الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
الْبَاب الْخَامِس فِي تراجم أَصْحَاب الْأُمَّهَات السِّت وَالْإِمَام مَالك وَأحمد بن حَنْبَل رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ وَفِيه فُصُول
-
فَإِنَّهُ لَا يطمئن قلب بِكِتَاب مؤلف وَلَا يسكن فكر من رأى روض مُصَنف مالم يعرف غارس أشجاره ومفوف أزهاره إِذْ بِذَاكَ يتم علم مِقْدَاره وتصفو النَّفس بالتروح بَين ورده وبهاره وَكَأَنَّهُ نسب الْكتاب وَمِنْه المبدأ وَإِلَيْهِ المآب
الْفَصْل الأول فِي تَرْجَمَة الإِمَام مَالك
الإِمَام أَبُو عبد الله مَالك بن أنس بن أبي عَامر بن عَمْرو بِالْفَتْح بن الْحَارِث بن غيمان بغين مُعْجمَة وياء تحتهَا نقطتان وَيُقَال عُثْمَان بِعَين مُهْملَة وثاء مُثَلّثَة بن جثيل بجيم وثاء مُثَلّثَة وياء سَاكِنة تحتية كَذَا ضَبطه الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ ابْن سعد هُوَ خثيل بخاء مُعْجمَة مَضْمُومَة ومثلثة مَفْتُوحَة بِصِيغَة التصغير كَذَا ضَبطه الْحَافِظ ابْن حجر فِي الْإِصَابَة فِي ذكر أبي عَامر بن عَمْرو وَذكره الذَّهَبِيّ فِي تَجْرِيد الصَّحَابَة وَقَالَ لم أر من ذكره من الصَّحَابَة وَقد كَانَ فِي زمن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ولابنه مَالك رِوَايَة عَن عُثْمَان وَغَيره من الصَّحَابَة وَاكْتفى الْحَافِظ ابْن حجر فِي الْإِصَابَة على هَذَا الْقدر وَقَالَ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن خَلِيل فِي شرح مُخْتَصر الْخَلِيل وَهِي رِسَالَة مَشْهُورَة فِي فقه مَالك رائجة متداولة فِي الديار المغربية
وَأما أَبُو عَامر فجد أبي مَالك صَحَابِيّ شهد الْمَغَازِي كلهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خلا بدر كَذَا فِي ديباج الْمذَاهب لِابْنِ فَرِحُونَ وَهُوَ خثيل ابْن عمر بن ذِي أصبح واسْمه الْحَارِث الأصبحي الْمدنِي والأصبحي بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعدهَا حاء مُهْملَة هَذِه النِّسْبَة إِلَى ذِي أصبح بن عَوْف بن مَالك إِمَام دَار الْهِجْرَة وَأحد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام ولد سنة خمس وَتِسْعين وَقَالَ يحيى بن بكير سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَهُوَ من أجل تلامذته وَحَمَلته أمه ثَلَاث سِنِين فِي بَطنهَا وَقيل سنتَيْن وَجلسَ للنَّاس وَهُوَ ابْن سبع عشرَة سنة وَعرفت لَهُ الامامة
قَالَ الْوَاقِدِيّ مَاتَ وَله تسعون سنة قَالَ ابْن خلكان توفّي فِي شهر ربيع الأول سنة تسع وَسبعين وَمِائَة فَعَاشَ أَرْبعا وَثَمَانِينَ سنة وَقَالَ ابْن الْفُرَات فِي تأريخه توفّي لعشر مضين من شهر ربيع الأول وَقيل أَنه توفّي سنة ثَمَان وَسبعين وَمِائَة وَقيل مولده سنة تسعين من الْهِجْرَة وَقَالَ السَّمْعَانِيّ ولد سنة ثَلَاث وَأَرْبع وَتِسْعين وَالله أعلم بِالصَّوَابِ ولبعضهم فِي وِلَادَته وعمره ووفاته نظم
(فَخر الْأَئِمَّة مَالك
…
نعم الإِمَام السالك)
(مولده نجم هدى
…
وَفَاته فَازَ مَالك)
قَالَ ابْن خلكان كَانَت وَفَاته بِالْمَدِينَةِ وَدفن بِالبَقِيعِ وَكَانَ شَدِيد الْبيَاض إِلَى الشقرة طَويلا عَظِيم الهامة أصلع يلبس الثِّيَاب العدنية الْجِيَاد وَيكرهُ حلق الشَّارِب ويعيبه وَيَرَاهُ من الْمثلَة وَلَا يُغير شَيْبه ورثاه أَبُو مُحَمَّد جَعْفَر بن أَحْمد بن الْحُسَيْن السراج بقوله نظم
(سقى جدثا ضم البقيع لمَالِك
…
من المزن مرعاد السحائب مبراق)
(إِمَام موطأه الَّذِي طبقت بِهِ
…
أقاليم فِي الدُّنْيَا فساح وآفاق)
(أَقَامَ بِهِ شرع النَّبِي مُحَمَّد
…
لَهُ حذر من أَن يضام وإشفاق)
(لَهُ سَنَد عَال صَحِيح وهيبة
…
فللكل مِنْهُ حِين يرويهِ إطراق)
(وَأَصْحَاب صدق كلهم علم فسل
…
بهم إِنَّهُم إِن أَنْت ساءلت حذاق)
(وَلَو لم يكن إِلَّا بن ادريس وَحده
…
كَفاهُ إِلَّا أَن السَّعَادَة إرزاق)
قَالَ صَاحب التَّيْسِير هُوَ إِمَام أهل الْحجاز بل إِمَام النَّاس فِي الْفِقْه والْحَدِيث وَكَفاهُ فخرا أَن الشَّافِعِي من أَصْحَابه وَقَالَ الشَّيْخ عبد الْحق الدهلوي كَانَ ثِقَة مَأْمُونا ورعا فَقِيها مُحدثا حجَّة من تبع التَّابِعين قَالَ ابْن خلكان أَخذ الْقِرَاءَة عرضا عَن نَافِع بن أبي نعيم وَسمع الزُّهْرِيّ ونافعا مولى ابْن عمر وروى عَنهُ الْأَوْزَاعِيّ وَيحيى بن سعيد وَأخذ الْعلم عَن ربيعَة الرَّأْي وَأفْتى مَعَه عِنْد السُّلْطَان قَالَ مَالك كل رجل كنت أتعلم مِنْهُ مَا مَاتَ حَتَّى يجيئني ويستفتيني وَقَالَ ابْن وهب سَمِعت مناديا يُنَادي بِالْمَدِينَةِ أَلا لَا يُفْتى النَّاس إِلَّا مَالك بن أنس وَابْن أبي ذِئْب وَفِي تيسير الْوُصُول أَخذ عَنهُ الْعلم خلق لَا يُحصونَ كَثْرَة مِنْهُم الشَّافِعِي وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن دِينَار وَابْن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي وَعبد الْعَزِيز ابْن أبي حَازِم وَهَؤُلَاء نظراؤه من أَصْحَابه ومعين بن عِيسَى الْقَزاز وَعبد الْملك بن عبد الْعَزِيز الْمَاجشون وَيحيى بن يحيى الأندلسي وعبد الله بن مسلمة القعْنبِي وعبد الله بن وهب واصبغ بن الْفرج وَهَؤُلَاء مَشَايِخ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَأحمد بن حَنْبَل وَيحيى بن معِين وَغَيرهم من أَئِمَّة الحَدِيث
وروى التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُوشك أَن يضْرب النَّاس بأكباد الْإِبِل يطْلبُونَ الْعلم فَلَا يَجدونَ أحدا أعلم من عَالم الْمَدِينَة قَالَ وَهَذَا حَدِيث حسن قَالَ عبد الرَّزَّاق وسُفْيَان بن عيينه أَنه مَالك بن أنس وَلَقَد حدث يَوْمًا عَن ربيعَة الرَّأْي بن عبد الرَّحْمَن فاستزاد الْقَوْم من حَدِيثه فَقَالَ مَا تَصْنَعُونَ بربيعة وَهُوَ نَائِم فِي تِلْكَ الطاق فَأتى ربيعَة فَقيل لَهُ أَنْت ربيعَة الَّذِي يحدث عَنْك مَالك قَالَ نعم فَقيل لَهُ فَكيف حظي بك مَالك وَلم تحظ أَنْت بِنَفْسِك قَالَ أما علمْتُم أَن مِثْقَالا من دولت خير من حمل علم قَالَ يحيى بن سعيد مَا فِي الْقَوْم أصح حَدِيث من مَالك وَقَالَ وهب بن خَالِد لَيْسَ مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب أحد أَمن على حَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من مَالك وَقَالَ الشَّافِعِي لَوْلَا مَالك وَابْن عُيَيْنَة لذهب علم أهل الْحجاز وَقَالَ إِذا ذكر الْعلمَاء فمالك النَّجْم وَأنْشد الشَّيْخ أَبُو طَاهِر إِبْرَاهِيم كَمَا أوردهُ السَّيِّد المرتضى فِي الْمجَالِس الْحَنَفِيَّة نظم
(إِذا قيل من نجم الحَدِيث وَأَهله
…
أشاروا أولُوا الْأَلْبَاب يعنون مَالِكًا)
(إِلَيْهِ تناهى علم دين مُحَمَّد
…
فوطأ فِيهِ للراة المسالكا)
(ونظم بالتصنيف أسبل نثره
…
وأوضح مالولاه قد كَانَ حالكا)
(وأحيى دروس الْعلم شرقا ومغربا
…
تقدم فِي تِلْكَ المسالك سالكا)
(وَقد جَاءَ فِي الْآثَار من ذَاك شَاهد
…
على أَنه فِي الْعلم خص بذلكا)
(فَمن كَانَ ذَا طعن على علم مَالك
…
وَلم يقتبس من نوره كَانَ هَالكا)
قَالَ الشَّافِعِي قَالَ لي مُحَمَّد بن الْحسن أَيهمَا أعلم صاحبنا أَو صَاحبكُم يَعْنِي أَبَا حنيفَة ومالكا رضي الله عنهما قلت على الانصاف قَالَ نعم قلت ناشدتك الله من أعلم بِالْقُرْآنِ صاحبنا أم صَاحبكُم قَالَ اللَّهُمَّ صَاحبكُم قلت ناشدك الله من أعلم بِالسنةِ صاحبنا أم صَاحبكُم قَالَ اللَّهُمَّ صَاحبكُم قلت ناشدتك الله من أعلم بأقاويل أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمُتَقَدِّمين صاحبنا أم صَاحبكُم قَالَ اللَّهُمَّ صَاحبكُم قَالَ الشَّافِعِي فَلم يبْق إِلَّا الْقيَاس وَالْقِيَاس لَا يكون إِلَّا على هَذِه الْأَشْيَاء فعلى أَي شَيْء تقيس
وَقَالَ عبد الله بن الْمُبَارك كنت عِنْد مَالك وَهُوَ يحدث فلدغته عقرب سِتّ عشرَة مرّة وَهُوَ يتَغَيَّر لَونه ويصفر وَلَا يقطع حَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا فرغ من الْمجْلس وتفرق النَّاس قلت لَهُ يَا أَبَا عبد الله لقد رَأَيْت الْيَوْم مِنْك عجبا فَقَالَ نعم وَأخْبرهُ إِنَّمَا صبرت إجلالا لحَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
وَقَالَ الْوَاقِدِيّ كَانَ مَالك يَأْتِي الْمَسْجِد وَيشْهد الصَّلَاة وَالْجُمُعَة والجنائز وَيعود المرضى وَيَقْضِي الْحُقُوق وَيجْلس فِي الْمَسْجِد ويجتمع إِلَيْهِ أَصْحَابه ثمَّ ترك الْجُلُوس فِي الْمَسْجِد فَكَانَ يُصَلِّي وينصرف إِلَى مَجْلِسه وَترك حُضُور الْجَنَائِز فَكَانَ يَأْتِي أَهلهَا فيعزيهم ثمَّ ترك ذَلِك كُله فَلم يكن يشْهد الصَّلَوَات فِي الْمَسْجِد وَلَا الْجُمُعَة وَلَا يَأْتِي أحدا يعزيه وَلَا يقْضِي لَهُ حَقًا وَاحْتمل النَّاس لَهُ ذَلِك حَتَّى مَاتَ عَلَيْهِ وَكَانَ رُبمَا قيل لَهُ فِي ذَلِك فَيَقُول لَيْسَ كل النَّاس يقدر أَن يتَكَلَّم بِعُذْرِهِ
وسعى بِهِ إِلَى جَعْفَر بن سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس رضي الله عنهما وَهُوَ عَم أبي جَعْفَر الْمَنْصُور وَقَالُوا لَهُ إِنَّه لَا يرى إِيمَان بيعتكم هَذِه بِشَيْء فَغَضب جَعْفَر ودعا بِهِ وجرده وضربه بالسياط ومدت يَده حَتَّى انخلعت كتفه وارتكب مِنْهُ أمرا عَظِيما فَلم يزل بعد ذَلِك الضَّرْب فِي علو رفْعَة وكأنما كَانَت تِلْكَ السِّيَاط حليا حلي بِهِ وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي شذور الْعُقُود فِي سنة سبع وَأَرْبَعين وَمِائَة وفيهَا ضرب مَالك بن أنس سبعين سَوْطًا لأجل فَتْوَى لم توَافق غَرَض السُّلْطَان وَالله أعلم
وَحكى الْحَافِظ أَبُو عبد الله الْحميدِي فِي كتاب جذوه المقتبس قَالَ حدث القعْنبِي قَالَ دخلت على مَالك بن أنس فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَسلمت عَلَيْهِ ثمَّ جَلَست فرأيته يبكي فَقلت يَا أَبَا عبد الله ماالذي يبكيك فَقَالَ لي يَا ابْن قعنب وَمَالِي لَا أبْكِي وَمن أَحَق بالبكاء مني وَالله لَوَدِدْت أَنِّي ضربت بِكُل مَسْأَلَة أَفْتيت فِيهَا بِرَأْي بِسَوْط سَوط وَقد كَانَت لي السعَة فِيمَا قد سبقت إِلَيْهِ وليتني لم أفت بِالرَّأْيِ أَو كَمَا قَالَ ذكره ابْن خلكان وَفِي إحْيَاء عُلُوم الدّين للغزالي وَأما الإِمَام مَالك فَإِنَّهُ كَانَ أَيْضا متحليا بِهَذِهِ الْخِصَال الْخمس فَإِنَّهُ قيل لَهُ مَا تَقول يَا مَالك فِي طلب الْعلم فَقَالَ حسن جميل وَلَكِن أنظر إِلَى الَّذِي يلزمك من حِين تصبح إِلَى حِين تمسي فألزمه وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى فِي تَعْظِيم علم الدّين مبالغا حَتَّى كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يحدث تَوَضَّأ وَجلسَ على صدر فرَاشه وسرح لحيته وَاسْتعْمل الطّيب وَتمكن فِي الْجُلُوس على وقار وهيبة ثمَّ حدث فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ أحب أَن أعظم حَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم انْتهى وَزَاد ابْن خلكان وَلَا أحدث بِهِ إِلَّا مُتَمَكنًا على طَهَارَة وَكَانَ يكره أَن يحدث على الطَّرِيق أَو قَائِما أَو مستعجلا وَيَقُول
أحب أَن أتفهم مَا أحدث بِهِ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم انْتهى وَزَاد صَاحب التَّيْسِير وَكَانَ مهابا ولبعض أهل الْمَدِينَة فِيهِ نظم
(يدع الْجَواب فَلَا يُرَاجع هَيْبَة
…
والسائلون نواكس الأذقان)
(أدب الْوَقار وَعز سُلْطَان التقى
…
فَهُوَ المطاع وَلَيْسَ ذَا سُلْطَان) انْتهى
ونسبهما الْمولى عبد الْعَزِيز الدهلوي إِلَى سُفْيَان الثَّوْريّ وَالله أعلم قَالَ فِي الْإِحْيَاء قَالَ مَالك الْعلم نور يَجعله الله حَيْثُ يَشَاء وَلَيْسَ بِكَثْرَة الرِّوَايَة وَهَذَا الاحترام والتوقير يدل على قُوَّة مَعْرفَته بِجلَال الله تَعَالَى وَأما إِرَادَته وَجه الله تَعَالَى بِالْعلمِ فَيدل عَلَيْهِ قَول الْجِدَال فِي الدّين لَيْسَ بِشَيْء وَيدل عَلَيْهِ قَول الشَّافِعِي إِنِّي شهِدت مَالِكًا وَقد سُئِلَ عَن ثَمَان وَأَرْبَعين مَسْأَلَة فَقَالَ فِي اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ مِنْهَا لَا أَدْرِي وَمن يرد غير وَجه الله تَعَالَى بِعِلْمِهِ فَلَا تسمح نَفسه بِأَن يقر على نَفسه بِأَنَّهُ لَا يدْرِي وَلذَلِك قَالَ الشَّافِعِي إِذا ذكر الْعلمَاء فمالك النَّجْم الثاقب وَمَا أحد آمن عَليّ من مَالك
وَرُوِيَ أَن أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور مَنعه من رِوَايَة الحَدِيث فِي طَلَاق الْمُكْره ثمَّ دس عَلَيْهِ من يسْأَله فروى على مَلأ من النَّاس لَيْسَ على مستكره طَلَاق فَضَربهُ بالسياط وَلم يتْرك رِوَايَة الحَدِيث وَقَالَ مَالك مَا كَانَ رجل صَادِقا فِي حَدِيثه وَلَا يكذب إِلَّا متع بعقله وَلم تصبه مَعَ الْهَرم آفَة وَلَا خرف وَأما زهده فِي الدُّنْيَا فَيدل عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَن الْمهْدي أَمِير الْمُؤمنِينَ سَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ هَل لَك من دَار فَقَالَ لَا وَلَكِن أحَدثك فِيهِ حَدِيثا سَمِعت ربيعَة بن عبد الرَّحْمَن يَقُول نسب الْمَرْء دَاره وَسَأَلَهُ الرشيد هَل لَك دَار فَقَالَ لَا فَأعْطَاهُ ثَلَاثَة آلَاف دِينَار وَقَالَ اشْتَرِ بهَا دَارا فَأَخذهَا وَلم ينفقها فَلَمَّا أَرَادَ الرشيد الشخوص قَالَ لمَالِك يَنْبَغِي أَن تخرج مَعنا قَالَ عزمت أَن أحمل النَّاس على الْمُوَطَّأ كَمَا حمل عُثْمَان النَّاس على الْقُرْآن فَقَالَ أما حمل النَّاس على
الْمُوَطَّأ فَلَيْسَ إِلَيْهِ سَبِيل لِأَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم افْتَرَقُوا بعده فِي الْأَمْصَار فَحَدثُوا فَعِنْدَ كل أهل مصر علم وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اخْتِلَاف أمتِي رَحْمَة وَأما الْخُرُوج مَعَك فَلَا سَبِيل إِلَيْهِ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَة خير لَهُم لَو كَانُوا يعلمُونَ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام الْمَدِينَة تَنْفِي خبثها كَمَا يَنْفِي الْكِير خبث الْحَدِيد وَهَذِه دنانيركم كَمَا هِيَ إِن شِئْتُم فخذوها وَإِن شِئْتُم فدعوها يَعْنِي إِنَّك إِنَّمَا كلفتني مُفَارقَة الْمَدِينَة لما اصطنعته إِلَيّ فَلَا أُؤْثِر الدُّنْيَا على مَدِينَة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فَهَكَذَا كَانَ زهد مَالك فِي الدُّنْيَا
وَلما حملت إِلَيْهِ الْأَمْوَال الْكَثِيرَة من أَطْرَاف الدُّنْيَا لانتشار علمه وَأَصْحَابه كَانَ يفرقها فِي وُجُوه الْخَيْر وَدلّ سخاؤه على زهده وَقلة حبه للدنيا وَلَيْسَ الزّهْد فقد المَال وَإِنَّمَا الزّهْد فرَاغ الْقلب عَنهُ وَلَقَد كَانَ سُلَيْمَان عليه السلام فِي ملكه من الزهاد وَيدل على احتقاره للدنيا مَا رُوِيَ عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ رَأَيْت على بَاب مَالك كُرَاعًا من أَفْرَاس خُرَاسَان وبغال مصر مَا رَأَيْت أحسن مِنْهُ فَقلت لمَالِك مَا أحْسنه فَقَالَ هُوَ هَدِيَّة مني إِلَيْك يَا أَبَا عبد الله فَقلت دع لنَفسك مِنْهَا دَابَّة تركبها فَقَالَ إِنِّي أستحي من الله تَعَالَى أَن أَطَأ تربة فِيهِ نَبِي الله صلى الله عليه وسلم بحافر دَابَّة فَانْظُر إِلَى سخائه إِذْ وهب جَمِيع ذَلِك دفْعَة وَاحِدَة وَإِلَى توقيره لتربة الْمَدِينَة وَيدل على إِرَادَته بِالْعلمِ وَجه الله تَعَالَى واستحقاره للدنيا مَا رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ دخلت على هَارُون الرشيد فَقَالَ لي يَا أَبَا عبد الله يَنْبَغِي أَن يخْتَلف إِلَيْنَا حَتَّى يسمع صبياننا مِنْك الْمُوَطَّأ قَالَ فَقلت أعز الله مَوْلَانَا الْأَمِير إِن هَذَا الْعلم مِنْكُم خرج فَإِن أَنْتُم اعززتموه عز وَإِن أَنْتُم أذللتموه ذل وَالْعلم يُؤْتى وَلَا يَأْتِي فَقَالَ صدقت أخرجُوا إِلَى الْمَسْجِد حَتَّى تسمعوا مَعَ النَّاس انْتهى
وَقَالَ صَاحب بُسْتَان الْمُحدثين فِي تَرْجَمته رُوِيَ أَنه كَانَ يفتل سبلته إِذا أهمه أَمر وَقَالَ أَشهب وَكَانَ إِذا اعتم سدل عمَامَته بَين كَتفيهِ أَي أرسل وأرخى طرفها الَّذِي يُقَال لَهَا العلاقة ولفها تَحت الحنك وَكَانَ إِذا اكتحل يلْزم بَيته وَلَا يخرج وَيرى الاكتحال مَكْرُوها
إِلَّا من عِلّة وَمرض وَكَانَ خَاتمه من فضه وفصه أسود ونقشه حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل فَسَأَلَهُ مطرف عَن اخْتِيَار هَذَا النقش قَالَ سَمِعت الله يَقُول فِي حق الْمُؤمنِينَ قَالُوا حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل فَأَحْبَبْت أَن تكون تِلْكَ الْكَلِمَة دَائِما نقش ضميري وَنصب عَيْني وَكَانَ مَكْتُوبًا على بَاب دَاره مَا شَاءَ الله فَسئلَ عَنهُ فَقَالَ يَقُول الله {وَلَوْلَا إِذْ دخلت جنتك قلت مَا شَاءَ الله} دَاري هَذِه هِيَ جنتبي فَأُرِيد ذكرهَا حِين أدخلهُ وَأحب أَن تجْرِي هَذِه على لساني
وَكَانَ بَيت الإِمَام بَيت عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه وَكَانَ مَجْلِسه من مَسْجِد النَّبِي صلى الله عليه وسلم مجْلِس أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر رضي الله عنه وَقَالَ مَا جالست مُدَّة عمري سَفِيها وَلَا خَفِيف عقل قَالَ الإِمَام أَحْمد وَهَذَا أَمر عَظِيم لم يتَّفق لغير مَالك وَلَيْسَ فِي زمرة الْعلمَاء فَضِيلَة أحسن مِنْهُ فَإِن صُحْبَة السُّفَهَاء تظلم نور الْعلم وتنزل الرجل عَن ذرْوَة التَّحْقِيق وتلقيه فِي حضيض التَّقْلِيد وَلم يره أحد آكلا وَلَا شاربا لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَأْكُل وَلَا يشرب إِلَّا فِي الْخلْوَة وَهُوَ مَعَ ذَلِك التَّمْكِين وَالْوَقار
كَانَ فِي مرتبَة عَظِيمَة من حسن الْخلق مَعَ الْأَهْل وَالْولد والخدم والحشم وَكَانَ يتأسى فِي ذَلِك سنة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وسيرة الصَّحَابَة الْكِرَام وَكَانَ وافر الْحِرْص فِي طلب الْعلم حَتَّى قلع سقف بَيته فِي بَدْء أمره وَبَاعَ خشبه فِي أَمر الْكتاب ثمَّ هجمت عَلَيْهِ الْفتُوح الْعَظِيمَة وَكَانَ أتم الْحِفْظ قَالَ مَا نسيت شَيْئا قطّ بعد أَن حفظته وتوفت فِي زَمَانه امْرَأَة بِالْمَدِينَةِ فغسلتها الغسالة فحين وضعت يَدهَا على فرجهَا قَالَت طالما عصى ربه هَذَا الْفرج فلصقت يَد الغسالة بهَا وَلم يعلمُوا مَا يَفْعَلُوا لتفترق يَدهَا عَنْهَا وَلما عجزوا عَنْهَا رجعُوا إِلَى الْعلمَاء فَلم يهتدوا إِلَى سَبِيل فَقَالَ الإِمَام مَالك عِنْدِي أَن تضربوا الغسالة حد الْقَذْف فضربوها حد الْقَذْف وَهُوَ ثَمَانُون جلدَة فافترقت يَدهَا عَن فرج الْمَيِّت واستقرت ورسخت إِمَامَة الإِمَام ورئاسته فِي أذهان النَّاس من يَوْمئِذٍ
قَالَ مَالك كتبت بيَدي ألف حَدِيث وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لم يتَّفق لأحد مَا اتّفق لمَالِك فَإِنَّهُ روى عَنهُ راويان حَدِيثا وَاحِدًا وَبَين وفاتهما ثَلَاثُونَ وَمِائَة سنة أَحدهمَا مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ أستاذ الإِمَام فَإِنَّهُ روى حَدِيث فريعة بنت مَالك بن سِنَان فِي بَاب سُكْنى الْمُعْتَدَّة عَن مَالك بن أنس وَالْآخر أَبُو حذافة السَّهْمِي تلميذ مَالك وَصَاحب رِوَايَة الْمُوَطَّأ فَإِنَّهُ أَيْضا روى هَذَا الحَدِيث عَنهُ وَمَات الزُّهْرِيّ سنة خمس وَعشْرين وَمِائَة وَأَبُو حذافة سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ ونيف قلت رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن مَالك من قبيل رِوَايَة الأكابر عَن الأصاغر وَلَا تَخْلُو عَن ندرة وَلأَهل الحَدِيث كتب فِي هَذَا الْبَاب وتفاوت الراويين عَن شيخ وَاحِد هَذَا الْقدر فِي الْوَفَاة أَيْضا لَا تَخْلُو عَن غرابة وَيُقَال لَهُ فِي عرف الْمُحدثين السَّابِق واللاحق
قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر فِي شرح نخبة الْفِكر أَكثر مَا وقفنا عَلَيْهِ فِي ذَلِك تفَاوت مائَة وَخمسين سنة ثمَّ أورد لَهُ مِثَالا وَالْغَالِب أَن تفَاوت هَذَا الْمِقْدَار تحصل فِي صُورَة رِوَايَة الأكابر عَن الأصاغر وَكَانَ مجْلِس الإِمَام مجْلِس الهيبة وَالْوَقار لم تكن فِيهِ الْأَصْوَات وَلَا تسمع فِيهِ لاغية وَكَانَ لَا يقْرَأ لأحد بل كَانُوا يقرأون عَلَيْهِ وَهُوَ يسمع وَكَانَت جمَاعَة من أهل الْعرَاق فِي زَمَانه لَا يرَوْنَ الْقِرَاءَة على الشَّيْخ من وُجُوه تحمل الحَدِيث بل كَانُوا يطْلبُونَ السماع من لفظ الشَّيْخ فَاخْتَارَ أَكثر عُلَمَاء الْمَدِينَة والحجاز هَذَا الطَّرِيق دفعا لوهمهم وَإِلَّا فالمأثور فِي الْقَدِيم هُوَ قِرَاءَة الشَّيْخ على التلميذ
وَقد اتّفق ليحيى بن بكير أَنه سمع الْمُوَطَّأ من مَالك فِي مجْلِس إفادته بقرَاءَته أَربع عشرَة مرّة وَكَانَ مَالك لكَمَال أدبه مَعَ حَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يجلس إِلَّا على هَيْئَة وَاحِدَة فِي إسماع الحَدِيث وإفادته وَكَانَ لَا يقلب رجلَيْهِ ويحتاط فِيهِ احْتِيَاطًا تَاما وَكَانَ مجتنبا عَن الْغَائِط فِي حد الْحرم مُدَّة عمره إِلَّا عِنْد مَرضه وَشدَّة الضَّرُورَة
قَالَ بشر الحافي من زِينَة الدُّنْيَا ونعمتها أَن يَقُول الرجل حَدثنَا مَالك يَعْنِي بلغت أبهة الإِمَام وشوكته مبلغا يعد تِلْمِيذه من جملَة مفاخر
الدُّنْيَا مَعَ أَنه من وَسَائِل الْآخِرَة وَأُمُور الدّين وَكَثِيرًا مَا كَانَ يتَمَثَّل بِهَذَا الْبَيْت شعر
(وَخير أُمُور الدّين مَا كَانَ سنة
…
وَشر الْأُمُور المحدثات الْبَدَائِع)
وَمن كَلَامه لَا يَنْبَغِي للْعَالم أَن يتَكَلَّم بِالْعلمِ عِنْد من لَا يطيقه فَإِنَّهُ ذل وإهانة للْعلم وَلما صنف كتاب الْمُوَطَّأ فِي الحَدِيث عمل عُلَمَاء الْمَدِينَة الموطآت على منواله فَقيل لمَالِك قد شاركك النَّاس فِي مثل هَذَا التصنيف فَلم تكلّف هَذَا الْقدر نَفسك قَالَ إئتوني بهَا أنظرها فَلَمَّا نظر فِيهَا قَالَ عَسى أَن يعلمُوا أَي عمل وَقع لوجه الله تَعَالَى فَكَانَ كَذَلِك وَلم يبْق لموطآت الآخرين اسْم وَلَا رسم إِلَّا مَا يذكر من موطأ ابْن أبي ذِئْب وَأما موطأ مَالك فَهُوَ مخدوم طوائف الْأَنَام وبضاعة الِاجْتِهَاد لعلماء الْإِسْلَام وَالْقَبُول بِقدر النِّيَّة
وروى الْحَافِظ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ فِي حلية الْأَوْلِيَاء فِي تَرْجَمَة مَالك بِسَنَد صَحِيح عَن سهل بن مُزَاحم الْمروزِي وَكَانَ من عباد وقته وَأَصْحَاب عبد الله بن الْمُبَارك أَنه قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَام وَقلت يَا رَسُول الله قد مضى عصرك وانقضى فَإِن وَقع لي شكّ وشبهة فِي الخاطر فِي أَمر من أُمُور الدّين فَمِمَّنْ أتحققه قَالَ مَا أشكل عَلَيْك فَاسْأَلْهُ عَن مَالك بن أنس
وَرُوِيَ أَيْضا عَن مطرف أَن أَبَا عبد الله من موَالِي الليثيين قَالَ تشرفت بزيارة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَي فِي النّوم فرأيته جَالِسا فِي الْمَسْجِد وَحَوله رجال كالحلقة وَرَأَيْت مَالِكًا قَائِما بَين يَدَيْهِ وَعِنْده صلى الله عليه وسلم مسك يُعْطِيهِ مَالِكًا قَبْضَة قَبْضَة وَمَالك يَنْثُرهُ على النَّاس فعبرت هَذِه الرُّؤْيَا بِظُهُور الْعلم النَّبَوِيّ أَولا فِي مَالك ثمَّ بواسطته فِي الآخرين
وَرُوِيَ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن رمح التجِيبِي الْمصْرِيّ أستاذ مُسلم بن الْحجَّاج صَاحب الصَّحِيح أَنه قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي النّوم وَقلت نَحن مُخْتَلفُونَ فِي مَالك وَلَيْث أَيهمَا أعلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَالك وَارِث سَرِيرِي ففهمت حِينَئِذٍ المُرَاد بِهِ أَنه وَارِث علمي
وَرُوِيَ عَن يحيى بن خلف بن الرّبيع الطرطوسي وَكَانَ من صلحاء عصره وَعباد دهره أَنه قَالَ حضرت يَوْمًا عِنْد مَالك فَأتى رجل وَقَالَ مَا نقُول فِي الْقُرْآن أهوَ مَخْلُوق أم لَا فَقَالَ الإِمَام اقْتُلُوا هَذَا الزنديق فَإِنَّهُ سيتولد فِي كَلَامه فتن كَثِيرَة وَقد عَمت الْبلوى بعد مَالك فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَقتلت جماعات كَثِيرَة من أهل السّنة على عدم القَوْل بهَا وَكَذَا رُوِيَ عَن جَعْفَر بن عبد الله أَنه قَالَ كُنَّا عِنْد مَالك فَسَأَلَهُ رجل عَن تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} كَيفَ هَذَا الاسْتوَاء فأظهر مَالك الملال الْكثير من هَذَا السُّؤَال وأطرق مَلِيًّا وتفكر كثيرا حَتَّى عرق جَبينه ثمَّ قَالَ الكيف مِنْهُ مَعْقُول والاستواء مِنْهُ مَجْهُول وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة ثمَّ أَمر بِإِخْرَاجِهِ
وَرُوِيَ عَن أبي عرُوبَة وَهُوَ من أَوْلَاد الزبير رضي الله عنه قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْد مَالك يَوْمًا فَإِذا رجل أَتَى وَذكر نقائص الصَّحَابَة ومساوئهم فَقَالَ مَالك اسْمَع ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {مُحَمَّد رَسُول الله وَالَّذين مَعَه أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم} حَتَّى بلغ إِلَى {ليغيظ بهم الْكفَّار} ثمَّ قَالَ من كَانَ فِي بَاطِنه سيء الظَّن بالصحابة ويعيش عدوا لَهُم فَهُوَ دَاخل فِي هَذَا اللَّفْظ فَافْهَم انْتهى الْمَقْصُود مِنْهُ مُلَخصا ومترجما من الفارسية بِالْعَرَبِيَّةِ
وَكَانَ لَا يركب فِي الْمَدِينَة المنورة مَعَ ضعفه وَكبر سنه وَيَقُول استحي من الله أَن أَطَأ تربة فِيهَا قبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقد بلغ بِهَذَا الْأَدَب مَا بلغ وَكَانَ رَأس الْمُتَّقِينَ وَمن كبار تبع التَّابِعين وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ كِفَايَة ومقنع