الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإمامة خلافة النّبوّة، وأدلّة الفقهاء المتقدمة نصوص في خلافة النّبوّة فكانت أخصّ.
وثالثها: أنّ الآية من شرع من كان قبلنا، وقد ورد في شرعنا ما يخالفها، وليس يجوز العمل بشرع من قبلنا مع مخالفة شرعنا له إجماعاً، وسائر أدلّة المعتزلة والشّيعة من هذا القبيل؛ إمّا دليل صحيح في لفظه لكنّه ليس بنصّ، أو دليل نصّ في المسألة لكن صحته غير مسلّمة.
وأمّا الرّأي فقالوا: الإمام راع منصوب للمصلحة، فإذا كان مهلكاً للرّعيّة، مفسداً في الأرض، كان المسترعي له مثل المسترعي للذئب على الغنم، ومطفي مشبوب النّيران بالضّرم.
وللفقهاء أن يجيبوا عن ذلك بأنّهم لم يخالفوا في جواز اختياره، فقد قدّمنا نصّ القاضي عيّاض على أنّه لا يصح نصب الفاسق ابتداءً، ولا حرّموا الخروج عليه إلا إذا غلب على الظّنّ أنّ المفسدة في الخروج عليه أعظم من مفسدة ولايته، وقد أجمع العقلاء، وأطبق أهل الرّأي على وجوب احتمال المضرّة الخفيفة متى كانت دافعة لما هو أعظم منها، ولذلك وجب قطع العضو المتآكل متى غلب على الظّنّ أنّه إن لم يقطع سرى إلى الجسد، وكان سبب الهلاك، فبان بهذا أنّ الفقهاء -أيضاً- قد تمسّكوا في هذا النًصّ السّمعي والرّأي العقلي، وسيأتي لهذا مزيد بيان في الفصل الخامس -إن شاء الله تعالى-.
الفصل الرّابع:
في بيان أنّهم وإن قالوا بصحة أخذ الولاية في المصالح من أئمة الجور؛ فلم يجعلوهم مثل أئمة العدل مطلقاً في
جميع الأمور، وذلك ظاهر في كتبهم، والذي يدلّ عليه وجوه:
الأوّل: أنّهم نصّوا على اشتراط العدالة والعلم في الإمام.
الثّاني: أنّه يحرم نصب الإمام الجائر عندهم والرّضا باختياره.
الثّالث: أنّه يحرم على الجائر التّغلّب على الإمامة ويأثم بها، نصّ عليه النّووي في ((الرّوضة)).
الرّابع: أنّ الخارج على الجائر لا يكون باغياً كما قدّمنا نصّ النّووي على ذلك في ((الرّوضة)) (1) بل رواه النّووي عن العلماء.
الخامس: أنّهم منعوا من جواز تسليم بيت المال إليه على سبيل الاختيار؛ فإنّ الإمام النّووي لما ذكر في ((الرّوضة)) (2) عن الإمام الشّافعي رحمه الله أنّه يقول بميراث ذوي الأرحام، ولا يقول برد ما بقي من مال الميراث على ذوي السّهام، ذكر أنّ ذلك على الصّحيح إنّما يكون مع استقامة بيت المال بولاية العادل، وأنّه متى ولي بيت المال جائر ردّ بقية المال على الورثة، وورث ذووا الأرحام، ولم يعط الإمام الجائر، قال النّووي: وبه أفتى أكثر المتأخرين، وهو الصّحيح والأصح /عند محقّقي أصحابنا ومتقدميهم، قال ابن سراقة (3): وهو قول عامّة مشايخنا، وعليه الفتوى اليوم في الأمصار، ونقله صاحب
(1)(10/ 50).
(2)
(6/ 6).
(3)
هو: العلامة محمد بن يحيى بن سراقة العامري، أحد الحفّاظ، من فقهاء الشّافعيّة، له تصانيف، ت (بعد 400هـ).
انظر: ((طبقات الشافعيّة)): (4/ 211)، و ((السير)):(17/ 281).