الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَثِيرَةٌ أُمَّهَاتُهَا أَرْبَعَةٌ: الأَوَّلُ: النَّقْلُ عَنْ [رَسُولِ اللَّهِ] صلى الله عليه وسلم وَهَذَا هُوَ الطِّرَازُ [الأَوَّلُ](*) لَكِنْ يَجِبُ الْحَذَرُ مِنَ الضَّعِيفِ [فِيهِ] وَالْمَوْضُوعِ فَإِنَّهُ كَثِيرٌ، [وَإِنَّ سَوَادَ الأَوْرَاقِ سَوَادٌ فِي الْقَلْبِ قَالَ الْمَيْمُونِيُّ: سمعت أحمد بن حنبل يقول]: " ثلاثة كُتُبٍ لَيْسَ لَهَا أُصُولٌ الْمَغَازِي وَالمَلَاحِمُ وَالتَّفْسِيرُ " قَالَ المُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ: وَمُرَادُهُ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَسَانِيدُ صِحَاحٌ مُتَّصِلَةٌ وَإِلَاّ فَقَدَ صَحَّ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرٌ». اهـ.
وقصارى القول أن الاستشهاد بعبارة الإمام أحمد للتشكيك في أحاديث التفسير كلها غير صحيح، يبطله ثبوت أحاديث التفسير في أمهات الكتب الصحيحة كـ " البخاري " و" مسلم " و" الموطأ " و" الترمذي "، بل في " مسند الإمام أحمد " نفسه.
هَلْ اسْتَوْعَبَ البُخَارِيُّ كُلَّ الصَّحِيحِ فِي " جَامِعِهِ
"؟:
وقد زعم الأستاذ، أن البخاري قد انتقى أحاديث " صحيحه " من ستمائة ألف حديث والكلام هنا في موضعين:
الأول - عدد الأحاديث التي كانت متداولة. ولا شك أن الأحاديث التي تداولها الناس في عصر البخاري كانت كثيرة جِدًّا بلغت ستمائة ألف أو أكثر. فقد نقل عن الإمام أحمد أنه قال: «صَحَّ مِنَ الْحَدِيثِ سَبْعُمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ وَكَسْرٍ وَهَذَا الْفَتَى - يَعْنِي أَبَا زُرْعَةَ - قَدْ حَفِظَ سَبْعَمِائَةِ أَلْفٍ» ، ولكن ما حقيقة هذه الكثرة الهائلة؟ هل كلها أحاديث تختلف في المواضيع، أم هي طرق متعددة للأحاديث؟ وهل كلها أحاديث تنسب إلى النَّبِيّأم تنسب أيضاًً إلى الصحابة والتَّابِعِينَ؟
للإجابة عن هذا ينبغي أن نذكر لك اختلافهم في معاني الحديت، والخبر، والأثر.
فقد قال جماعة: إن الحديث هو ما أضيف إلى النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم فيختص بالمرفوع عند الإطلاق ولا يراد به الوقوف إلا بقرينة، أما الخبر فإنه أعم من أن يطلق على المرفوع [و] الموقوف. فيشمل ما أضيف إلى الصحابة والتَّابِعِينَ وعليه يُسَمَّى كل حديث خبراً ولا يُسَمَّى كل خبر حَدِيثًا.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*)[ورد في المطبوع من كتاب " السُنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي " (المعلم) وإنما هي (الأَوَّلُ)، انظر " البرهان " للزركشي: 1/ 156، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثالثة: 1404 هـ - 1984 م، مكتبة التراث - القاهرة].
وقال آخرون: الحديث هو المرفوع إلى النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم والموقوف على الصحابة والتَّابِعِينَ، فيكون مرادفاً للخبر. وأما الأثر فإنه مرادف للخبر بالمعنى السابق فيطلق على المرفوع والموقوف، وفقهاء خراسان يسمون الموقوف بالأثر والموفوع بالخبر (1).
ذلك هو اختلافهم في تحديد المراد بالحديث والخبر والأثر، إذا كان كذلك سهل علينا أن نفهم معنى لهذه الكثرة الهائلة ستمائة ألف أو سبعمائة ألف. فهي شاملة للمنقول عَنْ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم ولأقوال الصحابة والتَّابِعِينَ كما تشمل طرق الحديث الواحد فقد يروي المُحَدِّثُ الحديث الواقع من طرق مختلفة إذ يكون للصحابي أو التابعي رُوَاةٌ مُتَعَدِّدُونَ - وهذا هو الغالب - فَيُعْنَى المُحَدِّثُ بجمع طرق الحديث من رواته فقد تبلغ أحياناً عشرة طرق فيعدها عشرة أحاديث وهي ليست إلا حَدِيثًا واحداً، وقد كان إبراهيم بن سعيد الجوهرِي يقول:«كُلُّ حَدِيثٍ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي مِنْ مِائَةِ وَجْهٍ فَأَنَا فِيهَ يَتِيمٌ» (2).
وبهذا إذا جَمَعْتَ أقوال النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته إلى أقوال الصحابة والتَّابِعِينَ وجمعت طرق كل حديث منسوب للنبي وللصحابة وللتابعين لَا يُسْتَغْرَبُ أَبَدًا أن يبلغ ذلك كله مئات الألوف بهذا المعنى.
قال العلامة الشيخ طاهرِ الجزأئري: «وبما ذكرِنا أن بعض المُحَدِّثِينَ قد يطلق الحديث على المرفوع والموقوف يزول الإشكال الذي يعرِض لكثير من الناس عندما يحكى لهم أن فلاناً كان يحفظ سبعمائة ألف حديث صحيح، فإنهم مع استبعادهم ذلك يقولون: أين تلك الأحاديث ولِمَ لَمْ تصل إلينا؟ وهلا نقل الحفاظ ولو مقدار عشرها؟ وكيف ساغ لهم أن يهملوا أكثر ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام؟ مع أن ما أشتهروا به من فرط العناية بالحديث يقتضي أَلَاّ يترِكوا مع الإمكان شيئاً منه، ولنذكرِ له شيئاً مِمَّا رُوِيَ
(1)" توجيه النظر ": ص 3.
(2)
" تأنيب الخطيب ": ص 151.
في قدر الحفاظ: نقل عن الامام أحمد أنه قال: " صَحَّ مِنَ الْحَدِيثِ سَبْعُمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ وَكَسْرٍ وَهَذَا الْفَتَى - يَعْنِي أَبَا زُرْعَةَ - قَدْ حَفِظَ سَبْعَمِائَةِ أَلْفٍ ". قال البيهقي: " أَرَادَ مَا صَحَّ مِنَ الأَحَادِيثِ وَأَقْوَالِ الصَحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ "، وقال أبو بكر محمد بن عمرِ الرازي الحافظ:" كَانَ أَبَو زُرْعَةَ يَحْفَظُ سَبْعَمِائَةِ أَلْفَ حَدِيثٍ، وَكَانَ يَحْفَظُ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ أَلْفاً فِي التَفْسِيرِ. ونقل عن البخاري أنه قال: " أَحْفَظُ مِائَةَ أَلْفَ حَدِيثٍ صَحِيحٍ، وَمِائَتَيْ أَلْفَ حَدِيثٍ غَيْرَ صَحِيحٍ "، ونقل عن مسلم أنه قال: " صَنَّفْتُ هَذَا الْمُسْنَدَ الصَّحِيحَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ مَسْمُوعَةٍ "، وَمِمَّا يرفع استغرابك لما نقل عن أبي زرعة من أنه كان يحفظ مائة وأربعين ألف حديث في التفسير، أن النعيم في قوله تعالى:{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} (1) وقد ذكرِ فيه المفسرون عشرة أقوال كان كل قول منها يُسَمَّى حَدِيثًا في عُرِِْف من جعله بالمعنى الأعم، والماعون في قوله تعالى:{الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (2) قد ذكروا فيه ستة أقوال، كل قول منها ما عدا السادس، يعد حَدِيثًا كذلك» (3).
الثاني: ما صح عند البخاري: زعم مولف " فجر الإسلام " أن ما جمعه البخاري في حديثه وهو أربعة ألَاّف عن غير المُكَرَّرِ هو كل ما صح عنده من عدد الأحاديث التي كانت متداولة في عصره وبلغت ستمائة ألف، وهذا الذي زعمه المؤلف غير معروف عند العلماء، بل المعروف عندهم، أن البخاري لم يجمع في كتابه كل ما صح عنده.
قال ابن الصلاح رحمه الله في " مقدمته ": لَمْ يَسْتَوْعِبَا - أي البخاري ومسلم - الصَّحِيحَ فِي " صَحِيحَيْهِمَا "، وَلَا الْتَزَمَا ذَلِكَ
. فَقَدْ رُوِّينَا عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: " مَا أَدْخَلْتُ فِي كِتَابِي (الْجَامِعِ) إِلَاّ مَا صَحَّ، وَتَرَكْتُ مِنَ الصِّحَاحِ [لِحَالِ] الطُّولِ ".، وَرُوِّينَا عَنْ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ: " لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدِي صَحِيحٌ
(1)[سورة التكاثر، الآية: 8].
(2)
[سورة الماعون، الآيتان: 6 - 7].
(3)
" توجيه النظر ": ص 3 - 4 وانظر: " فتح الملهم شرح صحيح مسلم ": الجزء الأول ص 2.
وَضَعْتُهُ هَا هُنَا - يَعْنِي فِي كِتَابِهِ الصَّحِيحِ - إِنَّمَا وَضَعْتُ هَا هُنَا مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ "» (1).
قال الحافظ الحازمي في كتابه " شروط الأئمة الخمسة ": «وأما البخاري فلم يلتزم أن يخرج كل ما صح من الحديث، ويشهد لصحة ذلك ما أخبرنا به أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد قال: أنبأنا به طلحة في كتابه عن أبي [سعد] الماليني أنبأنا عبد الله بن عدي قال: حدَّثني محمد بن أحمد قال: سمعت محمد بن حمدويه يقول: سمعت محمد بن إسماعيل «يعني البخاري» يقول: «أَحْفَظُ مِائَةَ أَلْفَ حَدِيثٍ صَحِيحٍ وَأَحْفَظُ مِائَتَيْ أَلْفَ حَدِيثٍ غَيْرَ صَحِيحٍ» . وذكر أيضاًً بسنده إلى البخاري أنه قال:: «لَمْ أُخْرِجْ فِي هَذَا الكِتَابِ إِلَاّ صَحِيحًا، وَمَا تَرَكْتُ مِنَ الصَحِيحِ أَكْثَر» (3) اهـ.
فإذا كان العلماء يقرون أن البخاري لم يستوعب الصحيح في "جامعه"، وأنه يحفظ مائة ألف حديث صحيح، يكون ما نقله المولف عنهم نقلاً غير صحيح، هذا إذا عناهم بقوله:«قَالُوا» أما إذا كان يعني بهم عامة الناس والشائع على ألسنة الطلبة فذلك شيء آخر، إلا أن المقام مقام علم وتحقيق.
(1)" مقدمة علوم الحديث ": ص 10، وعبارة مسلم هذه في " صحيحه " 2/ 15 في باب التشهد في الصلاة، بصدد حديث انتقد عليه تصحيحه إياه رغم أنه لم يودعه في " صحيحه " فأجاب بذلك.
(2)
" اختصار علوم الحديث ": ص 9، 10.
(3)
" شروط الأئمة الخمسة " للحازمي: ص 47 وهو المطبوع مع " شروط الأئمة الستة " للحافظ ابن طاهر المقدسي: ص 47.