الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَصْل الثَّالِث فِي ذكر الْجَامِع الصَّحِيح للْإِمَام الْحَافِظ أبي الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج الْقشيرِي الشَّافِعِي الْمُتَوفَّى سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ
وَهُوَ أحد الصَّحِيحَيْنِ اللَّذين هما أصح الْكتب بعد كتاب الله تَعَالَى وَالثَّانِي من الْأُصُول السِّتَّة وَقد ذكرنَا طرفا من تَفْضِيل أَحدهمَا على الآخر عِنْد ذكر صَحِيح البُخَارِيّ فَلَا نعيده وَكَانَ الْحَافِظ أَبُو عَليّ النَّيْسَابُورِي شيخ الْحَاكِم يقدم صَحِيحه على سَائِر التصانيف وَقَالَ مَا تَحت أَدِيم السَّمَاء أصح من كتاب مُسلم وَوَافَقَهُ على ذَلِك بعض شُيُوخ الْمغرب ومستندهم أَنه شَرط أَن لَا يكْتب فِي صَحِيحه إِلَّا مَا رَوَاهُ تابعيان ثقتان عَن صحابيين وَكَذَا فِي تبع التَّابِعين وَسَائِر الطَّبَقَات إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَيْهِ مراعيا فِي ذَلِك مَا لزم فِي الشَّهَادَة وَلَيْسَ هَذَا من شَرط البُخَارِيّ أما حَدِيث الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ فَإِنَّمَا ذكره وَإِن لم يُوجد فِيهِ هَذَا الشَّرْط لثُبُوت صِحَّته وشهرته والتبرك بِهِ على أَن الشَّرْط فِي نفس الْأَمر مَوْجُود وَلم يذكرهُ اعْتِمَادًا على غَيره والنادر لَا حكم لَهُ
قَالَ مُسلم ألفت كتابي هَذَا من ثَلَاثمِائَة ألف حَدِيث مسموعة وَقَالَ لَو أَن أهل الأَرْض يَكْتُبُونَ الحَدِيث مِائَتي سنة مَا كَانَ مدارهم إِلَّا على هَذَا الْمسند وَقَالَ مَا وضعت شَيْئا فِي كتابي هَذَا إِلَّا بِحجَّة وَمَا أسقطت مِنْهُ شَيْئا إِلَّا بِحجَّة قَالَ أَحْمد بن سَلمَة كتبت مَعَ مُسلم فِي تأليف صَحِيحه خمس عشرَة سنة وَهُوَ اثْنَا عشر ألف حَدِيث
قَالَ النَّسَائِيّ مَا فِي هَذِه الْكتب كلهَا أَجود من كتاب البُخَارِيّ
وَقَالَ مكي بن عَبْدَانِ أحد حفاظ نيسابور سَمِعت مُسلما يَقُول عرضت كتابي هَذَا على أبي زرْعَة الرَّازِيّ فَكلما أَشَارَ أَن لَهُ عِلّة تركته وَكلما قَالَ أَنه صَحِيح وَلَيْسَ لَهُ عِلّة خرجته رَوَاهُ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ بِإِسْنَادِهِ
قَالَ مُسلم فِي أول صَحِيحه الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين وعَلى جَمِيع الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ أما بعد فَإنَّك يَرْحَمك
الله بِتَوْفِيق خالقك ذكرت أَنَّك هَمَمْت بالفحص عَن تعرف جملَة الْأَخْبَار المأثورة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي سنَن الدّين وَأَحْكَامه وَمَا كَانَ مِنْهَا فِي الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَالتَّرْغِيب والترهيب وَغير ذَلِك من صنوف الْأَشْيَاء بِالْأَسَانِيدِ الَّتِي بهَا نقلت وتداولها أهل الْعلم فِيمَا بَينهم فَأَرَدْت أرشدك الله أَن توقف على جملَة مؤلفة محصاة وَسَأَلتنِي أَن ألخصها فِي التَّأْلِيف بِلَا تكْرَار يكثر فَإِن ذَلِك زعمت مِمَّا يشغلك عَمَّا لَهُ قصدت من التفهم فِيهَا والاستنباط مِنْهَا وللذي سَأَلت أكرمك الله حِين رجعت إِلَى تدبره وَمَا تؤول بِهِ الْحَال إِن شَاءَ الله عاقبه محمودة وَمَنْفَعَة مَوْجُودَة وظننت حِين سَأَلتنِي تجشم ذَلِك أَن لَو عزم لي عَلَيْهِ وَقضى لي أتمامه كَانَ أول من يُصِيبهُ نفع ذَلِك إيَّايَ خَاصَّة قبل غَيْرِي من النَّاس لأسباب كَثِيرَة يطول بذكرها الْوَصْف إِلَّا أَن جملَة ذَلِك أَن ضبط الْقَلِيل من هَذَا الشَّأْن واتقانه أيسر على الْمَرْء من معالجة الْكثير مِنْهُ وَلَا سِيمَا عِنْد من لَا تَمْيِيز عِنْده من الْعَوام إِلَّا بِأَن يوقفه على التَّمْيِيز غَيره فَإِذا كَانَ الْأَمر فِي هَذَا كَمَا وصف فالقصد مِنْهُ إِلَى الصَّحِيح الْقَلِيل أولى من ازدياد السقيم وَإِنَّمَا يُرْجَى بعض الْمَنْفَعَة فِي الاستكثار من هَذَا الشَّأْن وَجمع المكررات مِنْهُ لخاصة من النَّاس مِمَّن رزق فِيهِ بعض التيقظ والمعرفة بأسبابه وَعلله فَذَلِك إِن شَاءَ الله يهجم بِمَا أُوتِيَ من ذَلِك على الْفَائِدَة فِي الاستكثار من جمعه فَأَما عوام النَّاس الَّذين هم بِخِلَاف مَعَاني الْخَاص من أهل التيقظ والمعرفة فَلَا معنى لَهُم فِي طلب الْكثير وَقد عجزوا عَن معرفَة الْقَلِيل ثمَّ إِنَّا إِن شَاءَ الله لمبتدؤن انْتهى
وَمن رباعياته قَالَ حَدثنَا سُوَيْد بن سعيد قَالَ حَدثنَا مَرْوَان الْفَزارِيّ عَن أبي مَالك سعد بن طَارق عَن أَبِيه رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَكفر بِمَا يعبد من دون الله حرم مَاله وَدَمه وحسابه على الله
وَبِالْجُمْلَةِ فَلهُ المؤلفات الجليلة سِيمَا صَحِيحه الَّذِي أمتن الله بِهِ على الْمُسلمين وَأبقى لَهُ بِهِ الذّكر الْجَمِيل وَالثنَاء الْجَلِيل إِلَى يَوْم الدّين فَإِن من تَأمل مَا أودعهُ فِي أسانيده وَحسن سِيَاقه وأنواع الْوَرع التَّام
والتحري فِي الرِّوَايَة وتلخيص الطّرق واختصارها وَضبط طرقها وانتشارها علم أَنه إِمَام لَا يسْبق وَفَارِس لَا يلْحق
قَالَ النَّوَوِيّ صنف مُسلم فِي علم الحَدِيث كتبا كَثِيرَة مِنْهَا هَذَا الْكتاب الصَّحِيح وَهُوَ فِي نِهَايَة الشُّهْرَة وَهُوَ متواتر عَنهُ من حَيْثُ الْجُمْلَة فالعلم الْقطع حَاصِل بِأَنَّهُ تصنيف مُسلم وَمن حَيْثُ الرِّوَايَة بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِل بِمُسلم وَقد تفرد بفائدة حَسَنَة وَهِي كَونه أسهل متْنا وَلَا من حَيْثُ أَنه جعل لكل حَدِيث موضعا وَاحِدًا يَلِيق بِهِ جمع فِيهِ طرقه الَّتِي ارتضاها فَاخْتَارَ ذكرهَا وَأورد فِيهِ أسانيده المتعددة وَأَلْفَاظه الْمُخْتَلفَة فيسهل على الطَّالِب النّظر فِي وجوهه واستثمارها وَيحصل لَهُ الثِّقَة بِجَمِيعِ مَا أوردهُ مُسلم من طرقه بِخِلَاف البُخَارِيّ انْتهى وَلَقَد أنصف الْحَافِظ عبد الرَّحْمَن بن عَليّ الديبع اليمني الشَّافِعِي فِي قَوْله نظم
(إِن صَحِيح مُسلم يَا قاري
…
لبحر علم مَا لَهُ مجاري)
(سلسال مَا سلسل من حَدِيثه
…
ألذ من مُكَرر البُخَارِيّ)
قَالَ ابْن الصّلاح شَرط مُسلم فِي صَحِيحه أَن يكون الحَدِيث مُتَّصِل الْإِسْنَاد بِنَقْل الثِّقَة عَن الثِّقَة من أَوله إِلَى منتهاه سالما من الشذوذ وَالْعلَّة قَالَ السُّيُوطِيّ فِي الديباج وَالْمرَاد الثِّقَة عِنْده وَإِن كَانَ غير ثِقَة عِنْد غَيره وَلِهَذَا أخرج لستمائة وَخَمْسَة وَعشْرين شَيخا لم يحْتَج بهم البُخَارِيّ كَمَا أخرج البُخَارِيّ لأربعمائة وَأَرْبَعَة وَثَلَاثِينَ شَيخا لم يحْتَج بهم مُسلم انْتهى فكم من حَدِيث صَحِيح على شَرط مُسلم وَلَيْسَ بِصَحِيح على شَرط البُخَارِيّ لكَون الروَاة عِنْده مِمَّن اجْتمعت فيهم الشُّرُوط الْمُعْتَبرَة وَلم يثبت عِنْد البُخَارِيّ ذَلِك ثمَّ إِنَّه سلك فِي كِتَابه طَريقَة حَسَنَة بِحَيْثُ فضل بِسَبَبِهَا على صَحِيح البُخَارِيّ وَذَلِكَ أَنه يجمع الْمُتُون كلهَا بطرقها فِي مَوضِع وَاحِد وَلَا يفرقها فِي الْأَبْوَاب ويسوقها تَامَّة وَلَا يقطعهَا فِي التراجم ويحافظ على الْإِتْيَان بلفظها وَلَا يروي بِالْمَعْنَى حَتَّى إِذا خَالف راو فِي لَفْظَة فرواها بِلَفْظ آخر مرادف بَينه وَكَذَا إِذا قَالَ راو حَدثنَا وَقَالَ آخر أخبرنَا وَلم يخلط مَعهَا شَيْء من أَقْوَال الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ حَتَّى وَلَا الْأَبْوَاب والتراجم
كل ذَلِك حرصا على أَن لَا يدْخل فِي الحَدِيث غَيره فَلَيْسَ فِيهِ بعد الْمُقدمَة إِلَّا الحَدِيث كَذَا فِي الديباج
قَالَ ابْن الصّلاح جَمِيع مَا حكم مُسلم بِصِحَّتِهِ فِي هَذَا الْكتاب فَهُوَ مَقْطُوع بِصِحَّتِهِ وَالْعلم النظري حَاصِل بِصِحَّتِهِ فِي نفس الْأَمر وَهَكَذَا مَا حكم البُخَارِيّ بِصِحَّتِهِ وَذَلِكَ لِأَن الْأمة تلقت ذَلِك بِالْقبُولِ سوى من لَا يعْتد بِخِلَافِهِ أَو وفاقه فِي الْإِجْمَاع
قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ لَو حلف إِنْسَان بِطَلَاق امْرَأَته أَن مَا فِي كتابي البُخَارِيّ وَمُسلم مِمَّا حكما بِصِحَّتِهِ من قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما ألزمته الطَّلَاق وَلَا حنثته لإِجْمَاع عُلَمَاء الْمُسلمين على صحتهما وَقد اتّفقت الْأمة على أَن مَا اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على صِحَّته فَهُوَ حق صدق
قَالَ السُّيُوطِيّ فِي الديباج وَأما قَول مُسلم فِي الصَّلَاة من صَحِيحه لَيْسَ كل شَيْء عِنْدِي صَحِيح وَضعته هَهُنَا إِنَّمَا وضعت مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ مَعَ أَنه فِيهِ أَحَادِيث كَثِيرَة مُخْتَلف فِي صِحَّتهَا لكَونهَا من حَدِيث من ذَكرْنَاهُ فَالْجَوَاب أَن مُرَاده مَا وجد عِنْده فِيهِ مَشْرُوط الصَّحِيح الْمجمع عَلَيْهِ وَإِن لم يظْهر اجتماعها فِي بَعْضهَا عِنْد بَعضهم أَو مَا لم يخْتَلف فِيهِ الثِّقَات فِي نفس الحَدِيث متْنا وإسنادا وَإِن كَانَ فِيهِ أَحَادِيث قد اخْتلف فِي إسنادها وَمَتْنهَا خرجها أجَاز هُوَ لَا عَن هَذَا الشَّرْط أَو بِسَبَب آخر مُنْتَهى وَقَالَ غَيره أَرَادَ إِجْمَاع أَرْبَعَة من الْحفاظ خَاصَّة انْتهى
قَالَ ابْن الصّلاح جَاءَ مُسلم عِنْد أبي زرْعَة الرَّازِيّ وَجلسَ سَاعَة وتذاكرا فَلَمَّا قَامَ قيل لَهُ هَذَا جمع أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث فِي الصَّحِيح قَالَ أَبُو زرْعَة فَلِمَنْ ترك الْبَاقِي قَالَ الشَّيْخ أَرَادَ أَن كِتَابه هَذَا أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث أصُول دون المكررات وبالمكررات سَبْعَة آلَاف ومائتان وَخَمْسَة وَسَبْعُونَ حَدِيثا ثمَّ إِن مُسلما رتب كِتَابه على الْأَبْوَاب فَهُوَ مبوب فِي الْحَقِيقَة وَلكنه لم يذكر تراجم الْأَبْوَاب فِيهِ لِئَلَّا يزْدَاد بهَا حجم الْكتاب أَو لغير ذَلِك
قَالَ النَّوَوِيّ وَقد ترْجم جمَاعَة أبوابه بتراجم بَعْضهَا جيد وَبَعضهَا
لَيْسَ بجيد إِمَّا لقُصُور فِي عبارَة التَّرْجَمَة وَإِمَّا لركاكة لَفظهَا وَإِمَّا لغير ذَلِك وَأَنا إِن شَاءَ الله تَعَالَى أحرص على التَّعْبِير عَنْهَا بعبارات تلِيق بهَا فِي مواطنها
قَالَ السُّيُوطِيّ فِي الديباج وَمَا يُوجد فِي نُسْخَة من الْأَبْوَاب مترجمة فَلَيْسَ من صنع الْمُؤلف وَإِنَّمَا صنعه جمَاعَة بعده كَمَا قَالَ النَّوَوِيّ وَمِنْهَا الْجيد وَغَيره
قلت وَكَأَنَّهُم أَرَادوا التَّقْرِيب على من يكْشف مِنْهُ وَكَانَ الصَّوَاب ترك ذَلِك وَلِهَذَا تَجِد النّسخ الْقَدِيمَة لَيْسَ فِيهَا أَبْوَاب الْبَتَّةَ وَمِمَّا امتاز بِهِ كِتَابه على كتاب البُخَارِيّ أَنه لم يكثر من التَّعْلِيق فَلَيْسَ فِيهِ شَيْء سوى موضِعين ومواضع أخر نزره جدا اثْنَا عشر موضعا متابعات لَا أصُول بِخِلَاف البُخَارِيّ فَإِن فِيهِ من التَّعْلِيق كثيرا وَقد بيّنت وَصلهَا فِيمَا علقته وَللَّه الْحَمد انْتهى
قَالَ النَّوَوِيّ وسلك مُسلم فِي صَحِيحه طرقا بَالِغَة فِي الِاحْتِيَاط والاتقان والورع والمعرفة وَذَلِكَ مُصَرح بِكَمَال ورعه وَتَمام مَعْرفَته وغزارة علومه وَشدَّة تَحْقِيقه وتفقده فِي هَذَا الشَّأْن وتمكنه من أَنْوَاع معارفه وتبريزه فِي صناعته وعلو مَحَله فِي التَّمْيِيز بَين دقائق علومه الَّتِي لَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا إِلَّا الْأَفْرَاد فِي الْأَعْصَار
وَذكر مُسلم فِي أول مُقَدّمَة صَحِيحه أَنه يقسم الْأَحَادِيث ثَلَاثَة أَقسَام الأول مَا رَوَاهُ الْحفاظ المتقنون وَالثَّانِي مَا رَوَاهُ المستورون المتوسطون فِي الْحِفْظ والإتقان وَالثَّالِث مَا رَوَاهُ الضُّعَفَاء والمتروكون وَإنَّهُ إِذا فرغ من الْقسم الأول اتبعهُ الثَّانِي وَأما الثَّالِث فَلَا يعرج عَلَيْهِ فَاخْتلف الْعلمَاء فِي مُرَاده بِهَذَا التَّقْسِيم فَقَالَ الْحَاكِم وَصَاحبه الْبَيْهَقِيّ أَن الْمنية اخترمت مُسلما قبل إِخْرَاج الْقسم الثَّانِي وَأَنه إِنَّمَا ذكر الْقسم الأول وَقَالَ القَاضِي عِيَاض لَيْسَ الْأَمر على ذَلِك لمن حقق نظره وَلم يتَقَيَّد بالتقليد وَعِنْدِي أَنه أَتَى بطبقاته الثَّلَاث فِي كِتَابه على مَا ذكر ورتب وَبَينه فِي تقسيمه وَطرح الرَّابِعَة كَمَا نَص عَلَيْهِ وَقَالَ ابْن عَسَاكِر فِي الْأَشْرَاف أَنه رتب كِتَابه على قسمَيْنِ وَقصد أَن يذكر أَحَادِيث أهل الثِّقَة والإتقان وَفِي الثَّانِي
أَحَادِيث أهل السّتْر والصدق الَّذين لم يبلغُوا دَرَجَة المثبتين فحال حُلُول الْمنية بَينه وَبَين هَذِه الأمنية فَمَاتَ قبل إتْمَام كِتَابه واستيعاب تراجمه وأبوابه غير أَن كِتَابه مَعَ إعوازه اشْتهر وَسَار صيته فِي الْآفَاق وانتشر انْتهى وَلم يذكر الْقسم الثَّالِث
ثمَّ صنف جماعات من الْحفاظ على صَحِيح مُسلم كتبا وَكَانَ هَؤُلَاءِ تَأَخَّرُوا عَن مُسلم وأدركوا الْأَسَانِيد الْعَالِيَة وَفِيهِمْ من أدْرك بعض شُيُوخ مُسلم فَخَرجُوا أَحَادِيث مُسلم فِي مصنفاتهم الْمَذْكُورَة بأسانيدهم تِلْكَ
قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو فَهَذِهِ الْكتب المخرجة تلتحق بِصَحِيح مُسلم فِي أَن لَهَا سمة الصَّحِيح وَإِن لم تلتحق بِهِ فِي خَصَائِصه كلهَا وَيُسْتَفَاد من مخرجاتهم ثَلَاث فَوَائِد علو الْإِسْنَاد وَزِيَادَة قُوَّة الحَدِيث بِكَثْرَة طرقه وَزِيَادَة أَلْفَاظ صَحِيحه مفيدة ثمَّ إِنَّهُم لم يلتزموا مُوَافَقَته فِي اللَّفْظ لكَوْنهم يروونها بأسانيد أخر فَيَقَع فِي بَعْضهَا تفَاوت فَمن هَذِه الْكتب المخرجة على صَحِيح مُسلم كتاب العَبْد الصَّالح أبي جَعْفَر بن حمدَان النَّيْسَابُورِي المتوفي سنة إِحْدَى عشرَة وثلاثمائة وَتَخْرِيج أبي نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد الطوسي الشَّافِعِي المتوفي سنة أَربع وَأَرْبَعين وثلاثمائة والمسند الصَّحِيح لأبي بكر مُحَمَّد بن رَجَاء الاسفرائيني الْحَافِظ وَهُوَ مقدم يُشَارك مُسلما فِي أَكثر شُيُوخه وَمَات سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ ومختصر الْمسند الصَّحِيح على مُسلم لِلْحَافِظِ أبي عوَانَة يَعْقُوب بن إِسْحَاق الاسفرائيني المتوفي سنة سِتّ عشرَة وثلاثمائة روى فِيهِ عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَغَيره من شُيُوخ مُسلم وَتَخْرِيج أبي حَامِد أَحْمد بن مُحَمَّد الشاركي الْفَقِيه الشَّافِعِي الْهَرَوِيّ المتوفي سنة خمس وَخمسين وثلاثمائة يروي عَن أبي يعلى الْموصِلِي والمسند الصَّحِيح لأبي بكر مُحَمَّد بن عبد الْبر الجوزقي النَّيْسَابُورِي الشَّافِعِي المتوفي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وثلاثمائة والمسند الْمُسْتَخْرج على مُسلم لِلْحَافِظِ أبي نعيم أَحْمد بن عبد الله الْأَصْبَهَانِيّ المتوفي سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبع مائَة والمخرج على صَحِيح مُسلم لأبي الْوَلِيد حسان بن مُحَمَّد الْقرشِي الْفَقِيه الشَّافِعِي المتوفي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَمِنْهُم من استدرك على البُخَارِيّ وَمُسلم وَمن هَذَا الْقَبِيل كتاب
الدَّارَقُطْنِيّ الْمُسَمّى بالاستدراكات والتتبع وَذَلِكَ فِي مِائَتي حَدِيث مِمَّا فِي الْكِتَابَيْنِ وَكتاب أبي مَسْعُود الدِّمَشْقِي وَأبي عَليّ الغساني فِي كِتَابه تَقْيِيد المهمل فِي جُزْء الْعِلَل مِنْهُ اسْتِدْرَاك أَكْثَره على الروَاة عَنْهُمَا وَفِيه مَا يلْزمهُمَا قَالَ النَّوَوِيّ وَقد أجبْت عَن ذَلِك أوأكثره انْتهى
ولصحيح مُسلم شُرُوح كَثِيرَة مِنْهَا شرح الإِمَام الْحَافِظ أبي زَكَرِيَّا محيي الدّين يحيى بن شرف الخرامي النَّوَوِيّ الشَّافِعِي المتوفي سنة سِتّ وَسبعين وسِتمِائَة وَهُوَ شرح متوسط مُفِيد يكون فِي مجلدين أَو ثَلَاث غَالِبا سَمَّاهُ الْمِنْهَاج فِي شرح صَحِيح مُسلم بن الْحجَّاج أَوله الْحَمد لله الْبر الْجواد الَّذِي جلت نعمه عَن الإحصاء بالأعداد الخ قَالَ فِيهِ وَأما صَحِيح مُسلم فقد استخرت الله الْكَرِيم فِي جمع كتاب فِي شَرحه متوسط بَين المختصرات والمبسوطات لَا من المختصرات المخلات وَلَا من المطولات المملات وَلَوْلَا ضعف الهمم وَقلة الراغبين وَخَوف عدم انتشار الْكتاب لقلَّة الطالبين للمطولات لبسطته فبلغت بِهِ مَا يزِيد على مائَة من المجلدات من غير تكْرَار وَلَا زيادات عاطلات لكني أقتصر على الْمُتَوَسّط وأحرص على ترك الإطالات انْتهى وَذكر فِي مُقَدّمَة فصولا مُتَتَابِعَات هِيَ لجيد التحقيقات كالتميمات وَقد طبع مرَّتَيْنِ فِي الدهلي من ديار الْهِنْد أَولا فِي المطبع الأحمدي وَثَانِيا فِي مطبع الشَّيْخ أَحْمد التَّاجِر ومادة تَارِيخ طبعه أخيرا أَحْمَده على انطباع صَحِيح مُسلم وَشَرحه أَي للنووي
ومختصر هَذَا الشَّرْح للشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف القونوي الْحَنَفِيّ المتوفي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَشرح القَاضِي عِيَاض بن مُوسَى الْيحصبِي الْمَالِكِي المتوفي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة سَمَّاهُ إِكْمَال الْمعلم فِي شرح صَحِيح مُسلم كمل بِهِ الْمعلم للمارزي وَهُوَ شرح أبي عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ المارزي المتوفي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَسَماهُ الْمعلم بفوائد كتاب مُسلم وَشرح أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عمر بن إِبْرَاهِيم الْقُرْطُبِيّ المتوفي سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة وَهُوَ شرح على مُخْتَصره لَهُ ذكر فِيهِ أَنه لما لخصه ورتبه وبوبه شرح غَرِيبه وَنبهَ على نكت
من إعرابه على وُجُوه الِاسْتِدْلَال بأحاديثه وَسَماهُ الْمُفْهم لما أشكل من تَلْخِيص كتاب مُسلم أَوله الْحَمد لله كَمَا وَجب لكبريائه وجلاله الخ
وَمِنْهَا شرح الإِمَام أبي عبد الله مُحَمَّد بن خَليفَة الوشنالي الآبي الْمَالِكِي المتوفي سنة سبع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَهُوَ كَبِير فِي أَربع مجلدات أَوله الْحَمد لله الْعَظِيم سُلْطَانه سَمَّاهُ إِكْمَال الْمعلم ذكر فِيهِ أَنه ضمنه كتب شراحه الْأَرْبَعَة المارزي وعياض والقرطبي وَالنَّوَوِيّ مَعَ زيادات مكملة وتنبيه وَنقل عَن شَيْخه أبي عبد الله مُحَمَّد بن عَرَفَة أَنه قَالَ مَا يشق عَليّ فهم شَيْء كَمَا يشق من كَلَام عِيَاض فِي بعض مَوَاضِع من الاكمال وَلما دَار أَسمَاء هَذِه الشُّرُوح كثيرا أَشَارَ بِالْجِيم إِلَى مارزي وبالعين إِلَى عِيَاض وبالطاء إِلَى الْقُرْطُبِيّ وبالدال إِلَى محيي الدّين النَّوَوِيّ وبلفظ الشَّيْخ إِلَى شَيْخه ابْن عَرَفَة
وَمِنْهَا شرح عماد الدّين عبد الرَّحْمَن بن عبد الْعلي الْمصْرِيّ وَشرح غَرِيبه للْإِمَام عبد الغافر بن اسماعيل الْفَارِسِي المتوفي سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَسَماهُ الْمُفْهم فِي شرح غَرِيب مُسلم وَشرح شمس الدّين أبي المظفر يُوسُف بن قزاو على سبط ابْن الْجَوْزِيّ المتوفي سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة وَشرح أبي الْفرج عِيسَى بن مَسْعُود الزواوي المتوفي سنة أَربع وَسَبْعمائة وَهُوَ شرح كَبِير فِي خمس مجلدات جمع من الْمعلم والإكمال والمفهم والمنهاج وَشرح القَاضِي زين الدّين زَكَرِيَّا بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ الشَّافِعِي المتوفي سنة سِتّ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة ذكره الشعراني وَقَالَ غَالب مسودته يخطي
وَشرح الشَّيْخ جلال الدّين عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر السُّيُوطِيّ المتوفي سنة إِحْدَى عشرَة وَتِسْعمِائَة سَمَّاهُ الديباج على صَحِيح مُسلم بن الْحجَّاج أَوله الْحَمد لله الَّذِي سلك بأصحاب الحَدِيث أوضح نهجه وخصهم بِمَا دَعَا بِهِ نَبِيّهم صلى الله عليه وسلم من النضرة فِي وُجُوههم والبهجة الخ وَذكر فِي أَوله فصولا فِي شَرط مُسلم ومصطلحه فِي كِتَابه وَتَسْمِيَة من ذكر فِيهِ بكنيته على تَرْتِيب حُرُوف الهجاء من الْألف إِلَى الْيَاء وتعريف من ذكر بِالنُّبُوَّةِ وَضبط مَا يخْشَى التباسه من الْأَسْمَاء والألقاب كَذَلِك وَهُوَ لطيف مُخْتَصر
مُشْتَمل على مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْقَارِي والمستمع من ضبط أَلْفَاظه وَتَفْسِير غَرِيبه وَبَيَان اخْتِلَاف رواياته على قلتهَا وَتَسْمِيَة مُهِمّ وإعراب مُشكل وَجمع بَين مُخْتَلف وإيضاح وهم بِحَيْثُ لَا يفوتهُ من الشَّرْح إِلَّا الاستنباط
وَشرح الإِمَام قوام الدّين أبي الْقَاسِم اسماعيل بن مُحَمَّد الْأَصْبَهَانِيّ الْحَافِظ المتوفي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَشرح الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أبي بكر الحصني الشَّافِعِي الدِّمَشْقِي المتوفي سنة تسع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَشرح الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الْخَطِيب الْقُسْطَلَانِيّ الشَّافِعِي المتوفي سنة ثَلَاث وَعشْرين وتسع مائَة وَسَماهُ منهاج الديباج بشرح صَحِيح مُسلم بن الْحجَّاج بلغ إِلَى نصفه فِي ثَمَانِيَة أَجزَاء كبار وَشرح مَوْلَانَا عَليّ بن سُلْطَان مُحَمَّد الْهَرَوِيّ الْقَارِي نزيل مَكَّة المكرمة المتوفي سنة سِتّ عشرَة وَألف أَربع مجلدات
ولصحيح مُسلم مختصرات مِنْهَا مُخْتَصر أبي عبد الله شرف الدّين مُحَمَّد بن عبد الله المرسي المتوفي سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة ومختصر زَوَائِد مُسلم على البُخَارِيّ لسراج الدّين عمر بن عَليّ بن الملقن الشَّافِعِي المتوفي سنة أَربع وَثَمَانمِائَة وَهُوَ كَبِير فِي أَربع مجلدات ومختصر الإِمَام الْحَافِظ زكي الدّين عبد العظيم بن عبد الْقوي الْمُنْذِرِيّ المتوفي سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة وَشرح هَذَا الْمُخْتَصر لعُثْمَان بن عبد الْملك الْكرْدِي الْمصْرِيّ المتوفي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَشَرحه أَيْضا مُحَمَّد بن أَحْمد الأستوي المتوفي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وعَلى كل مُسلم كتاب لمُحَمد بن أَحْمد بن عباد الخلاطي الْحَنَفِيّ المتوفي سنة تسع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَشَرحه أَيْضا الْمولى ولي الله الفرخ آبادي وَسَماهُ الْمَطَر الثجاج على صَحِيح مُسلم بن الْحجَّاج وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَلَا يَخْلُو عَن فَائِدَة زَائِدَة وَشَرحه أَيْضا بِالْفَارِسِيَّةِ بعض الْعلمَاء من أَوْلَاد الشَّيْخ عبد الْحق الْمُحدث الدهلوي رَحمَه الله تَعَالَى