الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَصْل الْخَامِس فِي ذكر السّنَن لأبي دَاوُد سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث بن اسحاق الْأَزْدِيّ السجسْتانِي الْمُتَوفَّى سنة خمس وَسبعين وَمِائَتَيْنِ
أَولهَا بَاب التخلي عِنْد قَضَاء الْحَاجة حَدثنَا عبد الله بن مسلمة القعْنبِي قَالَ حَدثنَا عبد الْعَزِيز يَعْنِي ابْن مُحَمَّد عَن مُحَمَّد يَعْنِي ابْن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا ذهب الْمَذْهَب أبعد وَبِه قَالَ حَدثنَا مُسَدّد بن مسرهد قَالَ حَدثنَا عِيسَى بن يُونُس قَالَ حَدثنَا اسماعيل بن عبد الْملك عَن أبي الزبير عَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا أَرَادَ البرَاز انْطلق حَتَّى لَا يرَاهُ أحد انْتهى وَله ثلاثي وَاحِد حَدثنَا مُسلم ابْن إِبْرَاهِيم حَدثنَا ابْن السَّلَام بن أبي حَازِم أَبُو طالوت قَالَ شهِدت أَبَا بَرزَة دخل على عبيد الله بن زِيَاد فَحَدثني فلَان سَمَّاهُ مُسلم وَكَانَ فِي السماط فَلَمَّا رَآهُ عبيد الله قَالَ إِن مُحَمَّد يكم هَذَا الدحداح ففهمها الشَّيْخ فَقَالَ مَا كنت أَحسب أَنِّي أبقى فِي قوم يعيرونني بِصُحْبَة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ عبيد الله أَن صُحْبَة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم لَك زين غير شين ثمَّ قَالَ إِنَّمَا بعثت اليك لأسألك عَن الْحَوْض سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فِيهِ شَيْئا قَالَ فَقَالَ أَبُو بَرزَة نعم لَا مرّة وَلَا اثْنَتَيْنِ وَلَا ثَلَاثًا وَلَا أَرْبعا وَلَا خمْسا فَمن كذب بِهِ فَلَا سقَاهُ الله مِنْهُ ثمَّ خرج مغضبا انْتهى
قَالَ كتبت عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خَمْسمِائَة ألف حَدِيث انتخبت مَا ضمنته وجمعت فِي كتابي هَذَا أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث وَثَمَانمِائَة حَدِيث من الصَّحِيح وَمَا يُشبههُ ويقاربه وَيَكْفِي الْإِنْسَان لدينِهِ من ذَلِك أَرْبَعَة أَحَادِيث أَحدهَا إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَالثَّانِي من حسن إِسْلَام المرأ تَركه مَا لَا يعنيه وَالثَّالِث لَا يكون الْمُؤمن مُؤمنا حَتَّى يرضى لِأَخِيهِ مَا يرضاه لنَفسِهِ وَالرَّابِع الْحَلَال بَين وَالْحرَام بَين وَبَين ذَلِك مُشْتَبهَات الحَدِيث كَذَا فِي مَفَاتِيح الدجى شرح مصابيح الْهدى
قَالَ الشاه عبد الْعَزِيز الدهلوي وَمعنى الْكِفَايَة أَنه بعد معرفَة الْقَوَاعِد الْكُلية للشريعة ومشهوراتها لَا تبقى حَاجَة إِلَى مُجْتَهد ومرشد فِي جزئيات
الوقائع لِأَن الحَدِيث الأول يَكْفِي لتصحيح الْعِبَادَات وَالثَّانِي لمحافظة أَوْقَات الْعُمر الْعَزِيز وَالثَّالِث لمراعاة حُقُوق الْجِيرَان والأقارب وَأهل التعارف والمعاملة وَالرَّابِع لدفع الشَّك والتردد الَّذِي يحصل باخْتلَاف الْعلمَاء وَاخْتِلَاف الْأَدِلَّة فَهَذِهِ الْأَحَادِيث الْأَرْبَعَة عِنْد الرجل الْعَاقِل كالشيخ والأستاذ وَالله أعلم انْتهى
قَالَ ابْن السُّبْكِيّ فِي طبقاته وَهِي من دواوين الْإِسْلَام وَالْفُقَهَاء لَا يتحاشون من إِطْلَاق لفظ الصَّحِيح عَلَيْهَا وعَلى سنَن التِّرْمِذِيّ انْتهى
وروى الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي بِسَنَدِهِ إِلَى حسن بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَام يَقُول من أَرَادَ أَن يسْتَمْسك بالسنن فليقرأ سنَن أبي دَاوُد
وَرُوِيَ عَن يحيى بن زَكَرِيَّا بن يحيى السَّاجِي أَنه قَالَ أصل الْإِسْلَام كتاب الله سبحانه وتعالى وعماده سنَن أبي دَاوُد
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي إِن حصل لأحد علم كتاب الله وَسنَن أبي دَاوُد يَكْفِيهِ ذَلِك فِي مُقَدمَات الدّين وَلِهَذَا مثلُوا فِي كتب الْأُصُول لبضاعة الِاجْتِهَاد فِي علم الحَدِيث بسنن أبي دَاوُد وَهُوَ لما جمع كتاب السّنَن قَدِيما عرضه على الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل فاستجاده وَاسْتَحْسنهُ
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب كتاب السّنَن لأبي دَاوُد كتاب شرِيف لم يصنف فِي علم الدّين كتاب مثله وَقد رزق الْقبُول من كَافَّة النَّاس وطبقات الْفُقَهَاء على اخْتِلَاف مذاهبهم وَعَلِيهِ معول أهل الْعرَاق ومصر وبلاد الْمغرب وَكثير من أقطار الأَرْض فَكَانَ تصنيف عُلَمَاء الحَدِيث قبل أبي دَاوُد الْجَوَامِع وَالْمَسَانِيد وَنَحْوهَا فَيجمع تِلْكَ الْكتب إِلَى مَا فِيهَا من السّنَن وَالْأَحْكَام أَخْبَارًا وقصصا ومواعظ وأدبا فَأَما السّنَن الْمَحْضَة فَلم يقْصد أحد جمعهَا واستيفاءها على حسب مَا اتّفق لأبي دَاوُد كَذَلِك حل هَذَا الْكتاب عِنْد أَئِمَّة الحَدِيث وعلماء الْأَثر مَحل الْعجب فَضربت فِيهِ أكباد الْإِبِل ودامت إِلَيْهِ الرحل قَالَ ابْن الْأَعرَابِي لَو أَن رجلا لم يكن عِنْده من الْعلم إِلَّا الْمُصحف ثمَّ كتاب أبي دَاوُد لم يحْتَج مَعَهُمَا
إِلَى شَيْء من الْعلم قَالَ الْخطابِيّ وَهَذَا كَمَا قَالَ لَا شكّ فِيهِ فقد جمع فِي كِتَابه هَذَا من الحَدِيث فِي أصُول الْعلم وَأُمَّهَات السّنَن وَأَحْكَام الْفِقْه مالم يعلم مُتَقَدما سبقه إِلَيْهِ وَلَا مُتَأَخِّرًا لحقه فِيهِ قَالَ النَّوَوِيّ فِي الْقطعَة الَّتِي كتبهَا من شرح سنَن أبي دَاوُد يَنْبَغِي للمشاغل بالفقه وَغَيره الِاعْتِبَار بسنن أبي دَاوُد بمعرفته التَّامَّة فَإِن مُعظم أَحَادِيث الْأَحْكَام الَّتِي يحْتَج بهَا فِيهِ مَعَ سهولة تنَاوله وتلخيص أَحَادِيثه وبراعة مُصَنفه واعتنائه بتهذيبه وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ لما صنف أَبُو دَاوُد كتاب السّنَن أَلين لأبي دَاوُد الحَدِيث كَمَا أَلين لداود الْحَدِيد أنْشد الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي رَحمَه الله تَعَالَى نظم
(لِأَن الحَدِيث وَعلمه بِكَمَالِهِ
…
لإِمَام أهليه أبي دَاوُد)
(مثل الَّذِي لَان الْحَدِيد وسبكه
…
لبني أهل زَمَانه دَاوُد) وَله فِي مدحه نظم
(أولى كتاب لذِي فقه وَذي نظر
…
وَمن يكون من الأوزار فِي وزر)
(مَا قد تولى أَبُو دَاوُد محتسبا
…
تأليفه فَأتى كالضوء فِي الْقَمَر)
(لَا يَسْتَطِيع عَلَيْهِ الطعْن مُبْتَدع
…
وَلَو تقطع من ضغن وَمن ضجر)
(فَلَيْسَ يُوجد فِي الدُّنْيَا أصح وَلَا
…
أقوى من السّنة الغراء والأثر)
(وكل مَا فِيهِ من قَول النَّبِي وَمن
…
قَول الصَّحَابَة أهل الْعلم وَالْبَصَر)
(يرويهِ عَن ثِقَة عَن مثله ثِقَة
…
عَن مثله ثِقَة كالأنجم الزهر)
(وَكَانَ فِي نَفسه فِيمَا أَحَق وَلَا
…
أَشك فِيهِ إِمَامًا عالي الْخطر)
(يدْرِي الصَّحِيح من الْآثَار يحفظه
…
وَمن روى ذَلِك من أُنْثَى وَمن ذكر)
(محققا صَادِقا فِيمَا يَجِيء بِهِ
…
قد شاع فِي البدو عَنهُ ذَا وَفِي الْحَضَر)
(والصدق للمرء فِي الدَّاريْنِ منقبة
…
مَا فَوْقهَا أبدا فَخر لمفتخر)
وَحكى أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن مندة الْحَافِظ إِن شَرط أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ أَحَادِيث أَقوام لم يجْتَمع على تَركهم إِذا صَحَّ الحَدِيث باتصال السَّنَد من غير قطع والإرسال وَقَالَ الْخطابِيّ كتاب أبي دَاوُد
جَامع لنوعي الصَّحِيح وَالْحسن وَأما السقيم فعلى طَبَقَات شَرها الْمَوْضُوع ثمَّ المقلوب ثمَّ الْمَجْهُول وَكتاب أبي دَاوُد خلا مِنْهَا بري من جملَة وَجههَا
ويحكي عَنهُ أَنه قَالَ مَا ذكرت فِي كتابي حَدِيثا اجْتمع النَّاس على تَركه وَقَالَ فِي رسَالَته إِلَى أهل مَكَّة المكرمة إِنَّكُم سَأَلْتُمُونِي أَن أذكر لكم الْأَحَادِيث الَّتِي فِي كتاب السّنَن أَهِي أصح مَا عرفت فِي الْبَاب وقفت على جَمِيع مَا ذكرْتُمْ فاعلموا أَنه كَذَلِك لكه إِلَّا أَن يكون قد رُوِيَ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أقوى إِسْنَادًا وَالْآخر صَاحبه أقدم فِي الْحِفْظ فَرُبمَا كتبت ذَلِك وَإِذا عدت الحَدِيث فِي الْبَاب من وَجْهَيْن أَو ثَلَاثَة مَعَ زِيَادَة كَلَام فِيهِ وَرُبمَا فِيهِ كلمة زَائِدَة على الحَدِيث الطَّوِيل لِأَنِّي لَو كتبته بِطُولِهِ لم يعلم بعض من سَمعه وَلَا يفهم مَوضِع الْفِقْه مِنْهُ فاختصرته لذَلِك
أما الْمَرَاسِيل فقد كَانَ يحْتَج بهَا الْعلمَاء فِيمَا مضى مثل سُفْيَان الثَّوْريّ وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ حَتَّى جَاءَ الشَّافِعِي فَتكلم فِيهِ وَتَابعه على ذَلِك أَحْمد ابْن حَنْبَل وَغَيره فَإِذا لم يكن مُسْند غير الْمَرَاسِيل وَلم يُوجد الْمُرْسل يحْتَج بِهِ وَلَيْسَ هُوَ مثل الْمُتَّصِل فِي الْقُوَّة وَلَيْسَ فِي كتاب السّنَن الَّذِي صنفته عَن رجل مَتْرُوك الحَدِيث شَيْء وَإِذا كَانَ فِيهِ حَدِيث مُنكر بَينته أَنه مُنكر وَلَيْسَ على نَحوه فِي الْبَاب غَيره وَمَا كَانَ فِي كتابي من حَدِيث فِيهِ وَهن شَدِيد فقد بَينته وَمِنْه مَا لَا يَصح سَنَده وَمَا لم أذكرهُ فِيهِ شَيْئا فَهُوَ صَالح وَبَعضهَا أصح من بعض وَهُوَ كتاب لَا يرد عَلَيْك سنة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَّا وَهُوَ فِيهِ إِلَّا أَن يكون كَلَام استخرج من الحَدِيث وَلَا يكَاد يكون هَذَا وَلَا أعلم شَيْئا بعد الْقُرْآن ألزم للنَّاس أَن يتعلموا من هَذَا الْكتاب وَلَا يضر رجلا أَن لَا يكْتب من الْعلم بعد مَا يكْتب هَذَا الْكتاب شَيْئا وَإِذا نظر فِيهِ وتدبره وتفهمه حِينَئِذٍ يعلم مِقْدَاره وَأما هَذِه الْمسَائِل مسَائِل الثَّوْريّ وَمَالك الشَّافِعِي فَهَذِهِ الْأَحَادِيث أُصُولهَا ويعجبني أَن يكْتب الرجل مَعَ هَذِه الْكتب من رأى أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَيكْتب أَيْضا مثل جَامع سُفْيَان الثَّوْريّ فَإِنَّهُ أحسن مَا وضع النَّاس من الْجَوَامِع وَالْأَحَادِيث
الَّتِي وَضَعتهَا فِي كتاب السّنَن أَكْثَرهَا مشاهير وَهُوَ عِنْد كل من كتب شَيْئا من الحَدِيث إِلَّا أَن تمييزها لَا يقدر عَلَيْهِ كل النَّاس وَالْفَخْر بهَا إِنَّهَا مشاهير فَإِنَّهُ لَا يحْتَج بِحَدِيث غَرِيب وَلَو كَانَ من رِوَايَة مَالك وَيحيى بن سعيد والثقات من أَئِمَّة الْعلم وَلَو احْتج رجل بِحَدِيث غَرِيب وَحَدِيث من يطعن فِيهِ لَا يحْتَج بِالْحَدِيثِ الَّذِي قد احْتج بِهِ إِذا كَانَ الحَدِيث غَرِيبا شاذا فَأَما الحَدِيث الْمَشْهُور الْمُتَّصِل الصَّحِيح فَلَيْسَ يقدر أَن يردهُ عَلَيْك أحد
قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ كَانُوا يكْرهُونَ الْغَرِيب من الحَدِيث وَقَالَ يزِيد بن حبيب إِذا سَمِعت الحَدِيث فانشده كَمَا تنشد الضَّالة فَإِن عرف وَإِلَّا فَدَعْهُ وَإِن من الْأَحَادِيث فِي كتاب السننن مَا لَيْسَ بِمُتَّصِل وَهُوَ مُرْسل ومتواتر إِذا لم تُوجد الصِّحَاح عِنْد عَامَّة أهل الحَدِيث على معنى أَنه مُتَّصِل وَهُوَ مثل الْحسن عَن جَابر وَالْحسن عَن أبي هُرَيْرَة وَالْحكم عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس وَلَيْسَ بِمُتَّصِل وَسَمَاع الحكم عَن الْمقسم أَرْبَعَة أَحَادِيث وَأما أَبُو اسحاق عَن الْحَارِث عَن عَليّ فَلم يسمع أَبُو اسحاق عَن الْحَارِث إِلَّا أَرْبَعَة أَحَادِيث لَيْسَ فِيهَا مُسْند وَاحِد وَمَا فِي كتاب السّنَن من هَذَا النَّحْو فقليل وَلَعَلَّ لَيْسَ فِي كتاب السّنَن لِلْحَارِثِ الْأَعْوَر إِلَّا حَدِيث وَاحِد وَإِنَّمَا كتبته بآخرة وَرُبمَا كَانَ فِي الحَدِيث مَا لم يثبت صِحَة الحَدِيث مِنْهُ أَنه كَانَ يخفي ذَلِك عَليّ فَرُبمَا تركت الحَدِيث إِذا لم أفقه وَرُبمَا كتبته إِذا لم أَقف عَلَيْهِ وَرُبمَا أتوقف عَن مثل هَذِه لِأَنَّهُ ضَرَر على الْعَامَّة أَن يكْشف لَهُم كلما كَانَ من هَذَا الْبَاب فِيمَا مضى من عُيُون الحَدِيث لِأَن علم الْعَامَّة يقصر عَن مثل هَذَا وَعدد كتبي فِي هَذِه السّنَن ثَمَانِيَة عشر جُزْء مَعَ الْمَرَاسِيل مِنْهَا مَا لَا يَصح وَمِنْهَا مَا ينسد عِنْد غَيره وَهُوَ مُتَّصِل صَحِيح وَلَعَلَّ عدد الْأَحَادِيث الَّتِي فِي كتبي من الْأَحَادِيث قدر أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث وثماني مائَة حَدِيث وَنَحْو سِتّمائَة حَدِيث من الْمَرَاسِيل فَمن أحب أَن يُمَيّز هَذِه الْأَحَادِيث مَعَ الْأَلْفَاظ فَرُبمَا يَجِيء الحَدِيث من طَرِيق وَهُوَ عِنْد الْعَامَّة من حَدِيث الْأَئِمَّة الَّذين هم مَشْهُورُونَ غير أَنه رُبمَا طلب اللَّفْظَة الَّتِي تكون لَهَا معَان كَثِيرَة وَمِمَّنْ عرفت وَقد نقل من جَمِيع هَذِه الْكتب مِمَّن عرفت فَرُبمَا يَجِيء الْإِسْنَاد فَيعلم من
حَدِيث غَيره أَنه مُتَّصِل وَلَا يتَنَبَّه السَّامع إِلَّا بِأَن يعلم الْأَحَادِيث فَيكون لَهُ معرفَة فيقف عَلَيْهِ مثل مَا يرْوى عَن ابْن جريج قَالَ أخْبرت عَن الزُّهْرِيّ وَيَرْوِيه البرْسَانِي عَن ابْن جريج عَن الزُّهْرِيّ فَالَّذِي يسمع يظنّ أَنه مُتَّصِل وَلَا يَصح بَينهم وَإِنَّمَا تركنَا ذَلِك لِأَن أصل الحَدِيث غير مُتَّصِل وَهُوَ حَدِيث مَعْلُول وَمثل هَذَا كثير وَالَّذِي لَا يعلم يَقُول قد تركت حَدِيثا صَحِيحا من هَذَا وَجَاء بِحَدِيث مَعْلُول وَإِنَّمَا لم أصنف فِي كتاب السّنَن إِلَّا الْأَحْكَام وَلم أصنف فِي الزّهْد وفضائل الْأَعْمَال وَغَيرهَا فَهَذِهِ أَرْبَعَة آلَاف وَثَمَانمِائَة كلهَا فِي الْأَحْكَام فَأَما أَحَادِيث كَثِيرَة صِحَاح من الزّهْد والفضائل وَغَيرهَا فِي غير هَذَا لم أخرجهَا انْتهى مُلَخصا
قَالَ الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر بن الزبير فِي برنامجه رُوِيَ هَذَا الْكتاب عَن أبي دَاوُد مِمَّن اتَّصَلت أسانيدنا بِهِ أَرْبَعَة رجال أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن بكر ابْن عبد الرَّزَّاق التمار الْبَصْرِيّ الْمَعْرُوف بِابْن داسة بِفَتْح السِّين وتخفيفها نَص عَلَيْهِ القَاضِي أَبُو مُحَمَّد بن حوطة الله والفيته فِي أصل القَاضِي أبي الْفضل عِيَاض بن مُوسَى الْيحصبِي الْمَالِكِي من كتاب القصنية مشددا وَكَذَا وجدته فِي بَعْضهَا مَا قيدته عَن شَيخنَا أبي الْحسن الغافقي شكلا من غير تنصيص وَأَبُو سعيد أَحْمد بن مُحَمَّد بن زِيَاد بن بشر الْمَعْرُوف بِابْن الْأَعرَابِي وَأَبُو عَليّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَمْرو اللؤْلُؤِي الْبَصْرِيّ وَأَبُو عِيسَى إِسْحَاق بن مُوسَى بن سعيد الرَّمْلِيّ وراق أبي دَاوُد وَلم يتشعب طرقه كَمَا اتّفق فِي الصَّحِيحَيْنِ إِلَّا أَن رِوَايَة ابْن الْأَعرَابِي يسْقط مِنْهَا كتاب الْفِتَن والملاحم والحروف والخاتم وَنَحْو النّصْف من كتاب اللبَاس وَفَاته أَيْضا من كتاب الْوضُوء وَالصَّلَاة وَالنِّكَاح أوراق كَثِيرَة وَرِوَايَة ابْن داسة أكمل الرِّوَايَات وَرِوَايَة الرَّمْلِيّ تقاربها وَرِوَايَة اللؤْلُؤِي من أصح الرِّوَايَات لِأَنَّهَا من آخر مَا أمْلى أَبُو دَاوُد وَعَلَيْهَا مَاتَ
وَقَالَ الشاه عبد الْعَزِيز الدهلوي رِوَايَة اللؤْلُؤِي مَشْهُورَة فِي الْمشرق وَرِوَايَة ابْن داسة مروجة فِي الْمغرب وَأَحَدهمَا يُقَارب الآخر وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف بَينهمَا بالتقديم وَالتَّأْخِير دون الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان بِخِلَاف رِوَايَة ابْن الْأَعرَابِي فَإِن نقصانها بَين بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَاتين النسختين انْتهى
قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب كَانَ أَبُو دَاوُد قدم بَغْدَاد مرّة وروى كِتَابه السّنَن بهَا وَنَقله عَنهُ أَهلهَا
قَالَ السُّيُوطِيّ كتب النَّاس على الصَّحِيحَيْنِ شروحا كَثِيرَة مُطَوَّلَة ومتوسطة ومختصرة وَلم يعتنوا بِالْكِتَابَةِ على سنَن أبي دَاوُد كاعتنائهم بالصحيحين انْتهى
قَالَ صَاحب كشف الظنون قد اختصرها زكي الدّين عبد الْعَظِيم ابْن عبد الْقوي الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ المتوفي سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة وَسَماهُ الْمُجْتَبى وَألف السُّيُوطِيّ عَلَيْهِ كتابا سَمَّاهُ زهر الربى على الْمُجْتَبى وَله عَلَيْهَا حَاشِيَة أَيْضا وهذبه مُحَمَّد بن أبي بكر الْمَعْرُوف بِابْن الْقيم الجوزية الْحَنْبَلِيّ المتوفي سنة إِحْدَى وَخمسين وَسبع مائَة وَشَرحهَا أَبُو سُلَيْمَان أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْخطابِيّ وَسَماهُ معالم السّنَن وَهُوَ مُخْتَصر أَوله الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لدينِهِ وَأَكْرمنَا بِسنة نبيه إِلَى آخِره توفّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وثلاثمائة ولخصه الْحَافِظ شهَاب الدّين أَبُو مَحْمُود أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَقْدِسِي المتوفي سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَسَماهُ عجالة وَشَرحهَا الشَّيْخ جلال الدّين السُّيُوطِيّ المتوفي سنة إِحْدَى عشرَة وتسع مائَة أَيْضا وَسَماهُ مرقاة الصعُود إِلَى سنَن أبي دَاوُد وَشرح الشَّيْخ سراج الدّين عمر بن عَليّ بن الملقن الشَّافِعِي المتوفي سنة أَربع وَثَمَانمِائَة زوائده على الصَّحِيحَيْنِ فِي مجلدين وَولي الدّين الْعِرَاقِيّ وَالشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد ابْن حُسَيْن الرَّمْلِيّ الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي المتوفي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة وَشَرحهَا قطب الدّين أَبُو بكر بن أَحْمد بن دعين اليمني الشَّافِعِي المتوفي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وست مائَة فِي أَربع مجلدات كبار وَشَرحه أَبُو زرْعَة أَحْمد بن عبد الرَّحِيم الْعِرَاقِيّ المتوفي سنة سِتّ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة كتب مِنْهُ سبع مجلدات إِلَى أثْنَاء سُجُود السَّهْو أَطَالَ فِيهِ
قَالَ الْجلَال السُّيُوطِيّ وَشرح الشَّيْخ ولي الدّين الْعِرَاقِيّ شرح عَلَيْهِ مَبْسُوط جدا كتب مِنْهُ من أَوله إِلَى سُجُود السَّهْو فِي سبع مجلدات وَكتب مجلدا فِيهِ الصّيام وَالْحج وَالْجهَاد وَلَو كمل لجاء فِي أَكثر من أَرْبَعِينَ مجلدا
وَذكر أَن الشهَاب بن رسْلَان شَرحه شرحا كَامِلا وَلم أَقف عَلَيْهِ انْتهى وَشَرحهَا الْحَافِظ عَلَاء الدّين مغلطاي بن قليج المتوفي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسبع مائَة وَلم يكمله وَشَرحهَا الْخطابِيّ وَسَماهُ معالم السّنَن ذكر فِي شَرحه للْبُخَارِيّ كَانَ مُعظم الْقَصْد من أبي دَاوُد فِيهِ جمع بَيَان السّنَن وَالْأَحَادِيث الْفِقْهِيَّة وَلابْن الْقيم الجوزية شرح مُخْتَصر السّنَن الْمَذْكُورَة ذكر فِيهِ أَن الْحَافِظ زكي الدّين الْمُنْذِرِيّ قد أحسن فِي اختصاره فهذبته نَحْو مَا هذب هُوَ بِهِ الأَصْل وزدت عَلَيْهِ من الْكَلَام على علل سكت عَنْهَا إِذْ لم يكملها وَتَصْحِيح أَحَادِيثه وَالْكَلَام على متون مشكلة لم يفتح معضلها وَبسط الْكَلَام على مَوَاضِع لَعَلَّ النَّاظر لَا يجدهَا فِي كتاب سواهُ قَالَ فِي رسَالَته الَّتِي أرسلها إِلَى من سَأَلَهُ عَن اصطلاحها فِي كِتَابه ذكرت فِيهِ الصَّحِيح وَمَا يُشبههُ ويقاربه وَمَا فِيهِ وَهن شَدِيد بَينته وَمَا لَا يفهم مِنْهُ وَمَا بعضه أصح من بعض انْتهى
واشتمل هَذَا الْكَلَام على خَمْسَة أَنْوَاع الأول الصَّحِيح وَيجوز أَن يُرِيد بِهِ الصَّحِيح لذاته وَالثَّانِي شبهه وَيُمكن أَن يُرِيد بِهِ الصَّحِيح لغيره وَالثَّالِث مَا يُقَارِبه وَيحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ الْحسن لذاته وَالرَّابِع الَّذِي فِيهِ وَهن شَدِيد وَقَوله مَا لَا يفهم مِنْهُ الَّذِي فِيهِ وَهن لَيْسَ بشديد فَهُوَ قسم خَامِس فَإِن لم يعتضد كَانَ صَالحا للاعتبار فَقَط وَإِن اعتضد صَار حسنا لغيره أَي للهيئة الْمَجْمُوعَة للاحتجاج وَكَانَ قسما سادسا انْتهى من حَاشِيَة البقاعي على شرح الألفية
قَالَ ابْن كثير فِي مُخْتَصر عُلُوم الحَدِيث أَن الرِّوَايَات لسنن أبي دَاوُد كَثِيرَة يُوجد فِي بَعْضهَا مَا لَيْسَ فِي الْأُخْرَى وَشَرحهَا شهَاب الدّين أَبُو مُحَمَّد أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن هِلَال الْمَقْدِسِي من أَصْحَاب الْمُزنِيّ المتوفي بالقدس سنة خمس وَسِتِّينَ وَسبع مائَة وَسَماهُ انتحاء السّنَن واقتفاء السّنَن أَوله الْحَمد لله الَّذِي أرسل رَسُوله بِالْهدى وَشرح قِطْعَة مِنْهَا الْعَلامَة بدر الدّين مَحْمُود بن أَحْمد الْعَيْنِيّ الْحَنَفِيّ المتوفي سنة خمس وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَشَرحهَا أَبُو الْحسن السندي الْمَذْكُور آنِفا وَهُوَ شرح لطيف بالْقَوْل