الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الكل والجزء: فالكل عبارة عن مجموع من حيث هو مجموع نحو العشرة، والمائة والألف وميمات حميع ألفاظ الأعداد، ويظهر الفرق بينه وبين الكلية بالمثال وتباين الأحكام، فإذا قلنا: كل رجل يشبعه رغيفان غالباً، صدق ذلك باعتبار الكلية، وهي القضاء على كل فرد فرد عبى حياله، وكذبت باعتبار الكل الذي هو المجموع، فإن مجموع الناس لا يشبعه رغيفان ولا ألف قنطار، وإذا قلنا: رجل يشيل هذه الضخرة العظيمة، صدق هذا الحكم باعتبار الكل، وكذب باعتبار الكلية، فإن الأفراد بستحيل على كل واحد منهم شيل هذه الضخرة العظيمة، أما مجموع الناس فيجوز عليهم ذلك وأكثر منه.
فبهذه المثل وهذه الأحكام، يظهر
الفرق بين الكل والكلية
، وأن معنى الكلية القضاء على كل فرد فرد من غير تعرض للجمع بين فردين ولا أكثر، وأن الكل معناه المجموع من حيث هو مجموع، ولا يتعرض المتكلم لثبوت الحكم لفرد ألبته، ثم الحكم بعد ذلك قد يثبت للفرد وقد لا يثبت، ذلك يختلف باختلاف المواد.
فإذا قلنا: مجموع الزنج أسود، صدق هذا الحكم للمجموع ولكل فرد أنه كذلك وكذلك مجموع الجبال صخر، يصدق أيضا باعتبار الأفراد أنها كذلك، ونظائرة كثيرة لا تعد كثرة ولا تحصى، بخلاف ما إذا حكمنا على مجموع من الماء بالإرواء، لا يثبت ذلك لكل قطرة منه، أو على مجموع من الخبز أنه مشبع، لا يلزم أن يثبت ذلك لكل لبابة منه، أو على مجموع الجيش أن يهزم العدو ولا يثبت ذلك لكل فارس منه، ونظائرة أيضا لا تُتحصى كثرة، لكن الحكم في القسمين إنما كان ثابتاً بالذات للمجموع من حيث هو مجموع، وثبوته للفرد إنما جاء من خصوص المادة لا في قصد الحكم في الرتبة الأولى.
وإذا عرفت حقيقة الكل، فاعلم أنه إنما يصدق إذا كان مركباً من شيئين فصاعداً فكل واحد من تلك الأفراد هو الجزء والجزء مقول بالقياس إلى الكل كما أن الجزئية مقولة بالقياس إلى الكلية، والجزئي مقول بالقياس إلى الكلي، ثم الفرق بينهما أ، الجزئي هو الكلي مع زيادة التشخيص، فالكلي بعض الجزئي كالإنسان هو جزء من زيد الجزئي، لأن
زيداً هو مفهوم الإنسان مع خصوصيات زيد من طوله وبياضه وغير ذلك من خصائصه، والجزء بعض الكل، والجزئية بعض الكلية، فالجزئي عكس الجزئية والجزء، من جهة أن الجزئي كل، والجزئية والجزء بعض، وكما صدق حكم باعتبار الكلية دون الكل، وباعتبار الكلية دون الكل، وباعتبار الكل دون الكلية كما تقدم تمثيله، وكذلك يصدق الحكم باعتبار الكلية دون الكلية والكل نحو قولنا: الإنسان نوع، والحيوان جنس، فالجنسية والنوعية لا يصدقان باعتبار الكل ولا باعتبار الكلية، لأن من شرط النوع أو الجنس أن يكون مقولاً على ما تحته من الأفراد، والكلية لا يمكن أن تصدق على كل فرد من أفرادها، وكذلك الكل لا يصدق على شيء من أفراده، لأن الكل لو صدق على الجزء لكان الجزء مساوياً للكل وهو محال، فالجنسية والنوعية والخاصية نحو قولنا: الضاحك خاصة والعرض العام نحو قولنا: الماشي، عرض عام لا يصدق إلا على معنى كلي لا على كل، ولا على كلية من حيث هما كذلك غير أنه قد يعرض للكلي أن يكون كلاً، بأن يكون مركبا من جزئين، كالإنسان، كلي، وهو مركب من الحيوان والناطق، فمجموعهما كل، وهو كلي، وكذلك الحيوان، كل وكلي، لأنه مركب من جنسه الذي هو النامي، وفصله الذي هو الحساس، ألحق بذلك ما في معناه.
إذا أحطت علما بالفرق بين الستة، فاعلم أنه قد وجد في الأوضاع العربية ألفاظ موضوعة للستة، فأسماء الأعداد كلها موضوعة لما هو كل ومجموع كالعشرة لمجموع الخمستين، والمائة لمجموع العشرات، والألف لمجموع المئيم العشرة، وكذلك بقيتها.
وصيغ العموم موضوعة لما هو كلية على ما يأتي تقريره إن شاء الله تعالى فأسماء الأجناس كالحيوان، والألوان، والطعوم، والروائح، وغيرها، ألفاظ موضوعة لما هو كلي نحو: سواد، وبياض، وحلاوة وعطر ونحو ذلك، وأسماء الأعلام في البلاد نحو: مكة، والجبال نحو: ثبير، وأحد، والملائكة نحو: جبريل، والآدميين نحو: زيد، وأما اسم لبعض الكل، والبعض موضوع لما هو جزئية أو جزئي، يصدق على
كليهما أنه بعض، فالجزئية بعض الكلية، والجزء بعض الكل، فلفظ البعض شامل لهما، بخلاف لفظ الجزء خاص بما يقابل الكل.