الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (1) وَفِيمَنْ رُجِمَ مِنْ الزُّنَاةِ: قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرَّجْمُ مَنْسُوخًا، لِقَوْلِ اللهِ:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (2).
وَفِيْ الْمَسْحِ عَلَىَ الخُفَّيْنِ: نَسَخَتْ ايَةٌ الْوُضُوءِ الْمَسْحَ، وَجَازَ أَنْ يُقَالَ: لَا يَدْرَأُ عَنْ سَارِقِ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، وَسَرِقَتُهُ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ، لِقَوْلِ اللهِ:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (3)(*) لأَنَّ اسْمَ السَّرِقَةِ يَلْزَمُ مَنْ سَرَقَ قَلِيْلا وَكَثِيرًا، وَمِنْ حِرْزٍ وَمِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، وَلَجَازَ رَدَّ كُلِّ حّدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يُقَالَ: لَمْ يَقُلْهُ، إِذَا لَمْ يَجِدْهُ مِثْلَ التَّنْزِيلِ، وَجَازَ رَدَّ السُّنَنِ بِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، فَتُرِكَتْ كُلُّ سُنَّةٍَ مَعَهَا كِتَابٌ جُمْلَةً تَحْتَمِلُ سُنَّتَهُ أَنْ تُوَافِقَهُ وَهِيَ لَا تَكُوْنَ أَبَدًا إِلَاّ مُوَافَقَةً لَهُ، إِذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُ اللَّفْظِ فِي التَّنْزِيلِ بِوَجْهٍ، أَوْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فِيْ اللَّفْظِ عَنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي اللَّفْظِ فِيْ التَّنْزِيلِ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلاًُ أَنْ يُخَالِفَهُ مِنْ وَجْهِهِ وَكِتَابُ اللهِ وَسُنَّةَِ رَسُولِهِ تَدُلُّ عَلَىَ خِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ، وَمُوَافَقَةً مَا قُلْنَاهُ» (4)
هذا وَمُحَقِّقُو علماء الشافعية مع الجمهور، وقد اعتذروا عن موقف الشافعي بإجابات مختلفة.
نَسْخُ الكِتَابِ بِالسُنَّةِ:
هناك رأيان بين العلماء:
(أ) قال الحَنَفِيَّةُ: يجوز نسخ الكتاب بِالسُنَّةِ المتواترة والمشهورة، ولا ينسخ بحديث الآحاد:
وَحُجَّتُهُمْ في ذلك أن المتواتر قطعي الثبوت كالقرآن، والمشهور قد اكتسب من القوة نظراً لاشتهاره في أيدي العلماء، وعمل الفقهاء به ما يلحقه بالمتواتر، وكل منهما وَحْيٌ غير مَتْلُوٍّ، فجاز نسخ الكتاب بهما.
(1)[سورة البقرة، الآية: 275].
(2)
[سورة النور، الآية: 2].
(3)
[سورة المائدة، الآية: 38].
(4)
" الرسالة ": تحقيق المرحوم الشيخ أحمد محمد شاكر: 108 - 113.
----------------------
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*)[سورة المائدة، الآية: 38]. [ورد في ترقيم الآية {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} خطأ (28) في طبعة المكتب الإسلامي سابقًا وتكرر في طبعة الوراق أيضاً بينما رقمها الصحيح 38].
وَمَثَّلُوا لذلك بنسخ الكتاب بخبر المسح على الخفين (1) وهو شهور، وبنسخ وجوب الوصية الوارد في الآية:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} (2) بحديث «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» . وهو حديث مشهور معمول به لَدى جماهير العلماء حتى ادعى الشافعي في " الأُمِّ " أنه متواتر، فيما نقله عنه ابن حجر في " الفتح ".
(ب) وقال الجمهور: لا يجوز نسخ الكتاب بِالسُنَّةِ: سواء كانت متواترة أو مشهورة أو آحاداً، وقد استدل الشافعي رحمه الله لقول الجمهور بقوله تعالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (3) وَالسُنَّةُ ليست مثل القرآن ولا خيراً منه، وبقولَه:{قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} (4) فدل ذلك على أنه متبع لكل مَا يوحى إليه، ولم يكن مُبَدِّلاً لشيء منه، والنسخ تبديل.
وقال تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (5) فاخبر أنه مُبَيِّنٌ لما هو المنزل حتى يعمل الناس بالمنزل بعد ما تبين لهم ببيانه، وفي تجويز نسخ الكتاب بِالسُنَّةِ رفع هذا الحكم لأن العمل حينئذ يكون بالناسخ، فإذا كان الناسخ مِنَ السُنَّةِ لا يكون العمل به عملاً بِالمُنَزَّلِ.
وأيضاًً فمنع نسخ الكتاب بِالسُنَّةِ أقرب إلى صيانة رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم عن طعن الطاعنين فيه، وبالاتفاق يجب المصير في باب بيان أحكام الشرع إلى طريق يكون أبعد عن الطعن فيه، وذلك أنه إذا جاز منه أن يقول ما هو مخالف لِلْمُنَزَّلِ في الظاهر على وجه النسخ له، فالطاعن يقول: هو أول قائل وأول عامل بخلاف ما يزعم أنه أنزل إليه، فكيف يعتمد قوله فيه؟ وإذا
(1) ذكره السرخسي في " أصوله ": 2/ 67 نقلاً عن الكرخي عن أبي يوسف.
(2)
[سورة البقرة، الآية: 180].
(3)
[سورة البقرة، الآية: 106].
(4)
[سورة يونس، الآية: 15].
(5)
[سورة النحل، الآية: 44].
ظهر منه قول ثم قرأ ما هو مخالف لما ظهر منه من القول فالطاعن يقول: قد كذبه ربه فيما قال فكيف نصدقه؟ وإلى هذا أشار الله بقوله: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} (1) ثم نفى عنه هذا الطعن بقوله: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} (2) ففي هذا بيان أنه ليس في نسخ الكتاب بالكتاب تعريضه للطعن، وفي نسخ الكتاب بِالسُنَّةِ تعريضه للطعن من الوجه الذي قاله الطاعنون، فيجب سَدُّ هذا الباب لعلمنا أنه مصون عما يوهم الطعن فيه» (3).
ولا شك في أن رأْيَ الجمهور أقرب إلى الحق، ويظهر أنا لا نجد بالتأكيد سُنّةً نسخت قُرْآناً، وما ذكره الحَنَفِيَّةُ من المسح على الخفين والوصية للوارث ليسا من هذا القبيل، فالنزاع - في رأيي - من حيث الجواز أو عدمه، لا من حيث الوقوع، فإن ما ادعاه الحَنَفِيَّةُ من وقوع ذلك، لا يسلم لهم أنه كان من طريق السُنّةِ، وبالتأمل في الأدلة التي أوردوها لذلك، يبدو الناظر مجال للأخذ والرد الكثيرين.
وبعد: فبهذا يتم - بحمد الله - ما أردناه من البحث حول السُنّةِ وجمعها وجهود العلماء لتنقيتها من الدخيل والطارئ، وأنزلنا ما لحق بها من شبه في القديم والحديث، وَبَيَنَّا مرتبتها في التشريع وعلاقتها بالقرآن الكريم.
ونحن نختم ذلك بخاتمة موجزة عن موقف الأئمة الأربعة مِنَ السُنَّةِ، وبيان مكانتهم فيها، مع ذكر تراجم موجزة لأصحاب الكتب الستة، وفذلكة صغيرة عن كل كتاب.
(1)[سورة النحل، الآية: 101].
(2)
[سورة النحل، الآية: 102].
(3)
" أصول " السرخسي: 2/ 67، 68 وانظر " الرسالة " للشافعي: 106 - 108.