المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قال: ((لئلا يستدرك على كتابه)) (1) ، فلم يذكر فيه - الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - - جـ ٢

[ابن الوزير]

فهرس الكتاب

- ‌المحمل الخامس:

- ‌الأوّل:

- ‌الثاني:

- ‌الثّالث:

- ‌الرّابع:

- ‌الخامس:

- ‌السّادس:

- ‌السّابع:

- ‌الثّامن: [

- ‌التّاسع:

- ‌العاشر:

- ‌الحادي عشر:

- ‌الثّاني عشر:

- ‌الثالث عشر:

- ‌الرّابع عشر:

- ‌الطّريق الأولى:

- ‌ الطريق الثّانية

- ‌الفرقة الأولى

- ‌الفرقة الثانية:

- ‌الفرقة الثّالثة:

- ‌الفرقة الرّابعة:

- ‌الوهم الرّابع عشر:

- ‌الوهم الخامس عشر:

- ‌الوهم السّادس عشر:

- ‌الفصل الأول:

- ‌الفصل الثاني:

- ‌الفصل الثّالث:

- ‌الفصل الرّابع:

- ‌الفصل الخامس:

- ‌الوهم الثّامن عشر:

- ‌المقدمة الثّالثة:

- ‌المقدّمة الرّابعة:

- ‌المرجّح الأوّل:

- ‌المرجّح الثّاني:

- ‌المرجّح الثّالث:

- ‌المرجّح الرّابع:

- ‌المرجّح الخامس:

- ‌المرتبة الأولى: حمل الكلام على التّخيّل

- ‌المرتبة الثانية: حمل الكلام على المجاز اللّغوي

- ‌ الأولى:

- ‌ الثانية:

- ‌ محاجّة آدم وموسى

- ‌الفصل الأول:

- ‌الفصل الثّاني:

- ‌الفصل الثّالث:

- ‌أمّا المعارضة:

- ‌الوجه الأوّل

- ‌الوجه الثّاني:

- ‌الحجّة الأولى:

- ‌الحجّة الثّانية:

- ‌الحجّة الثّالثة:

- ‌الحجّة الرّابعة:

- ‌الحجّة الخامسة:

- ‌الحجّة السّادسة:

- ‌الحجّة السّابعة:

- ‌الحجّة الثّامنة:

- ‌الحجّة التّاسعة:

- ‌الحجّة العاشرة:

- ‌الفائدة الرّابعة: في ذكر ثلاث طوائف

- ‌الطّائفة الأولى المجبّرة:

- ‌الطّائفة الثانية: المرجئة

- ‌ المسألة الأولى:

- ‌ المسألة الثّانية:

الفصل: قال: ((لئلا يستدرك على كتابه)) (1) ، فلم يذكر فيه

قال: ((لئلا يستدرك على كتابه)) (1) ، فلم يذكر فيه زيد بن علي رضي الله عنهما مع أنّه من رجال الكتب السّتّة، على أنّه قلّ ما سلم أحد من ذكره في هذا الكتاب، حتّى إنّه ذكر سفيان الثّوري، وأويساً القرني، وجعفر الصّادق، ويحيى بن معين، وأبا حنيفة (2) ، وعليّ بن المديني، وأمثال هؤلاء الأئمة، وإنّما ذكرهم لأنّه قلّما سلم أحد من الكلام بحقّ أو باطل، فحين لم يذكر زيد بن عليّ رضي الله عنهما دلّ ذلك على جلالته، وأنّ الذّهبيّ على سعة اطلاعه لم يعلم فيه قدحاً ألبتّة.

وأصرح من هذا أنّ الذّهبيّ قال في كتابه ((الكاشف)) (3): ((إن زيداً رضي الله عنه استشهد)) بهذا اللفظ، وهذا نصّ منه في موضع النّزاع، فإنّ الباغي ليس بشهيد إجماعاً.

‌الفصل الثاني:

في بيان أنّ منع الخروج علىالظّلمة استثنى من ذلك من فحش ظلمه، وعظمت المفسدة بولايته، مثل: يزيد بن معاوية، والحجّاج بن يوسف، وأنّه لم يقل أحدّ منهم ممّن يعتدّ به بإمامة من هذه حاله، وإن ظنّ ذلك من لم يبحث، لإيهام ظواهر عباراتهم في بعض الموضع، فقد نصّوا على بيان مرادهم وخصّوا عموم ألفاظهم، فممّن ذكره الإمام الجويني فإنّه قال في كتاب

(1)((الميزان)): (1/ 2).

(2)

ترجمته توجد في بعض نسخ ((الميزان)) المتأخّرة، وليس هو في نسخة صحيحة من ((الميزان)) بخط الذّهبي، مقروءة عليه سنة (745هـ) ، محفوظة في الخزانة العامة في الرباط، راجعتها بنفسي.

(3)

(1/ 341).

ص: 381

((الغياثي)) (1) -وقد ذكر أنّ الإمام لا ينعزل بذلك ما لفظه-: ((وهذا في نادر الفسق، فأمّا إذا تواصل منه العصيان، وفشا منه العدوان، وظهر الفساد، وزال السّداد، وتعطّلت الحقوق، وارتفعت الصّيانة، ووضحت الخيانة؛ فلا بدّ من استدراك هذا الأمر المتفاقم، فإن أمكن كفّ يده وتولية غيره بالصّفات المعتبرة، فالبدار البدار، وإن لم يكن ذلك لاستظهاره بالشّوكة إلا بإراقة الدّماء، ومصادمة الأهوال؛ فالوجه أن يقاس ما النّاس مدفوعون إليه /مبتلون به بما يفرض وقوعه، فإن كان النّاجز الواقع أكثر مما يتوقع؛ فيجب احتمال المتوقّع، وإلا فلا يسوغ التّشاغل بالدّفع، بل يتعيّن الصّبر والابتهال إلى الله تعالى)).

ومن ذلك ما ذكره أبو محمد بن حزم في الرّدّ على أبي بكر بن مجاهد المقرىء (2) ، فإنّه ادّعى الإجماع على تحريم الخروج على الظّلمة، فردّ ذلك عليه ابن حزم، واحتجّ عليه بخروج الحسين بن عليّ رضي الله عنهما وخروج أصحابه على يزيد، وبخروج ابن الأشعث، ومن معه من كبار التّابعين، وخيار المسلمين على الحجّاج بن يوسف. وقال ابن حزم: أترى هؤلاء كفروا؟ بل والله من كفّرهم فهو أحقّ بالتّكفير. ولقد يحقّ على المرء المسلم أن يزمّ لسانه، ويعلم أنّه مجزيٌّ بما تكلّم به، مسئول عنه غداً، قال: ولو كان خلافاً يخفى لعذرناه؛ ولكنّه أمر ظاهر لا يخفى على المخدّرات في

(1)(ص/105 - 110) مع تصرف في النّصّ.

(2)

هو: أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد، صاحب كتاب ((السّبعة)) ت

(324هـ)، ((معرفة القرّاء الكبار)):(1/ 269 - 271).

ص: 382

البيوت)) ، ذكره في ((كتاب الإجماع)) (1) رواه عنه الرّيمي (2) في كتابه ((عمدة الأمّة في إجماع الأئمة)) (3).

وقد ذكر هذه المسألة القاضي عياض، وذكر دعوى ابن مجاهد للإجماع، قال القاضي عياض (4): وردّ عليه هذا بعضهم بقيام الحسين بن علي رضي الله عنه وابن الزبير، وأهل المدينة على بني أميّة، وقيام جماعة عظيمة من التّابعين والصّدر الأوّل على الحجّاج مع ابن الأشعث، وتأوّل هذا القائل قوله:((أن لا ننازع الأمر أهله)) على أئمة العدل، قال عياض:((وحجة الجمهور: أن قيامهم على الحجّاج ليس لمجرّد الفسق، بل لما غيّر (5) من الشّرع، وأظهر (6) من الكفر)) انتهى كلامه.

وفيه: بيان اتفاقهم على تحسين ما فعله الحسين رضي الله عنه مع يزيد، وابن الأشعث وأصحابه مع الحجّاج، وأنّ جمهورهم قصروا جواز الخروج على من كان مثل يزيد والحجّاج، ومنهم من

(1)(ص/178).

(2)

هو: محمد بن علي بن عبد الله الريمي، فقيه شافعي المذهب، له مصنفات ت (792). ((العقود اللؤلؤية)):(2/ 218).

(3)

منه نسخة في مكتبة الجامع برقم (2355) ، وأخرى في مكتبة آل الوزير بصنعاء، وهذه النسخة ناقصة، وعليها تعاليق بخط ابن الوزير رحمه الله. انظر:((فهرس المكتبات الخاصة باليمن)): (ص/51) للحِبْشي.

(4)

نقله عنه النّووي في ((شرح مسلم)): (12/ 229).

(5)

في (أ) و (ي): ((غيّروا)) والمثبت من (س) ، و ((شرح مسلم)).

(6)

في (أ) و (ي): ((أظهروا)) ، وفي ((شرح مسلم)):((ظاهر)) ، والمثبت من (س).

ص: 383

جوّز الخروج على كلّ ظالم.

وفيه أنّهم اتّفقوا على الاحتجاج بفعل الحسين، ولكن منهم من قصره على مثل يزيد، ومنهم من قاس عليه كلّ ظالم.

ومن ذلك كلام ابن بطّال الذي أورده المعترض، وقد مرّ، وهو على المعترض لا له، فإنّه روى عن الفقهاء أنّهم اشترطوا في طاعة المتغلّب إقامة الجمعات والأعياد، والجهاد، وإنصاف المظلوم غالباً، ولم يكن يزيد والحجّاج بهذه الصّفة. والعجب أنّ المعترض ادّعى على ابن بطّال أنّه نصّ على ما ادّعاه من تصويب يزيد والحجّاج وبغي الحسين، ولم يذكر ذلك ابن بطّال بمنطوق ولا مفهوم، ولا نصّ ولا عموم، وهذا كلام من غفل عن معنى النّصّ.

وقال ابن الأثير في ((نهايته)) (1) ما لفظه: ((فيه أنّه ذكر (2) /الخلفاء بعده فقال: أوّه لفراخ آل محمد من خليفة يستخلف عتريف مترف، يقتل خلفي وخلف الخلف)).

قال ابن الأثير: العتريف: الغاشم الظّالم، وقيل: الدّاهي الخبيث، وقيل: هو قلب العفريب الشّيطان الخبيث، قال الخطّابي (3): قوله: خلفي [يتأوّل على](4) ما كان من يزيد بن معاوية

(1)(3/ 178).

(2)

((أنه ذكر)) ليست في (ي).

(3)

((غريب الحديث)): (1/ 250).

(4)

في (أ) و (ي): ((يتناول)). والمثبت من ((غريب الحديث)) للخطابي، و ((النهاية)) و (س).

ص: 384

إلى الحسين بن علي وأولاده الذين قتلوا معه، وخلف الخلف: ما كان منه يوم الحرّة إلى أولاد المهاجرين والأنصار)). انتهى بلفظه من ((النهاية)).

وفيه شهادة على براءة القوم ممّا رماهم به المعترض؛ من تصويب يزيد الخبيث في قتل الحسين الشّهيد. وكيف يقال ذلك وقد نصّوا على أنّ يزيد ظالم غاشم خبيث شيطان، وروى التّرمذي في ((جامعه)) (1) حديثاً وحسّنه (2) عن سفينة الصّحابي، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه أيضاً لما روى الحديث:((الخلافة في أمّتي ثلاثون سنة، ثم ملك بعد ذلك)) قال له سعيد بن جمهان: إنّ بني أميّة يزعمون أنّ الخلافة فيهم، قال: كذبوا [بنو](3) الزّرقاء، هم ملوك من شرّ الملوك. هذه رواية [التّرمذي](4).

وفي رواية أبي داود (5) قال سعيد: قلت لسفينة: إنّ هؤلاء يزعمون أنّ عليّاً لم يكن بخليفة، قال: كذبت أستاه (6) بني الزّرقاء،

(1)(4/ 436).

(2)

قال: ((هذا حديث حسن، قد رواه غير واحد عن سعيد بن جمهان، ولا نعرفه إلا من حديث سعيد بن جمهان)) اهـ.

(3)

في (أ) و (ي): ((بني)) والتصويب من ((جامع التّرمذي)) و (س).

(4)

في (أ) و (ي): ((ابن جمهان))! وهو سبق قلم! وقد كان في النسختين: ((التّرمذي)) لكن ضرب عليها!.

(5)

((السنن)): (5/ 36 - 37).

(6)

جمع است، شبّه ما يخرج من أفواههم من الكلام القبيح، بما يخرج من الاستاه من الريح ونحوه!!.

ص: 385

يعني بني مروان (1).

وروى التّرمذي (2) عن [الحسن](3)

بن عليّ رضي الله عنهما أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم أُري بني أميّة على منبره فساءه ذلك فنزلت: ((إنّا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر)) [القدر/1 - 3] يملكها بعدك بنو أميّة يا محمّد (4).

(1) والحديث أخرجه -أيضاً-: النسائي في ((الكبرى)): (5/ 47) بنحوه، وابن حبان ((الإحسان)):(15/ 34 - 35)، والحاكم في ((المستدرك)):(3/ 71) ، وغيرهم من طرق عن سعيد بن جمهان عن سفينة رضي الله عنه به.

وسنده حسن.

احتج به الإمام أحمد، كما في ((السنة)):(2/ 573) ، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان، اوالحاكم والألباني في ((ظلال الجنة)): رقم (1181) وغيرهم.

إلا أن حشرج بن نباته قد تفرّد عن سعيد بن جمهان بقوله: ((إنّ بني أمية يزعمون

)) الخ، وحشرج متكلّم فيه. انظر:((الكامل)): (2/ 349)، و ((الميزان)):(2/ 70).

فهذه الزيادة منكرة، والله أعلم.

(2)

((الجامع)): (5/ 414).

(3)

في (أ) و (ي): ((الحسين)) وكتب فوقها: ((الحسن في نسخة)).

أقول: وهو الصواب.

(4)

قال الترمذي بعد هذا الحديث: ((هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث القاسم بن الفضل

والقاسم بن الفضل الحدّاني هو ثقة، وثقه يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي. ويوسف بن سعد رجل مجهول، ولا نعرف هذا الحديث على هذا اللفظ إلا من هذا الوجه)) اهـ.

وقال الحافظ ابن كثير في ((تفسير)): (4/ 566): ((وقول الترمذي: إن يوسف هذا مجهول؛ فيه نظر؛ فإنه قد روى عنه جماعة منهم حماد بن سلمة، وخالد الحذاء، ويونس بن عبيد، وقال فيه يحيى بن معين: هو مشهور، وفي رواية عن ابن معين: هو ثقة .....

ثم هذا الحديث على كلّ تقدير منكر جداً، قال شيخنا الإمام الحافظ الحجة أبو الحجاج المزّي: هو حديث منكر)) اهـ.

ثم تكلّم ابن كثير على قول القاسم بن الفضل، فراجعه فإنّه مهم.

ص: 386

قال القاسم بن الفضل: فعددناها فإذا هي ألف شهر (1) لا تزيد يوماً ولا تنقص يوماً.

ولما ذكر ابن حزم (2) خروم الإسلام عدّها أربعة: قتل عثمان، وقتل الحسين، ويوم الحرّة، ولم يعد قتل عمر ولا قتل علي منها، تعظيماً لقتل الحسين وإظهاراً لبلوغه من القبح إلى حدّ فوق حدّ الكبائر.

وقال الذّهبيّ في ((النّبلاء)) (3): ((يزيد بن معاوية كان ناصبيّاً فظّاً غليظاً جلفاً، يتناول المسكر ويفعل المنكر، افتتح دولته بقتل الشّهيد الحسين رضي الله عنه واختتمها بوقعه الحرّة، فمقته النّاس، ولم يبارك في عمره، وخرج عليه غير واحد بعد الحسين رضي الله عنه

(1) وقع في مطبوعة ((الجامع)): ((يوم)) وهو خطأ.

(2)

انظر: ((رسالة في أسماء الخلفاء والولاة)): (ص/357) بذيل ((جوامع السيرة)). فقال ابن حزم في قتل الحسين: ((وهو ثالثة مصائب الإسلام -بعد أمير المؤمنين عثمان-، أو رابعها بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وخرومه؛ لأنّ المسلمين استُضيموا في قتله ظلماً علانية)) اهـ.

(3)

(4/ 37 - 38).

ص: 387

كأهل المدينة لله (1))) وذكر من خرج عليه.

قال: ((وروى الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن مكحول عن أبي عبيدة مرفوعاً: ((لا يزال أمر أمّتي قائماً حتّى يثلمه رجل من بني أميّة يقال له: يزيد)) أخرجه أبو يعلى في ((مسنده)) (2).

وروى عن جويرية عن نافع قال: مشى عبد الله بن مطيع إلى ابن الحنفية في خلع يزيد، وقال: إنّه يشرب الخمر، [ويترك](3) الصلاة، ويتعدّى حكم الكتاب (4).

وعن عمر بن عبد العزيز قال رجل في حضرته: أمير المؤمنين يزيد، فأمر به فضرب عشرين سوطاً)).

قال الذّهبيّ في ((الميزان)) (5): ((إنّه مقدوح في عدالته ليس بأهل

(1) سقطت من (س).

(2)

(1/ 399).

قال المؤلف في ((العواصم)): (8/ 35): ((ورجاله متفق على الاحتجاج بهم في الصحيحين)) اهـ.

أقول: إلا أنّ فيه الوليد بن مسلم، وهو مدلس وقد عنعنة، وفيه مكحول لم يدرك أبا عبيدة.

انظر: ((المطالب العالية)): (5/ 66)، و ((جامع التحصيل)):(ص/285).

(3)

في (أ) و (ي): ((ويقطع)) والمثبت من ((السير)) و ((العواصم)) و (س).

(4)

بقيّة الخبر في ((السير)): (4/ 40): ((قال: ما رأيت منه ما تذكر! وقد أقمت عنده، فرأيته مواظباً للصلاة، متحرّياً للخير، يسأل عن الفقه. قال: ذاك تصنّع ورياء)) اهـ.

(5)

(6/ 114)

ص: 388

أن يروى عنه. وقال أحمد بن حنبل: لا ينبغي أن يروى عنه)) (1).

وقال ابن حزم في ((أسماء الخلفاء)) آخر ((السير النّبويّة)) (2) ما لفظه: ((بويع يزيد بن معاوية إذ مات أبوه، وامتنع من بيعته الحسين بن عليّ رضي الله عنه ، وعبد الله بن الزّبير بن العوّام، فأمّا الحسين رضي الله عنه فنهض إلى الكوفة /فقتل قبل دخولها، وهي ثانية (3) مصائب الإسلام وخرومه؛ لأنّ المسلمين استُضيموا في قتله ظلماً وعلانية، وأمّا عبد الله بن الزّبير رضي الله عنه فاستجار بمكّة، فبقي هنالك إلى أن أغزى يزيد الجيوش، إلى المدينة حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى مكة حرم الله تعالى فقتل بقايا المهاجرين والأنصار يوم الحرّة، وهي ثالثة (4) مصائب الإسلام وخرومه؛ لأنّ أفاضل الصّحابة وبقيّتهم رضي الله عنهم وخيار المسلمين قتلوا جهراً ظلماً في الحرب وصبراً، وجالت الخيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وراقت وبالت في الرّوضة بين القبر والمنبر، ولم يصلّ جماعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الأيام، ولا كان فيه أحد حاشا سعيد بن المسيب، فإنّه لم يفارق المسجد، ولولا شهادة [عمرو](5) بن عثمان بن عفّان، ومروان بن

(1) وانظر: ((بحر الدم)) (ص/475).

(2)

(ص/357).

(3)

في ((جوامع السيرة)): ((وهو ثالثة مصائب الإسلام -بعد أمير المؤمنين عثمان، أو رابعها بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وخرومه)) اهـ.

(4)

في ((جوامع السيرة)): ((وهي -أيضاً- اكبر مصائب الإسلام وخرومه)).

(5)

في (أ) و (س): ((عمر)) والتصويب من (ي) و ((جوامع السيرة)) و ((العواصم)): (8/ 37).

ص: 389

الحكم له عند مسلم بن عقبة بأنّه مجنون لقتله، وأكره النّاس على أن يبايعوا يزيد بن معاوية على أنّهم عبيد له إن شاء باع وإن شاء أعتق، وذكر بعضهم البيعة على حكم القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر بقتله فضربت عنقه صبراً رحمه الله.

وهتك يزيد الإسلام هتكاً وأنهب المدينة ثلاثاً، واستخفّ بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدّت إليهم الأيدي، وانتهبت دورهم، وحوصرت مكة، ورمي البيت بحجارة المنجنيق، وأخذ الله يزيد (1) فمات بعد الحرّة بأقل من ثلاثة أشهر، وأزيد من شهرين، في نصف ربيع الأوّل سنة أربع وستّين، وله نيّف وثلاثون سنة)) انتهى كلام [أبي](2) محمد بن حزم بلفظه.

وفيه أعظم شهادة لأهل السّنّة على البراءة من تصويب يزيد والتّشيّع له، هذا على أنّ الذّهبي ذكر أنّ ابو حزم قد وصم بالتّعصّب لبني أميّة (3) ، فإذا كان هذا كلام من رمي بالتّعصّب لهم فكيف بمن لم يرم بذلك! على أنّ كلام ابن حزم هذا يرد (4) على ما رماه بالعصبيّة، ويشهد له بالسّلوك من الإنصاف في طريقة سويّة.

(1) في (أ) و (ي): ((لعنه الله)). وليست في ((جوامع السيرة)) ، ولا ((العواصم)):(8/ 38) ، ولا (س) ، وغالب الظّنّ أنّها من النّساخ! فلذا لم أثبتها.

(2)

سقطت من (أ) و (ي).

(3)

((السير)): (18/ 201)، و ((التذكرة)):(3/ 1152) ، ولم يقله الذهبي بل نقله عن غيره.

(4)

في (س): ((رد)).

ص: 390

قال الحافظ أبو الخطّاب ابن دحية الكلبي (1)

في كتابه ((العلم المشهور)) (2) ما هذا لفظه مختصراً: ((وفي هذا اليوم -يعني عاشوراء- قتل السيّد الأمير، ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سيّد شباب أهل الجنّة: الحسين بن فاطمة البتول يوم الجمعة، وقيل: يوم السّبت سنة إحدى وستّين بالطّفّ بكربلاء، وهو ابن ستّ وخمسين سنة، ولما أحاطوا بالحسين رضي الله عنه قام في أصحابه خطيباً، فحمد الله، وأثنى عليه، ثمّ قال: قد نزل بي ما ترون من الأمر، وإنّ الدّنيا قد تنكّرت وتغيّرت، وأدبر معروفها [وانشمر، حتّى] (3) لم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، إلا خسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون الحقّ لا يعمل به، والباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله، وإنّي لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظّالمين إلا برماً (4).

(1) هو: عمر بن حسن بن علي بن الجميّل الكلبي السّبتي وساق نسبته إلى دحية الكلبي الصحابي، وطعن في هذا النسب جمهور المؤرّخين. كان علامة في عدة فنون، وله مصنفات ت (633).

انظر: ((فيات الأعيان)): (3/ 448) ، و ((السير)) (22/ 389).

(2)

واسمه ((العلم المشهور في فضائل الأيام والشهور)) منه نسختان خطيتان في مكتبة الجامع بصنعاء.

(3)

في ((الأصول)) و ((العواصم)): (8/ 45)، و ((الطبراني)):(3/ 122): ((واستمرت)). والمثبت من ((مجمع الزوائد)): (9/ 195).

ووقع في ((الأصول)): ((حين)) ، والتصويب من مصادر الخبر، و ((العواصم)).

(4)

أي: سآمة وضجراً. ((القاموس)): (ص/1394)، ووقع في ((العواصم)):((إلا ندماً))!. وأخرج هذا الخبر الطبراني في ((الكبير)): (3/ 122) من طريق محمد بن الحسن بن زبالة.

قال الهيثمي في ((المجمع)): (9/ 196): ((ابن زبالة متروك، ولم يدرك القصة)) اهـ.

ص: 391

وكان عبيد الله بن زياد كتب إلى الحُرّ بن [يزيد](1): أن جعجع بالحسين، أي: ضيّق عليه، ثمّ أمدّه بعمر بن [سعد](2) المتكفّل بقتال الحسين / رضي الله عنه حتّى ينجز له عبيد الله الرّشد بالغيّ، وهو القائل:

أأترك ملك الرّيّ والرّيّ منيتي

وأرجع مأثوماً بقتل حسين

فضيّق عليه اللّعين أشدّ تضييق، وسدّ بين يديه واضح الطّريق، إلى أن قتله في التّاريخ المتقدّم ويسمّى عام الحزن، وقتل معه: اثنان وثمانون رجلاً من أصحابه مبارزة، وجميع ولده -إلا علي بن الحسين زين العابدين- وقتل أكثر (3) إخوة الحسين وبني أعمامه.

لمحمد سلّوا سيوف محمد

قطعوا بها هامات آل محمّد

وفي هذا اليوم الذي قتل فيه الحسين - على جدّه وعليه أفضل

(1) في جميع ((الأصول)): ((زياد))! وكذا في ((العواصم)): (8/ 46) ولم يصوّبها المحقق! والصواب ما أثبتّ. انظر: ((البداية والنهاية)): (8/ 174)، و ((الأعلام)):

(2/ 172).

وهو: الحرّ بن يزيد التميمي اليربوعي.

ووقع في (س): ((الحسن بن زياد))!.

(2)

في (أ): ((سعيد)) وهو خطأ. وهو: عمر بن سعد بن أبي وقّاص.

(3)

سقطت من (س).

ص: 392

السّلام- رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع دم الحسين في قارورة، وإن كانت رؤيا منام فإمها صادقة ليست بأضغاث أحلام، أسند ذلك إمام أهل السّنّة الصّابر على المحنة أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل (1) قال: حدّثنا عبد الرّحمن، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن عمّار بن أبي عمّار، عن ابن عبّاس قال: رأيت النّبي صلى الله عليه وسلم في المنام نصف النّهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم يلتقطه فيها، قلت: يا رسول الله ما هذا؟ قال: دم الحسين وأصحابه لم أزل أتتبّعه منذ اليوم. قال عمّار فحفظنا ذلك اليوم، فوجدناه قتل ذلك اليوم)).

قال ابن دحية: هذا سند صحيح، عبد الرّحمن هو أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدي إمام أهل الحديث، وحمّاد إمام فقيه ثقة، وعمّار من ثقات التّابعين أخرج مسلم أحاديثه في ((صحيحه)) (2) وتولّى حمل الرّأس: بشر بن مالك الكندي، ودخل به على ابن زياد وهو يقول:

املأ ركابي فضة وذهباً

إنّي قتلت الملك المحجّبا

قتلت خير النّاس أمّاً وأباً (3)

(1)((المسند)): (1/ 242). ورواه أيضاً الطبراني في ((الكبير)): (3/ 116).

قال الحافظ ابن كثير في ((البداية والنهاية)): (8/ 202): ((تفرّد به أحمد وإسناده قوي)) اهـ.

وقال الهيثمي في ((المجمع)): (9/ 197): ((رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح)) اهـ.

(2)

انظر: ((تهذيب التهذيب)): (7/ 404).

(3)

وشطره الآخر:

=

=

* وخيرهم إذ ينسبون نسباً *

ص: 393

وقد صدق هذا القائل الفاسق في المديح، وتقريظ هذا السّيّد الذبيح، ولقي الله بفعله القبيح. وأمر [عبيد](1) الله بن زياد من قوّر (2) رأس الحسين حتّى ينصب في الرّمح، فتحاماه النّاس حتّى قام طارق بن المبارك، فأجابه إلى ذلك، وفعله ونادى في النّاس وجمعهم في المسجد الجامع، وصعد المنبر، وخطب خطبة لا يحلّ ذكرها، ثمّ دعا عبيد الله (3) بن زياد زحر بن قيس الجعفي فسلّم إليه رأس الحسين، ورءوس أهله وأصحابه، فحملها حتّى قدموا دمشق، وخطب زحر خطبة فيها كذب وزور، ثمّ أحضر الرّأس فوضعه بين يدي يزيد، فتكلّم بكلام قبيح قد ذكره الحاكم، والبيهقيّ وغير واحد من أشياخ أهل النّقل بطريق ضعيف وصحيح، وقد ذكر ذلك كلّه أخطب الخطباء ضياء الدّين أبو المؤيّد موفّق الدّين بن أحمد الخوارزمي (4) في تأليفه في مقتل الحسين عليه السلام وهو عندي في مجلّدين (5).

(1) في (أ) و (س): ((عبد الله))! والتصويب من (ي).

(2)

أي: قطعه من وسطه، خرقاً مستديراً. ((القاموس)):(ص/600).

(3)

في (س): ((عبد الله))!.

(4)

هو: الموفّق بن أحمد المكي الخوارزمي الحنفي، كان فقيهاً أدبياً شاعراً، إلا أنّه ليس من أهل العلم بالحديث، فإنّه -كما يقول شيخ الإسلام-:((من أروى الناس للمكذوبات)) ت (568هـ).

انظر: ((إنباء الرواة)): (3/ 332)، و ((الفوائد البهية)):(ص/218)، و ((منهاج السنة)):(5/ 41) و (7/ 62، 63، 355).

(5)

منه نسخة في الجامع الكبير بصنعاء. انظر: ((الفهرس)): (ص/121).

ص: 394

وذكر شيخ السّنّة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، قال: حدّثنا الحافظ أبو عبد الله محمّد بن عبد الله، سمعت أبا الحسن عليّ بن محمد الأديب يذكر بإسناد له أنّ رأس الحسين عليه السلام لما صلب بالشّام أخفى خالد بن عفران شخصه من أصحابه وهو من أفاضل التّابعين، فطلبوه شهراً حتّى وجدوه، فسألوه عن عزلته فقال: أما ترون ما نزل بنا؟ ثم أنشأ يقول:

جاءوا برأسك يا ابن بنت محمّد

متزمّلاً بدمائه تزميلَا

فكأنّما بك يا ابن بنت محمّد

قتلوا جهاراً عامدين رسولاً

/قتلوك عطشاناً ولم يترقّبوا

في قتلك التّنزيل والتّأويلاً

ويكبّرون بأنّ قُتلت وإنّما

قتلوا بك التّكبير والتّهليلاً

قال ابن دحية: واعجبوا -رحمكم الله- من الأمم الذين كانوا من قبلكم، وقد فضّل الله أمّة محمد صلى الله عليه وسلم عليهم، منهم: المجوس يعظّمون النّار؛ لأنّها صارت برداً وسلاماً على إبراهيم، والنّصارى يعظّمون الصّليب لادّعائهم أنّه من جنس العود الذي صلب عليه ابن مريم، وابن مرجانة، وأصحابه العدا قتلوا الحسين ابن نبيّ الهدى، ولم يتلفتوا إلى قول أصدق القائلين:((قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودّة في القربى)) [الشورى/23].

قال: ولمّا قدموا برأس الحسين صرخت نساء بني هاشم؛ فقال مروان:

عجّت نساء بين زياد عجّة

كعجيج نسوتنا غداة الأرنب

قال ابن دحية: وأنا أقول قولاً هو الإيمان: هنيئاً لك الشّماتة

ص: 395

برسول الله صلى الله عليه وسلم يا مروان!.

وفي ((صحيح البخاري)) (1) عن ابن عمر أنّه سأله رجل في دم البعوضة، فقال: ممّن أنت؟ فقال: من أهل العراق، فقال: انظروا إلى هذا! يسألني عن دم البعوضة، وقد قتلوا ابن النّبي صلى الله عليه وسلم! وسمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول:((هما ريحانتاي)) وفي رواية: ((هما ريحانتي)) (2).

قال ابن دحية: تفرّد (3) بإخراجه البخاريّ من طريقين في كتاب المناقب (4) ، وفي كتاب الأدب (5).

وقال إبراهيم النّخعيّ الإمام فيما حكاه أبو [سعد](6) السّمان الرّازي (7) بسنده (8) إليه قال: لو أني كنت فيمن قاتل الحسين، ثمّ أتيت بالمغفرة من ربّي فأدخلت الجنّة لاستحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمرّ عليه فيراني.

(1)((الفتح)): (7/ 119).

(2)

ريحانتي: بنون مفتوحة، وتاء مكسورة، وياء خفيفة. انظر:((الفتح)): (10/ 441).

(3)

أي: دون مسلم وإلا فهو في التّرمذي وغيره.

(4)

((الفتح)): (7/ 119).

(5)

المصدر نفسه: (10/ 440).

(6)

في ((الأصول)): ((سعيد)) وهو خطأ.

(7)

هو: الحافظ إسماعيل بن علي بن الحسين أبو سعد الرازي السّمّان، كان عالماً متفنناً، إلا أنّه كان معتزلي المذهب. ت (443هـ). انظر:((السير)): (18/ 55 - 60).

(8)

في (س): ((بسندنا))!.

ص: 396

قال ابن دحية: عباد الله! اعجبوا من آراء هؤلاء الملاعين وعقولهم! إذ قتلوا الحسين بن فاطمة [ولد](1) رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثمّ أكبّوا في شمالهم على شرب شمولهم، تعساً لشيوخهم وكهولهم! أفي صلاتهم يصلّون على محمد وآله، ثم يمنعونهم من شرب نطفة (2) من الفرات وزلاله، ويجتمعون على قتله وقتاله، ويذبحونه ولا يستحيون من نور شيبته وجماله، أما والله إنّ حقّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمّته أن يعظّموا تراب نعل قدمه، بل تراب نعل خادم من خدمه، ليت شعري ما اعتذر هؤلاء (3الشّطّار الخبثة (3) الأشرار، في قتل هؤلاء الأخيار، عند محمّد المختار، ((يوم لا ينفع الظّالمين معذرتهم ولهم الّلعنة ولهم سوء الدّار)) [غافر/52]. وقد سلّط الله عليهم المختار، فقتلهم حتّى أوردهم النّار.

وأخرج التّرمذي في ((جامعه الكبير)) (4) ما هذا نصّه: ((حدّثنا واصل بن عبد الأعلى، حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، قال: لما جيء برأس [عبيد] (5) الله بن زياد وأصحابه، نضّدت في المسجد، فانتهيت إليهم وهم يقولون: قد جاءت، قد جاءت، فإذا

(1) في (أ): ((ابن)) ، والمثبت من (ي) و (س)، و ((العواصم)):(8/ 51).

(2)

في (س): ((مصّة)).

وكتب في هامش (أ) و (ي): ((نقطة، كما في ((العلم المشهور)) لابن دحية)).

(3)

ليست في (ي) و (س).

(4)

(5/ 618 - 619)، وقال:((هذا حديث حسن صحيح)).

(5)

في (أ) و (س): ((عبد الله)) ، والتصويب من ((الجامع)) و (ي).

ص: 397

حيّة قد جاءت تخلّل الرّءوس حتّى دخلت في منخري عبيد الله، فمكثت هنيهة، ثم خرجت، فذهبت حتّى تغيّبت، ثمّ قالوا: قد جاءت، ففعلت ذلك مرّتين أو ثلاثاً. هذا حديث حسن صحيح)).

انتهى المنقول من كتاب ((العلم المشهور في فضل الأيّام والشّهور)) للحافظ المحدّث الشّهير بأبي الخطّاب بن دحية.

وفيما ذكره أوضح دليل على براءة المحدّثين وأهل السّنة مما افتراه عليهم المعترض من نسبتهم إلى التّشيّع ليزيد، وتصويب قتلة الحسين بن علي عليهما السلام وكيف وهذه رواياتهم مفصحة بضدّ ذلك كما بيّنّاه في ((مسند أحمد)) و ((صحيح البخاري)) و ((جامع التّرمذيّ)) وأمثالها!! وهذه الكتب هي مفزعهم، وإلى ما فيها مرجعهم، /وهي التي يخضعون لنصوصها، ويقصرون التّعظيم عليها بخصوصها.

وقال ابن خلكان (1) في ترجمة أبي الحسن عليّ بن محمد الملقّب عماد الدّين، المعروف بالكيا الهرّاسي (2) الشّافعيّ ما لفظه: ((وسئل إلكيا عن يزيد بن معاوية فقال: إنّه لم يكن من الصّحابة، لأنّه ولد في أيّام عمر ابن الخطّاب رضي الله عنه ، وأمّا قول السّلف؛ ففيه لأحمد قولان: تلويح وتصريح، ولمالك قولان: تلويح

(1)((وفيات الأعيان)): (3/ 287 - 288).

(2)

قال ابن خلكان: ((ولا أعلم لأي معنى قيل له: إلكيا، وفي اللغة العجمية: الكيا هو الكبير القدر المقدّم بين النّاس، وهو بكسر الكاف، وفتح الياء المثناة من تحتها، وبعدها ألف)) اهـ.

ص: 398

وتصريح، ولأبي حنيفة قولان: تلويح وتصريح، ولنا قول واحد: تصريح دون تلويح. كيف لا يكون كذلك وهو اللاعب بالنرد، والمتصيّد بالفهود، ومدمن الخمر، وشعره في الخمر معلوم، ومنه قوله:

أقول لصحب ضمّت الكأس شملهم

وداعي صبابات الهوى يترنّم

خذوا بنصيب من نعيم ولذّة

فكلّ وإن طال المدى يتصرّم

وكتب فصلاً طويلاً، ثمّ قلب الورقة وكتب: لو مددت ببياض لمددت العنان في مخازي هذا الرّجل؛ وكتب فلان ابن فلان)). انتهى كلام إلكيا، وفيه ما ترى من نقل مذاهب الأئمة الأربعة؛ فأمّا الشّافعية فقد بيّن أنّ لهم فيه قولاً واحداً تصريحاً غير تلويح، وأمّا سائر الأئمة فقد صرّحوا تارة ولوّحوا أخرى، وإنّما لوّحوا بتضليله في بعض الأحوال، وفي هذا أكبر دليل على عدالتهم؛ لأنّهم حين خافوا لوّحوا بتضليله، ولو عملوا بالرّخصة لصرّحوا بالثناء عليه عند الخوف، وهذا كلام شيخ الشّافعيّة.

قال ابن خلكان (1): ((تفقّه بالجويني مدّة إلى أن برع. قال الحافظ عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي فيه: كان من رؤوس معيدي إمام الحرمين في الدّروس، وكان ثاني أبي [حامد] (2) الغزّالي، بل كان

(1)((الوفيات)): (3/ 286).

(2)

في (أ): ((حماد))! وهو خطأ.

ص: 399

آصل وأصلح وأطيب في [الصّوت](1) والنّظر، وارتفع شأنه، وتولّى القضاء، وكان محدّثاً يستعمل الحديث في مناظراته ومجالسه. ومن كلامه: إذا جالت فرسان الأحاديث في ميادين الكفاح، طارت رؤوس المقاييس في مهبّات (2) الرّياح.

ولمّا حكى ابن خلكان كلام الحافظ (3) عماد الدّين هذا، أورد بعده كلاماً رواه عن الغزّالي، فكلام الغزّالي ذلك شاهد ببراءة الغزّالي من القول بتصويب يزيد في قتل الحسين، وإنّما تكلّم في مسألتين غير ذلك:

إحداهما: تحريم اللّعن ولم يخص [يزيد](4) بذلك، فهو مذهبه في كلّ فاسق وكافر كما رواه عنه النّووي في ((الأذكار)) (5) ، وقد ذكر النّووي أنّ ظاهر الأخبار خلاف ذلك، وقد أفردت الكلام على ذلك في كرّاس.

وثانيهما: القول بأنّ العلم برضا يزيد بقتل الحسين متعذّر، وليس في هذا نزاع، ولو أقرّ يزيد بلفظ صريح وسمعنا ذلك منه، لم نعلم أن باطنه كما أظهر، وقد جهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بواطن المنافقين، ووكل علم ذلك إلى الله تعالى، ولكن الحكم للظّاهر.

(1) في (أ) و (ي): ((الصوب)) ، وفي (س):((الصور)) ، والمثبت من ((الوفيات)) ، و ((العواصم)):(8/ 41).

(2)

في ((الوفيات)) ، و ((العواصم)) ، و (س):((مهابّ)).

(3)

أقول: إلكيا ليس من الحفّاظ.

(4)

سقطت من (أ).

(5)

(ص/507).

ص: 400