المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المقدّمة الرّابعة: في الإشارة إلى القرائن الدّالّة على التّجوز في - الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - - جـ ٢

[ابن الوزير]

فهرس الكتاب

- ‌المحمل الخامس:

- ‌الأوّل:

- ‌الثاني:

- ‌الثّالث:

- ‌الرّابع:

- ‌الخامس:

- ‌السّادس:

- ‌السّابع:

- ‌الثّامن: [

- ‌التّاسع:

- ‌العاشر:

- ‌الحادي عشر:

- ‌الثّاني عشر:

- ‌الثالث عشر:

- ‌الرّابع عشر:

- ‌الطّريق الأولى:

- ‌ الطريق الثّانية

- ‌الفرقة الأولى

- ‌الفرقة الثانية:

- ‌الفرقة الثّالثة:

- ‌الفرقة الرّابعة:

- ‌الوهم الرّابع عشر:

- ‌الوهم الخامس عشر:

- ‌الوهم السّادس عشر:

- ‌الفصل الأول:

- ‌الفصل الثاني:

- ‌الفصل الثّالث:

- ‌الفصل الرّابع:

- ‌الفصل الخامس:

- ‌الوهم الثّامن عشر:

- ‌المقدمة الثّالثة:

- ‌المقدّمة الرّابعة:

- ‌المرجّح الأوّل:

- ‌المرجّح الثّاني:

- ‌المرجّح الثّالث:

- ‌المرجّح الرّابع:

- ‌المرجّح الخامس:

- ‌المرتبة الأولى: حمل الكلام على التّخيّل

- ‌المرتبة الثانية: حمل الكلام على المجاز اللّغوي

- ‌ الأولى:

- ‌ الثانية:

- ‌ محاجّة آدم وموسى

- ‌الفصل الأول:

- ‌الفصل الثّاني:

- ‌الفصل الثّالث:

- ‌أمّا المعارضة:

- ‌الوجه الأوّل

- ‌الوجه الثّاني:

- ‌الحجّة الأولى:

- ‌الحجّة الثّانية:

- ‌الحجّة الثّالثة:

- ‌الحجّة الرّابعة:

- ‌الحجّة الخامسة:

- ‌الحجّة السّادسة:

- ‌الحجّة السّابعة:

- ‌الحجّة الثّامنة:

- ‌الحجّة التّاسعة:

- ‌الحجّة العاشرة:

- ‌الفائدة الرّابعة: في ذكر ثلاث طوائف

- ‌الطّائفة الأولى المجبّرة:

- ‌الطّائفة الثانية: المرجئة

- ‌ المسألة الأولى:

- ‌ المسألة الثّانية:

الفصل: ‌ ‌المقدّمة الرّابعة: في الإشارة إلى القرائن الدّالّة على التّجوز في

‌المقدّمة الرّابعة:

في الإشارة إلى القرائن الدّالّة على التّجوز في الكلام وهي ثلاث: عقلية وعرفية ولفظية.

مثال العقلية: قوله تعالى: ((وسئل القرية التي كنّا فيها والعير)) [يوسف/82] فإنّ العقل يدرك أنّ سؤال القرية والعير لا يصح فيفهم أنّ المراد أهلهما.

ومثال العرفيّة: قول القائل: بنى السّلطان سور المدينة، فإنّ مباشرة السّلطان لنقل الحجارة والتّراب غير محال في العقل ولكنّه ممتنع في العادة والعرف، فيفهم من ذلك: أنّ السلطان أمر بذلك. وما يجري مجراه، ومنه قوله تعالى:((يا هامان ابن لي صرحاً)) [غافر/36] أي مر من يبني، لأنّه لم يكن ممن يباشر مثل ذلك.

وأمّا اللّفظية: فمثل: أسد شاكي السّلاح، أو حسن الثّياب، أو نحو ذلك. ومنه قوله تعالى:((الله نور السماوات والأرض مثل نوره)) [النور/35] فقوله: ((مثل نوره)) قرينة لفظية تدلّ على أنّه تعالى ليس بنور في ذاته، وإنّما هو خالق النّور، وأنّ معنى ((الله نور السماوات والأرض)) منوّرهما. وكذلك قوله تعالى:((يهدي الله لنوره من يشاء)) فإنّه قرينة لفظية /تدلّ على أنّ النّور المذكور في الآية نور الهدى والعلم لا نور الشّمس والقمر.

وكلّ مجاز لم يدلّ على المراد منه أحد هذه القرائن الثّلاث، لم يصحّ التّجوّز به في لغة العرب بإجماع علماء المعاني والبيان وأئمة هذ الشأن، فإذا عرفت ذلك فاعلم أنّ القرينة العقلية إنّما يصحّ الاستدلال

ص: 420

[على التّجوّز](1) بها متى كان العقل يقطع على أنّ المتكلّم ممّن لا يصح منه إرادة ظاهر كلامه، فلهذه النّكتة يختلف الاستدلال بها: فيصح في مواضع فيما بين النّاس ولا يصح مثله في كلام الله تعالى، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، مثال ذلك: أنّا نفهم التّجوّز في قول الشّاعر:

شكا إلىّ جملي طول السّرى يا

جملي ليس إليّ المشتكى (2)

وذلك لأنّ العادة جرت أنّ العجماوات لا تكلّم النّاس، فأمّا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال:((إنّ هذا الجمل شكا عليّ أنّك تجيعه وتُدئِبه)) (3) فلا يفهم منه التّجوّز؛ لأنّا لم نعلم ولا نظنّ امتناع الظّاهر في حقّه صلى الله عليه وسلم ، بل يجوز مثل ذلك لكبار أولياء الله تعالى وخواصّ عباده الصّالحين نفع الله بهم. ومن ههنا اختلف كثير من المحدّثين والمعتزلة في تأويل كثير من الأحاديث والآيات مثل قوله تعالى:((وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم)) [الإسراء/44]. فالمعتزلة حملوه على المجاز لظنّهم أنّ الظّاهر لا يصح، وأهل الحديث لم (4) يتأوّلوه، لقطعهم على أنّه لا مانع من صحّة الظّاهر، بالنّظر إلى قدرة الله تعالى وعلمه، فإنّه تعالى قادر على إنطاق كلّ شيء

(1) سقطت من (أ).

(2)

في هامش (أ) كتب: ((بعده:

* صبر جميل فكلانا مبتلى*))

(3)

في (س): ((وتعذّبه))! والحديث أخرجه أبو داود: (3/ 50) ، والحاكم (2/ 100)، والبيهقي في ((الكبرى)):(8/ 13). وأصله في مسلم برقم (342) بدون القصة.

(4)

سقطت من (س)!.

ص: 421

بالإجماع من المعتزلي والمحدّث، وقد ورد في القرآن:((عُلّمنا منطق الطّير)) [النّمل/16] وكلام الهدهد والنّملة مع سليمان عليه السلام وتسبيح الجبال مع داود

عليه السلام وورد في السّنّة من ذلك ما لا يتّسع له هذا المكان، مثل: حنين الجذع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتسبيح الحصى في يده الشّريفة، وقد ذكر القاضي عيّاض -رحمه الله تعالى- جميع ذلك في كتابه ((الشّفاء)) (1) وقسمه في ثلاثة فصول بعضها في كلام الحيوانات من العجماوات، وبعضها في كلام الشّجر، وبعضها في كلام سائر الجمادت.

فإذا تقرّر هذا؛ فاعلم أنّ عامّة أهل الأثر لما رأوا هذا داخلاً في قدرة الله تعالى، لم يتأوّلوا شيئاً مما ورد من ذلك مثل قوله تعالى:((قالتا أتينا طائعين)) [فصّلت/11] وليس يلزمهم من هذا أن يسبّح كلّ جزء من الأجسام اللّطيفة مثل ورقة التّين والقلم والسّواك، بل إذا سبّحت الأرض والسّماء ونحوهما فقد صدق أنّه يسبح لله تعالى كلّ شيء مثل ما أنّه يصدق أنّه قد سبّح لله تعالى كلّ شيء، من جنس الملائكة والأنبياء والمؤمنين، وإن لم يسبح منهم كلّ شعرة على انفرادها، على أنّه تعالى قادر على إنطاق كلّ جزء لطيف، فأصل الخلاف في تأويل هذه الآية وأمثالها على هذه النّكتة التي أشرت إليها، وقد يتوقّف المحدّث في استحالة أمور عقليّة وهي ظاهرة الاستحالة عند أهل النّظر في العقليات مثل حديث: ((إنّه يؤتى بالموت

(1)(1/ 614 - 627) مع شرح القاري، وانظر:((الخصائص الكبرى)): (2/ 56 - فما بعدها) للسيوطي.

ص: 422

على صورة كبش يوم القيامة/فيذبح)) (1) فمن لم يكن له أنس بعلم العقل لم يقطع باستحالة ظاهر هذا، فربما أجراه على ظاهره، وربّما توقّف في معناه، وأمّا أهل الكلام فظاهره محال (2) عندهم فيجب تأويله؛ لأنّ الموت عندهم إمّا عرض أو عدم عرض، وكلّ ذلك لا يصح أن ينقلب حيواناً وإنّما تاويله عندهم: أن ذلك يخيل إلى أهل الجنّة كما يخيّل إلى النّائم أشياء لا حقيقة لها، أو يضرب ذكر ذلك مثلاً لثقتهم بالخلود، وأمانيهم من الموت كما يجري مثل ذلك في ألسنة البلغاء، ومن ذلك قول شيخ التّصوّف ابن الفارض نفع الله به (3):

وقالوا جرت حمرّا دموعك قلت عن

أمور جرت في كثرة الشّوق قلّت

نحرت لطيف السّهد في جفني الكرى

قرى فجرى دمعي دمّا فوق وجنتي (4)

والخطر في تأويل مثل هذا والتّوقّف فيه يسير، ولكن قد يعرض من بعض المتكلّمين سخرية واستهانة [بمن](5) خالفهم في تأويل هذا

(1) أخرجه البخاري ((الفتح)): (8/ 282) ، ومسلم برقم (2849) ، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(2)

تحرّفت في (س) إلى ((مخالف)).

(3)

في هامش (ي) ما نصّه:

((المصنّف رحمه الله محسن الظّنّ بشيخ التصوف ابن الفارض، وكأنّه ما اطّلع على عقيدته! وهو من أهل وحدة الوجود الذي عابهم المصنّف في ((الإيثار)).

قال الذّهبي في ترجمته: ينعق بالاتحاد في أشعاره وانظره في ((العلم)) تمت شيخنا)).

(4)

((ديوانه)): (ص/112).

(5)

في (أ): ((لمن)).

ص: 423

الجنس من أهل الأثر، وهذا قبيح ممّن فعله؛ لأنّ البحث عن هذا وإن كان من جليّات علم المعقول، فإنّه لا يجب البحث عنه على كلّ مسلم، بل ترك البحث عنه سنّة عند أهل الحديث، داخلة في عموم ما ورد من [الحثّ](1) على الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبأصحابه -رضي الله تعالى عنهم- والوقف في التّأويل مع عدم العلم بالموجب له هو الواجب، ومن فعل الواجب لا تحلّ غيبته، ولا تسقط حرمته، بل من اعتقد الظّاهر لأنّه يظنّ ذلك، وقدّرنا أنّه أخطأ لم يأثم ولم تحل غيبته؛ لأنّ المسلم قد يخطىء، وليس كلّ أمر جليّ في العقل يجب على المسلمين النّظر فيه، فإنّ من الجليّات عند أهل علم المعقول صحة قولنا: إذا صدق أنّ كلّ (ألف باء) وجب بالضّرورة أنّ بعض (الباء ألف) ، وهذا وإن كان علماً ضروريّاً عند من عرف مقصدهم؛ فإنّه لا يلزم المسلمين أن يعرفوه، ولا يستحق جاهله الاستهانة والسّخرية، فقد جهله خير أمّة أخرجت [للنّاس](2) ، وقد قدّمنا أنّ أهل علم الأثر لم يتركوا الخوض في ذلك لتبلّد (3) أذهانهم عن فهمه، ولا لقصور عقولهم عن علمه -فهم أهل الفطن الوقّادة والفكر النقّاد- ولكنهم كرهوا الابتداع ورغبوا إلى الاتباع، وعضّوا النّواجذ على الاقتداء بالخلفاء الرّاشدين كما أوصاهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أوضحت هذا في (الوهم الثّاني عشر) فخذه من هنالك (4).

(1) في (أ): ((البحث)). والمثبت من (ي) و (س).

(2)

سقطت من (أ).

(3)

في (أ): ((لا لتبلد)).

(4)

(ص/326).

ص: 424