الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآخر وهو سلب النهاية والغاية، فإن القابل هو الممكن أن يكون إنسانا، والممكن أن يكون إنسانا غير متناه، بل الممكن من كل جنس غير متناه في مادة الإمكان والعدم، وإنما يحصل التناهي في طرف الوجود، فتكون الكلية الموجبة على هذا المذهب هي مدلول صيغة العموم (في النوع) الآخر الذي هو قولنا معلومات الله تعالى أو مخبراته، فإن تحقق الإمكان في موارده لا نهاية لها كتحقق مسمى المعلوم في موارد لانهاية لها، فتأمل هذا تجده عين ما تقدم تلخيصه في صيغ العموم العربية، وأن الصيغ العربية العامة اشتملت في نوعي مسماه في المذهبين الكائنين في علم المنطق، فإذا تأملت ذلك أوضح لك العلم بعضه بعضا فإن العلوم يشرف بعضها ببعض، وبعين بعضها على تحقيق بعض.
الخاصية الثالثة لصيغ العموم: أن مسماها منقسم إلى نوعين
كما تقدم بيانه:
أحدهما: لا يقبل الدخول في الوجود ألبتة، ولا يقبل أن يكون فيه أحد
الأحكام الخمسة الشرعية، فإن الحكم الشرعي لا يتعلق إلا بما هو مقدور على إدخاله في الوجود، فما لا يقبل الوجود يتعذر إيجابه لتعذر فعله وإيجاده، ويتعذر تحريمه وإبقاؤه على العدم، فإن إبقاءه على العدم، معناه: أن المكلف يكون له اختيار على تبقيته على العدم كالزنا والسرقة مثلا، فالمستحيلات كلها عدمها من ذاتها لا يتصور فيها إرادة البقاء على العدم، فإن الإرادة هي صفة ترجح أحد طرفي الجائز على الآخر، فحيث لا جوز لا إرادة ولا قدرة، ولذلك قلنا: إن من شرط ما يتعلق به حكم شرعي أن يكون مقدورا على جلبه أو دفعه، إلا إذا فرعنا على جواز تكليف ما لا يطاق.
وإذا كان هذا القسم لا يقبل الدخول في الوجود ولا يقبل تعلق الحكم الشرعي به فلا يتصور وروده إلا في الإخبار دون التكاليف نحو: معلومات الله تعالى/ غير متناهية وجميع المثل المتقدم ذكرها، ويلحق به الاستفهام، وإن كان طلبا لكنه طلب لخبر، والخبر تقبله هذه الموارد، فيقول المستفهم: هل معلومات الله تعالى غير متناهية؟ (فيقول المسئول: معلومات الله تعالى غير متناهية) فيعم خبره ما لا يتناهى بالفعل كما تقدم.
ولو قال قائل: إن مسمى العموم هو خصوص هذا القسم دون المشترك بينه ويبن القسم الآخر للزمه أن تكون صيغة العموم لا يمكن استعمالها في الأحكام الشرعية ألبتة؛ لتعذر وجود مدلولها بهذا التفسير، وإذا تعذر وجوده تعذر تعلق الحكم الشرعي به؛ لأن من شرط الحكم الشرعي ألا يتعلق إلا
بمقدور، فيلزم أن يكون صيغة العموم تستحيل عقلا أن تستعمل حقيقة مع حكم شرعي، وما قال أحد من العقلاء ذلك، بل قال: كل صيغة للعموم وقعت في حكم شرعي فإنه يمكن التعميم فيها عقلا، وقد لا يقع هذا الممكن لمعارض ودليل يدل على عدم الحقيقة ووجوب المصير إلى المجاز، أما الاستحالة: فلم يقل بها أحد، فلا سبيل حينئذ أن يقول أحد: إن مسمى العموم هو غير المتناهي بهذا التفسير، كما أنه لا سبيل إلى القول بأن صيغة العموم حقيقة في غير المتناهي المفسر بما له غاية لا يجب الوقوف عندها؛ لأنه يلزم أ، يكون مجازا في قولنا: معلومات الله تعالى ومخبراته، وعدمات الممكنات، وغيرها مما تقدم من النظائر، ولا يقول أحد من القائلين بالعموم أن صيغة العموم في هذه المواد مجاز، بل هي حقيقة في الجميع، ولهذه الغاية قلت في الخاصية التي قبل هذه: إن صيغة العموم حقيقة في القدر المشترك بين القسمين، حتى تنطبق صيغ العموم على جميع هذه الموارد.
واعلم أنه كما يتعذر تعلق الأحكام الشرعية بمسمى العموم في هذا النوع الذي هو مفسر بمسلوب الغاية فكذلك يتعذر الخبر بوجوده ودخوله في