الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
الْبَاب الأول فِي معرفَة علم الحَدِيث ومبدأ جمعه وتدوينه ونقلته وَمَا يتَّصل بذلك وَفِيه فُصُول
-
الْفَصْل الأول فِي معرفَة علم الحَدِيث
وَهُوَ علم يعرف بِهِ أَقْوَال النَّبِي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله واندرج فِيهِ معرفَة مَوْضُوعه وَأما غَايَته فَهِيَ الْفَوْز بسعادة الدَّاريْنِ وَأما استمداده فَمن أَقْوَال الرَّسُول وأحواله صلى الله عليه وسلم وَأما أَقْوَاله فَهُوَ الْكَلَام الْعَرَبِيّ الْمُبين فَمن لم يعرف الْكَلَام الْعَرَبِيّ بجاته فَهُوَ بمعزل عَن هَذَا الْعلم وَهِي كَونه حَقِيقَة ومجازا وكناية وصريحا وعاما وخاصا ومطلقا ومقيدا ومحذوفا ومضمرا ومنطوقا ومفهوما واقتضاء وَإِشَارَة وَعبارَة وَدلَالَة وتنبيها وإيماء وَنَحْو ذَلِك مَعَ كَونه على قانون الْعَرَبيَّة الَّذِي بَينه النُّحَاة بتفاصيله وعَلى قَوَاعِد اسْتِعْمَال الْعَرَب وَهُوَ الْمعبر عَنهُ بِعلم اللُّغَة وَأما أَفعاله فَهِيَ الْأُمُور الصادرة عَنهُ الَّتِي أمرنَا باتباعه فِيهَا مَا لم يكن طبعا أَو خَاصَّة فموضوع علم الحَدِيث هُوَ ذَات رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من حَيْثُ أَنه رَسُول الله ومباديه هِيَ مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ المباحث وَصِفَاته ومسائله هِيَ الْأَشْيَاء الْمَقْصُودَة مِنْهُ كَذَا فِي الْعَيْنِيّ وَغَيرهَا
قلت الحَدِيث فِي اصْطِلَاح جُمْهُور الْمُحدثين يُطلق على قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَفعله وَتَقْرِيره وَمعنى التَّقْرِير أَنه فعل أحد أَو قَالَ شَيْئا فِي حَضرته صلى الله عليه وسلم وَلم يُنكره وَلم ينْه عَن ذَلِك بل سكت وَقرر وَكَذَلِكَ
يُطلق على قَول الصَّحَابِيّ وَفعله وَتَقْرِيره وعَلى قَول التَّابِعِيّ وَفعله وَتَقْرِيره وَقَالَ أَحْمد بن مُحَمَّد البابلي فِي التحريرات البابلية على الرسَالَة الدلجية وَبَعْضهمْ أَدخل فِي الْحَد مَا ورد عَن صَحَابِيّ أَو تَابِعِيّ وَلَيْسَ بِصَحِيح انْتهى
وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب الْمعول عَلَيْهِ وَالْخَبَر والْحَدِيث فِي الْمَشْهُور بِمَعْنى وَاحِد وَبَعْضهمْ خصوا الحَدِيث بِمَا جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْخَبَر بِمَا جَاءَ عَن أَخْبَار الْمُلُوك والسلاطين وَالْأَيَّام الْمَاضِيَة وَبِهَذَا يُقَال لمن يشْتَغل بِالسنةِ مُحدث وَلمن يشْتَغل بالتاريخ اخباري وَقيل بَينهمَا عُمُوم وخصوص مُطلق فَكل حَدِيث خبر وَلَا عكس وَهَذَا أشهر وَالثَّانِي وجيه وَالْأول أوجه
وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي جَامع الْأُصُول عُلُوم الشَّرِيعَة تَنْقَسِم إِلَى فرض وَنقل وَالْفَرْض يَنْقَسِم إِلَى فرض عين وَفرض كِفَايَة وَمن أصُول فروض الكفايات علم أَحَادِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وآثار الصَّحَابَة الَّتِي هِيَ ثَانِي أَدِلَّة الْأَحْكَام وَله أصُول وَأَحْكَام وقواعد واصطلاحات ذكرهَا الْعلمَاء وَشَرحهَا المحدثون وَالْفُقَهَاء يحْتَاج طَالبه إِلَى مَعْرفَتهَا وَالْوُقُوف عَلَيْهَا بعد تَقْدِيم معرفَة اللُّغَة والاعراب اللَّذين هما أصل لمعْرِفَة الحَدِيث وَغَيره لوُرُود الشَّرِيعَة المطهرة على لِسَان الْعَرَب وَتلك الْأَشْيَاء كَالْعلمِ بِالرِّجَالِ وأساميهم وأنسابهم وأعمارهم وَوقت وفاتهم وَالْعلم بِصِفَات الروَاة وشرائطهم الَّتِي يجوز مَعهَا قبُول روايتهم وَالْعلم بمستند الروَاة وَكَيْفِيَّة أَخذهم الحَدِيث وتقسيم طرقه وَالْعلم بِلَفْظ الروَاة وإيرادهم مَا سَمِعُوهُ واتصاله إِلَى من يَأْخُذهُ عَنْهُم وَذكر مراتبه وَالْعلم بِجَوَاز نقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى وَرِوَايَة بعضه وَالزِّيَادَة فِيهِ وَالْإِضَافَة إِلَيْهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وانفراد الثِّقَة بِزِيَادَة فِيهِ وَالْعلم بالمسند وشرائطه والعالي مِنْهُ والنازل وَالْعلم بالمرسل وانقسامه إِلَى الْمُنْقَطع وَالْمَوْقُوف والمعضل وَغير ذَلِك لاخْتِلَاف النَّاس فِي قبُوله ورده وَالْعلم بِالْجرْحِ وَالتَّعْدِيل وجوازهما ووقوعهما وَبَيَان طَبَقَات الْمَجْرُوحين وَالْعلم بأقسام الصَّحِيح من الحَدِيث وَالْكذب وانقسام الْخَبَر إِلَيْهِمَا وَإِلَى الْغَرِيب وَالْحسن
وَغَيرهمَا وَالْعلم بأخبار التَّوَاتُر والآحاد والناسخ والمنسوخ وَغير ذَلِك مِمَّا توَافق عَلَيْهِ أَئِمَّة أهل الحَدِيث وَهُوَ بَينهم مُتَعَارَف فَمن أتقنها أَتَى دَار هَذَا الْعلم من بَابهَا وأحاط بهَا من جَمِيع جهاتها وَيقدر مَا يفوتهُ مِنْهَا تنزل دَرَجَته وتنحط رتبته إِلَّا أَن معرفَة التَّوَاتُر والآحاد والناسخ والمنسوخ وَإِن تعلّقت بِعلم الحَدِيث لَكِن الْمُحدث لَا يفْتَقر إِلَيْهِ لِأَن ذَلِك من وَظِيفَة الْفَقِيه لِأَنَّهُ يستنبط الْأَحْكَام من الْأَحَادِيث فَيحْتَاج إِلَى معرفَة التَّوَاتُر والآحاد والناسخ والمنسوخ فَأَما الْمُحدث فوظيفته أَن ينْقل ويروي مَا سَمعه من الْأَحَادِيث كَمَا سَمعه فَإِن تصدى لما رَوَاهُ فَزِيَادَة فِي الْفضل انْتهى كَلَام ابْن الْأَثِير
ثمَّ الحَدِيث متن وَسَنَد فالمتن هُوَ أَلْفَاظ الحَدِيث الَّتِي يقوم بهَا الْمَعْنى وَهُوَ أَعم من أَن يكون قَول الرَّسُول صلى الله عليه وسلم أَو الصَّحَابِيّ أَو التَّابِعِيّ وفعلهم وتقريرهم فَالسَّنَد إِخْبَار عَن طَرِيق الْمَتْن وَهُوَ رِجَاله الَّذين رَوَوْهُ والإسناد هُوَ رفع الحَدِيث إِلَى قَائِله وهما متقاربان فِي معنى اعْتِمَاد الْحفاظ فِي صِحَة الحَدِيث وَضَعفه عَلَيْهِمَا وَقد يَجِيء الْإِسْنَاد بِمَعْنى ذكر السَّنَد والحكاية عَن طَرِيق الْمَتْن والمتن مَا انْتهى إِلَى الْإِسْنَاد وَمتْن الحَدِيث نَفسه لَا يدْخل فِي الِاعْتِبَار أَي فِي الْبَحْث عَن أَحْوَاله عِنْد أَرْبَاب الحَدِيث إِلَّا نَادرا بل يكْتَسب صفة من الْقُوَّة والضعف وَبَين بَين بِحَسب أَوْصَاف الروَاة من الْعَدَالَة والضبط وَالْحِفْظ وخلافها وَبَين ذَلِك أَو بِحَسب الْإِسْنَاد من الِاتِّصَال والانقطاع والإرسال وَالِاضْطِرَاب وَنَحْوهَا من الشذوذ والموقوفية
فَالْحَدِيث على هَذَا يَنْقَسِم إِلَى صَحِيح وَحسن وَضَعِيف إِذا نظر إِلَى الْمَتْن وَأما إِذا نظر إِلَى أَوْصَاف الروَاة فَقيل هُوَ ثِقَة عدل ضَابِط أَو غير ثِقَة أَو مُتَّهم أَو مَجْهُول أَو كذوب أَو نَحْو ذَلِك فَيكون الْبَحْث عَن الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَإِذا نظر الى كَيْفيَّة أَخذهم وطرق تحملهم الحَدِيث كَانَ الْبَحْث عَن أَوْصَاف الطَّالِب وَإِذا بحث عَن أسمائهم وأنسابهم كَانَ الْبَحْث عَن تعيينهم وتشخيص ذواتهم كَذَا قَالَ السَّيِّد الشريف
قَالَ ابْن خلدون فِي كتاب العبر وديوان الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وَمن عينه
نقلت اعْلَم أَن الْأَحَادِيث قد تميزت مراتبها لهَذَا الْعَهْد بَين صَحِيح وَحسن وَضَعِيف ومعلول وَغَيرهَا تنزلها أَئِمَّة الحَدِيث وجهابذته وعرفوها وَلم يبْق طَرِيق فِي تَصْحِيح مَا يَصح من قبل
وَلَقَد كَانَ الْأَئِمَّة فِي الحَدِيث يعْرفُونَ الْأَحَادِيث بطرقها وأسانيدها بِحَيْثُ لَو رُوِيَ حَدِيث بِغَيْر سَنَده وَطَرِيقه يَفْطنُون إِلَى أَنه قد قلب عَن وَضعه وَلَقَد وَقع مثل ذَلِك للْإِمَام مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ حِين ورد على بَغْدَاد وَقصد المحدثون امتحانه فَسَأَلُوهُ عَن أَحَادِيث قلبوا أسانيدها فَقَالَ لَا أعرف هَذِه وَلَكِنِّي حَدثنِي فلَان ثمَّ أَتَى بِجَمِيعِ تِلْكَ الْأَحَادِيث على الْوَضع الصَّحِيح ورد كل متن إِلَى سَنَده وأقروا لَهُ بِالْإِمَامَةِ
وَقد انْقَطع لهَذَا الْعَهْد تَخْرِيج شَيْء من الْأَحَادِيث واستدراكها على الْمُتَقَدِّمين إِذْ الْعَادة تشهد بِأَن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة على تعددهم وتلاحق عصورهم وكفايتهم واجتهادهم لم يَكُونُوا ليغفلوا شَيْئا من السّنة أَو يَتْرُكُوهُ حَتَّى يعثر عَلَيْهِ الْمُتَأَخر وَهَذَا بعيد عَنْهُم وَإِنَّمَا تَنْصَرِف الْعِنَايَة لهَذَا الْعَهْد إِلَى تَصْحِيح الْأُمَّهَات الْمَكْتُوبَة وضبطها بالرواية عَن مصنفها وَالنَّظَر فِي أسانيدها إِلَى مؤلفها وَعرض ذَلِك على مَا تقرر فِي علم الحَدِيث من الشُّرُوط وَالْأَحْكَام لتتصل الْأَسَانِيد محكمَة إِلَى مُنْتَهَاهَا وَلم يزِيدُوا فِي ذَلِك على الْعِنَايَة بِأَكْثَرَ من هَذِه الْأُمَّهَات الْخَمْسَة إِلَّا فِي الْقَلِيل انْتهى
قَالَ السُّيُوطِيّ فِي الْجَامِع الصَّغِير سميته جمع الْجَوَامِع وقصدت فِيهِ جَمِيع الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة بأسرها انْتهى قَالَ شَارِحه العزيزي أَي جَمِيعهَا
قَالَ الْمَنَاوِيّ وَهَذَا بِحَسب مَا اطلع عَلَيْهِ المُصَنّف لَا بِاعْتِبَار مَا فِي نفس الْأَمر انْتهى
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ حصر الْأَحَادِيث يبعد امكانه غير أَن جمَاعَة بالغوا فِي تتبعها وحصروها
قَالَ الإِمَام أَحْمد صَحَّ سَبْعمِائة ألف وَكسر وَقَالَ قد جمعت