الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال صاحب ((المحصول)) (1): ((الحقّ أنّه إن اعتقد حرمة الكذب قبلنا روايته، وإلا فلا، لأنّ اعتقاده حرمة الكذب يمنعه منه)).
الفائدة الثّالثة: في ذكر بعض حجج القابلين لهم والمخالفين في ذلك، أمّا القابلون لهم فلهم حجج:
الحجّة الأولى:
الإجماع، وبيانه أنّ أهل الحديث وأهل السّنة قاطبة أجمعوا على صحة حديث ((الصّحيحن)) ، مع أنّ في حديثهما ما هو مستند إلى المبتدعة: القدريّة والمرجئة وغيرهم، من غير ظهور متابعة، ولا استشهاد، ولا تصريح من البخاري ومسلم بأنّ المتأوّل غير مقبول عندهما، فيجب حملهما على معرفة متابعات وشواهد تقوّي حديث أولئك المبتدعة، ويجب الحكم بصحّة حديثهم لأجل تلك المتابعات والشّواهد، لا لأجل الثّقة لهم. هذا إجماع ظاهر من أهل السّنة.
وأمّا المعتزلة والشّيعة: فقد ذكرنا رواية ثقاتهم للإجماع على ذلك، وذكرنا إجماعهم على الرّجوع إلى ((الصّحيحين)) وغيرهما من كتب أهل السّنة، وبيّنا أنّهم يقبلون مراسيل من يقبل أهل التّأويل، وأنّه لا يمكنهم تمييز حديثهم من حديث أهل التّأويل عندهم ألبتّة.
فإن قيل: كيف نصغي إلى دعوى الإجماع، وقد علم وقوع الخلاف؟.
قلنا: ذلك يصحّ؛ لأنّ الإجماع المدّعى ليس بإجماع جميع
(1)(2/ 195).
الأمّة، وإنّما هو إجماع أهل عصر منهم، وهو إجماع الصّدر الأوّل من الصّحابة والتّابعين ومن بعدهم، فإنّ أهل العصر قد يجمعون فيعلم إجماعهم بعض أهل العلم فيرويه ويتبعه، ولا يعلم ذلك بعض أهل العلم فيخالف، ويروى الخلاف والإجماع، ومثل هذا كثير الوقوع، وقد عيّن كثير من أهل العلم ذلك العصر المدّعى إجماع أهله، وذكر أنّه عصر الصّحابة والتّابعين، واحتجّوا بإجماع الصّحابة على قبول القائمين على عثمان رضي الله عنه من الصّحابة، ممّن روى هذا أبو عمرو بن الحاجب في ((مختصر المنتهى)) (1) وأجاب عنه بوجهين:
الأوّل: عدم تسليم الإجماع.
وهذا الوجه ليس بشيء، لأنّ راوي الإجماع إذا كان ثقة عارفاً مطّلعاً موافقاً في الطّريق التي يعرف بها ثبوت الإجماع؛ وجب قبوله كما يجب قبول راوي الحديث. ولم يعارض إلا بنقل الخلاف بطريقة صحيحة، ولو جاز مقابلة نقلة الأدلّة بذلك أمكن ردّ كلّ راوٍ وتكذيب كلّ عالم.
الوجه الثّاني: أنّه يجوز أنّهم قبلوا حديث أولئك لعدم اعتقادهم فسقهم، أو لتوقّفهم في ذلك، أو لعدم معرفتهم بوقوع ذلك منهم، أو لاعتقاد بعضهم إصابتهم.
والجواب عنه من وجوه:
الأول: أنّه إذا روى الإجماع ثقة لم يقدح تجويز وهمه في روايته
(1)(1/ 693) مع ((بيان المختصر)) للأصفهاني.
لما لا حقيقة له، ولو قدح بمثل ذلك في هذا الإجماع أمكن/ القدح بمثله في كلّ إجماع، بل في كلّ رواية طريقها النقل في الأخبار واللّغات ونحوها، فيقال في الخبر المرفوع: لعلّ السّامع له وهم أنّه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنّما حكاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غيره، أو لعلّه توهّمه مرفوعاً وهو موقوف، أو مسنداً وهو مقطوع، أو نحو ذلك.
الوجه الثّاني: أنّ مدّعي الإجماع ادّعى العلم، ومن ردّ ذلك لم ينقل خلافاً في ذلك وإنّما استبعد أن يعلم ذلك غيره مع أنّه لا يعلمه، ومن علم حجّة على من جهل، وقد يختلف النّاس في معرفة أخبار السّلف وأحوالهم، ويحصل لبعض العلماء بشدّة البحث للأخبار والتّواريخ علم بأمور كثيرة لا يشاركه فيها غيره، وفي قبول مدّعي الإجماع حمل الجميع على السّلامة أمّا المدّعي فلظنّ صدقه وتورّعه عن رواية ما لا يعرف، وأمّا المنكر فلظنّ عدم معرفته لما عرف مدّعي الإجماع، وحمله على عدم العناد، وعلى أنّه لو عرف لوافق.
الوجه الثّالث: أنّ اختلافهم في العلّة لا يقدح في صحّة التّمسّك بالإجماع، كما لو أجمعوا على قتل رجل اختلفوا في العلّة، فقيل: بالقصاص، وقيل: بالرّدة، وقيل: بغير ذلك، فإن قتله يجوز قطعاً، وكذلك قبول رواية فاسق التأويل إذا أجمعوا عليه واختلفوا في علّته، فمنهم من قبله لأن فسق التأويل لا يوجب ردّ الرّواية، ومنهم من قبله؛ لأنّ مذهبه أنّه ليس بفسق عنده، فإنّ حديث ذلك الرّجل يكون مقبولاً بالإجماع، وأمّا فسقه فمأخوذ من دليل آخر.
ويتعلّق بهذا بحث دقيق يتعلّق بالحديث المتلقّى بالقبول؛ هل