الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في قومه ولا شرف ولا مكانة!.
خَامِسًا - إِسْلَامُهُ وَسَبَبُ صُحْبَتِهِ لِلْنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
-:
قَدَّمْنَا أن أبا هريرة رضي الله عنه أسلم سَنَةَ سبع من الهجرة في غزوة خيبر ونزيد الآن أننا نُرَجِّحُ أنه أسلم قبل هذا التاريخ بزمن طويل، ولكن هجرته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كانت في تلك السَنَةِ، وإنما رَجَّحْنَا ذلك لدليلين:
الأول - ما ذكره ابن حجر في " الإصابة " من ترجمة الطفيل بن عمرو الدوسي أنه أسلم قبل الهجرة ولما عاد بعد إسلامه إلى قومه - رهط أبي هريرة - دعاهم إلى الإسلام فلم يجبه إلا أبوه، وأبو هريرة. وهذا صريح في أن إسلام أبي هريرة قد تم قبل قدومه إلى الرسول في غزوة خيبر بسنوات.
الثاني - ما رواه " البخاري " و" مسلم " وغيرهما من أمر المشادة التي جرت بين أبي هريرة وبين أبان بن سعيد بن العاص حين قسمة الغنائم بعد فتح خيبر، فقد طلب أبان من الرسول أن يُقَسِّمَ له من الغنائم، فقال أبو هريرة: لا تُقَسِّمْ له يا رسول الله فإنه قاتل ابن قوقل - وهو النعمان بن مالك بن ثعلبة ولقبه قوقل بن أصرم - وذلك في معركة «أُحُدْ» إذ كان أبان لايزال مشركاً فقتل ابن قوقل (1).
ومن هذه القصة ندرك أن أبا هريرة حين قدم خيبر مهاجراً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن حديث عهد بالإسلام بل كان متتبعاً لمعاركه وأحداثه بحيث يعلم أن أبان بن سعيد بن العاص هو الذي قتل (ابن قوقل) يوم أُحُدْ. وإلى هذا ذهب الحافظ ابن حجر (2).
(1) أورد البخاري القصة على عادته في موضع متفرقة، ولكن أوفاها ما أورده في " باب غزوة خيبر "، انظر " فتح الباري ": 7/ 395.
(2)
" فتح الباري ": 8/ 83.
وقد أساء أَبُو رَيَّةَ - كعادته - فهم هذه القصة واستنتج منها غير ما يفهمه المُنْصِفُونَ وَأَيًّا ما كان فقد كان إسلام أبي هريرة إسلاماً خالصا لوجه الله كإسلام الصحابة جميعاً، سمع بالإسلام لأول مَرَّةٍ عن طريق الطفيل بن عمرو فما لبث أن دان به وقام بشعائره، ثم مازال متشوقاً للهجرة للرسول صلى الله عليه وسلم حتى قدم عليه، وقد كان الرسول والمُسْلِمُونَ في غزوة خيبر.
وأكثر الروايات على أن قدومه وافق الانتهاء من الغزوة، ولكنه حضر قسمة الغنائم، وبعض الروايات - وهي الأوثق والأصح - تثبت أن النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم أمر المُسْلِمِينَ بأن يفرضوا له منها نصيباً.
ثم لازم النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك على أن لا يلتفت إلى شيء من الدنيا إلا أن يستمع إلى الرسول ويحمل للمسلمين من بعده هدايته وينقل إليهم حديثه، وكان طبيعياً أن يكون مكان أبي هريرة في «الصُفَّةِ» وهو مكان في المسجد كان يأوي إليه المنقطعون للعلم والجهاد مع رسول الله والذين ليس لهم مال ولا أهل في المدينة، وقد كان في «الصُفَّةِ» كرام الصحابة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمهم ويحث على إكرامهم.
واستمر شأن أبي هريرة كذلك يلازم الرسرل أينما ذهب حتى اختار اللهُ رسوله لجواره. وبهذه الملازمة المستمرة من سَنَةِ سبع إلى عشر والحرص الشديد على تتبع حديث رسول لله من أفواه الذين سبقوا أبا هريرة إلى الإسلام، ومن أفواه زوجاته تَجَمَّعَ لأبي هريرة من الحديث ما لم يَتَجَمَّعْ لغيره من الصحابة الذين لم يفرغوا تفرغه لسماع الحديث ولم يلتزموا ما التزمه أبو هريرة من ملازمة الرسول أينما سار.
تلك هي قصة إسلامه، وقد روى لنا " البخاري " وغيره كالدولابي في " الكُنَى "(المُتَوَفَّى 310 هـ) حديث هجرته من دَوْسٍ إلى الرسول في المدينة ثم خيبر، وكيف كان يتغنى في طريقه بقوله:
فَيَا لَيْلَة مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا *
…
*
…
* عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الكُفْرِ نَجَّتْ (1).
(1) في رواية الدولابي: «تُنَجِّينِي» .