الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِمَّا استدركوه عليهم، وكل صنيعهم جمع ما جمعه من سبقهم. والاعتماد على نقدهم، والإكثار من طرق الحديث، ومن أشهر الأئمة في هذا العصر الإمام سليمان بن أحمد الطبراني (- 360 هـ) ألَّفَ معاجمه الثلاثة: 1 - " الكبير " وذكر فيه الأحاديث بجمع ما رواه كل صحابي على حدة، وَرَتَّبَ فيه الصحابة على الحروف وهو مشتمل على خمسمائة وخمسة وعشرين ألف حديث. 2 - و" الأوسط ". 3 - و" الأصغر "، ذكر فيهما الأحاديث بجمع ما رواه كل شيخ من شيوخه على حدة، وَرَتَّبَ فيهما شيوخه على الحروف أيضاً. ومنهم الدَّارَقُطْنِيُّ (- 385 هـ) ألّف " سُنَنَهُ " المشهورة، وَابْنُ حِبَّانَ البُسْتِيِّ (- 354 هـ) وَابْنُ خُزَيْمَةَ (311 - هـ) وَالطَّحَاوِي (- 321 هـ).
بهذا تم تدوين السُنَّةِ وجمعها وتمييز صحيحها من غيرها، ولم يكن لعلماء القرون التالية إلا بعض استدراكات على كتب الصحاح، كـ " مستدرك " أبي عبد الله الحاكم النيسابوري (- 405 هـ) الذي استدرك فيه على البخاري ومسلم أحاديث يرى أنها من الصحاح متفقة مع شرطيهما مع أنهما لم يخرجاها في " صحيحيهما "، وقد سَلَّمَ له العلماء - ومن أشهرهم الذهبي - قسماً منها وخالفوه في قسم آخر.
ثَانِياً - عِلْمُ مُصْطَلَحِ الحَدِيثِ:
ومن ثمار هذه الحركة المباركة أن دُوِّنَتْ القواعد التي وضعها العلماء أثناء حركتهم لمقاومة الوضع، والتي قسموا فيها الحديث إلى ما ذكرناه من أقسام ثلاثة وما يتعلق بها، وبذلك كان عندنا علم مصطلح الحديث الذي يضع القواعد العلمية لتصحيح الأخبار، وهي أصح ما عرف في التاريخ من قواعد علمية للرواية والأخبار بل كان علماؤنا رحمهم الله هم أول من وضعوا هذه القواعد على أساس علمي لا مجال بعده للحيطة والتثبت. وقد نهج على نهج علماء الحديث، علماء السلف في الميادين العلمية الأخرى، كالتاريخ والفقه والتفسير واللغة والأدب وغيرها، فكانت المؤلفات العلمية في العصور الأولى مسندة بالسند المتصل إلى قائلها في كل مسألة وفي كل بحث، حتى إن كتب العلماء ذاتها تناقلها تلامذتهم منهم بالسند المتصلل
جيلاً بعد جيلٍ، فنحن لا نشك في أنَّ " صحيح البخاري " مثلا المتداول الآن بين المُسْلِمِينَ، ألَّفَهُ الإمام البخاري لأنه رُوِيَ عنه بالسند المتصل جيلاً بعد جيل، وهذه ميزة لا توجد في مؤلفات العلماء من الأمم الأخرى، حتى ولا في كتبهم المُقَدَّسَةِ.
وقد ألَّف أحد علماء التاريخ في العصر الحاضر كتاباً في أصول الرواية التاريخية (1) اعتمد فيه على قواعد مصطلح الحديث، واعترف بأنها أصح طريقة علمية حديثة لتصحيح الأخبار والروايات.
وقد قال في الباب السادس (العدالة والضبط) بعد أن ذكر وجوب التحقّق من عدالة الراوي، والأمانة في خبره:«ومما يذكر مع فريد الإعجاب والتقدير ما توصل إليه علماء الحديث منذ مئات السنين في هذا الباب. وإليك بعض ما جاء في مصنّفاتهم نورده بحروفه وحذافيره تنويهاً بتدقيقهم العلمي، واعترافاً بفضلهم على التاريخ .. » ثم أخذ في نقل نصوص عن الإمام مالك، والإمام مسلم صاحب " الصحيح " والغزالي، والقاضي عياض وأبي عمرو بن الصلاح.
وعلم مصطلح الحديث يبحث عن تقسيم الخبر إلى صحيح وحسن وضعيف، وتقسيم كل من هذه الثلاثة إلى أنواع، وبيان الشروط المطلوبة في الراوي والمروي وما يدخل الأخبار من علل واضطراب وشذوذ، وما ترد به الأخبار وما يتوقف فيها إلى أن تعضد بمقويات أخرى، وبيان كيفية سماع الحديث وتحمّله وضبطه، وآداب المحدّث وطالب الحديث، وغير ذلك مِمَّا كان في الأصل بحوثاً متفرقة وقواعد قائمة في نفوس العلماء في القرون الثلاثة الأولى إلى أن أفرد بالتأليف والجمع والترتيب، شأن العلوم الإسلامية الأخرى في تطورها وتدرجها.
(1) هو كتاب " مصطلح التاريخ " تأليف أسد رستم أستاذ التاريخ في الجامعة الأمريكية في بيروت سابقا وهو مسيحي تَفَرَّغَ أخيراً لأخبار الكنيسة الأرثوذكسية، ولينظر كتابه: ص 67 - 83 الطبعة الثانية، نشر المكتبة العصرية في صيدا.
وقد كان أول من ألَّف في بعض بحوثه علي بن المديني شيخ البخاري، كما تكلم البخاري ومسلم والترمذي في بعض أبحاثه في رسائل مجردة لم يضم بعضها إلى بعض، ولكن أول من صنف في هذا الفن تصنيفا علمياً بحيث جمع كل أبوابه وبحوثه في مصنّف واحد هو القاضي أبو محمد الرامهرمزي (- 360 هـ) في كتابه " المُحَدِّثُ الفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالسَّامِعِ " ولكنه لم يستوعب فيه كل بحوث هذا العلم، ثم جاء الحاكم أبو عبد الله النيسابوري المُتَوَفَّى (- 405 هـ) فَأَلَّفَ فيه كتابه " معرفة علوم الحديث " لكنه لَمْ يُهَذِّبْ وَلَمْ يُرَتِّبْ، ثم تلاه أبو نعيم الأصفهاني (- 430 هـ) فعمل على كتاب الحاكم مستخرجاً، وأبقى أشياء لمن تتبع هذا البحث ثم جاء بعدهم الخطيب أبو بكر البغدادي (- 463 هـ) فصنّف في قوانين الرواية كتاباً سَمَّاهُ " الكفاية " وفي آدابها كتاباً سَمَّاهُ " الجامع لآداب الشيخ والسامع " وقد أفرد لكل من فنون الحديث مصنّفاً خَاصًّاً، ثم جاء من بعده القاضي عياض (- 544 هـ) فألّف كتابه " الإلماع " مستمداً بحوثه من كتب الخطيب .. ثم جاء الشيخ الحافظ تقي الدين أبو عمرو بن الصلاح الشَهْرَزُورِيِّ الدِّمِشْقِيُّ (- 643 هـ) فألَّفَ كتابه المشهور بـ " مقدمة ابن الصلاح " أملاه على تلاميذه بالمدرسة الأشرفية في دمشق من غير ترتيب محكم، إلا أنه كتاب شامل لكل ما تفرق في غيره من كتب المُتَقَدِّمِينَ، ولهذا عكف الناس عليه، وَأَكَبُّوا على شرحه بين ناظم وناثر كـ " ألفية " العراقي و" شرحها " للسخاوي، و" التقريب " للنووي، وشرحه " التدريب " للسيوطي، وغير ذلك من الكتب المعروفة، كما اختصر أيضاًً الإمام الحافظ ابن كثير الدمشقي (- 774 هـ) في كتابه " اختصار علوم الحديث "(1) ثم تتابعت التآليف في هذا الشأن. ومن أشهرها " ألفية " الحافظ العراقي (- 806 هـ) و" نُخْبَةُ الفكر في مصطلح الأثر " للحافظ ابن حجر ومن آخرها " توجيه النظر " للعلامة الشيخ طاهر الجزائري و" قواعد التحديث " للقاسمي الدمشقي.
(1) طبع هذا الكتاب طبعاً مُتقناً مع تعليق للأستاذ أحمد محمد شاكر سماه «الباعث الحثيث» .