الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الظّنية من المعاني القرآنية/ والأخبار الآحادية، وإنّما لم يؤثّموا المجتهدين إذا خالفوا شيئاً من الأدلّة الظّنيّة؛ لأنّهم اتّبعوا ما ظنّوا صحّته.
الحجّة السّابعة:
قوله تعالى: ((خذوا ما آتيناكم بقوّة واذكروا ما فيه لعلّكم تتقون)) [البقرة/63] وهي عامّة في كلّ ما آتانا الله من معلوم ومظنون، وقد ثبت في ((الصّحيح)) (1) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال:((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) فيجب بذل الاستطاعة في تعرّف ما آتانا الله تعالى من معلوم ومظنون، فأعلى المراتب: أن نعلم اللفظ والمعنى، ودون ذلك: أن نعلم اللفظ ونظنّ المعنى. ودون ذلك: أن نعلم المعنى ونظنّ اللّفظ أو نظنّهما معاً، على أنّ في علم المعنى مع ظنّ اللفظ بحثاً ليس هذا موضعه.
الحجّة الثّامنة:
قوله تعالى: ((ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)) [المائدة/44] وفي آية: ((الفاسقون)) [المائدة/47] وفي آية ((الظّالمون)) [المائدة/45] وقد ثبت أنّ ما أنزل الله منقسم إلى معلوم ومظنون وقد مرّ تقريره.
الحجّة التّاسعة:
حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) وهو حديث حسن معمول به، ذكره النّووي في ((مباني الإسلام)) وحسّنه (2) وأخرجه
(1) أخرجه البخاري: ((الفتح)): (13/ 264) ، ومسلم برقم (1337) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
((جامع العلوم والحكم)): (1/ 278).
الترمذي في ((جامعه)) (1) وهو يصلح حجّة في المسألة هو وما في معناه من الحديث، لمن ثبت له صحته من غير طرق المبتدعة بفسق أو بكفر، وهو يدلّ على قبول من يظنّ صدقه لأنّ ردّه مما يريب.
فإن قلت: إنّ تصديقهم مما يريب أيضاً.
فالجواب من وجهين:
أحدهما: أنّا لا نسلّم أنّ ذلك يسمّى ريباً؛ لأنّه راجح مظنون، والرّاجح المظنون صحته لا يسمّى تجويز خلافه ريباً في اللغة، فإنّ الإنسان إذا غاب من منزله ساعة من نهار، وعهده بعمارته قائمة صحيحة؛ فإنّه لا يسمّى مريباً في انهدام الدّار، وإن كان يجوز ذلك، وكذا إذا أخبره ثقة بخوف عدوّ، فإنّه يسمى مريباً من خوف العدوّ لا صدق الثّقة الذي أخبره.
الوجه الثّاني: أنّا لو سلّمنا أنّ ذلك يسمّى ريباً لما سلّمنا سقوط التّكليف بقبولهم، وذلك لأنّ في قبولهم ريباً مرجوحاً، وفي ردّهم ريباً راجحاً، ولا شكّ أنّ الاحتراز من المضرّة الرّاجح وقوعها أولى من الاحتراس من المضرّة المرجوح وقوعها، وإلا لزم قبح التّصديق للنذير، وإن كان ثقة، لتجويز الكذب أو الوهم عليه، ونحو ذلك، ويعضد هذا المعنى كلّ ما ورد فيه مثل حديث:((الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات، فمن اتّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)) (2) الحديث، وهو صحيح، ويدخل في الشّبهات، ارتكاب ما
(1)(4/ 576 - 577) وقال: ((هذا حديث حسن صحيح)) اهـ.
(2)
أخرجه البخاري ((الفتح)): (1/ 153) ، ومسلم برقم (1599) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.