الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإمامة احتج عليهم الصديق رضي الله عنه بقوله عليه الصلاة والسلام: (الأئمة من قريش)، والأنصار سلموا تلك الحجة، ولو لم يكن
الجمع المعرف بلام الجنس يفيد الاستغراق
لما صحت الدلالة؛ لأن قوله عليه الصلاة والسلام: (الأئمة من قريش)، لو كان معناه: بعض الأئمة من قريش، لوجب ألا ينافي وجود أئمة من قوم آخرين. أما كون كل الأئمة من قريش، فينافي كون بعض الأئمة من غيرهم، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال لأبي بكر الصديق رضي الله عنه لما هم بقتال مانعي الزكاة: أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) احتج عليه بعموم اللفظ، ثم لم يقل أبو بكر ولا أحد من الصاحبة- رضي الله عنهم أن اللفظ لا يفيد العموم، بل عدل إلى الاستثناء فقال: أليس قد قال عليه الصلاة والسلام (إلا بحقها) وأن الزكاة من حقها.
فائدة: قوله عليه الصلاة والسلام: (إلا بحقها)، مشكل المعنى، فإن
الاستثناء من الإثبات نفي، والمتقدم قبل الإثبات وهو قوله عليه الصلاة والسلام:(عصموا مني دماءهم وأموالهم)، فقوله بعد ذلك:(إلا بحقها) يقتضي نفي العصمة، وكيف يفهم أن العصمة في الدماء والأموال تنفي الحق، وإنما يناسب انتفاء العصمة ارتكاب الباطل إلا الحق.
وتحرير الجواب أن ها هنا/ (مضافا) محذوفا، وهو يتصور أن يكون مقدرا قبل لفظ الحق وبعده، وتختلف صفة التقدير، فإن قدرناه قبل الحق، يكون التقدير، إلا بتضييع حقها، وتضييع حق الشهادة يناسب نفي العصمة، وإن قدرناه بعد الحق يكون التقدير: إلا بحق إراقتها، وحق إراقتها هو السبب المبيح لها، وعلى هذا يكون الضمير عائدا على الأموال والدماء، فإنها هي التي تراق، وأحسن من ذلك أن نقدر: إلا بحق إباحتها، حتى يتناول الدماء والأموال، فإن الإراقة لا تناسب الأموال، والأحسن أن يكون التقدير يناسبهما.
وعلى التقدير الأول وهو تقدير المضاف قبل (الحق) يكون الضمير عائدا إلى الكلمة التي هي الشهادة؛ لأنها صاحبة الحقوق التي يترتب عليها الحقوق، فقد ينوع التقدير بنوع ما يعود الضمير عليه، وعلى كل تقدير يصير المعنى مفهوما، فتأمل ذلك فهو حسن في علم النحو وتصحيح الكلام.
ثم نرجع إلى الاستدلال فنقول: إن هذا الجمع يؤكد بما يقتضي
الاستغراق عند أبي هاشم، فيجب أن يكون الاستغراق إما أنه يؤكد بما يوافق على أنه للاستغراق فكقوله تعالى:{فسجد الملائكة كلهم أجمعون} وإما أن يؤكد بما يقتضي الاستغراق؛ فلأن شأن التأكد أن يقوي ما كان قبله، ولا ينشئ زيادة، وأن يكون الثابت بعده ثابتا قبله، غير أنه أقوى وأبعد عن المجاز، ولما كان الثابت بعده هو الاستغراق وجب أن يكون ثابتا قبله، وهو المطلوب.
وأيضا إن الألف واللام إذا دخلا على الاسم صار اسما معرفة بإجماع النحاة والذي صار معرفة ها هنا ليس الجنس؛ لأنه معروف من الاسم النكرة، وليس مرتبته معينة من العدد؛ لأنها محولة للسامعين بعدم اختصاص اللفظ بمرتبة معينة من الخصوص؛ ولأنه يلزم الترجيح من غير مرجح، أما لو حملناه على الاستغراق لكان معروفا، ولا يلزم الترجيح من غير مرجح، فيفيد الاستغراق، وهو/ المطلوب.