المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوهم الثامن عشر: - الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - - جـ ٢

[ابن الوزير]

فهرس الكتاب

- ‌المحمل الخامس:

- ‌الأوّل:

- ‌الثاني:

- ‌الثّالث:

- ‌الرّابع:

- ‌الخامس:

- ‌السّادس:

- ‌السّابع:

- ‌الثّامن: [

- ‌التّاسع:

- ‌العاشر:

- ‌الحادي عشر:

- ‌الثّاني عشر:

- ‌الثالث عشر:

- ‌الرّابع عشر:

- ‌الطّريق الأولى:

- ‌ الطريق الثّانية

- ‌الفرقة الأولى

- ‌الفرقة الثانية:

- ‌الفرقة الثّالثة:

- ‌الفرقة الرّابعة:

- ‌الوهم الرّابع عشر:

- ‌الوهم الخامس عشر:

- ‌الوهم السّادس عشر:

- ‌الفصل الأول:

- ‌الفصل الثاني:

- ‌الفصل الثّالث:

- ‌الفصل الرّابع:

- ‌الفصل الخامس:

- ‌الوهم الثّامن عشر:

- ‌المقدمة الثّالثة:

- ‌المقدّمة الرّابعة:

- ‌المرجّح الأوّل:

- ‌المرجّح الثّاني:

- ‌المرجّح الثّالث:

- ‌المرجّح الرّابع:

- ‌المرجّح الخامس:

- ‌المرتبة الأولى: حمل الكلام على التّخيّل

- ‌المرتبة الثانية: حمل الكلام على المجاز اللّغوي

- ‌ الأولى:

- ‌ الثانية:

- ‌ محاجّة آدم وموسى

- ‌الفصل الأول:

- ‌الفصل الثّاني:

- ‌الفصل الثّالث:

- ‌أمّا المعارضة:

- ‌الوجه الأوّل

- ‌الوجه الثّاني:

- ‌الحجّة الأولى:

- ‌الحجّة الثّانية:

- ‌الحجّة الثّالثة:

- ‌الحجّة الرّابعة:

- ‌الحجّة الخامسة:

- ‌الحجّة السّادسة:

- ‌الحجّة السّابعة:

- ‌الحجّة الثّامنة:

- ‌الحجّة التّاسعة:

- ‌الحجّة العاشرة:

- ‌الفائدة الرّابعة: في ذكر ثلاث طوائف

- ‌الطّائفة الأولى المجبّرة:

- ‌الطّائفة الثانية: المرجئة

- ‌ المسألة الأولى:

- ‌ المسألة الثّانية:

الفصل: ‌الوهم الثامن عشر:

موسى عليه السلام ، وفي هذا دليل على أن المصلحة يجوز أن تكون جزئية؛ لأنّ أهل السّفينة بعض المسلمين، ويجوز أن تكون ظنّيّة؛ لأنّه لا سبيل إلى العلم بما يقع فيه أهل الإسلام في المستقبل، وقد تكلّم غير واحد من العلماء في المصالح /وهذا (المختصر) لا يحتمل التّطويل بذكر ذلك، وأحسن من تكلّم في ذلك العلامة الكبير عزّ الدّين بن عبد السّلام في كتابه ((قواعد الأحكام في مصالح الأنام)).

‌الوهم الثّامن عشر:

قدح المعترض على المحدّثين بالرّواية عن الزّهري، وجرح الزّهري بمخالطته للسّلاطين وإعانتهم على الظلم.

فأمّا مخالطة السّلاطين فقد كانت منه، ومن غير واحد ممّن أجمع أهل العلم على عدالتهم وفضلهم، ونبلهم، مثل: الإمام عليّ بن موسى الرّضى، والقاضي أبي يوسف -رحمهما الله تعالى-، ومن لا يأتي عليه العدّ.

وأمّا الإعانة على الظّلم فدعوى على الزّهري غير صحيحة، وقد ذكر العلماء رضي الله عنهم ما يجوز من مخالطة الظّلمة، وفرقوا بين المداراة والمداهنة. قال القاضي عياض و [المازري] (1) في ((شرح مسلم)): المداهنة: بما كان من أمر الدّين، مثل أن يفتيه بغير حقّ، والمداراة: ما كان من أمور الدّنيا.

قلت: الحجج على جواز المخالطة إذا لم يكن معها معصية ظاهرة، ولنذكر منها وجوهاً.

(1) تحرّفت في (أ) و (ي) إلى ((المارودي)). والتصويب من (س).

ص: 411

الوجه الأوّل: الحديث الصّحيح، والنّصّ الصّريح، وهو قوله صلى الله عليه وسلم في أئمة الجور:((فمن غشي أبوابهم فصدّقهم في كذبهم، وأعانهم على ظلمهم فليس منّي، ولست منه، وليس بوارد عليّ الحوض يوم القيامة، ومن غشيها أو لم يغشها، فلم يصدّقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو منّي وأنا منه وهو وارد عليّ الحوض يوم القيامة)) رواه التّرمذي في موضعين من ((جامعه)) (1) بإسنادين مختلفين، أحدهما: صحيح وعليه الاعتماد، والثّاني: معلول (2).

ومن ذلك ما روى أبو داود (3) عن النّبي صلى الله عليه وسلم: ((أنّه نهى عن المسألة إلا أن يسأل الرّجل ذا سلطان)) والمسألة لا تمكن إلا بضرب من المخالطة.

(1)(2/ 513) ، (4/ 455).

(2)

الإسناد الأوّل: من طريق عبيد الله بن موسى حدّثنا غالب أبو بشر، عن أيوب بن عائذ الطائي، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب عن كعب بن عجرة، الحديث.

قال التّرمذي: ((هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، لا نعرفه إلا من حديث عبيد الله بن موسى)) اهـ.

الإسناد الثاني: من طريق محمد بن عبد الوهّاب عن مسعر، عن أبي حصين، عن الشعبي، عن عاصم العدوي عن كعب بن عجرة، الحديث.

قال التّرمذي: ((هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه من حديث مسعر إلا من هذا الوجه)) اهـ.

(3)

((السنن)): (2/ 289 - 290). قال الخطّابي: ((هو أن يسأله حقّه من بيت المال الذي في يده، وليس هذا على معنى استباحة الأموال التي تحويها أيدي السّلاطين من غصب أملاك المسلمين)) اهـ. ((المعالم)).

ص: 412

الوجه الثّاني: قوله تعالى: ((لا ينهاكم الله عن الذين يقاتلونكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إنّ الله يحبّ المقسطين)) الآية [الممتحنة/8] ، وعمومها وسبب نزولها يستلزم جواز المخالطة ونحوها، وقد بيّنت ذلك في ((الأصل)) (1).

الوجه الثّالث: قصّة يوسف عليه السلام ومخالطته لعزيز مصر وقوله: ((اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم)) [يوسف/55] وقد تقدّم الكلام على ما يتعلّق بشرع من قبلنا (2) ، وقد بسطت الكلام في هذه المسألة في ((الأصل)) (3) في قدر كرّاس ونصف أو يزيد، وأوضحت غلط المعترض في هذه المسألة، وبيّنت جلالة الزّهري واجتهاده واعتداد العلماء بخلافه، وقبول أصحاب المعترض لحديثه، واحتجاجهم بروايته ولله الحمد.

الوهم التّاسع عشر: روى قصّة ليحيى بن عبد الله بن الحسن

رضي الله عنهم مع أبي البختري وهب بن وهب القاضي المدني، والقصة مشتملة على شهادة /زور وقعت بأمر هذا القاضي مع جماعة كثيرين، وقدح (4) بذلك في المحدّثين وفي صحة حديثهم، وهذا غلوّ وإسراف في التّهويل والإرجاف، لأنّه لا ملازمة بين رواة الحديث وبين جماعة شهدوا زوراً في واقعة معيّنة، إلا أن يذكر المعترض من

(1)((العواصم)): (8/ 201).

(2)

(ص/405).

(3)

(8/ 187 - 255).

(4)

في (س): ((وقد جرح)).

ص: 413

شهد تلك الشّهادة من رواة الحديث، مع أنّ في كلام المعترض ما ينقض حجّته، فإنّه ذكر أنّهم خافوا من هارون الرّشيد إن لم يشهدوا، والخوف من سطوة أئمة الجور يبيح كلمة الكفر، كيف شهادة الزور؟! قال الله تعالى:((إلا من أكره وقلبه مطمئنٌ بالإيمان)) [النحل/106] على أنّ هذه القصّة التي أشار إليها غير معلومة الصّحة، ولا رواها بإسناد صحيح، وهي أحقر من أن تجاب، لولا محبّة الذّبّ عن أهل السّنّة (1) ، وهداية من يغترّ بمثل هذه الشّبهة.

الوهم الموفّي عشرين: وهم المعترض أنّ أبا البختري وهب بن وهب ابن [كبير](2) القاضي القرشي المدني، من رواة الصّحاح، وقد ذكرت في ((الأصل)) (3) اتفاق علماء الحديث على جرحه، وتصريحهم في كتب الرّجال بتكذيبه، ونقلت كلام العلامة أبي عبد الله الذّهبي فيه في كتاب ((ميزان الاعتدال، في نقد الرّجال)) (4) وقد وهم المسكين أنّه من رواة التّرمذي، وليس كذلك، وإنّما روى الجماعة عن أبي البختري سعيد بن فيروز الطّائي التّابعي الجليل الرّاوي عن عليّ رضي الله عنه وهما مختلفان نسباً واسماً، وصفة وزماناً، كما

(1) في (س): ((وهي أصغر من أن يجاب عليها، لولا محنة الذب عن السنة)).

(2)

تحرّفت في ((الأصول)) ، و ((العواصم)) و ((السير)):(9/ 374) ، و ((الميزان)) ، إلى ((كثير)). والتصويب من ((توضيح المشتبه)):(7/ 296) لابن ناصر الدين.

(3)

(8/ 258).

(4)

(6/ 27 - 28).

ص: 414

أوضحته في ((الأصل)) (1).

قال: ((الوجه الرّابع: ممّا يدلّ على أنّ في أخبار كتبهم التي يسمّونها الصّحاح ما هو مردود: أنّ في أخبار هذه الكتب ما يثبت التّجيسم والجبر والإرجاء ونسبة ما لا يجوز إلى الأنبياء، ومثل ذلك يضرب به وجه راويه، وأقلّ أحواله أن يكذّب فيه)) إلى آخر كلامه في هذا الفصل.

أقول: هذا مقام وعر قد تعرّض له المعترض وأبدى صفحته، ورام أن يكذّب الرّواة فيما (2) لم يفهم تأويله، وهذا بحر عميق لا يمكن (3) ركوبه إلا في سفين البراهين القاطعة، وليل بهيم لا يحسن مسراه إلا بعد طلوع أهلّة الأدلّة السّاطعة، وسوف أجيب على ما ذكره، وأذكر من حججه ما سطّره، وقد استوفيت الجواب في ((الأصل)) (4) وأشبعت الكلام في هذا الفصل، وذكرت من المقدّمات ومراتب التّأويل ما لا يسع الخائض في علم الحديث جهله، وسوف أشير إلى عيون يسيرة من ذلك:

المقدّمة الأولى: كلّ ما خالف الأدلّة القاطعة العلمية من الأحاديث الظّنّيّة في متنها، أو في معناها وجب العمل بالقطعيّ دون الظّنيّ إجماعاً، وفيه تنبيهان:

(1)(8/ 259).

(2)

في هامش (أ) و (ي): ((في كل ما)) في نسخة، وكذلك هو في (س).

(3)

في (س): ((لا يصلح)).

(4)

(8/ 261 - 323).

ص: 415

الأوّل: أنّ كثيراً من المتكلّمين يظنّ في بعض الشّبه دليل قطعي، فيخالف الحديث الصّحيح لذلك، معتقداً فيمن عمل بالحديث أنّه يقدّم الظّنّ على العلم، وهذا جهل مفرط، فليس في العقلاء -دع عنك المسلمين- من يقدّم المظنون على المعلوم.

الثّاني: أنّ كثيراً ممّن لا يعرف الحديث ويمارس علومه يظنّ في بعض الأحادث أنّها ظنّية وهي متواترة تواتراً (1) لفظيّاً /أو معنوياً، فليحترز الحاذق من الوقوع في ذلك.

المقدمة الثّانية: أنّ التّأويل المتعسّف مردود، وفيه تنبيهان:

أحدهما: أنّ الحكم بأنّه متعسّف صعب لا يتمكّن من معرفته إلا الرّاسخون في العلم.

وثانيهما: أنّه لا يلزم من ردّ بعض التّأويلات القطع بأنّه لا تأويل للحديث غير متعسّف، فإنّه قد يأتي بعض البلداء فيتعرّض للتّأويل؛ [فيقع](2) ذهنه على تأويل رديء مردود فيحسب (3) هو أو غيره ممّن يقف على تأويله أنّه لا تأويل للحديث إلا ذلك، فإذا انكشف بطلان ذلك التأويل تطرّقوا في ذلك إلى القدح في الحديث، وهذا باطل! فإنّ أقصى ما في الباب: أن يطلب المتأوّل تأويلاً صحيحاً فلا يجد، لكن عدم الوجدان في النّظر لايدلّ على عدم المطلوب من الوجود، وذلك

(1) سقطت من (س).

(2)

في (أ) و (ي): ((فيقطع)) ، والمثبت من (س).

(3)

في (ي) و (س): ((فيجيب)) ، وكتب في هامش (ي):((في نسخة: فيحسب)).

ص: 416

لأنّ الباحث عن التّأويل إمّا أن يكون من العلماء أو لا. والثّاني: ليس له أن يتأوّل قطعاً، والأوّل: إمّا أن يكون من الرّاسخين في العلم أو لا. الثّاني: ليس له أن يتأوّل ظاهراً؛ لأنّ الله تعالى لم يجعل ذلك له، في جميع أقوال المفسرين لقوله تعالى:((وما يعلم تأويله إلا الله والرّاسخون في العلم يقولون آمنا به)) [آل عمران/7] وأمّا الأوّل -وهم الرّاسخون في العلم- فأمّا أن يكون الجاهل بالتّأويل بعضهم أو كلّهم؛ إن كان بعضهم فلا مانع منه؛ لأنّ لم تثبت العلم بالتّأويل لبعضهم بنصّ ولا ظاهر، كما أنّ آيات الإجماع لم تثبت حرمة مخالفة بعض الأمّة (1).

ويدلّ عليه أنّ الرّاسخين من جميع الفرق يختلفون في التّأويل على وجوه متنافية، فلو كان الواحد منهم لا يجوز عليه الخطأ في التّأويل لم يصح ذلك، ولم يكن لمن بعده مخالفته، ويدلّ عليه: أنّ موسى الكليم من الرّاسخين إجماعاً مع أنّه ما عرف تأويل ما احاط الخضر بتأويله، فكيف يحيط غير الكليم بعلم الله؟ مع أنّ علم الكليم والخضر في علم الله تعالى، كما يأخذ الطّائر بمنقاره من البحر، كما قال الخضر عليه السلام (2) ، وإن كان الجاهل بالتّأويل كلّهم فههنا يظهر الخلاف في معنى الآية، والظّاهر أنّه لا يعلمه إلا الله تعالى، لقوله تعالى في هذه الآية في ذمّ الذين في قلوبهم زيغ:((ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله)) [آل عمران/7] وقد تأوّلها المخالفون بأنّ المراد ابتغاء تأويله الذي يوافق أهوائهم، فجعلوها من المتشابه، مع أنّ المرجع

(1) في (س): ((الأئمة)).

(2)

البخاري ((الفتح)): (1/ 263).

ص: 417

إليها في الفرق بين المتشابه والمحكم وهذا بعيد، وهو أيضاً تأويل بغير دليل قاطع، فلا مانع من ورود السّمع بالنّهي عن تأويل المتشابه، سواء كان الرّاسخون متمكنين (1) من معرفته أو لا.

وأمّا قولهم: إنّه يلزم من ذلك نسبة العبث إلى الله تعالى؛ فغلط واضح، فإنّ العبث ما لاحكمة فيه، وليس الحكمة مقصورة على معرفة التّأويل، فإنّ الإيمان بالتّنزيل، والتّعظيم له والتّجليل، حكمة بالغة، وكذلك الإيمان بمراد الله تعالى على سبيل الجملة فيه تكليف. مع أنّه يقال لهم: إمّا أن توجبوا على جميع المكلّفين بذلك فهذا باطل بالقرآن والاتفاق، أمّا القرآن فالآية المقدّمة، وأمّا الإجماع فهو منعقد /على سقوط ذلك عن العامّي والعجميّ، بل على تحريمه عليهما، وإذا كان علم البعض بالتأويل يكفي فلعلّ علم الملائكة والأنبياء بذلك كافّ، فمن أين يلزم ما زعم بعض المعتزلة من استلزم ذلك للعبث في حقّه جلّ وعلا، وقد حكى القاضي عياض في كتابه ((المعلم بفوائد شرح مسلم)) (2): أنّ قوله تعالى في هذه الآية: ((والرّاسخون في العلم)) من المتشابه المحتمل؛ وهذا أيضاً بعيد لما قدّمنا ذكره ولنقل الفرّاء للوقف على اسم الله تعالى، ولأنّ قوله تعالى في الثّناء عليهم:((يقولون آمنا به كلّ من عند ربّنا)) ، مناسب لإيمانهم بمراد الله تعالى على سبيل

(1) في (س): ((يتمكنون)).

(2)

كتاب القاضي اسمه: ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) ، أمّا كتاب:((المعلم بفوائد)) فهو لأبي عبد الله المازري (536) ، طبع من الأوّل أجزاء، وطبع الثاني كاملاً، ولم ينقل هذا النّووي في ((شرح مسلم)):(16/ 217) عند شرحه لهذه الآية.

ص: 418