الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يسافر في غير يوم الجمعة، وغير يوم الجمعة يشمل الأزمان إلى أقصى الأزل، فهذا يدل بدلالة اللزوم التي هي دلالة مفهوم على العموم مسلوب النهاية.
الجنس التاسع: مفهوم المكان
، كقولنا: جلست أمام زيد، فهو يدل بمفهومه على أنه لم يجلس في غير هذه البقعة، فيشمل من الأحياز ما لا يتناهى بدلالة المفهوم وهي دلالة الالتزام.
الجنس العاشر: مفهوم اللقب
، قال التبريزي: وأصله في الأعلام، ويلحق أسماء الأجناس، وضابط هذا الجنس كيف كان: هو تعليق الحكم
على أسماء الذوات، أما في علم أو اسم جنس، فالعلم نحو: أكرمت زيدا، يدل بمفهومه على أنه لم يكرم غيره، وغيره من الأشخاص غير متناه، فقد دل بدلالة الالتزام على العموم، واسم الجنس كقولنا: في الغنم الزكاة، مفهومه أن ما ليس بغنم لا زكاة فيه، ولم يقل بهذا المفهوم إلا الدقاق، كما حكاه الإمام فخر الدين في المحصول لضعفه.
والفرق بينه وبين غيره من المفهومات، مفهومات الصفات وغيرها: أن الصفات والشروط ونحوهما فيها معنى التعليل، وترتيب الحكم عليها يقتضي عليتها لذلك الحكم، والقاعدة أن عدم العلة علة لعدم المعلول،
وصورة المسكوت عنه فيها عدم لهذه الأمور، فيكون فيها عدم العلة، فيكون فيها عدم المعلول، فيعدم الحكم منها، وهو المطلوب من الفرق، بخلاف قولنا: زيد والغنم، فإنها جامدة، لا تشعر بتعليل، فلا يكون عدمها علم لشيء، فلا يثبت عدم الحكم في صورة المسكوت عنه، فهذا هو سبب هذا الضعف، وقلة القائلين به.
فهذه الأجناس العشرة هي أجناس مفهوم المخالفة، وكلها دال على العموم دلالة التزام.
وأما الدال بمفهوم الموافقة، فإنه يدل بالالتزام أيضا على العموم، ويسعى لحن الخطاب/ وتنبيه الخطاب، وضابطه أنه اللفظ الدال على ثبوت مثل حكم المنطوق للمسكوت عنه بطريق الأولى أو المساواة.
وفي ضابط مفهوم المخالفة نقول: هو اللفظ الدال على ثبوت نقيض حكم المنطوق للمسكوت، فيفترقان من جهة الثبوت، الحكم نفسه، أو ثبوت نقيضه، ففي الموافقة عين الحكم، وفي المخالفة نقيضه.
وتحرير القول فيه: أن اللفظ إذا دل على ثبوت حكم المنطوق فقد يدل على ثبوته في غيره بطريق الأولى، وهو أعظم أو أدنى، وقد يدل على ثبوت حكم له لا بطريق الأولى، بل بالمساواة.
أما الأول: فقوله تعالى: {فلا تقل لهما أف} فإنه يدل بطريق الالتزام على تحريم ما فوق التأفيف من الشتم والضرب وأنواع الأذى، وهذه الأنواع غير متناهية الأفراد، وقد شملها حكم التحريم بدلالة الالتزام.
وأما الثاني: فقوله تعالى: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك} ، فإنه يدل على أمانته فيما دون القنطار بطريق الأولى، وأما (ما) دون القنطار وإن كان منحصرا في رتب محصورة بين القنطار وأدنى
الأوزان إلى الجوهر الفرد، والمحصور بين حاصرين متناهن فلا يكون مسمى العموم، فإن كان شرط (مسمى) العموم أن يكون متناهيا وهذا غير متناه فلا يكون مسمى العموم من هذا الوجه، غير أنه غير متناه من وجه آخر، فإن ما دون القنطار في الحقارة يعرض لأنواع من الموزونات غير متناهية، كلها يشملها وصف الحقارة الذي هو أدنى من القنطار، فيتصور وجوده في المعادن السبعة، وأنواع جميع الجمادات والنبات والحيوانات، وغير ذلك من مواد الممكنات مما هو موصوف بأنه دون القنطار، (فدون القنطار) وإن كان وصفا محصورا غير أن معروضاته غير متناهية، وكلها تقتضي (مفهوم ثبوت) الأمانة فيها، فيكون هذا المفهوم يدل بطريقة الالتزام على العموم في حكم الأمانة في أفراد لا نهاية لها وهذا هو مسمى العموم.
وكذلك قوله تعالى: {ولو أن الذين ظلموا ما في الأرض ميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء/ العذاب يوم القيامة} ، يقتضي: أنهم يفتدون بما
دون ذلك بطريق الأولى، لو عرض لأي يوم كان، فتكون هذه الآية دالة دلالة الالتزام على العموم في حكم الافتداء في أفراد لا نهاية لها، وهو المطلوب، وهذه الآية مفهومها أصرح من مفهوم الآية الأولى من جهة أن الإنسان قد يوجد أمينا على الأمور العظام، ويتساهل في الأمور المحقرات، لقلة مفسدتها، ولذلك أن كثيرا من الناس يتساهلون في المعصية بملابسة الصغائر دون الكبائر، فيكون في مفهوم هذه الآية ضعف، بخلاف صورة الافتداء يوم القيامة ليس فيها ترخص.
وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، فإنه يدل بمنطوقه على أن مثل أحد لا يبلغ إتفاقه رتبة أحد الصحابة- رضوان الله عليهم أجمعين-، ويدل بمفهوم الموافقة أن إنفاق ما دون ذلك لا يبلغ هذه الرتبة أيضا بطريق الأولى، ووصف قولنا: أدنى من أحد لعرض الأمور غير متناهية، فيكون المندرج تحت هذا المفهوم أفراد غير متناهية في مادة الوجود والإمكان، فيكون دالا دلالة الالتزام على العموم كما تقدم تقريره في مفهوم القنطار، وهو المطلوب.
وأما الثالث: وهو مفهوم الموافقة الدال بطريق المساواة على العموم، فقوله عليه الصلاة والسلام:(لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)، فإنه (يدل) بطريق المساواة على أنه لو جمع البول وصبه في الماء كان مثل فعله فيه ابتداء من غير فرق، لمساواته له في المفسدة، ثم الطريق الذي يقع بها صب البول في النهر بعد فعله غير متناهية، فيكون الحديث دالا بطريق المساواة دلالة التزام على العموم وهو المطلوب.
وكذلك قوله عليه السلام لما سأله عمر- رضي الله عنه عن قبلة الصائم، فقال عليه الصلاة والسلام:(أرأيت لو تمضمضت بماء ثم طرحته أكان ذلك يفسد صومك؟ )، يدل بمفهومه على أن التمضمض (بالماء إذا طرح لا يفسد الصوم، ويدل بطريق مفهوم المساواة على أن التمضمض بجميع) المائعات
إذا طرحت كذلك، فيكون دالا بطريق الالتزام على العموم؛ لأن أفراد المائعات/ غير متناهية، بل (يدل) بطريق المساواة أن كل فرد من تلك المائعات أو من الماء إذا تكررت المضمضة به في أوقات غير متناهية، ثم طرح ذلك أنه لا يفسد الصوم، ونظائر هذه الأقسام كثيرة في الكتاب، والسنة وكلام العرب، فتأملها في مواطنها تجدها.
فإن قلت: السؤال على هذه الأقسام من وجهين:
أحدهما: أنا نمنع أن تحريم الضرب وغيره ثابت بدلالة اللفظ، بل بالقياس، وقد قاله القاضي أبو بكر شيخ الأصوليين وغيره، وإذا كان ذلك ثابتا بالقياس لا بدلالة الالتزام، بطلت هذه الأقسام.
وثانيهما: سلمنا أن دلالة الالتزام ثابتة في هذه الأقسام، لكن فيما هو
أعلى أو أدنى، أما في المساوي فممنوع، وقد قال الإمام فخر الدين في المحصول وغيره من العلماء: أن الحكم إنما يثبت في هذا القسم بالقياس وعدم الفارق ولم نعلم أحدا منهم قال: إنه ثابت بطريق المفهوم، ، مفهوم الموافقة، ولا [مفهوم] المخالفة، وإذا كانت هذه هي الدعوى خلاف الإجماع، لا تسمع.
قلت: الجواب عن السؤال الأول: أن القاضي ومن سالفه قال بعدم المفهوم مطلقا، والمشهور المتناول القول بالمفهوم في مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة، وهذا البحث مفرع على هذه المذاهب، لا مذهب القاضي، فإن أصول الفقه قال أبو الحسين البصري في كتاب (المعتمد): إنه يختص بثلاثة أحكام يمتاز بها على أحكام الفقه، أحدها: أنه لا يجوز التقليد فيه،
وثانيها: أن المصيب فيه واحد، وثالثها: أن المخطئ فيه لا يعذر؛ لأن مسائله قطعية، ولم يحك ذلك مهبا له، بل حكاه، ولم يحك فيه خلافا، وإذا كان التقليد في أصول الفقه لا يسوع تعين إتباع الدليل حيث اتجه، ونحن نجد أنفسنا جازمة بدلالة اللفظ التزاما على ما يقع ذكره، ومتبادرا إلى أفهامنا، والعرف شاهد بذلك، فوجب القول بدلالة الالتزام في هذه الصور.
وعن الثاني: أن المساوي قسمان، أحدهما: يسبق فهمه عند سماع مساويه من غير سبر، ولا تقسيم، ولا استنباط/ بحيث لو صرح بضد الحكم أو نقيضه في المساوي تبادر العقول السليمة لإنكاره، كما إذا قال القائل: لا يبال في المال ولا يصب فيه البول، أو المضمضة بالماء ثم يطرح لا يفسد الصوم، والمضمضة بمائع آخر يفسده، لوجد كل عاقل في نفسه إشكال ذلك، فمثل هذا المساوي هو الذي يدعى أن فيه دلالة المفهوم التزاما.
وأما مساوي لا تفهم مساواته للمنطوق إلا بعد سبر ونظر واستنباط مثل: مساواة الأرز للبر في حكم الربا، والمزر والبتع
والسكركة للخمر في حكم التحريم، فهذا هو القياس؛ لأنه ليس فيه فهم متبادر، ومتى عدم الفهم عن اللفظ عدمت الدلالة، إذ لا معنى لها إلا الفهم والإفهام، وإن عسر عليك تحقيق ذلك في مثال ذكرته فغيره بمثال آخر، فإن العمدة هو الضابط من الفهم والإفهام، وإنكار الطبع السليم التصريح بضد الحكم أو نقيضه، لا خصوص ذلك المثال، إذا تقرر هذا فنحمل نقلهم أنه من باب القياس على ما ليس فيه الضابط المذكور، مع إن هذا الباب ليس فيه تقليد، كما تقدم.
وأما قولك: إن هذه الدعوى على خلاف الإجماع، فلا نلم أن حصول الإجماع غايته أنا لا نجد من قال بهذه المقالة، ولا يزم من عدم الوجدان عدم الوجود، وعدم العلم بالشيء لا يكون علما بالعدم، فلعل في نفس الأمر عددا من العلماء قال بذلك ولم نطلع عليه أو عدد من العلماء لم يتعرضوا لهذه المسألة نفيا ولا إثباتا، لم ينعقد الإجماع دونهم، وعلى التقديرين لا يكون الإجماع حاصلا.
إذا تقرر الجواب عن هذه المسألة تلخص لنا أن ثلاثة عشر جنسا من