَادِ أَكثر وَالْإِمَام أَبُو حنيفَة إِنَّمَا قلت رِوَايَته لما شدد فِي شُرُوط الرِّوَايَة والتحمل وَضعف رِوَايَة الحَدِيث اليقيني إِذا عارضها الْفِعْل النَّفْسِيّ وَقلت من أجلهَا رِوَايَته فَقل حَدِيثه لَا أَنه ترك رِوَايَة الحَدِيث مُتَعَمدا فحاشاه من ذَلِك وَيدل على أَنه من كبار الْمُجْتَهدين فِي علم الحَدِيث اعْتِمَاد مذْهبه بَينهم والتعويل عَلَيْهِ واعتباره ردا وقبولا وَأما غَيره من الْمُحدثين وهم الْجُمْهُور فتوسعوا فِي الشُّرُوط وَكثر حَدِيثهمْ وَالْكل عَن اجْتِهَاد وَقد توسع أَصْحَابه من بعده فِي الشُّرُوط وَكَثُرت رواياتهم
وروى الطَّحَاوِيّ فَأكْثر وَكتب مُسْنده وَهُوَ جليل الْقدر إِلَّا أَنه لَا يعدل الصَّحِيحَيْنِ لِأَن الشُّرُوط الَّتِي اعتمدها البُخَارِيّ وَمُسلم فِي
كِتَابَيْهِمَا مجمع عَلَيْهَا بَين الْأمة كَمَا قَالُوهُ وشروط الطَّحَاوِيّ غير مُتَّفق عَلَيْهَا كالرواية عَن المستور الْحَال وَغَيره فَلِذَا قدم الصحيحان بل وَكتب السّنَن المرفوعة عَلَيْهِ لتأخر شَرطه عَن شروطهم وَمن أجل هَذَا قيل فِي الصَّحِيحَيْنِ بِالْإِجْمَاع على قبولهما من جِهَة الْإِجْمَاع على صِحَة مَا فيهمَا من الشُّرُوط الْمُتَّفق عَلَيْهَا فَلَا تأخذك رِيبَة فِي ذَلِك فالقوم أَحَق النَّاس بِالظَّنِّ الْجَمِيل بهم والتماس المخارج الصَّحِيحَة لَهُم وَالله سبحانه وتعالى أعلم بحقائق الْأُمُور انْتهى كَلَام ابْن خلدون
وَقَالَ الْجلَال السُّيُوطِيّ وقفت على فتيا رفعت إِلَى الْحَافِظ الْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ صورتهَا هَل روى أَبُو حنيفَة عَن أحد من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهل يعد فِي التَّابِعين أم لَا فَأجَاب بِمَا نَصه الإِمَام أَبُو حنيفَة لم تصح رِوَايَته عَن أحد من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقد رأى أنس بن مَالك فَمن يَكْتَفِي فِي التَّابِعِيّ بِمُجَرَّد رُؤْيَة الصَّحَابَة يَجعله تابعيا وَمن لَا يَكْتَفِي بذلك لَا يعده تابعيا وَرفع هَذَا السُّؤَال إِلَى الْحَافِظ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي فَأجَاب بِمَا نَصه أدْرك الإِمَام أَبُو حنيفَة جمَاعَة من الصَّحَابَة لِأَنَّهُ ولد بِالْكُوفَةِ سنة ثَمَانِينَ من الْهِجْرَة وَبهَا يَوْمئِذٍ من الصَّحَابَة عبد الله بن أبي أوفى فَإِنَّهُ مَاتَ بعد ذَلِك بالِاتِّفَاقِ وبالبصرة يَوْمئِذٍ أنس بن مَالك وَمَات سنة تسعين أَو بعْدهَا
وَقد أورد ابْن سعد بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ أَن أَبَا حنيفَة رأى أنسا وَكَانَ غير هذَيْن من الصَّحَابَة أَحيَاء فِي الْبِلَاد وَقد جمع بَعضهم جُزْءا فِيمَا ورد من رِوَايَة أبي حنيفَة عَن الصَّحَابَة لَكِن لَا يَخْلُو إِسْنَاده من ضعف وَالْمُعْتَمد على إِدْرَاكه مَا تقدم وعَلى رُؤْيَته لبَعض الصَّحَابَة مَا أوردهُ ابْن سعد فِي الطَّبَقَات فَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَار من طبقَة التَّابِعين وَلم يثبت ذَلِك لأحد من أَئِمَّة الْأَمْصَار المعاصرين لَهُ كالأوزاعي بِالشَّام والحمادين بِالْبَصْرَةِ وَالثَّوْري بِالْكُوفَةِ وَمَالك بِالْمَدِينَةِ وَمُسلم بن خَالِد الزنْجِي بِمَكَّة وَاللَّيْث بن سعد بِمصْر انْتهى
وَقَالَ السخاوي فِي شَرحه لألفية الْعِرَاقِيّ الْمُعْتَمد أَنه لَا رِوَايَة لَهُ عَن أحد من الصَّحَابَة انْتهى
وَقَالَ ابْن حجر الْمَكِّيّ فِي شرح الْمشكاة أدْرك الإِمَام الْأَعْظَم ثَمَانِيَة من الصَّحَابَة مِنْهُم أنس وعبد الله بن أبي أوفى وَسَهل بن سعد وَأَبُو الطُّفَيْل انْتهى
وَقَالَ الكردري جمَاعَة من الْمُحدثين أَنْكَرُوا ملاقاته مَعَ الصَّحَابَة وَأَصْحَابه أثبتوه بِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاح الحسان وهم أعرف بأحواله مِنْهُم والمثبت الْعدْل أولى من النَّافِي وَقد جمعُوا مسنداته فبلغت خمسين حَدِيثا يَرْوِيهَا الإِمَام عَن الصَّحَابَة الْكِرَام وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الإِمَام بقوله مَا جَاءَنَا عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرَّأْس وَالْعين وَمَا جَاءَنَا عَن التَّابِعين فهم رجال وَنحن رجال لِأَنَّهُ مِمَّن زاحم التَّابِعين فِي الْفَتْوَى اللَّهُمَّ إِذا كَانَ التَّابِعِيّ يزاحم فِي الْفَتْوَى الصَّحَابِيّ فَإِنَّهُ يُقَلّد ذَلِك التَّابِعِيّ كَمَا يُقَلّد الصَّحَابِيّ وَهَذَا سَبَب صَالح لتقديم مذْهبه على سَائِر الْمذَاهب
وَقَالَ الشاه عبد الْعَزِيز الدهلوي فِي بُسْتَان الْمُحدثين مَا نَصه بِالْعَرَبِيَّةِ إعلم أَنه لَيْسَ الْيَوْم فِي أَيدي النَّاس من تصانيف الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة غير موطأ مَالك وَأما مسانيد غَيره من الْأَئِمَّة الْمَشْهُورَة فِي الْعلم فَهِيَ لَيست من تأليفهم لأَنهم لم يصنفوها بِأَنْفسِهِم بل الَّذين جَاءُوا من بعدهمْ جمعُوا رواياتهم وسموها مُسْند الْفُلَانِيّ والعاقل لَيْسَ يخفى عَلَيْهِ أَن مرويات الرجل لَا تَخْلُو عَن رطب ويابس وَلَا تكون محلا للاعتماد حَتَّى يميزها هُوَ بِنَفسِهِ أَو يطالعها بإمعان النّظر والتعمق وَيعلم تلامذته كمسند الإِمَام الْأَعْظَم الَّذِي أَلفه قَاضِي الْقُضَاة أَبُو الْمُؤَيد مُحَمَّد بن مَحْمُود بن مُحَمَّد الْخَوَارِزْمِيّ وروجه فِي سنة أَربع وَسبعين وستمائه وَجمع فِيهِ على زَعمه جَمِيع مسانيد أبي حنيفَة الَّتِي جمعت من قبل فنسبة هَذَا الْمسند إِلَيْهِ كنسبة مُسْند أبي بكر الصّديق رضي الله عنه من مُسْند الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل إِلَيْهِ على اعْتِقَاد أَنه من تأليف سيدنَا أبي بكر الصّديق وَإِن هَذَا إِلَّا مغلطة وَكَذَا مُسْند الإِمَام الشَّافِعِي فَإِنَّهُ عبارَة عَن أَحَادِيث مَرْفُوعَة رَوَاهَا الشَّافِعِي عِنْد تلامذته فَجمعت هِيَ على حِدة مِمَّا وَقع فِي ضمن كتاب الْأُم والمبسوط من مسموعات أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب الْأَصَم من ربيع بن سُلَيْمَان وَسمي ب مُسْند الشَّافِعِي نعم مُسْند الإِمَام
أَحْمد بن حَنْبَل من تصانيفه وَإِن كَانَ فِيهِ زيادات كَثِيرَة من ابْنه عبد الله وَمن أبي بكر الْقطيعِي الرَّاوِي لَهُ من عبد الله