الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث في بيان أن العموم من عوارض الألفاظومن عوارض المعاني
اعلم أنا كما نقول: لفظ عام أي شامل لجميع أفراده فكذلك نقول للمعنى أنه عام أيضاً، فنقول: الحيوان عام في الناطق والبهيم، والعدد عام في الزوج والفرد، واللون عام في السواد والبياض، والسعر قد يكون عاماً في البلاد وقد يكون خاصاً ببعضها، ونقول: مطر عام، وعدل عام في الرعية، وريح عامة، وهذه كلها عموماتٌ معنوية لا لفظية، فإنا نحكم بالعموم في هذه الصور على هذه المعاني عند تصورنا لها وإن جهلنا اللفظ الموضوع بإزائها هل هو عربي أو أعجمي، شامل أو غير شامل؟
وأما عموم اللفظ فلا نقول: هذا اللفظ عام حتى نتصور اللفظ نفسه، ونعلم من أي لغة هو، وهل وضعه أهل تلك اللغة عاماً شاملا أو غير شامل؟ فإن وجدناه في تلك اللغة شاملا سميناه عاماً، وإن وجدناه غير شامل لم نسمه عاماً عموم الشمول، وقد نسميه عاماً عموم الصلاحية.
فقد ظهر حينئذ أن لفظ العموم يصلح للمعنى واللفظ، وهل ذلك بطريق الأشتراك أو بطريق التواطئ، لأجل معنى مشترك بينهما، لا أن اللفظ مشترك بينهما؟ يظهر في باديء الرأي أنه متزاطئ فيهما، لأن المعنى شامل لأنواعه وأفراده المندرجة.
تحته فاللفظ شامل لجميع أفراده، فيكون الشمول هو المعنى المشترك بينهما أو يكون اللفظ مطلقاً عليهما، لأجل هذا المعنى المشترك بينهما فيكون متواطئاً، لا مشتركا، هذا هو الذي يظهر في باديء الرأي.
وعند تحرير النظر واستيفاء الفكر، يظهر أنه مطلق عليهما باعتبار معنيين مختلفين وتقريره: أن المعنى العام هو صورة ذهنية تنطبق على أمور خارجية انطباقاً عقلياً، وهي واحدة، وليس لها ولا فيها ما يتقاضى الجمع بين فردين بل الصلاحية لفردين دون الجمع بينهما، وإذا صدقت على عدد قل أو كثر ولو ثلاثة استحقت أن يقال لها: جنس أو نوع، وأنها عامة.
واما عموم اللفظ فهو إنما يتلقَّى من جهة الأوضاع واللغات لا من جهة العقل، ولابد فيه من الشمول ولا يكتفى فيه بعدد مع إمكان غيره،
ومتى اقتطع فرد عن اللفظ من تلك المادة قيل فيه: بطل عمومه، وصار مخصوصاً وخولفت قاعدته وأصله، ولا كذلك في العموم المعنوي إذا قيل: حصل منه ثلاثة فقط، قيل: صدق العموم المعنوي باعتبار تلك الأفراد.
ومتى كان المراد بعموم اللفظ الشمول على وجه لا يخرج منه فرد، ولايصدق بالاقتصار على بعض أفراده، وكان المراد بعموم المعنى الاكتفاء بأي عدد كان مع قطع النظر عن استيفاء تلك المواد كان اللفظ مشتركاً لا مَحَالَةَ، لوقوع الأختلاف بين المسميين.
ويدلًّك على أن عموم المعنى يقتصر فيه على أي عدد كان قولهم في حده هو: المقول في الكثيرين، ومرادهم بلفظ (كثيرين) لفظ متكثر، فيصير كالمطلق في الجموع نحو: رجال ودراهم ، يصدق بأي عدد كان، فمتى صدق عدد من الدنانير صدق الجميع مع أنه مطلق، فيصير لفظ العام موضوعاً لما هو عام شامل لما هو مطلق له عموم الصلاحية فقط، زهما متباينان فيكون اللفظ مشتركاً.