الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْقَاسِمَ بْنَ مَعْنٍ فِي مَعْرِفَتِهِ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، وَدَاوُدَ الطَّائِيَِّ وَفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ فِيْ زَهْدِهِمَا وَوَرَعِهِمَا؟ وَمَنْ كَانَ هَؤُلَاءِ جُلَسَاؤُهُ لَمْ يَكَدْ يُخْطِىءُ لأَنَّهُ إِنْ أَخْطَأَ رَدُّوهُ». اهـ.
ونحن لسنا مع وكيع في أن أبا حنيفة لا يخطيء، ولكننا نرى معه أن إماماً كأبي حنيفة اجتمع له من الأصحاب والبيئة وقرب العهد بالصحابة والفهم الثاقب والاجتهاد البالغ في دين الله لا يصح بحال أَنْ تُشَنَّ عليه تلك الحملة الظالمة التي بدأت في عصره من تنافس الأقران وجهل الرُوَاةِ وَتَزَيُّدِ المُتَخَرِّصِينَ، ثم ما زالت تمتد حتى بلغت أوْجَهَا بعد انتهاء فتنة خلق القرآن، حين حمل كثير من أهل الحديث على أبي حنيفة وأصحابه فَجرَّحَهُ بعضهم وَجَرَّحُوا كثيراً من أصحابه لا لشيء إلا انتقاماً من المعتزلة الذين أذاقوا أهل الحديث صُنُوفاً من العذاب والاضطهاد، وقد كان جمهور المعتزلة يأخذ بمذهب أبي حنيفة في الفروع، فهذا هو سِرُّ تلك الحملة المتأخرة، وذلك هو سِرُّ تلك الحملة المتقدمة، يقول الخطيب البغدادي:«مَا تَكَلَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا أَبُو يُوَسُفَ وَلَا زُفَرَ وَلَا مُحَمَّدٌ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ فِي القُرْآنِ بِشْرُ المَرِيسِيُّ وَابْنُ أَبِي دُؤَادٍ، فَهَؤُلَاءِ شَانُوا أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ» (1).
كَلِمَةُ إِنْصَافٍ:
ويعجبني في هذا المقام قول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في " جامع بيان العلم "(2): «وَأَفْرَطَ أَصْحَابُ الحَدِيثِ فِي ذَمِّ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَتَجَاوَزُوا الحَدَّ فِي ذَلِكَ، وَالسَّبَبُ المُوجِبُ لِذَلِكَ عِنْدَهُمْ إِدْخَالُهُ الرَّأْيَ وَالْقِيَاسَ عَلَى الآثَارِ وَاعْتُبَارُهُمَا، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إِذَا صَحَّ الأَثَرُ مِنْ جِهَةِ الإِسْنَادِ بَطَلَ الْقِيَاسُ وَالنَّظَرُ، وَكَانَ رَدُّهُ لِمَا [رَدَّ](*) مِنَ الأَحَادِيثِ بِتَأْوِيلٍ مُحْتَمَلٍ، وَكَثِيرٌ مِنْهُ قَدْ تَقَدَّمَهُ إِلَيْهِ غَيْرُهُ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ مِمَّنْ قَالَ بِالرَّأْيِ، وَجُلُّ مَا يُوجَدُ لَهُ مِنْ
(1)" تاريخ بغداد ": 13/ 337.
(2)
2/ 148.
-----------------------
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*)[في المطبوع جاءت كالتالي [وَرَدَ] وفي كتاب " جامع بيان العلم " لابن عبد البر: [رَدَّ] كما أَثْبَتُّهَا، انظر " جامع بيان العلم وفضله "، تحقيق أبي الأشبال الزهيري، 2/ 1080، 2104. الطبعة الأولى: 1414 هـ - 1994 م، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية].
ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهُ اتِّبَاعًا لِأَهْلِ بَلَدِهِ كَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَأَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ إِلَّا أَنَّهُ أَغْرَقَ وَأَفْرَطَ فِي تَنْزِيلِ النَّوَازِلِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَالْجَوَابِ فِيهَا بِرَأْيِهِمْ وَاسْتِحْسَانِهِمْ، فَيَأْتِي مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ خِلَافٌ كَثِيرٌ لِلسَّلَفِ وَشُنَعٌ هِيَ عِنْدَ مُخَالِفِيهِمْ بِدَعٌ (هذا رأي ابن عبد البر) وما أعلم أحداً من أهل العلم إلا وله تأويل في آية أو مذهب في سُنَّةٍ، رد من أجل ذلك المذهب سُنَّةً أخرى بتأويل سائغ أو ادعاء نسخ، إلا أن لأبي حنيفة من ذلك كثيراً وهو يوجد لغيره قليل». (هذا رأي ابن عبد البر) وبعد أن ذكر ما أحصاه الليث بن سعد على مالك من مخالفته لِلْسُنَّةِ، قال:«لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ يُثْبِتُ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَرُدُّهُ دُونَ ادِّعَاءِ نَسْخِ ذَلِكَ بِأَثَرٍ مِثْلِهِ، أَوْ بِإِجْمَاعٍ أَوْ بِعَمَلٍ يَجِبُ عَلَى أَصْلِهِ الانْقِيَادُ إِلَيْهِ أَوْ طَعْنٍ فِي سَنَدِهِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ فَضْلاً عَنْ أَنْ يُتَّخَذَ إِمَامًا وَلَزِمَهُ اسْمُ الْفِسْقِ، وَلَقَدْ عَافَاهُمُ اللَّهُ عز وجل مِنْ ذَلِكَ، وَنَقَمُوا أَيْضًا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ الإِرْجَاءَ» . (أقول: والتحقيق أن إرجاءه هو محض السُنَّةِ) ومن أهل العلم مِمَّنْ ينسب إلى الإرجاء كثير، لم يعن أحد بنقل قبيح ما قيل فيه، كما عنوا بذلك في أبي حنيفة لإمامته، وكان أيضاًً - مع هذا - يُحْسَدُ ويُنسب إليه ما ليس فيه ويُختلق عليه ما لا يليق، وقد أثنى عليه جماعة من العلماء وفضلوه
…
» ثم قال - بعد أن ذكر ثناء جماعة من العلماء عليه -: «وَكَانَ يُقَالُ: يُسْتَدَلُّ عَلَى نَبَاهَةِ الرَّجُلِ مِنَ الْمَاضِينَ بِتَبَايُنِ النَّاسِ فِيهِ قَالُوا: أَلَا تَرَى إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام، أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ فِيهِ [فَتَيَانِ] مُحِبٌّ [مُفْرِطٌ] وَمُبْغِضٌ [مُفَرِّطٌ]، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ " أَنَّهُ يَهْلِكُ فِيهِ رَجُلَانِ: مُحِبٌّ مُطْرٍ وَمُبْغِضٌ مُفْتَرٍ "، وَهَذِهِ صِفَةُ أَهْلِ النَّبَاهَةِ وَمَنْ بَلَغَ فِي الدِّينِ وَالْفَضْلِ الْغَايَةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ» .