المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني في ذكر الأحاديث المحتج بها في الأحكام الشرعية - الحطة في ذكر الصحاح الستة

[صديق حسن خان]

فهرس الكتاب

- ‌خطْبَة الْكتاب

- ‌فَاتِحَة وفيهَا فصلان

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي فَضِيلَة الْعلم وَالْعُلَمَاء وَمَا يُنَاسِبهَا تدرسون الْفَوَائِد الْعليا

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي شرف علم الحَدِيث وفضيلة الْمُحدثين

- ‌ الْبَاب الأول فِي معرفَة علم الحَدِيث ومبدأ جمعه وتدوينه ونقلته وَمَا يتَّصل بذلك وَفِيه فُصُول

- ‌الْفَصْل الأول فِي معرفَة علم الحَدِيث

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي مبدأ جمع الحَدِيث وتأليفه وانتشاره

- ‌الْفَصْل الثَّالِث فِي اخْتِلَاف الْأَغْرَاض فِي تصانيف علم الحَدِيث

- ‌الْفَصْل الرَّابِع فِي أَنْوَاع كتب الحَدِيث كثر الله سوادها

- ‌الْقسم الأول من المصنفات فِي الْأَحَادِيث

- ‌الْقسم الثَّانِي من المصنفات فِي الحَدِيث المسانيد

- ‌وَالْقسم الثَّالِث مِنْهَا المعجم

- ‌وَالْقسم الرَّابِع مِنْهَا الْأَجْزَاء

- ‌وَالْقسم الآخر مِنْهَا أَرْبَعُونَ حَدِيثا

- ‌الْفَصْل الْخَامِس فِي ذكر نقلة الحَدِيث من أهل الِاجْتِهَاد والْحَدِيث

- ‌ الْبَاب الثَّانِي فِي فروع علم الحَدِيث وَذكر الْكتب المصنفة فِيهَا

- ‌الْفَصْل الأول فِي علم الحَدِيث رِوَايَة

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي علم الحَدِيث دراية

- ‌الْفَصْل الثَّالِث فِي علم نَاسخ الحَدِيث ومنسوخه

- ‌الْفَصْل الرَّابِع فِي علم النّظر فِي الْأَسَانِيد

- ‌الْفَصْل الْخَامِس فِي علم الثقاة والضعفاء من رُوَاة الحَدِيث

- ‌الْفَصْل السَّادِس فِي علم تلفيق الحَدِيث

- ‌الْفَصْل السَّابِع فِي علم الْجرْح وَالتَّعْدِيل

- ‌الْفَصْل الثَّامِن فِي علم أَسمَاء الرِّجَال

- ‌الْفَصْل التَّاسِع فِي علم رجال الْأَحَادِيث أَي رواتها

- ‌الْفَصْل الْعَاشِر فِي علم أَحْوَال رُوَاة الحَدِيث من وفياتهم وقبائلهم وأوطانهم وجرحهم وتعديلهم وَغير ذَلِك

- ‌الْفَصْل الْحَادِي عشر فِي علم غَرِيب الحَدِيث وَالْقُرْآن

- ‌الْفَصْل الثَّانِي عشر فِي علم شرح الحَدِيث

- ‌الْفَصْل الثَّالِث عشر فِي علم الْأَدْعِيَة والأوراد

- ‌الْفَصْل الرَّابِع عشر فِي علم طب النَّبِي صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْخَامِس عشر فِي علم متن الحَدِيث

- ‌الْفَصْل السَّادِس عشر فِي علم رموز الحَدِيث

- ‌الْفَصْل السَّابِع عشر فِي علم وضع الحَدِيث

- ‌ الْبَاب الثَّالِث فِي طَبَقَات كتب الحَدِيث وَذكر الْأَحَادِيث المحتج بهَا فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وأنواع ضبط الحَدِيث وَتحمل الحَدِيث وتعريف الْمُحدث وَمَا يتَّصل بذلك وَفِيه فُصُول

- ‌الْفَصْل الأول فِي طَبَقَات كتب الحَدِيث

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي ذكر الْأَحَادِيث المحتج بهَا فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة

- ‌الْفَصْل الثَّالِث فِي ضبط الحَدِيث ودرسه وتحمله

- ‌فِي صفة الْمُحدث وتقصير النَّاس فِي طلب علم الحَدِيث وَمَا يُنَاسِبه

- ‌الْفَصْل الْخَامِس فِي قلَّة علم الحَدِيث بِأَرْض الْهِنْد وَمَا يُنَاسِبهَا

- ‌ الْبَاب الرَّابِع فِي ذكر الْأُمَّهَات السِّت وشروحها وَمَا يَليهَا وَفِيه فُصُول

- ‌الْفَصْل الأول فِي ذكر موطأ مَالك بن أنس رَحمَه الله تَعَالَى

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي ذكر صَحِيح البُخَارِيّ وَفِيه أوصال

- ‌الْفَصْل الثَّالِث فِي ذكر الْجَامِع الصَّحِيح للْإِمَام الْحَافِظ أبي الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج الْقشيرِي الشَّافِعِي الْمُتَوفَّى سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ

- ‌الْفَصْل الرَّابِع فِي ذكر الْجَامِع الصَّحِيح للْإِمَام الْحَافِظ أبي عِيسَى مُحَمَّد بن عِيسَى البوغي التِّرْمِذِيّ رَحمَه الله تَعَالَى

- ‌الْفَصْل الْخَامِس فِي ذكر السّنَن لأبي دَاوُد سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث بن اسحاق الْأَزْدِيّ السجسْتانِي الْمُتَوفَّى سنة خمس وَسبعين وَمِائَتَيْنِ

- ‌الْفَصْل السَّادِس فِي ذكر السّنَن لأبي عبد الرَّحْمَن بن شُعَيْب النَّسَائِيّ الْحَافِظ المتوفي سنة ثَلَاث وثلاثمائة

- ‌الْفَصْل السَّابِع فِي ذكر سنَن ابْن مَاجَه لأبي عبد الله بن يزِيد بن مَاجَه الْقزْوِينِي الْحَافِظ المتوفي سنة ثَلَاث وَسبعين وَمِائَتَيْنِ

- ‌الْفَصْل الثَّامِن فِي ذكر مُسْند الإِمَام أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل المتوفي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ

- ‌ الْبَاب الْخَامِس فِي تراجم أَصْحَاب الْأُمَّهَات السِّت وَالْإِمَام مَالك وَأحمد بن حَنْبَل رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ وَفِيه فُصُول

- ‌الْفَصْل الأول فِي تَرْجَمَة الإِمَام مَالك

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن اسماعيل البُخَارِيّ

- ‌الْفَصْل الثَّالِث فِي تَرْجَمَة مُسلم بن الْحجَّاج

- ‌الْفَصْل الرَّابِع فِي تَرْجَمَة أبي دَاوُد السجسْتانِي

- ‌الْفَصْل الْخَامِس فِي تَرْجَمَة أبي عِيسَى التِّرْمِذِيّ

- ‌الْفَصْل السَّادِس فِي تَرْجَمَة النَّسَائِيّ

- ‌الْفَصْل السَّابِع فِي تَرْجَمَة ابْن مَاجَه

- ‌الْفَصْل الثَّامِن فِي تَرْجَمَة الإِمَام أَحْمد

- ‌خَاتِمَة

الفصل: ‌الفصل الثاني في ذكر الأحاديث المحتج بها في الأحكام الشرعية

(رسائل إخْوَان الصفاء كَثِيرَة

وَلَكِن إخْوَان الصفاء قَلِيل)

‌الْفَصْل الثَّانِي فِي ذكر الْأَحَادِيث المحتج بهَا فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة

الِاحْتِجَاج فِي الْأَحْكَام بالْخبر الصَّحِيح مجمع عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ بالْحسنِ لذاته عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَهُوَ مُلْحق بِالصَّحِيحِ فِي بَاب الِاحْتِجَاج وَإِن كَانَ دونه فِي الْمرتبَة والْحَدِيث الضَّعِيف الَّذِي بلغ بِتَعَدُّد الطّرق مرتبَة الْحسن لغيره أَيْضا مُحْتَج بِهِ وَمَا اشْتهر من أَن الحَدِيث الضَّعِيف مُعْتَبر فِي فَضَائِل الْأَعْمَال لَا فِي غَيرهَا المُرَاد مفرداته لَا مجموعها لِأَنَّهُ دَاخل فِي الْحسن لَا فِي الضَّعِيف صرح بِهِ الْأَئِمَّة

وَقَالَ بَعضهم إِن كَانَ الضَّعِيف من جِهَة سوء حفظ أَو اخْتِلَاط أوتدليس مَعَ وجود الصدْق والديانة يجْبر بِتَعَدُّد الطّرق وَإِن كَانَ من جِهَة إتهام الْكَذِب أَو الشذوذ أَو فحش الْخَطَأ لَا يجْبر بِتَعَدُّد الطّرق والْحَدِيث مَحْكُوم عَلَيْهِ بالضعف ومعمول بِهِ فِي فَضَائِل الْأَعْمَال وعَلى مثل هَذَا يَنْبَغِي أَن يحمل مَا قيل إِن لُحُوق الضَّعِيف بالضعيف لَا يُفِيد قُوَّة وَإِلَّا فَهَذَا القَوْل ظَاهر الْفساد هَكَذَا قَالَ الشَّيْخ عبد الْحق الدهلوي فِي مُقَدّمَة الْمشكاة

وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي الْأَذْكَار ذكر الْفُقَهَاء والمحدثون أَنه يجوز وَيسْتَحب الْعَمَل فِي الْفَضَائِل وَالتَّرْغِيب والترهيب بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف مالم يكن مَوْضُوعا وَأما الْأَحْكَام كالحلال وَالْحرَام والمعاملات فَلَا يعْمل فِيهَا إِلَّا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح وَالْحسن إِلَّا أَن يكون فِي احْتِيَاط فِي شَيْء من ذَلِك كَمَا إِذا ورد حَدِيث ضَعِيف بِكَرَاهَة بعض الْبيُوع أَو الْأَنْكِحَة فَإِن الْمُسْتَحبّ أَن يتنزه عَن ذَلِك وَلَكِن لَا يجب وَخَالف ابْن الْعَرَبِيّ الْمَالِكِي فِي ذَلِك فَقَالَ إِن الحَدِيث الضَّعِيف لَا يعْمل بِهِ مُطلقًا

وَقَالَ السخاوي فِي القَوْل البديع سَمِعت شَيخنَا ابْن حجر مرَارًا يَقُول شَرَائِط الْعَمَل بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف ثَلَاثَة

ص: 125

الأول مُتَّفق عَلَيْهِ وهوأن يكون الضعْف غيرشديد كَحَدِيث من انْفَرد من الْكَذَّابين والمتهمين مِمَّن فحش غلطه

وَالثَّانِي أَن يكون مندرجا تَحت أصل عَام فَيخرج مَا يخترع بِحَيْثُ لَا يكون لَهُ أصل أصلا

وَالثَّالِث أَن لَا يعْتَقد عِنْد الْعَمَل ثُبُوته لِئَلَّا ينْسب إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَا لم يقلهُ والأخيران عَن عبد السَّلَام وَابْن دَقِيق الْعِيد وَالْأول نقل العلائي الِاتِّفَاق عَلَيْهِ وَعَن أَحْمد أَنه يعْمل بِهِ إِذا لم يُوجد غَيره وَفِي رِوَايَة عَنهُ ضَعِيف الحَدِيث أحب إِلَيْنَا من رَأْي الرِّجَال

قَالَ الْعَلامَة ابْن الْقيم فِي اعلام الموقعين الأَصْل الرَّابِع الْأَخْذ بالمرسل والْحَدِيث الضَّعِيف إِذا لم يكن فِي الْبَاب شَيْء يَدْفَعهُ وَهُوَ الَّذِي رَجحه على الْقيَاس وَلَيْسَ المُرَاد بالضعيف عِنْده الْبَاطِل وَلَا الْمُنكر وَلَا مَا فِي رِوَايَته مُتَّهم بِحَيْثُ لَا يسوغ الذّهاب إِلَيْهِ فَالْعَمَل بِهِ الحَدِيث الضَّعِيف عِنْده قسم الصَّحِيح وَقسم من أَقسَام الْحسن وَلم يكن يقسم الحَدِيث إِلَى صَحِيح وَحسن والضعيف بل إِلَى صَحِيح ضَعِيف والضعيف عِنْده مَرَاتِب فَإِذا لم يجد فِي الْبَاب أثرا يَدْفَعهُ وَلَا قَول صَاحب وَلَا اجماعا على خِلَافه كَانَ الْعَمَل بِهِ عِنْده أولى من الْقيَاس وَلَيْسَ أحد من الْأَئِمَّة إِلَّا وَهُوَ مُوَافقَة على هَذَا الأَصْل من حَيْثُ الْجُمْلَة فَإِنَّهُ مَا مِنْهُم أحد إِلَّا وَقد قدم الحَدِيث الضَّعِيف على الْقيَاس

فَقدم أَبُو حنيفَة حَدِيث القهقهة فِي الصَّلَاة على مَحْض الْقيَاس وَأجْمع أهل الحَدِيث على ضعفه وَقدم حَدِيث الْوضُوء بنبيذ التَّمْر على الْقيَاس وَأكْثر أهل الحَدِيث يُضعفهُ وَقدم حَدِيث أَكثر الْحيض عشرَة أَيَّام وَهُوَ ضَعِيف باتفاقهم على مَحْض الْقيَاس فَإِن الَّذِي ترَاهُ فِي الْيَوْم الثَّالِث عشر مسَاوٍ فِي الْحَد والحقيقة وَالصّفة لدم الْيَوْم الْعَاشِر وَقدم حَدِيث لَا مهر أقل من عشرَة دَرَاهِم وَأَجْمعُوا على ضعفه بل بُطْلَانه على مَحْض الْقيَاس فَإِن بذل الصَدَاق مُعَاوضَة فِي مُقَابلَة بذل الْبضْع فَمَا تَرَاضيا عَلَيْهِ جَازَ قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا

ص: 126

وَقدم الشَّافِعِي خبر تَحْرِيم صيدوج مَعَ ضعفه على الْقيَاس وَقدم خبر جَوَاز الصَّلَاة بِمَكَّة فِي وَقت النَّهْي مَعَ ضعفه ومخالفته لقياس غَيرهَا من الْبِلَاد وَقدم فِي أحد قوليه حَدِيث من قاء أَو رعف فليوضئ وليبن على صلَاته على الْقيَاس مَعَ ضعف الْخَبَر وارساله وَأما مَالك فَإِنَّهُ يقدم الحَدِيث الْمُرْسل والمنقطع والبلاغات وَقَول الصَّحَابِيّ على الْقيَاس فَإِذا لم يكن عِنْد الإِمَام أَحْمد فِي الْمَسْأَلَة نَص وَلَا قَول الصَّحَابَة أوواحد مِنْهُم وَلَا أثر مُرْسل أَو ضَعِيف عدل إِلَى الأَصْل الْخَامِس وَهُوَ الْقيَاس فَاسْتَعْملهُ للضَّرُورَة وَقد قَالَ فِي كتاب الْخلال سَأَلت الشَّافِعِي عَن الْقيَاس فَقَالَ إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ عِنْد الضَّرُورَة انْتهى

وَذكر ابْن حزم الْإِجْمَاع على أَن مَذْهَب أبي حنيفَة أَن ضَعِيف الحَدِيث أولى عِنْده من الرَّأْي وَالْقِيَاس إِذا لم يجد فِي الْبَاب غَيره

وَقَالَ الملا عَليّ الْقَارِي إِن أَبَا حنيفَة قدم الحَدِيث وَلَو كَانَ ضَعِيفا على الْقيَاس وَكَذَا اعْتبر الحَدِيث الْمَوْقُوف وَترك الرَّأْي وَكَذَا عمل بالمراسيل انْتهى

وَقَالَ ابْن الْقيم وَأَصْحَاب أبي حنيفَة مجمعون على أَن مَذْهَب أبي حنيفَة أَن ضَعِيف الحَدِيث أولى عِنْده من الْقيَاس والرأي وعَلى ذَلِك بنى مذْهبه فتقديم الحَدِيث الضَّعِيف وآثار الصَّحَابَة على الْقيَاس والرأي قَوْله وَقَول الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل وَلَيْسَ المُرَاد بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف فِي اصْطِلَاح السّلف هُوَ الضَّعِيف فِي اصْطِلَاح الْمُتَأَخِّرين بل مَا يُسَمِّيه الْمُتَأَخّرُونَ حسنا قد يُسَمِّيه المتقدمون ضَعِيفا انْتهى

فَتحصل أَن فِي الْعَمَل بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف ثَلَاثَة مَذَاهِب لَا يعْمل بِهِ مُطلقًا يعْمل بِهِ فِي الْفَضَائِل بِشُرُوطِهِ وَقيد ابْن الصّلاح جَوَاز رِوَايَة الضَّعِيف بِاحْتِمَال صدقه فِي الْبَاطِن وَهل يشْتَرط فِي الِاحْتِمَال أَن يكون قَوِيا أم لَا فِيهِ خلاف وَظَاهر كَلَام مُسلم أَنه إِذا لم يكن قَوِيا لَا يعْتد بِهِ

وللعلامة الدواني فِي أنموذجه على هَذِه الْمَسْأَلَة إِشْكَال أوردهُ على الْقَوْم وحاول الْجَواب عَنهُ بِمَا زَاده إشْكَالًا وَلَيْسَ بِشَيْء وَهُوَ أَنه اتَّفقُوا على

ص: 127

أَنه لَا يعْمل بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف وَلَا يثبت بِهِ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة ثمَّ أَنهم ذكرُوا أَنه يجوز بل يسْتَحبّ الْعَمَل بِهِ فِي فَضَائِل الْأَعْمَال كَمَا فِي الْأَذْكَار وَفِيه إِشْكَال لِأَن جَوَاز الْعَمَل واستحبابه من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة فَإِذا اسْتحبَّ الْعَمَل بِهِ كَانَ ثُبُوت ذَلِك بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف وَهُوَ يُنَافِي مَا تقدم ويناقضه وحاول بَعضهم التَّقَصِّي عَنهُ بِأَن المُرَاد أَنه يجوز رِوَايَته وَهُوَ لَا يرتبط بِمَا قَالُوهُ وَالَّذِي يصلح للتعويل عَلَيْهِ أَن يُقَال إِذا وجد حَدِيث فِي فَضِيلَة عمل من الْأَعْمَال لَا يحْتَمل الْحُرْمَة وَالْكَرَاهَة يجوز الْعَمَل بِهِ رَجَاء للثَّواب فَإِن دَار بَين الْحُرْمَة وَالصَّوَاب فَهُوَ أسهل لِأَن الْمُبَاح يصير بِالنِّيَّةِ مُسْتَحبا فجواز الْعَمَل بِهِ لَيْسَ لأجل الحَدِيث على أَن الْإِبَاحَة أَيْضا من الْأَحْكَام الْخَمْسَة فَالْحق أَن الْجَوَاز مَعْلُوم من خَارج والاستحباب مَعْلُوم من الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة الدَّالَّة على اسْتِحْبَاب الِاحْتِيَاط فِي الدّين فَلم يثبت شَيْء من الْأَحْكَام بِالْحَدِيثِ انْتهى

وَأجَاب عَن ذَلِك الشهَاب الخفاجي فِي نسيم الرياض شرح شِفَاء القَاضِي عِيَاض بِمَا نَصه أَقُول إِذا احطت خَبرا بِمَا تقدم فِي كَلَام السخاوي عرفت أَن مَا قَالَه الْجلَال مُخَالف لكلامهم برمتِهِ وَمَا نَقله من الِاتِّفَاق غير صَحِيح مَعَ مَا سمعته من الْأَقْوَال والاحتمالات الَّتِي أبدأها لَا تفِيد سوى تسويد وَجه القرطاس وَالَّذِي أوقعه فِي الْحيرَة توهمه أَن عدم ثُبُوت الْأَحْكَام بِهِ مُتَّفق عَلَيْهِ وَأَنه يلْزم من الْعَمَل بِهِ فِي الْفَضَائِل وَالتَّرْغِيب أَنه يثبت بِهِ حكم من الْأَحْكَام وَكِلَاهُمَا غير صَحِيح أما الأول فَلِأَن من الْأَئِمَّة من جوز الْعَمَل بِهِ بِشُرُوطِهِ وَقدمه على الْقيَاس وَأما الثَّانِي فَلِأَن ثُبُوت الْفَضَائِل وَالتَّرْغِيب لَا يلْزمه الحكم أَلا ترى أَنه لَو رُوِيَ حَدِيث ضَعِيف فِي ثَوَاب بعض الْأُمُور الثَّابِت استحبابها وَالتَّرْغِيب فِيهِ أَو فِي فَضَائِل بعض الصَّحَابَة أَو الْأَذْكَار المأثورة لم يلْزم مِمَّا ذكر ثُبُوت حكم أصلا وَلَا حَاجَة لتخصيص الْأَحْكَام والأعمال كَمَا توهم للْفرق الظَّاهِر بَين الْأَعْمَال وفضائل الْأَعْمَال وَإِذا ظهر عدم الصَّوَاب لِأَن الْقوس فِي يَد باريها ظهر أَنه لَا إِشْكَال وَلَا خلل وَلَا اختلال انْتهى

ص: 128

قلت وَأما الحَدِيث الْمُرْسل الَّذِي رَوَاهُ التَّابِعِيّ مُطلقًا أَو تَابِعِيّ كَبِير إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلَا يحْتَج بِهِ الإِمَام الشَّافِعِي وَالْجُمْهُور وَاحْتج بِهِ أَو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ فَإِن اعتضد بمجيئه من وَجه آخر مُسْندًا أَو مُرْسلا مِمَّن يقبل عَنهُ الْعلم أَو وَافق قَول الصَّحَابَة وَأفْتى أَكثر الْعلمَاء بِمُقْتَضَاهُ فَإِنَّهُ صَحِيح

قَالَ الشَّافِعِي لَا أقبل مُرْسل غير كبار التَّابِعين إِلَّا بِالشّرطِ الَّذِي وَصفته وَمن ثمَّ احْتج الشَّافِعِي بمراسيل ابْن الْمسيب لِأَنَّهَا وجدت مُسندَة من وُجُوه أخر

قَالَ النَّوَوِيّ إِنَّمَا اخْتلف أَصْحَابنَا المتقدمون فِي معنى قَول الشَّافِعِي إرْسَال ابْن الْمسيب عندنَا حسن على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنَّهَا حجَّة عِنْده بِخِلَاف غَيرهَا من الْمَرَاسِيل لِأَنَّهَا وجدت مستندة ثَانِيهمَا أَنَّهَا لَيست بِحجَّة عِنْده بل هِيَ كَغَيْرِهَا من الْمَرَاسِيل وَإِنَّمَا رجح الشَّافِعِي بمرسله وَالتَّرْجِيح بالمرسل جَائِز قَالَ الْخَطِيب وَالصَّوَاب الثَّانِي وَأما الأول فَلَيْسَ بِشَيْء لِأَن فِي مَرَاسِيل سعيد مَا لَا يُوجد بِحَال من وَجه آخر يَصح

فَإِن قيل قَوْلكُم يقبل الْمُرْسل إِذا جَاءَ مُسْندًا من وَجه آخر لَا حَاجَة إِلَى المراسل بل الِاعْتِمَاد حِينَئِذٍ على الحَدِيث الْمسند أُجِيب بِأَنَّهُ بالمسند تَبينا صِحَة الْمُرْسل وصارا دَلِيلين يرجح بهما عِنْد مُعَارضَة دَلِيل وَاحِد وَأما مَرَاسِيل الصَّحَابَة كَابْن عَبَّاس وَغَيره من صغَار الصَّحَابَة عَنهُ صلى الله عليه وسلم مِمَّا لم يسمعوه مِنْهُ فَهُوَ حجَّة وَإِذا تعَارض الْوَصْل والإرسال بِأَن اخْتلف الثِّقَات فِي حَدِيث فيرويه بَعضهم مُتَّصِلا وَآخر مُرْسلا كَحَدِيث لَا نِكَاح إِلَّا بولِي رَوَاهُ اسرائيل وَجَمَاعَة عَن أبي اسحاق السبيعِي عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَرَوَاهُ الثَّوْريّ وَشعْبَة عَن أبي اسحاق عَن أبي بردة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقيل الحكم للمسند إِذا كَانَ عدلا ضابطا قَالَ الْخَطِيب وَهُوَ الصَّحِيح وَسُئِلَ عَنهُ البُخَارِيّ فَحكم لمن وصل وَقَالَ الزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة وَتقبل زِيَادَة الثِّقَات مُطلقًا على الصَّحِيح

ص: 129