الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَصْلُ الثَّالِثُ: فِي نَسْخِ السُنَّةِ بِالقُرْآنِ وَالقُرْآنُ بِالسُنَّةِ:
النَّسْخُ فِي القُرْآنِ:
لا خلاف بين العلماء في جواز نسخ الكتاب بالكتاب، إلا ما روي عن أبي مسلم الأصفهاني من إنكاره وجود النسخ في القرآن، ولتحقيق ذلك موضع غير هذا الكتاب.
ولا خلاف بينهم أيضاًً في نسخ السُنَّةِ بِالسُنَّةِ، فإن كانت متواترة يشترط في نَسْخِها أن يكون الناسخ متواتراً، وإن كانت آحاداً تنسخ بآحاد أو متواتر، ويمثلون لذلك بأحاديث كثيرة، منها:«كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا» (1).
واختلفو افي موضعين اثنين:
الأول: في
نسخ السُنَّة بالكتاب
.
والثاني: في نسخ الكتاب بِالسُنَّةِ.
ونحن نوجز القول فيهما، تاركين التفصيل لمن أراد ذلك في موضعه من كتب الأصول.
نَسْخُ السُنَّةِ بِالكِتَابِ:
أ - قال الجمهور: اٍنَّ ذلك جائز، وقد وقع فعلاً، ومثَّلوا لذلك بأمثلة
(1) رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه بألفاظ متقاربة.
عدة:
منها نسخ استقبال بيت المقدس باستقبال الكعبة، فمن المعلوم أن المُسْلِمِينَ والنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلُّوا - أول هجرتهم إلى المدينة - مدة بضعة عشر شهراً متجهين إلى بيت المقدس، وليس في ذلك نص من القرآن، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (1) ومن ذلك ما تم في عقد صلح الحديبية من وجوب إرجاع المُسْلِمِينَ إلى قريش من جاءهم مسلماً. ثم نسخ ذلك بالنسبة للنساء، فلم يُجِزْ إرجاع المهاجرات
المؤمنات إلى كفار قريش خشية فِتْنَتَهُنَّ عن دينهن وكرامتهن، وقد كان هذا النسخ بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ. اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ، لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (2).
ومن أمثلة هذا شيء كثير.
ب - وقال الشافعي رحمه الله: «لَا تُنْسَخُ السُنَّةُ بِالقُرْآنِ» .
وَعَلَّلَ له بعضهم: بأن نسخ القرآن بِالسُنَّةِ قد يفسره أعداء الرسول بأن الله لم يرض حكم رسوله فأبدله. وهذا كلام غير وارد ولا يخطر في بال مسلم.
والصحيح ما عَلَّلَ به الشافعي نفسه ذلك حيث قال في " الرسالة ":
«وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ قَدْ سَنَّ رَسُولُ اللهِ ثُمَّ نَسِخَ سُنَّتَهُ بِالْقُرْآنِ وَلَا يُؤْثَرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ السُنَّةُ النَّاسِخَةُ جَازَ أَنْ يُقَالَ فِيمَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ مِنَ البُيُوعِ كُلِّهَا: قَدْ
يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَرَّمَهَا قَبْلَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ
(1)[سورة البقرة، الآية: 144].
(2)
[سورة الممتحنة، الآية: 10].