الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَصْل السَّادِس فِي علم تلفيق الحَدِيث
وَهُوَ علم يبْحَث فِيهِ عَن التَّوْفِيق بَين الْأَحَادِيث المتنافية ظَاهرا إِمَّا بتخصيص الْعَام تَارَة أَو بتقييد الْمُطلق أُخْرَى أَو بِالْحملِ على تعدد الْحَادِثَة إِلَى غير ذَلِك من وُجُوه التَّأْوِيل وَكَثِيرًا مَا يُورِدهُ شرَّاح الحَدِيث أثْنَاء شروحهم إِلَّا أَن بَعْضًا من الْعلمَاء قد اعتنى بذلك فدونوه على حِدة ذكره الْمولى أَبُو الْخَيْر من فروع علم الحَدِيث
الْفَصْل السَّابِع فِي علم الْجرْح وَالتَّعْدِيل
وَهُوَ علم يبْحَث فِيهِ عَن جرح الروَاة وتعديلهم بِأَلْفَاظ مَخْصُوصَة وَعَن مَرَاتِب تِلْكَ الْأَلْفَاظ وَهَذَا الْعلم من فروع علم رجال الْأَحَادِيث وَلم يذكرهُ أحد من أَصْحَاب الموضوعات مَعَ أَنه فرع عَظِيم وَالْكَلَام فِي الرِّجَال جرحا وتعديلا ثَابت عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ عَن كثير من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمن بعدهمْ وَجوز ذَلِك تورعا وصونا للشريعة لاطعنا فِي النَّاس وكما جَازَ الْجرْح فِي الشُّهُود جَازَ فِي الروَاة والتثبت فِي أَمر الدّين أولى من التثبت فِي الْحُقُوق وَالْأَمْوَال وَبِهِمَا يتَمَيَّز صَحِيح الحَدِيث وضعيفه فَيجب على الْمُتَكَلّم التثبت فيهمَا فقد أَخطَأ غير وَاحِد فِي تجريحهم بِمَا لَا يجرح وَلِهَذَا افترضوا على أنفسهم الْكَلَام فِي ذَلِك
قَالَ مُسلم فِي صَحِيحه وَإِنَّمَا ألزموا أنفسهم الْكَشْف عَن معايب رُوَاة الحَدِيث وناقلي الْأَخْبَار وأفتوا بذلك حِين سئلوا لما فِيهِ من عَظِيم الْحَظ إِذْ الْأَخْبَار فِي أَمر الدّين إِنَّمَا تَأتي بتحليل أَو تَحْرِيم أَو أَمر أَو نهي أَو ترغيب أَو ترهيب فَإِذا كَانَ الرَّاوِي لَهَا لَيْسَ بمعدن الصدْق وَالْأَمَانَة ثمَّ أقدم على الرِّوَايَة عَنهُ من قد عرفه وَلم يبين مَا فِيهِ لغيره مِمَّن جهل مَعْرفَته كَانَ آثِما بِفِعْلِهِ ذَلِك غاشا لعوام الْمُسلمين إِذْ لَا يُؤمن على بعض من سمع تِلْكَ الْأَخْبَار أَن يستعملها أَو يسْتَعْمل بَعْضهَا وأقلها أَو أَكْثَرهَا
أكاذيب لَا أصل لَهَا انْتهى وَأول من عَنى بذلك من الْأَئِمَّة الْحفاظ شُعْبَة ابْن الْحجَّاج ثمَّ تبعه يحيى بن سعيد
قَالَ الذَّهَبِيّ فِي ميزَان الِاعْتِدَال أول من جمع ذَلِك الإِمَام يحيى بن سعيد الْقطَّان وَتكلم فِيهِ بعده تلامذته يحيى ابْن معِين وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَأحمد بن حَنْبَل وَعَمْرو بن عَليّ الفلاس وَأَبُو خَيْثَمَة زُهَيْر وتلامذتهم كَأبي زرْعَة وَأبي حَاتِم وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأبي إِسْحَاق الْجوزجَاني وَالنَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَالتِّرْمِذِيّ والدولابي والعقيلي وَابْن عدي وَأبي الْفَتْح الْأَزْدِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم إِلَى غير ذَلِك
وَفِي كشف الظنون وَمن الْكتب المصنفة فِيهِ كتاب الْجرْح وَالتَّعْدِيل لأبي الْحسن أَحْمد بن عبد الله الْعجلِيّ الْكُوفِي نزيل طرابلس الْمغرب المتوفي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَكتاب الْجرْح وَالتَّعْدِيل للْإِمَام الْحَافِظ أبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم الرَّازِيّ المتوفي سنة سبع وَعشْرين وثلاثمائة وَهُوَ كتاب كَبِير أَوله الْحَمد لله رب الْعَالمين بِجَمِيعِ محامده كلهَا الخ ذكر فِيهِ أَنه لم يجد سَبِيلا إِلَى معرفَة شَيْء من مَعَاني كتاب الله سبحانه وتعالى وَلَا من سنَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَّا من جِهَة النَّقْل وَالرِّوَايَة وَجب أَن يُمَيّز بَين الْعُدُول الناقلة والرواة وثقاتهم وَأهل الْحِفْظ والثبت والإتقان مِنْهُم وَبَين أهل الْغَفْلَة وَالوهم وَسُوء الْحِفْظ وَالْكذب واختراع الحَدِيث الْكَاذِب وَالْكذب انْتهى والكامل لِابْنِ عدي وَهُوَ أكمل الْكتب فِيهِ وميزان الِاعْتِدَال فِي نقد الرِّجَال للذهبي وَهُوَ أجمع مَا جمع ولسان الْمِيزَان للشَّيْخ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي
ولألفاظ التَّعْدِيل مَرَاتِب أَعْلَاهَا ثِقَة أَو متقن أَو ضَابِط أَو حجَّة ثَانِيهَا خير صَدُوق مَأْمُون لَا بَأْس بِهِ وَهَؤُلَاء يكْتب حَدِيثهمْ ثَالِثهَا شيخ وَهَذَا يكْتب حَدِيثه للاعتبار وابعها صَالح الحَدِيث فَيكْتب وَينظر فِيهِ
ولألفاظ التجريح أَيْضا مَرَاتِب أدناها لين الحَدِيث يكْتب وَينظر اعْتِبَارا ثَانِيهَا لَيْسَ بِقَوي وَلَيْسَ بِذَاكَ ثَالِثهَا مقارب الحَدِيث أَي رديه رَابِعهَا مَتْرُوك الحَدِيث وَكَذَّاب ووضاع ودجال وواه وواه
بموحدة مَكْسُورَة فميم مَفْتُوحَة وَرَاء مُشَدّدَة أَي قولا وَاحِدًا لَا تردد فِيهِ وَهَؤُلَاء ساقطون لَا يكْتب عَنْهُم
قَالَ السَّيِّد الشريف أعرض النَّاس فِي هَذِه الْأَعْصَار عَن مَجْمُوع الشُّرُوط الْمَذْكُورَة واكتفوا من عَدَالَة الرَّاوِي بِأَن يكون مَسْتُورا وَمن ضَبطه بِوُجُود سَمَاعه مثبتا بِخَطِّهِ موثوق بِهِ وَرِوَايَته من أصل مُوَافق لأصل شَيْخه وَذَلِكَ لِأَن الحَدِيث الصَّحِيح وَالْحسن وَغَيرهمَا قد جمعت فِي كتب الْأَئِمَّة فَلَا يذهب شَيْء مِنْهُ عَن جمعهم انْتهى
قلت وتفصيله أَن من شَرط الرَّاوِي للْحَدِيث أَن يكون مُسلما عَاقِلا بَالغا سليما من أَسبَاب الْفسق وخوارم الْمَرْوَة مُكَلّفا عدلا متقنا وَيعرف إتقانه بموافقة الثقاة وَلَا تضر مُخَالفَة النَّادِر وَيقبل الْجرْح ان بَان سَببه للِاخْتِلَاف فِيمَا يُوجب الْجرْح بِخِلَاف التَّعْدِيل فَلَا يشْتَرط والضبط أَن يكون متيقظا حَافِظًا غير مُغفل وَلَا ساه وَلَا شَاك فِي حالتي التَّحَمُّل وَالْأَدَاء فَإِن حدث عَن حفظه يَنْبَغِي أَن يكون حَافِظًا وَإِن حدث عَن كِتَابه يَنْبَغِي أَن يكون ضابطا لَهُ وَإِن حدث بِالْمَعْنَى يَنْبَغِي أَن يكون عَارِفًا بِمَا يخْتل بهَا الْمَعْنى وَلَا يشْتَرط الذُّكُورَة وَلَا الْحُرِّيَّة وَلَا الْعلم بفقهه وغريبه وَلَا الْبَصَر وَلَا الْعدَد وتعرف العلالة بتنصيص عَدْلَيْنِ عَلَيْهِمَا أَو بالاستفاضة وَيعرف الضَّبْط بِأَن يعْتَبر رِوَايَته بروايات الثقاة المعروفين بالضبط فَإِن وافقهم غَالِبا وَكَانَت مُخَالفَته لَهُم نادرة عرف كَونه ضابطا ثبتا كَمَا قَالَ السَّيِّد الشريف رِوَايَة الْعدْل عَمَّن سَمَّاهُ لَا تكون تعديلا وَقيل إِن كَانَت عَادَته أَن لَا يروي إِلَّا عَن عدل كالشيخين فتعديل وَإِلَّا فَلَا وَلَا يقبل مَجْهُول الْعَدَالَة وَكَذَا مَجْهُول الْعين الَّذِي لم تعرفه الْعلمَاء وترفع الْجَهَالَة عِنْد رِوَايَة اثْنَيْنِ مشهورين بِالْعلمِ
قَالَ الْقُسْطَلَانِيّ وَفِي رِوَايَة من أَخذ على الحَدِيث أُجْرَة تردد وَفِي المتساهل فِي سَمَاعه وإسماعه كمن لَا يُبَالِي بِالنَّوْمِ أَو يحدث لَا عَن أصل مصحح أَو كثير السَّهْو فِي رِوَايَته إِن حدث من غير أصل أَو أَكثر الشواذ والمناكير فِي حَدِيثه وَمن غلط فِي حَدِيثه فَبين لَهُ وأصر عنادا وَنَحْوه سَقَطت رِوَايَته انْتهى