الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(رسائل إخْوَان الصفاء كَثِيرَة
…
وَلَكِن إخْوَان الصفاء قَلِيل)
الْفَصْل الثَّانِي فِي ذكر الْأَحَادِيث المحتج بهَا فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة
الِاحْتِجَاج فِي الْأَحْكَام بالْخبر الصَّحِيح مجمع عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ بالْحسنِ لذاته عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَهُوَ مُلْحق بِالصَّحِيحِ فِي بَاب الِاحْتِجَاج وَإِن كَانَ دونه فِي الْمرتبَة والْحَدِيث الضَّعِيف الَّذِي بلغ بِتَعَدُّد الطّرق مرتبَة الْحسن لغيره أَيْضا مُحْتَج بِهِ وَمَا اشْتهر من أَن الحَدِيث الضَّعِيف مُعْتَبر فِي فَضَائِل الْأَعْمَال لَا فِي غَيرهَا المُرَاد مفرداته لَا مجموعها لِأَنَّهُ دَاخل فِي الْحسن لَا فِي الضَّعِيف صرح بِهِ الْأَئِمَّة
وَقَالَ بَعضهم إِن كَانَ الضَّعِيف من جِهَة سوء حفظ أَو اخْتِلَاط أوتدليس مَعَ وجود الصدْق والديانة يجْبر بِتَعَدُّد الطّرق وَإِن كَانَ من جِهَة إتهام الْكَذِب أَو الشذوذ أَو فحش الْخَطَأ لَا يجْبر بِتَعَدُّد الطّرق والْحَدِيث مَحْكُوم عَلَيْهِ بالضعف ومعمول بِهِ فِي فَضَائِل الْأَعْمَال وعَلى مثل هَذَا يَنْبَغِي أَن يحمل مَا قيل إِن لُحُوق الضَّعِيف بالضعيف لَا يُفِيد قُوَّة وَإِلَّا فَهَذَا القَوْل ظَاهر الْفساد هَكَذَا قَالَ الشَّيْخ عبد الْحق الدهلوي فِي مُقَدّمَة الْمشكاة
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي الْأَذْكَار ذكر الْفُقَهَاء والمحدثون أَنه يجوز وَيسْتَحب الْعَمَل فِي الْفَضَائِل وَالتَّرْغِيب والترهيب بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف مالم يكن مَوْضُوعا وَأما الْأَحْكَام كالحلال وَالْحرَام والمعاملات فَلَا يعْمل فِيهَا إِلَّا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح وَالْحسن إِلَّا أَن يكون فِي احْتِيَاط فِي شَيْء من ذَلِك كَمَا إِذا ورد حَدِيث ضَعِيف بِكَرَاهَة بعض الْبيُوع أَو الْأَنْكِحَة فَإِن الْمُسْتَحبّ أَن يتنزه عَن ذَلِك وَلَكِن لَا يجب وَخَالف ابْن الْعَرَبِيّ الْمَالِكِي فِي ذَلِك فَقَالَ إِن الحَدِيث الضَّعِيف لَا يعْمل بِهِ مُطلقًا
وَقَالَ السخاوي فِي القَوْل البديع سَمِعت شَيخنَا ابْن حجر مرَارًا يَقُول شَرَائِط الْعَمَل بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف ثَلَاثَة
الأول مُتَّفق عَلَيْهِ وهوأن يكون الضعْف غيرشديد كَحَدِيث من انْفَرد من الْكَذَّابين والمتهمين مِمَّن فحش غلطه
وَالثَّانِي أَن يكون مندرجا تَحت أصل عَام فَيخرج مَا يخترع بِحَيْثُ لَا يكون لَهُ أصل أصلا
وَالثَّالِث أَن لَا يعْتَقد عِنْد الْعَمَل ثُبُوته لِئَلَّا ينْسب إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَا لم يقلهُ والأخيران عَن عبد السَّلَام وَابْن دَقِيق الْعِيد وَالْأول نقل العلائي الِاتِّفَاق عَلَيْهِ وَعَن أَحْمد أَنه يعْمل بِهِ إِذا لم يُوجد غَيره وَفِي رِوَايَة عَنهُ ضَعِيف الحَدِيث أحب إِلَيْنَا من رَأْي الرِّجَال
قَالَ الْعَلامَة ابْن الْقيم فِي اعلام الموقعين الأَصْل الرَّابِع الْأَخْذ بالمرسل والْحَدِيث الضَّعِيف إِذا لم يكن فِي الْبَاب شَيْء يَدْفَعهُ وَهُوَ الَّذِي رَجحه على الْقيَاس وَلَيْسَ المُرَاد بالضعيف عِنْده الْبَاطِل وَلَا الْمُنكر وَلَا مَا فِي رِوَايَته مُتَّهم بِحَيْثُ لَا يسوغ الذّهاب إِلَيْهِ فَالْعَمَل بِهِ الحَدِيث الضَّعِيف عِنْده قسم الصَّحِيح وَقسم من أَقسَام الْحسن وَلم يكن يقسم الحَدِيث إِلَى صَحِيح وَحسن والضعيف بل إِلَى صَحِيح ضَعِيف والضعيف عِنْده مَرَاتِب فَإِذا لم يجد فِي الْبَاب أثرا يَدْفَعهُ وَلَا قَول صَاحب وَلَا اجماعا على خِلَافه كَانَ الْعَمَل بِهِ عِنْده أولى من الْقيَاس وَلَيْسَ أحد من الْأَئِمَّة إِلَّا وَهُوَ مُوَافقَة على هَذَا الأَصْل من حَيْثُ الْجُمْلَة فَإِنَّهُ مَا مِنْهُم أحد إِلَّا وَقد قدم الحَدِيث الضَّعِيف على الْقيَاس
فَقدم أَبُو حنيفَة حَدِيث القهقهة فِي الصَّلَاة على مَحْض الْقيَاس وَأجْمع أهل الحَدِيث على ضعفه وَقدم حَدِيث الْوضُوء بنبيذ التَّمْر على الْقيَاس وَأكْثر أهل الحَدِيث يُضعفهُ وَقدم حَدِيث أَكثر الْحيض عشرَة أَيَّام وَهُوَ ضَعِيف باتفاقهم على مَحْض الْقيَاس فَإِن الَّذِي ترَاهُ فِي الْيَوْم الثَّالِث عشر مسَاوٍ فِي الْحَد والحقيقة وَالصّفة لدم الْيَوْم الْعَاشِر وَقدم حَدِيث لَا مهر أقل من عشرَة دَرَاهِم وَأَجْمعُوا على ضعفه بل بُطْلَانه على مَحْض الْقيَاس فَإِن بذل الصَدَاق مُعَاوضَة فِي مُقَابلَة بذل الْبضْع فَمَا تَرَاضيا عَلَيْهِ جَازَ قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا
وَقدم الشَّافِعِي خبر تَحْرِيم صيدوج مَعَ ضعفه على الْقيَاس وَقدم خبر جَوَاز الصَّلَاة بِمَكَّة فِي وَقت النَّهْي مَعَ ضعفه ومخالفته لقياس غَيرهَا من الْبِلَاد وَقدم فِي أحد قوليه حَدِيث من قاء أَو رعف فليوضئ وليبن على صلَاته على الْقيَاس مَعَ ضعف الْخَبَر وارساله وَأما مَالك فَإِنَّهُ يقدم الحَدِيث الْمُرْسل والمنقطع والبلاغات وَقَول الصَّحَابِيّ على الْقيَاس فَإِذا لم يكن عِنْد الإِمَام أَحْمد فِي الْمَسْأَلَة نَص وَلَا قَول الصَّحَابَة أوواحد مِنْهُم وَلَا أثر مُرْسل أَو ضَعِيف عدل إِلَى الأَصْل الْخَامِس وَهُوَ الْقيَاس فَاسْتَعْملهُ للضَّرُورَة وَقد قَالَ فِي كتاب الْخلال سَأَلت الشَّافِعِي عَن الْقيَاس فَقَالَ إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ عِنْد الضَّرُورَة انْتهى
وَذكر ابْن حزم الْإِجْمَاع على أَن مَذْهَب أبي حنيفَة أَن ضَعِيف الحَدِيث أولى عِنْده من الرَّأْي وَالْقِيَاس إِذا لم يجد فِي الْبَاب غَيره
وَقَالَ الملا عَليّ الْقَارِي إِن أَبَا حنيفَة قدم الحَدِيث وَلَو كَانَ ضَعِيفا على الْقيَاس وَكَذَا اعْتبر الحَدِيث الْمَوْقُوف وَترك الرَّأْي وَكَذَا عمل بالمراسيل انْتهى
وَقَالَ ابْن الْقيم وَأَصْحَاب أبي حنيفَة مجمعون على أَن مَذْهَب أبي حنيفَة أَن ضَعِيف الحَدِيث أولى عِنْده من الْقيَاس والرأي وعَلى ذَلِك بنى مذْهبه فتقديم الحَدِيث الضَّعِيف وآثار الصَّحَابَة على الْقيَاس والرأي قَوْله وَقَول الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل وَلَيْسَ المُرَاد بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف فِي اصْطِلَاح السّلف هُوَ الضَّعِيف فِي اصْطِلَاح الْمُتَأَخِّرين بل مَا يُسَمِّيه الْمُتَأَخّرُونَ حسنا قد يُسَمِّيه المتقدمون ضَعِيفا انْتهى
فَتحصل أَن فِي الْعَمَل بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف ثَلَاثَة مَذَاهِب لَا يعْمل بِهِ مُطلقًا يعْمل بِهِ فِي الْفَضَائِل بِشُرُوطِهِ وَقيد ابْن الصّلاح جَوَاز رِوَايَة الضَّعِيف بِاحْتِمَال صدقه فِي الْبَاطِن وَهل يشْتَرط فِي الِاحْتِمَال أَن يكون قَوِيا أم لَا فِيهِ خلاف وَظَاهر كَلَام مُسلم أَنه إِذا لم يكن قَوِيا لَا يعْتد بِهِ
وللعلامة الدواني فِي أنموذجه على هَذِه الْمَسْأَلَة إِشْكَال أوردهُ على الْقَوْم وحاول الْجَواب عَنهُ بِمَا زَاده إشْكَالًا وَلَيْسَ بِشَيْء وَهُوَ أَنه اتَّفقُوا على
أَنه لَا يعْمل بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف وَلَا يثبت بِهِ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة ثمَّ أَنهم ذكرُوا أَنه يجوز بل يسْتَحبّ الْعَمَل بِهِ فِي فَضَائِل الْأَعْمَال كَمَا فِي الْأَذْكَار وَفِيه إِشْكَال لِأَن جَوَاز الْعَمَل واستحبابه من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة فَإِذا اسْتحبَّ الْعَمَل بِهِ كَانَ ثُبُوت ذَلِك بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف وَهُوَ يُنَافِي مَا تقدم ويناقضه وحاول بَعضهم التَّقَصِّي عَنهُ بِأَن المُرَاد أَنه يجوز رِوَايَته وَهُوَ لَا يرتبط بِمَا قَالُوهُ وَالَّذِي يصلح للتعويل عَلَيْهِ أَن يُقَال إِذا وجد حَدِيث فِي فَضِيلَة عمل من الْأَعْمَال لَا يحْتَمل الْحُرْمَة وَالْكَرَاهَة يجوز الْعَمَل بِهِ رَجَاء للثَّواب فَإِن دَار بَين الْحُرْمَة وَالصَّوَاب فَهُوَ أسهل لِأَن الْمُبَاح يصير بِالنِّيَّةِ مُسْتَحبا فجواز الْعَمَل بِهِ لَيْسَ لأجل الحَدِيث على أَن الْإِبَاحَة أَيْضا من الْأَحْكَام الْخَمْسَة فَالْحق أَن الْجَوَاز مَعْلُوم من خَارج والاستحباب مَعْلُوم من الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة الدَّالَّة على اسْتِحْبَاب الِاحْتِيَاط فِي الدّين فَلم يثبت شَيْء من الْأَحْكَام بِالْحَدِيثِ انْتهى
وَأجَاب عَن ذَلِك الشهَاب الخفاجي فِي نسيم الرياض شرح شِفَاء القَاضِي عِيَاض بِمَا نَصه أَقُول إِذا احطت خَبرا بِمَا تقدم فِي كَلَام السخاوي عرفت أَن مَا قَالَه الْجلَال مُخَالف لكلامهم برمتِهِ وَمَا نَقله من الِاتِّفَاق غير صَحِيح مَعَ مَا سمعته من الْأَقْوَال والاحتمالات الَّتِي أبدأها لَا تفِيد سوى تسويد وَجه القرطاس وَالَّذِي أوقعه فِي الْحيرَة توهمه أَن عدم ثُبُوت الْأَحْكَام بِهِ مُتَّفق عَلَيْهِ وَأَنه يلْزم من الْعَمَل بِهِ فِي الْفَضَائِل وَالتَّرْغِيب أَنه يثبت بِهِ حكم من الْأَحْكَام وَكِلَاهُمَا غير صَحِيح أما الأول فَلِأَن من الْأَئِمَّة من جوز الْعَمَل بِهِ بِشُرُوطِهِ وَقدمه على الْقيَاس وَأما الثَّانِي فَلِأَن ثُبُوت الْفَضَائِل وَالتَّرْغِيب لَا يلْزمه الحكم أَلا ترى أَنه لَو رُوِيَ حَدِيث ضَعِيف فِي ثَوَاب بعض الْأُمُور الثَّابِت استحبابها وَالتَّرْغِيب فِيهِ أَو فِي فَضَائِل بعض الصَّحَابَة أَو الْأَذْكَار المأثورة لم يلْزم مِمَّا ذكر ثُبُوت حكم أصلا وَلَا حَاجَة لتخصيص الْأَحْكَام والأعمال كَمَا توهم للْفرق الظَّاهِر بَين الْأَعْمَال وفضائل الْأَعْمَال وَإِذا ظهر عدم الصَّوَاب لِأَن الْقوس فِي يَد باريها ظهر أَنه لَا إِشْكَال وَلَا خلل وَلَا اختلال انْتهى
قلت وَأما الحَدِيث الْمُرْسل الَّذِي رَوَاهُ التَّابِعِيّ مُطلقًا أَو تَابِعِيّ كَبِير إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلَا يحْتَج بِهِ الإِمَام الشَّافِعِي وَالْجُمْهُور وَاحْتج بِهِ أَو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ فَإِن اعتضد بمجيئه من وَجه آخر مُسْندًا أَو مُرْسلا مِمَّن يقبل عَنهُ الْعلم أَو وَافق قَول الصَّحَابَة وَأفْتى أَكثر الْعلمَاء بِمُقْتَضَاهُ فَإِنَّهُ صَحِيح
قَالَ الشَّافِعِي لَا أقبل مُرْسل غير كبار التَّابِعين إِلَّا بِالشّرطِ الَّذِي وَصفته وَمن ثمَّ احْتج الشَّافِعِي بمراسيل ابْن الْمسيب لِأَنَّهَا وجدت مُسندَة من وُجُوه أخر
قَالَ النَّوَوِيّ إِنَّمَا اخْتلف أَصْحَابنَا المتقدمون فِي معنى قَول الشَّافِعِي إرْسَال ابْن الْمسيب عندنَا حسن على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنَّهَا حجَّة عِنْده بِخِلَاف غَيرهَا من الْمَرَاسِيل لِأَنَّهَا وجدت مستندة ثَانِيهمَا أَنَّهَا لَيست بِحجَّة عِنْده بل هِيَ كَغَيْرِهَا من الْمَرَاسِيل وَإِنَّمَا رجح الشَّافِعِي بمرسله وَالتَّرْجِيح بالمرسل جَائِز قَالَ الْخَطِيب وَالصَّوَاب الثَّانِي وَأما الأول فَلَيْسَ بِشَيْء لِأَن فِي مَرَاسِيل سعيد مَا لَا يُوجد بِحَال من وَجه آخر يَصح
فَإِن قيل قَوْلكُم يقبل الْمُرْسل إِذا جَاءَ مُسْندًا من وَجه آخر لَا حَاجَة إِلَى المراسل بل الِاعْتِمَاد حِينَئِذٍ على الحَدِيث الْمسند أُجِيب بِأَنَّهُ بالمسند تَبينا صِحَة الْمُرْسل وصارا دَلِيلين يرجح بهما عِنْد مُعَارضَة دَلِيل وَاحِد وَأما مَرَاسِيل الصَّحَابَة كَابْن عَبَّاس وَغَيره من صغَار الصَّحَابَة عَنهُ صلى الله عليه وسلم مِمَّا لم يسمعوه مِنْهُ فَهُوَ حجَّة وَإِذا تعَارض الْوَصْل والإرسال بِأَن اخْتلف الثِّقَات فِي حَدِيث فيرويه بَعضهم مُتَّصِلا وَآخر مُرْسلا كَحَدِيث لَا نِكَاح إِلَّا بولِي رَوَاهُ اسرائيل وَجَمَاعَة عَن أبي اسحاق السبيعِي عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَرَوَاهُ الثَّوْريّ وَشعْبَة عَن أبي اسحاق عَن أبي بردة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقيل الحكم للمسند إِذا كَانَ عدلا ضابطا قَالَ الْخَطِيب وَهُوَ الصَّحِيح وَسُئِلَ عَنهُ البُخَارِيّ فَحكم لمن وصل وَقَالَ الزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة وَتقبل زِيَادَة الثِّقَات مُطلقًا على الصَّحِيح