المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المسألة الثانية: - الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - - جـ ٢

[ابن الوزير]

فهرس الكتاب

- ‌المحمل الخامس:

- ‌الأوّل:

- ‌الثاني:

- ‌الثّالث:

- ‌الرّابع:

- ‌الخامس:

- ‌السّادس:

- ‌السّابع:

- ‌الثّامن: [

- ‌التّاسع:

- ‌العاشر:

- ‌الحادي عشر:

- ‌الثّاني عشر:

- ‌الثالث عشر:

- ‌الرّابع عشر:

- ‌الطّريق الأولى:

- ‌ الطريق الثّانية

- ‌الفرقة الأولى

- ‌الفرقة الثانية:

- ‌الفرقة الثّالثة:

- ‌الفرقة الرّابعة:

- ‌الوهم الرّابع عشر:

- ‌الوهم الخامس عشر:

- ‌الوهم السّادس عشر:

- ‌الفصل الأول:

- ‌الفصل الثاني:

- ‌الفصل الثّالث:

- ‌الفصل الرّابع:

- ‌الفصل الخامس:

- ‌الوهم الثّامن عشر:

- ‌المقدمة الثّالثة:

- ‌المقدّمة الرّابعة:

- ‌المرجّح الأوّل:

- ‌المرجّح الثّاني:

- ‌المرجّح الثّالث:

- ‌المرجّح الرّابع:

- ‌المرجّح الخامس:

- ‌المرتبة الأولى: حمل الكلام على التّخيّل

- ‌المرتبة الثانية: حمل الكلام على المجاز اللّغوي

- ‌ الأولى:

- ‌ الثانية:

- ‌ محاجّة آدم وموسى

- ‌الفصل الأول:

- ‌الفصل الثّاني:

- ‌الفصل الثّالث:

- ‌أمّا المعارضة:

- ‌الوجه الأوّل

- ‌الوجه الثّاني:

- ‌الحجّة الأولى:

- ‌الحجّة الثّانية:

- ‌الحجّة الثّالثة:

- ‌الحجّة الرّابعة:

- ‌الحجّة الخامسة:

- ‌الحجّة السّادسة:

- ‌الحجّة السّابعة:

- ‌الحجّة الثّامنة:

- ‌الحجّة التّاسعة:

- ‌الحجّة العاشرة:

- ‌الفائدة الرّابعة: في ذكر ثلاث طوائف

- ‌الطّائفة الأولى المجبّرة:

- ‌الطّائفة الثانية: المرجئة

- ‌ المسألة الأولى:

- ‌ المسألة الثّانية:

الفصل: ‌ المسألة الثانية:

مظنونة فإنّ ذلك قبيح بالضّرورة مع تساوي المضرّتين أو احتمال تساويهما.

الوجه السّادس: من قبيل المعارضة لبعض المتكلّمين، وذلك أنّ في المتكلّمين من المعتزلة طائفتين عظيمتين لا توجبان النّظر:

أحدهما: من يُجيز التقليد في أصول الدّين مثل شيخ البغدادية أبي القاسم الكعبى وأتباعه، وإمام الزّيدية المؤيّد بالله وأتباعه.

ثانيهما: من يقول: بأنّ المعارف ضرورية من المعتزلة وعلماء الزّيدية، والمعتزلة مطبقون على تعظيم هاتين الطّائفتين منهم، وإن قطعوا ببطلان ماقالاه فنقول لهم: جواب المحدّثين على أهل الفلسفة والكفر مثل جواب هاتين الطّائفتين وقد قال بهما جلّة من شيوخهم (1) النظّار المتحذلقين (2) الكبار، فلا تسرفوا في التشنيع على أهل الأثر، فقد شاركهم في ذلك جماعة من أهل (3) النّظر.

ويتعلّق بهذا بحثٌ وجوابه تركتهما اختصاراً.

وأمّا‌

‌ المسألة الثّانية:

وهي قولهم: ما يصنع المحدّثون/ عند ورود الشّبه الدّقيقة من الفلاسفة وغيرهم، وذكرهم لحكاية ملك الرّوم، وإرساله إلى الرّشيد يطلب المناظرة، وإنّ الرشيد أمر بمحدّث فسألوه عن الدّليل على ثبوت الصّانع فاحتجّ عليهم بقول النّبي صلى الله عليه وسلم:((بني الإسلام على خمس دعائم)) (4) الحديث فكتبوا إلى الرّشيد في

(1) في (س): ((قال بها جملة شيوخهم))

(2)

في (س): ((المتحزلقين))!.

(3)

في (س): ((من أئمة علم)).

(4)

أخرجه البخاري ((الفتح)): (1/ 64)، ومسلم برقم (16) وجاء التصريح بقوله:((دعائم)) في رواية عبد الرزاق.

ص: 578

ذلك وطلبوا غيره، فأرسل بمتكلّم فدسوا عليه من فهّمه (1) في طريقه فوجدوه كما يحذرون، فسمّوه قبل الوصول إليهم.

والجواب على ذلك من وجهين:

الوجه الأوّل: معارضة وهي أن نقول: أخبرنا ما كان يصنع الصّحابة والتابعون ومن أجاز التقليد في الأصول من المتكلّمين وأهل المعارف الضّرورية منهم، وأوّل من ابتكر علم الكلام، فإنّه لا يمكن من لا يعرف الكلام أن يصنع مثلهم (2)؟ فإن قالوا: إنّه كان في الصّحابة وكّل من ذكرتم من يتمكّن من ذلك من غير تعليم ولا رياضة في الكلام لفرط ذكائه، قلنا: ما المانع أن يكون في كّل عصر من هو كذلك مثل أوائل مشايخ الكلام، بل أوائل أهل الفلسفة والبراهمة، بل الذي يتمكّن من حلّ الشّبه من أهل الكلام وهو من خصّه الله تعالى بالذكاء والفطنة، وليس كل من قرأ الكلام صلح للذّبّ عن الدّين ومناظرة الملحدين، وإذا كانت الصّلاحية لذلك لذلك موقوفة على الذّكاء وحسن الإيراد والإصدار، فذلك موجود في المتكلّمين وغيرهم كما أقرّ المتكلّمون أنه كان في الصّحابة من يعرف ذلك ويتمكن منه من غير رياضة في تعلّم الكلام، وإذا اتفق لبعض أهل الحديث البلداء مالا يخفى على الأذكياء ضعفه، فذلك (3) قد يتّفق لبعض أهل الكلام من الاختيارات الرّكيكة مالا يخفى الأذكياء ضعفه كما قدّمنا في

(1) كذا في الأصول.

(2)

في (س): ((مثله)).

(3)

في (س): ((فكذلك)).

ص: 579

(الوهم الثّاني عشر)(1).

الوجه الثّاني: أن أصولكم تقتضي عدم الخوف من ذلك، لأنّ عندكم أنّ النّظر واجب على العبد، والبيان واللّطف واجبان على الله تعالى، فنقول: لا حاجة على هذا إلى تعلّم الكلام بل نقف حتّى ترد الشّبهة، فإن لم تقدح في أحد أركان الدّليل لم توجب شكّا ولا تستحق جواباً، وإن قدحت فعلنا ما يجب علينا وهو النّظر عند المعتزلة، والله تعالى يفعل عندهم ما يجب في حكمته وهو البيان لنا والهداية واللطف المطلع على أسباب الدّراية، ومع ذلك تجلّى لنا المشكلات، ونسلم من مداحض الشّبهات.

فإن قيل: فهل تقولون بقبح النّظر؟ فقد أبطلتم كلّ النّظر ببعض النّظر، لأنّ أدلّتكم هذه نظرية وهذا متناقض.

والجواب أنّا لا نقبّح النّظر، وكيف وقد أمر الله تعالى به! ونحن إنّما دفاعنا عن الكتاب والسّنة، ولكنّا نبطلُ مبتدع النّظر بمسنونه، فنبطل من الأنظار ما أدّى إلى القدح على الصّحابة رضي الله عنه وإلى تفكير المسلمين، وإلى القطع في صفات الله تعالى بغير تقدير ولا هدى ولا كتاب منير، وقد بيّنّا في (الوهم الثّاني عشر) (2) أنّ الذي يبطله أهل السّنة من النّظر نوعان:

أحدهما: ما كان متوقفاً على المراء واللّجاج الذي لا يفيد اليقين، ويثير الشّرّ.

(1)(ص/326).

(2)

(ص/236).

ص: 580

وثانيهما: الانتصار للحقّ بالخوض في أمور يستلزم الخوض فيها الشكوك والحيرة والبدعة لما في تلك الأمور من الكلام بغير علم في محار العقول ومواقفها، وقد أوضحت ذلك في (الوهم الثاني عشر) وذكرت أقوال فحول المتكلّمين فيه واعترافهم بذلك فخذه من هنالك، فقد أبطل أهل الحديث بعض النّظر ببعضه كما فعل أهل الكلام في إبطال أنظار خصومهم بأنظارهم، وهذا صحيح عند/ الجميع.

وأمّا الحكاية الني شنّع بها أهل الكلام على المحدّثين من إرسال ملك الرّوم إلى هارون الرّشيد وطلب المناظرة وعجز المحدّث عنها وسخرية أولئك الفلاسفة به فقد كثر الكلام في التبجّح بذلك وبحكاية أخرى تشبهها.

والجوابُ عليهم في ذلك: أنّهم إن أرادوا الاستدلال على أنّهم أجدل من المحدّثين، فذلك مسلّم لهم، بل مسلّم لهم أنهم أجدل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن أرادوا بذلك أنّهم أعلم بالله وأفضل عند الله فليس ذلك يدلّ على هذا، لأنّا نعلم وكلّ عارف أنّه لم يصدر شيء من الكلام ومجادلة الفلاسفة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من جميع أصحابه رضي الله عنه ولا اشتغلوا بممارستهم لمماراة أهل اللجاج، وارتياضهم على النّظر في شبه أهل الباطل، وليس يلزم من ذلك أنّهم أقلّ معرفة بالله، ولا أقل نصرة لدين الله، ولو أحبوا الخوض في الكلام واشتغلوا بتعلمه وتعليمه لبلغوا فيه ما أرادوا، وعرفوا ما عرف المتكلّمون وزادوا، وكذلك من اقتدى بهم من أهل السّنة وسائر من اشتغل بالعبادة أو الجهاد، ولكنّهم أعرضوا عن هذا الفنّ إعراض مستغن عنه فارغ

ص: 581

القلب (1) منه، لا يعرفون له مراساً ولا رفعوا إليه رأساً.

وقد عرضت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسباب تقتضي الخوض في ذلك، كذلك أصحابه رضي الله عنهم فلم يخض أحد منهم في ذلك على أساليب أهل الكلام، وقد كان رسول صلى الله عليه وسلم أعلم بالله وأحب للدعاء بالحكمة (2) إلى الله، فأعرض عمن خاض بالباطل في آيات الله ولم يزدهم على تبليغ آيات الله.

كما فعل مع ابن الزّبعرى فإنّه لما نزل قوله تعالى: (إنكم وما تعبدون من دون الله حصبُ جهنّم)[الأنبياء/98] تعرّض المخذول للجدال وزعم أنّ المسيح والملائكة-عليهم السلام ممن يعبدون وأنه يلزم من ذلك أنّهم معذّبون، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يجب عليه بشيء حتّى نزل قوله تعالى:(إنّ الذين سبقت لهم مّنّا الحسنى أولئك عنها مبعدون).

وكذلك أبو سفيان فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يشهد له بالنّبوّة فقال: أمّا هذه ففي النّفس منها شيء حتّى الآن، فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد أن يضرب عنقه فشهد الشّهادتين.

وكذلك الوليد بن المغيرة فإنّه كلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ترك النّبوّة، وعرض عليه المال والرّياسة، فلم يجب عليه إلا بتلاوة سورة السّجدة، وكذلك نصارى نجران الذين نزلت فيهم آية المباهلة تعرّضوا لمباهلته

-عليه (3) الصلاة والسلام- في أنّ عيسى ابن الله، تعالى الله

(1) في (س): ((الطلب)).

(2)

في (س): ((بالحكم)).

(3)

في (س): ((فعرضوا المباهلة عليه صلى الله عليه وسلم

))!.

ص: 582

عمّا يقول الظّالمون علوّا كبيراً، فلم يخض معهم في شيء من أساليب المتكلّمين ودعاهم إلى المباهلة كما ذلك معروف في مواضعه، وهذه الأمور وإن نقل بعضها أو كلّها آحاد فمعناها في الجملة معلوم بالضّرورة لمن طالع السّير والأخبار، وكذلك أصحابه رضي الله عنهم ألا ترى إلى قصّة جعفر بن أبي طالب، ومهاجرة الحبشة مع النّجاشي، وما راجعه به خطيبهم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حين قيل للنجاشي: إنّهم يقولون في عيسى قولاً عظيماً، وكانت النّصارى يعبدون عيسى، ويستعظمون القول بأنه عبدً من عبيد الله، فلمّا سألهم النّجاشي عن ذلك؟ أجابوا بكلام الله تعالى واحتجّوا به على صحّة عقيدتهم، وتلا جعفر على النجاشي صدر سورة مريم، حتّى بكى النّجاشي وأصحابه، وكان ذلك سبب إسلام النّجاشي، وكلّ هذه المحاجّات التي أشرنا إليها لا تصحّ على قواعد المتكلّمين، ولا تنفق في سوق الجدليين، فإنّه لا يصح عندهم الاحتجاج بالقرآن ولا بالمعجز إلاّ على من قد صحّ له وجود الباري تعالى، وأنّه عالم قادر، عدل حكيم صادق، بالأدلّة المحقّقة في علم الكلام، على ماذلك مقرّرً بأدلته في مصنّفاتهم.

والعجب من تشنيعهم على المحدّث الذي أرسله هارون إلى الرّوم فبلغهم ما عنده من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليت شعري ما الذي أنكروه من ذلك؟ فإن كان المنكر عندهم هو تبليغ كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا نكارة في هذا، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم /يبلّغ عن الله تعالى من غير زيادة استدلال ولا تجديد احتجاج، وإن كان المنكر عندهم كونهم طلبوا منه الحجّة العقلية فلم يأت وعدل إلى ذكر أركان الإسلام، فغير

ص: 583

مستنكر أيضاً، فقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك فقال تعالى:(فإن حآجّوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتّبعن)[آل عمران/20] وأما قولهم: كيف يحتج على الخصوم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسلّموا له صحة نبوته؟ فذلك جهل منهم، فإنه يصح الاحتجاج بذلك لأنّ الله تعالى قد أقام عليهم الحجّة بذلك وإن جحدوه كما قال تعالى:((وما اختلف الذّين أوتوا الكتاب إلاّ من بعد ما جآءهم العلم بغيا بينهم)) [آل عمران/19] وقال: ((وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ والله بصير بالعباد)) [آل عمران/20] وقد ثبت في فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم المعلوم في الجملة ما يردّ عليهم، فإنّه صلى الله عليه وسلم أرسل إلى هرقل عظيم الرّوم من كان في صفة المحدّث الذي أرسله هارون وهو دحية بن خليفة الكلبي ولم يعلمه ما يجيب به عليهم إن أوردوا عليه ما يدقّ من شبههم، فإنّهم اليونان أهل الفنّ المنطقيّ وسائر الدّقائق النّظرية، وكذلك سائر رسله عليه السلام فإنّه بعث إلى النجاشي صاحب الحبشة، وإلى المقوقس صاحب الإسكندرية، وبعث أبا عبيدة إلى البحرين يعلّمهم الإسلام، وبعث عليّاً ومعاذاً وأبا موسى إلى اليمن، وبعث إلى سائر الملوك، وكذلك كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أنفذها إلى الآفاق البعيدة للدّعاء إلى الإسلام لم يضمّنها شيئاً من ذلك مع أنّه موضعه، مثل كتابه (1) إلى خرقل، وإلى كسرى، وإلى جهينة.

وبالجملة؛ فالعلم حاصل بأنّ أهل الحديث أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أهل الكلام في أمر العقيدة والرّجوع إلى القرآن والسّنّة،

(1) في (س): ((كتابه)).

ص: 584

لا يشكّ في ذلك إلا من قصرت معرفته بالأحوال النّبوية والآثار الصّحابية.

فإن قيل: أليس قد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالجدال في قوله تعالى: ((وجادلهم بالتي هي أحسن)) [النحل/125] فالجواب من وجهين:

أحدهما: أنّ الله تعالى قيّد ذلك بالتي هي أحسن، ولم يأمره بمطلق الجدال والنزاع، إنّما هو في كيفية ذلك وتفسير التي هي أحسن. وحجّة المحدّثين فيه واضحة، وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد امتثل ما أمر به من الجدال في هذه الآية، ومع ذلك فلم ينقل عنه أنّه جادل بأساليب المتكلّمين وهذا واضح، وكذلك جميع ما أخبر الله تعالى به عن الأنبياء

عليهم السلام من مجادلة الكفّار والاحتجاج عليهم، فإنّه لا يعجز عن مثله محدّث ولا يطابق أساليب أهل الكلام، مثل ما حكى الله تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام في قوله للذي حاجّه في الله تعالى:((فإنّ الله يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب)) [البقرة/258] ومثل ما علم الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يحاجّهم به في قوله تعالى: ((قل إنّما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكّروا ما بصاحبكم من جنّة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد، قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كلّ شيء شهيد)) [سبأ/46 - 47].

ومثل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من ذلك؛ ففي ((الصّحيحين)) (1) من حديث

(1) البخاري ((الفتح)): (8/ 400) ، ومسلم برقم (208). واتفقا عليه -أيضاً- من حديث أبي هريرة

ص: 585

ابن عباس ((لما نزلت: ((وأنذر عشيرتك الأقربين)) صعد صلى الله عليه وسلم على الصّفا فجعل ينادي: ((يا بني فهر! يا بني عديّ!)) -لبطون قريش- حتّى اجتمعوا فقال: ((أرأيتكم لو أخبرتكم أنّ خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم كنتم مصدّقيّ؟)) قالوا: نعم، ما جرّبنا عليك إلا صدقاً، قال:((فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد)).

وفي ((الصّحيحين)) (1) عن أبي موسى عن النّبي صلى الله عليه وسلم:/ ((إنّما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال: يا قوم إنّي (2) رأيت الجيش بعينيّ، وإنّي أنا النّذير العُريان [فالنّجاء] ، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم (3) ، وكذّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم وصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم)) الحديث، وأمثال ذلك مما في القرآن والحديث الصّحيح معلوم، فالسّني يفهم مثل هذا ويهتدي إلى الاحتجاج به على قدر فهمه وذكائه، وفهم مثل هذا لا يحتاج إلى خوض في لطيف الكلام، وأهل البلادة من أهل الكلام

(1) البخاري ((الفتح)): (13/ 264) ، ومسلم برقم (2283).

(2)

في (أ): زيادة: ((قد)). وضرب عليها في (ي) ، وليست في (س) ، ولا في ((الصّحيح)).

(3)

كذا في رواية البخاري: ((مهلهم)) ، وضبطها الحافظ في ((الفتح)):(11/ 324): بفتحتين والمرادبه: الهينة والسكون.

وخطّأ الحافظ ضبطها بسكون الهاء، من الإمهال، وقال: إنّه ليس مراداً هنا.

غير أنّه وقع بهذا الضبط في النسخة اليونينية!.

وفي مسلم ((مهلتهم)) بضم أوله وسكون الهاء. وكذا ضبطه النووي.

ص: 586

وأهل السّنة لا يكادون يفهمون ما دقّ من السّمع والعقل، ولهم من الفهم ما تقوم عليهم به الحجّة ويلزمهم معه التّكليف، وقد ذكر الله تعالى في سورة هود في محاجّة الأنبياء وجدالهم، ما معرفته مغن (1) عن ذكره، وكذا ذكر محاجّة إبراهيم لقومه، ومحاجّة يوسف لصاحبي السّجن، ونحو ذلك مما يطول ذكره.

الوجه الثّاني: أنّ الله تعالى أجمل كيفية الجدال بالتي هي أحسن في تلك الآية وببيّنه في غيرها بتعليمه في القرآن العظيم لنبيه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: ((إنّ الدّين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإنّ الله سريع الحساب، فإن حاجّوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتّبعن وقل للّذين أوتوا الكتاب والأمّيين ءأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ والله بصير بالعباد)) [آل عمران/19 - 20] فهذه الآية الكريمة على ما يتمنّاه السّني في وضوح الدّلالة على المقصود في هذا الباب، من النّصّ الصّريح على أنّ ما ذهبوا إليه وأجابوا به أهل اللّجاج في الدّين، هو الذي أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من الاقتصار على مجرّد الدّعاء إلى الإسلام، والاتّكال في إيضاح الحجّة على ما قد فعله الله تعالى لهم من خلق العقول، وبعثة الرّسول، وإنزال الآيات، وظهور (2) المعجزات وتكثير موادّ البيّنات، كما قال سبحانه وتعالى في تمثيل نور هدايته للخلق إلى معرفة الحقّ: ((الله نور السّماوات والأرض مثل نوره

(1) في (س): ((تغني)).

(2)

في (س): ((وإظهار)).

ص: 587

كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزّجاجة كأنها كوكب درّيّ يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم)) [النور/35] فمن ادّعى عدم بيان أدلّة الإسلام بعد هذا لم يقبل منه ولا يلتفت إليه، وقد نصّ الله على ما يكذّب القائل لذلك في قوله تعالى في الآية المتقدّمة:((وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم)) [آل عمران/19] في العلم ببواطنهم، وما أقام عليهم من الحجّة حتّى استوجبوا العقوبة والغضب من الله تعالى، فأمّا الخوض مع أهل المراء واللّجاج، والطّمع في هدايتهم بالجدال والحجاج، فذلك ما لا يطمع فيه بصير، ولا جاء به كتاب منير، وكيف تطمع في أهل الزّيغ وقد حكى الله تعالى عنهم (1) أنّهم جادلوه يوم القيامة (2) وأنكروا ما صنعوا من معاصيه -سبحانه- حتّى شهدت عليهم أيديهم وأرجلهم، وبعد أن شهدت عليهم لم يكل حدّ حجاجهم ولا خمد شواظ جدالهم، بل قالوا لأعضائهم: لم شهدتم علينا؟ قالوا: أنطقنا الله الذي أنطق كلّ شيء. فمن بلغ في اللّجاج إلى هذا الحدّ، كيف يطمع السّنّي أو الجدلي أن يفحمه بالدّليل ويهديه إلى/ سواء السّبيل؟! هيهات أن يكون ذلك أبداً، وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً!.

(1) في (ي): ((أنهم)) وهو سبق قلم.

(2)

سورة فصلت، الآيات:(19 - 22).

ص: 588

وقد تأوّل هذه الآية المصرحة بجدال الكفّار يوم القيامة بعض أهل الكلام فلم يأت بما يساوي سماعه، والله الذي خلق الخلق هو أعلم منهم بطباعهم وهو الذي أخبر عنهم بذلك وبأنّهم لو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه، والحكيم من اكتفى بحكمة الله وبيانه في حقّ هؤلاء الذين لا يعرف طباعهم سواه ولا يعلم غلاظهم غيره، ولهذا وعد الله تعالى بالفصل بينهم يوم القيامة وسمّاه يوم الفصل، فأي جدليّ مغفّل يظنّ أنّه يفصل بجدله بين الخلق قبل يوم القيامة؟ والحكيم الخبير قد أنبأنا من عتوّهم وإصرارهم على الباطل بما لم نكن نعرفه إلا بتعريفه (1) سبحانه وتعالى فقال:((ولو فتحنا عليهم باباً من السّماء فظلّوا فيه يعرجون، لقالوا إنّما سكّرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون)) [الحجر/14] وقال سبحانه وتعالى: ((ولو أننا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيء قبلاً ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله)) [الأنعام/111] فكيف تنفع المناظرة من لم تنفعه مثل (2) هذه الآيات الباهرة، وإنّما الحكمة أن يوكلوا إلى الذي قال في بيان القدرة على هدايتهم بما هو أعظم من تلك الآيات من ألطافه التي ليسوا لها أهلا:((ولو شئنا لآتينا كلّ نفس هداها)) [السجدة/13]: ((ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعاً)) [يونس/99] وقال تعالى في بيان علمه ببواطنهم، وحكمته في ترك هداية غواتهم (3):((ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولّوا وهعم معرضون)) [الأنفال/23] وقال

(1) في (س): ((لولا تعريفه)).

(2)

في (س): ((قبل))!.

(3)

في (س): ((غوايتهم))!.

ص: 589

تعالى في إقامة الحجّة عليهم بخلق العقول وبعثة الرّسول: ((وأمّا ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى)) [فصلت/17] وقال تعالى: ((وما كنّا معذبين حتى نبعث رسولاً)) [الإسراء/15] وقال تعالى: ((لئلا يكون للنّاس على الله حجّة بعد الرّسل)) [النساء/165].

فهذه الآيات الكريمة وأمثالها تعرّف السّنّي قيام حجّة الله تعالى على الخلق في إيضاح سبيل الحقّ، فيدعوهم إلى الله تعالى مقتدياً برسله الكرام -عليهم أفضل الصّلاة والسّلام- مكتفياً من البيان بما في القرآن، مقتصراً في الفرق بين الحقّ والباطل بالفرقان، يستصبح بنوره في ظلم الحيرات، ويمتثل مطاع أمره في:((فاستبقوا الخيرات)) [البقرة/148] ولا يتعدّى حدود نصحه في الإعراض عن الجاهلين والمجانبة للخائضين في آيات ربّ العالمين.

إخواني! فلا يستخفّنكم الذين لا يوقنون، ولا يستهوينّكم الذين يسمّون المؤمنين بالسّفهاء ألا إنّهم هم السّفهاء ولكن لا يعلمون، ولا يطيشنّ (1) وقاركم الذين يسخرون منكم، سخر الله منهم ولهم عذاب أليم، فقد استهزأوا قبلكم بجميع الأنبياء والمرسلين وسائر المؤمنين، وقد حكى الله عنهم أنّهم:((كانوا من الذين آمنوا يضحكون، وإذا مرّوا بهم يتغامزون، وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين، وإذا رأوهم قالوا إنّ هؤلاء لضآلّون)) [المطففين/29 - 32] فتأسّوا رحمكم الله بمن تقدّم من المؤمنين في الإعراض عن المستهزئين: ((الله يستهزئ بهم ويمدّهم في طغيانهم يعمهون، أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت

(1) في (ي) و (س): ((يطيش)).

ص: 590

تجارتهم وما كانوا مهتدين)) [البقرة/15 - 16] وعليكم بالقرآن فإنّه الطّبيب الآسي، والكريم المواسي، ارتعوا في رياض ((حواميمه)) وانتفعوا ببيان ((طواسيمه)) ، اقتدوا بأنوار مصابيحه، واستسقوا بأنواء مجاديحه/ فإنّه المعجز الذي لا تتناوله طاقات العباد، والحجّة البالغة على أهل العناد، والجديد الذي لا يخلق على طول التّرداد، ولا يبلى على مرور الآباد، قرآن بلي قشيب الزّمان وإعجازه جديد، وهرم شباب الأيام ورونقه إلى مزيد، قد خالف (1) المعجزات باستحالة السّحر في حقّه، وسطوع نور الحقّ من مشكاة بلاغته وصدقه، وذلك لأنّ إعجازه في أمور كثيرة، ووجوه حججه (2) منيره:

منها: حسن تركيبه وإحكام ترصيفه، ومطابقة أفانينه للطيف حالتي القبض والبسط، وموافقة أساليبه لدقيق شأني القطع والرّبط، فوعيده يبكي العيون، ويستحلب الشّؤون (3) ، وتقشعرّ له الجلود، ويقطع نياط القلوب ويمنع الهجود، ووعده يثير النّشاط ويبعث داعية الانبساط، وأقاصيصه تثبّت الإيمان في القلوب، وتجلي عنها غياهب الكروب، وتزيد في الإيمان وتهدي إلى الإحسان، وهذا لا يستطيعه السّحرة والمشعوذون، إنّهم عن السّمع لمعزولون، ولو كان ذلك من المجوّزات لجوّز مثل ذلك على جميع الأشعار المدوّنات، ولكنّا إذا سمعنا كلاماً بليغاً ونظاماً بديعاً، قد وشيت بعلوم البيان بردته، وحكيت في أفانين المعاني لحمته، وقمعت بطرائف الأمثال أساليبه،

(1) في (س): ((فارق)) وهو كذلك في نسخة كما في هامش (أ) و (ي).

(2)

ليست في (س).

(3)

الشؤون: عروق الدّمع. انظر ((الأساس)): (ص/227).

ص: 591

وطرّزت بمطابقة الأحوال أفانينه. جوّزنا أنّه من طمطمة العجوم، وهمهمة علوم الرّوم!! ومتى سمعنا رطن الأعاجم وأصوات البهائم جوّزنا أنّها من رسائل البديع المضمّنة لعلوم البديع! ولو كانت الفصاحة من مقدورات السّحرة، وحيل حذّاقهم المهرة لقدروا بذلك على معارضة القرآن، فكيف وقد عجزوا عن يسير البيان! فأكثرهم لا يعرف وزن بيت من أيّ الأوزان، ولا يدري كيف الجولان في هذا الميدان! فانظروا في هذه المعجزة العظيمة الباقية على مرّ الدّهور الطويلة، التي أخرست مهرة الكلام من العرب وأسكنتهم وأردت فرسان البلاغة (1) فنكستهم، أظهر الله به عجزهم، وأبطل به عزاهم وعزّهم، وقد مرّ اليوم نيّف على ثمان مئة سنة من الهجرة النّبوية على صاحبها أفضل الصّلاة والسّلام ولم يقدر على معارضته إنسان، ولا نطق بمثل سوره لسان، على أنّ هذه المدّة الطّويلة مرّت على سحرة الكتابة والخطابة، ومهرة اليراعة والبراعة، أساة أساليب الكلام إذا اعتلّ/، وبناة أساسات البيان إذا اختل.

يرمون بالخطب الطّوال وتارة

وحي الملاحظ خيفة الرّقباء

فسبحان من أخرس أمراء البيان عن معارضة هذا القرآن! وجعله عصمة لأهل الإيمان في جميع الأزمان: ((قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً)) [الإسراء/88]. فاستنصحوا القرآن واستهدوه واستخبروه واستشفوه، فإنّه النّاصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضلّ،

(1) في (س): ((بلغائهم)) وكذلك في نسخة.

ص: 592

والمحدّث الذي لا يكذب، الطّبيب الذي لا يخطىء. فاتّهموا فيه (1) آراءكم، واستغشوا [فيه](2) أهواءكم، واستغنوا بمنطق القرآن عن منطق اليونان، وانظروا فيما أمركم بالنّظر فيه، متّبعين في كيفية النّظر لرسوله الذي أثنى على متّبعيه، فسرّحوا أبصار بصائركم وأفكار ضمائركم في سماء مرفوعة، وأرض موضوعة، ونجوم في مقدّرات منازلها سيّارة، وعلى محكمات أفلاكها دوّارة (3) ، زينة تجتليها أعين المعتبرين، ومصابيح تتوهّج أنوارها للمتفكّرين، منها ثواقب وثوابت، ومعالم ورواجم، وأقمار نوّارة وبحار موّارة، وأرواح خفّاقة، وأنهار دفّاقة، وسحائب ثقال مطّارة، وعيون سيّالة وقطّارة، وأودية غير منسدة (4) المهارق، نافذة في المغارب والمشارق، وحيوانات حسّاسة منها في الأجواء طيّارة، ومنها على الأقدام سيّارة، ومنها أمم مكلّفة ومنها أخرى مسخّرة، ولكلّ أرزاق مقدّرة، وأحوال مقرّرة، ونعم ونقم وعبرة وعبر، وفيهم المهنّى والمعزّى والمعافى والمرزى، والضّاحك والباكي، والمغبوط والشّاكي، ورسل الله تعالى في خلال ذلك تترى، وكتبه سبحانه لا تزال تقرأ. فسبحانك اللهم ما أعظم ما يرى من خلقك وما أصغره في جنب قدرتك، وما أجلّ ما نشاهده من سلطانك وما أحقر ذلك في جنب ما غاب عنّا في ملكوتك، وما أصدق ما قلت في كتابك المبين يا أصدق القائلين:

(1) في (س): ((عليه)).

(2)

في (أ): ((عليه)) والمثبت من (ي) و (س).

(3)

في (س): ((طوّارة))!.

(4)

في (س): ((مفسدة)).

ص: 593

((ولو أنّما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إنّ الله عزيز حكيم)) [لقمان/27].

وهذا آخر ما وفّق الله من هذا (المختصر) ، وقد رأيت أن أختمه بما بدأت به، بذكر شيء من الأبيات (1) المتضمّنة للحثّ على الاتباع وترك التّعمّق والابتداع، فمن ذلك قولي في هذا المعنى:

/منطق الأولياء والأديان

منطق الأنبياء والقرآن

ولأهل اللّجاج عند التّماري (2)

منطق الأذكياء واليونان

فإذا ما جمعت علم الفريقين

(م) فكن مائلاً إلى الفرقان

وإذا ما اكتفيت يوماً بعلم

كان علم المحدّث الرّبّاني

إنّ علم الحديث علم رجال

ورثوا هدي ناسخ الأديان

جمعوا طرق ما تواتر عنه

ورووا بعده صحيح المباني

ورووا بعده حسان الأحاديث

(م) ووهّوا ما دون شرط الحسان

واعتنوا بالنّفيس من غير خبط (3)

في دعاوى معنى بغير بيان

وأبانوا نقد الرّواة بياناَ

يكشف الغامضات للعميان

فانظروا في ((مصنّف ابن عديّ)) (4)

وكتاب ((التكميل)) (5) و ((الميزان)) (6)

(1) في (س): ((الآيات)).

(2)

في (أ): ((التمادي)).

(3)

تحرف في (س) إلى: ((واعتنوا بالتفسير من غير ضبط)).

(4)

يعني كتاب ((الكامل في ضعفاء الرّجال)).

(5)

للحافظ ابن كثير، جمع فيه بين ((تهذيب الكمال)) و ((الميزان)) منه قطعة في دار الكتب.

(6)

للذّهبي.

ص: 594

تعلموا أنّهم قد اعتمدوا النّصح

(م) وصحوا عن علّة الإذهان

واستدلّوا بالمسندات العوالي

في تفاريع دينهم والمباني

عملاً بالمظنون منها وقطعاً

باعتقاد المعلوم في الأديان

فإذا جئتهم تريدن مراء (1)

شمت هدي المبعوث من عدنان

قد رضوا ما رماهم منطقيّ

بهدي أهل بيعة الرّضوان

فلقاهم عندي أجلّ الأماني

وهواهم علامة الإيمان

ومما قلت في هذا المعنى:

عليك بأصحاب الحديث الأفاضل

تجد عندهم كلّ الهدى والفضائل

أحن إليهم كلّما هبّت الصّبا

وأدعوا إليهم في الضّحى والأصائل

لئن شحّت الأيّام في الجمع بيننا

سخت بالتّوالي بيننا والرّسائل

وقد تلتقي الأرواح والبون نازح

على الجمع للأشباح ذات الهياكل

فياليت شعري والأماني ضلة

متى نلتقي بعد النّوى المتطاول

شيوخ حديث المصطفى ومعادن الـ

ـتقى وبدور نورهم غير آفل

شفوا علل الأكباد منه فأصبحوا

وقد لبسوا منه نفيس الغلائل

هم نقّحوا منه (2) الصّحيح وبيّنوا

معارفه في الممتعات الحوافل

فهم في مبانيهم جبالّ منيفة

وهم في مغانيهم شموس المحافل

يذبّون عن دين النّبيّ محمد

بألسنة مثل السّيوف الفواصل

دليلهم قول الرّسول وفعله

وذلك يوم الفصل أقوى الدّلائل

ومدرسهم آي الكتاب وإنّه

لأقمع برهان لكلّ مناضل

(1) في (س): ((أمراً)).

(2)

في (س): ((نصحوا فيها)).

ص: 595

هما حجّة الإسلام لا ما يطيش من

دماغ ألدّ في الخصام مجادل

ولولاهما كان ابن سينا منزّلاً

من العلم في أعلى بروج المنازل

وكان ابن مسعود وأعلام عصره

من الصّحب في مهوّى من الجهل نازل

فلا تقتدوا إلا بهم وتيمّموا

لهم منهجاً كالقدح ليس بمائل

ألم تر أنّ المصطفى يوم جاءه الـ

ـوليد بقول الأحوذيّ المجادل (1)

تجنّب منهاج المرا وتلا له

من السّجدة الآيات ذات الفواصل

ولم يجعل القرآن غير مصدّق

إذا لم تقدمه دروس الأوائل

كذا فعل الطّيّار يوم خطابه

لأصحمة بين الخصوم المقاول

تلا لهم آي الكتاب فأيقنوا

بها بشهادات الدّموع الهواطل

إلى ذاك صار الأذكياء من الورى

وعادوا إليه بعد بُعد المراحل

أبو حامد وابن الخطيب وهكذا الـ

إمام الجوينيّ الذي لم يماثل

كذا ابن عقيل وهو أبرع عاقل

غدا وهو معقول كبعض العقائل

فلا تسبحوا في لجّة البحر وابعدوا

عن الخوض فيه واكتفوا بالسّواحل

فإن لم يكن بدّ من الخوض فاجعلوا

مواردكم مستعذبات المناهل

عليكم بقول المصطفى فهو عصمة

وما عاقل (2) ، عمّا يقول بعادل

(1) في هامش (أ) و (ي) ما نصّه:

((في هذا البيت إشارة إلى كلام الوليد بن المغيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين عرض عليه المال والرياسة، ويترك دعوى النبوة، فلم يجب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بتلاوة آية السجدة، وعلى هذا كان أصحابه الراشدين رضي الله عنهم تمت)) للعلامة محمد بن عبد الملك الآنسي.

(2)

في (أ): ((عادل))!.

كتب في آخر نسخة (أ) ما صورته: ((انتهى تحصيل هذا الكتاب بعون الملك الوهّاب ولطفه ومنّه، فله الحمد كثيراً بكرة وأصيلاً، والحمد لله =

ص: 596

سعدت بذبّي عن حماه وحبّه

كما شقيت بالصّدّ عنه عواذلي.

* * *

= على كلّ حال وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله خير آل.

كان الفراغ من رقمه ليلة الاثنين المبارك، أحد أيام شهر [ذي] القعدة الحرام سنة (1179هـ) خُتمت بخير.

ثم كتب: ((بلغ مقابلة على أصله مع (عناية) حسب الإمكان، وذلك يوم الأحد لعله سابع شهر محرّم الحرام سنة (1180هـ)(وقع في الأصل (1108هـ) وهو وهم).

وكتب الفقير إلى رحمة الله ربه لطف الباري بن أحمد عفى الله عنه وغفر له ولوالديه، ولمسامحه ولجميع المؤمنين آمين)).

وكتب في آخر نسخة (ي) ما صورته: ((انتهى تحصيل هذا الكتاب المبارك بعون الله الملك الوهاب ولطفه ومنه، فله الحمد كثيراً بكرة وأصيلاً، وصلى الله على سيدنا محمد الأمين، وآله خير آل، وأصحابه الراشدين، والحمد لله على كلّ حال.

حرّر صبح الجمعة المبارك أحد أيام ذي القعدة الحرام سنة ستّ وثلاثين وثلاث مائة وألف ختمت بخير وما بعدها إن شاء الله)).

ثم كتب: ((بلغ بحمد الله تعالى مقابلة هذه النسخة ليلة (3) رمضان الكريم

(1340هـ) ، والحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى)).

وكتب أيضاً: ((قال القاضي العلامة محمد بن عبد الملك الآنسي رحمه الله في آخر النسخة التي بقلمه التي قابلنا هذه النسخة عليها، بخط سيدي العلامة إسحاق ابن يوسف رحمه الله في آخر نسخته في هذا التّاليف ما لفظه: ((انتهى ما أردت من مطالعة هذا السّفر الجليل الذي هو برّؤ العليل، وشفاء الغليل، فرحم الله مؤلفه رحمة واسعة، وحشره في زمرة حبيبه الشفيع، وحرّر في رمضان (1137هـ) انتهى)).

ص: 597