الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونافع مولى ابن عمر، وسُليمان بن يَسَار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، والإمام الزُّهْرِي، وعطاء، والشعبي، وعلقمة، والحسن البصري،، وأضرابهم من أئمة الحديث، فهؤلاء لم يصطدموا مع الأُمَوِيِّينَ في معارك، ولا أُثِرَ عنهم أنهم تَصَدَّوْا لخصومة الأُمَوِيِّينَ، اللهم إلَاّ ما كان من سعيد بن المسيب وجفائه لعبد الملك، فقد كان سبب ذلك معلوماً وهو ما أراده عبد الملك من أخذ البيعة لابنه الوليد، ثم لسليمان من بعده، فأبى سعيد وقال:«إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ» في وقت واحد، فهذا هو سبب الجفاء، ولا نعلم قبل هذه الحادثة جفاء بين سعيد وخلفاء بَنِي أُمَيَّةَ، ووقع شيء من الجفاء بين الحَجَّاجِ وبعض علماء عصره، سببه اشتداد الحَجَّاجِ في مقاومة خصوم الدولة الأموية، لا إمعانه في الفسق والضلال، حتى يثور عليه العلماء الأتقياء. كيف وللحجَّاج فضل في إعجام حروف القرآن وشكل كلماته، وهذا يدل على مبلغ عنايته بكتاب الله وذلك لا يكون إلَاّ في نفس عميقة التدين.
وَقُصَارَى القول: أنَّ هذا المستشرق إنْ عنى بالعلماء الذين وقعت الخصومة بينهم وبين الأُمَوِيِّينَ أنهم هم زُعَمَاءُ الخَوَارِجِ وَالعَلَوِيِّينَ، فَنَعَمْ. ولكن هذا لا علاقة له بالعلماء الذين دأبوا على نشر السُنَّةِ وحفظها وتنقيتها، وإنْ أراد بهم أمثال عطاء ونافع وسعيد والحسن والزُّهْرِي ومكحول وقتادة، فكَذِبٌ وافتراءٌ يَرُدُّهُ التاريخ ويأباه عليه كل الإباء.
2 - هَلْ كَانَ عُلَمَاءُ المَدِينَةِ وَضَّاعِينَ
؟:
والأغرب من هذا أنه يُصَوِّرُ لنا هذا العداء في كتابيه " دراسات إسلامية " و" العقيدة والشريعة في الإسلام " أنه كان بين الأُمَوِيِّينَ وعلماء المدينة، وأنَّ علماء المدينة هم الذين بَدَؤُوا بحركة الوضع ليقاوموا الأُمَوِيِّينَ، ولكن الكذوب يجب أن يكون ذكوراً، فإذا كان علماء المدينة فعلوا ذلك كما يزعم، فهل كانوا هُمْ كُلَّ علماء الإسلام في ذلك العصر؟ أَلَمْ يكن في مكة ودمشق والكوفة والبصرة ومصر وأمصار الإسلام الأخرى صحابة وعلماء أيضاًْ؟ لقد كان في مكة في ذلك العصر - عدا من تأخر وفاته من الصحابة - أمثال عطاء وطاوُوس ومُجاهد وعمرو بن دينار وابنُ
جُريج وابن عُيَيْنة، وكان في البصرة أمثال الحسن وابن سيرين ومسلم بن يسار وأبو الشعثاء وأيوب السَّخْتَيَانِي وَمُطَرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّيرِ، وكان في الكوفة أمثال علقمة والأسود وعمرو بن شرحبيل ومسروق بن الأجدع وعُبيدة السلماني وسويد بن غفلة وعبد الله بن عُتبة بن مسعود وعمرو بن ميمون وإبراهيم النَّخَعِي وعامر الشعبي وسعيد بن جُبير والقاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود. وكان في الشام أبو إدريس الخولاني وقُبيصة بن ذؤيب وسليمان بن حبيب وخالد بن معدان وعبد الرحمن بن غنم الأشعري وعبد الرحمن بن جُبير ومكحول. وكان في مصر يزيد بن أبي حبيب وبُكير بن عبد الله الأشج وعمرو بن الحارث (1) والليث بن سعد وعبيد الله بن أبي جعفر، وكان في اليمن مُطَرِّفٌ وغيره.
هؤلاء أعلام الإسلام في العصر الأموي فهل شاركوا علماء المدينة في الوضع؟ وكيف تَمَّ ذلك؟ وأين هذا المؤتمر الذي ضَمَّهُمْ، حَتَّى اتَّخَذُوا فيه قرارالوضع؟ وإذا كانوا لم يشاركوا علماء المدينة في ذلك، فكيف سكتوا عنهم وكيف نقلوا حديثهم؟ وأين هو في التاريخ إنكارهم على هؤلاء العلماء. بل إنا لنجد على عكس ذلك أنَّ علماء الأمصار جميعاً يعترفون بأنَّ حديث الحجاز أصح حديث وأقواه، بل إنَّ عبد الملك يعترف لعلماء المدينة بِصِحَّةِ الحديث حين أشار على الزُّهْرِي أنْ يأتي إلى دُورِ الأنصار (*) فيتعلم منهم - كما سيأتي معنا في الحديث عن الزُّهْرِي - فكيف اعترفوا بذلك لو كانت المدينة دار ضرب الحديث وابتكاره ووضعه للناس؟ إنها دعوى متهافتة لا تثبت أمام النقد لحظات ولكن الهَوَى يُعْمِي.
ومِمَّا يزيد في تهافت هذه الدعوى أنَّ هذا المستشرق يتخذ مِنْ عِدَاءِ ابن المسيب لعبد الملك ذريعة لرمي علماء المدينة كلهم بالكذب والوضع، ولكنه لا يذكر لنا دور سعيد في هذه الحركة، لقد كان من حقه أنْ يكون على رأسها، ولكنه لم يذكر له دوراً في هذه الحركة. فلماذا؟ هل هو يَتَّهِمُهُ
(1) انظر: " إعلام الموقعين ": 1/ 17 وما بعدها.
----------------------
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*)[قارن بصفحتي 223 و245 من هذ الكتاب].