الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التبيين، أو أنّه لم ينص على ذلك لم يخف مذهب القوم على طالبه، فالقوم مصرّحون بمذهبهم في مصنّفاتهم كما ترى الآن من
الطريق الثّانية
، والطّمع في تعمية مذهبهم ورميهم بما لم يقولوا يزري بصاحبه ولا يضر من رمي به.
/الطريق الثّانية: وهي المعتمدة المفيدة لمن يحبّ العلم المتواتر بمقصدهم في مذهبهم، وهي نقل نصوصهم من مصنّفات محقّقيهم الحافلة وتواليفهم الممتعة، فمن ذلك ما ذكره الفخر الرّازي في ((كتاب الأربعين في أصول الدين)) وفي كتابه ((نهاية العقول)) فإنّه ذكر ما معناه: إنّهم أربع فرق، فذكر في الكتابين أنّه يجمعهم القول بأنّ العبد غير مستقل بفعله، وذكر في ((النّهاية)) أيضاً أنّه يجمعهم القول بأنّ الاختيار للعبد في فعله كما سوف نوضح ذلك بالكلام على كلّ فرقة منهم فنقول:
الفرقة الأولى
منهم: هم الجبرية الخلّص، وهم الذين يقولون: إنّه لا تأثير لقدرة العبد في الفعل ولا في صفة من صفاته، بل الله تعالى يخلق الفعل بقدرته، ويخلق [العبد](1) قدرة متعلقة بفعله، مقارنة في حدوثها لحدوثه، غير متقدّمة عليه، ولا مؤثّرة فيه ألبتة، وهذا قول الأشعري وأتباعه، وجماهير المحقّقين من المتأخرين على خلاف هذا، قال الرّازي في ((النهاية)) ما لفظه: ((قالت المعتزلة: لو كان فعل العبد موجوداً بقدرة الله تعالى ما حسن المدح والذّمّ والأمر والنّهي. ثمّ قال: اختلفوا في الجواب على طريقين:
(1) في (أ): ((للفعل)) والتصويب من (ي) و (س).
الأولى: طريقة الأشعري: أنّ قدرة العبد غير مؤثّرة، وأمّا الأمر والنّهي؛ فلأنّ الله أجرى العادة بأنّ العبد متى اختار الطّاعة فإنّه تعالى يخلق الطّاعة فيه عقيب اختياره إيّاها، وكذلك إن اختار المعصية. وإذا كانت المكنة بهذا المعنى حاصلة لا جرم حسن الأمر والنّهي. إلى قوله: إذا كان الأمر كذلك؛ كان التّكليف والأمر والنّهي إنّما كان لأنّه [متمكّن](1) من اختيار أحد مقدوريه دون الآخر، وإن لم يكن متمكناً من الإيجاد، لا يقال: ترجيحه أحد تعلّقي الإرادة على تعلّقها.
الثّاني: إن وقع بالعبد فقد اعترفتم بتأثير قدرة العبد، وإن وقع بالله فلا يكون ذلك التّرجيح مضافاً إلى العبدأصلاً، لأنّا نقول: إنّ ترجيح أحد التّعلّقين على الآخر ليس أمراً ثبوتياً أصلاً لا في حق الله تعالى، ولا في حق العبد حتّى يلزم من إسناده إلى العبد ما يلزم من الاعتراف بكون قدرته مؤثّرة، فإنّ ذلك لو كان أمراً ثبوتياً لكان وقوعه أيضاً بالاختيار فيلزم التّسلسل.
فهذا صريح منهم في كتبهم مبيّن (2) معلّل لا يمكن تأويله، وقد أفصحوا بأن مذهب الجبريّة الخلّص أنّ العبد مختار، وأنّه إنّما يستحق الذّمّ والعقاب والأمر والنّهي بسوء اختياره، وبهذا يتخلّص (3) من قول المعتزلة: إنّهم يجوّزون على الله العبث والقبيح والظلم لقولهم بخلق الأفعال، وهذا من وجه مثل قول الجاحظ وثمامة بن الأشرس: إنّه لا
(1) في (أ): ((ممكن)) ، والمثبت من (ي) و (س).
(2)
في (س): ((معيّن)) .
(3)
في (س): ((يتخلصون)).
فعل للعبد إلا الإرادة، وهما من أجلاّء شيوخ الاعتزال.
وذكر الرّازي في هذا الموضع: (3أنّ العبد (1) يفعل الاختيار عند الدّاعي الرّاجح وجوباً كما يفعل الله الواجب في حكمته، ويترك القبيح في علمه وجوباً عند المعتزلة، ولا ينافي ذلك /الوجوب ثبوت الاختيار، قال: ولا يصح للمعتزلة أن يلزموهم نفي الاختيار بذلك لوجهين:
أحدهما: أنّ الدّاعي عند المعتزلة غير موجب، وثانيهما: أنهم يقولون بمثل ذلك في حقّ الله تعالى في أفعاله الواجبة عندهم، ولم يقتض ذلك أنّه تعالى عندهم (2) غير مختار.
قلت: بل يقولون بذلك في حق العبد في غير موضع: منها في احتجاجهم على ثبوت التّحسين والتّقبيح عقلاً، وقولهم: إذا خيّر العاقل بين الصّدق والكذب وكان النّفع فيهما سواء اختار الصدق وجوباً، بل يقولون بذلك في جميع أفعال العباد كما أشار إليه الرّازيّ في احتجاجهم على أنّ لنا أفعالاً وتصرّفات، فإنّهم احتجوا على ذلك بأنّها تقع عند [وجود](3) دواعينا أو تنتفي عند وجود صوارفنا.
وقد ذكر الرّازي أنّ هذا هو مقصود القائلين بأنّ الدّاعي موجب لأنّه لو لم يكن موجباً لم يكن ما ذكروا دائماً، ولكان اتفاقيّاً أو أكثريّاً، ولو كان كذلك لم يكن حجة لهم. وأمّا قولهم: إنّه وجوب استمرار لا
(1) ما بينهما ساقط من (س).
(2)
سقطت من (س).
(3)
في (أ): ((وجوب)) ، والتصويب من (ي) و (س).