الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني عشر في سرد صيغ العموم الدالة بالوضع الأول على العموم لغة على ما يدل عليه بعد هذا
، إن شاء الله تعالى.
وهي مائتان وخمسون:
الصيغة الأولى: (من صيغ العموم)(كل): وهى أقوى صيغ العموم في الدلالة عليه، ومن خصائصها أنها للمذكر، وأن الخبر عنها مفرد، فتقول: كل رجل قائم، على الأفصح من الكلام، ويجوز:(قائمون (، قال الله تعالى: {وكلهم آتيه يوم القيامة فردا}، وقال في الآية الأخرى: {وكل أتوه داخرين} نظرا للمعنى، وهو العموم؛ لأنه جمع، والأول لمراعاة اللفظ، وهو الأكثر، كما جاء في لفظ (من)، الأكثر فيها مراعاة اللفظ،
فتقول: من دخل داري؟ مراعاة للفظ.
وإذا دخلت لفظه (كل (في التأكيد، لا تدخل إلا فيما يتبعض، باعتبار الفعل المسند إليه، وقد لا يتبعض باعتبار فعل آخر، تقول: اشتريت الفرس كلها، ولا تقول: حزت الفرس كلها.
ومن خصائصها أن النفي يختلف حكمه فيها متقدما ومتأخرا، بخلاف سائر صيغ العموم، فإن تأخر اقتضى سلب الحكم عن كل فرد، فتكون القضية كلية، وإن تقدم النفي بطل حكم العموم، وصارت القضية جزئية لا كلية، وكان معنى هذه الصيغة حينئذ: الكل من حيث هو كل، لا الكلية التي هي/ العموم، وقد تقدم الفرق بين الكلية والكل ونظائرهما في باب مفرد، فإذا قلت: ما جاءني كل إخوتك، أو ما قبضت كل الدراهم، لم يكن معناه العموم، بل الخصوص، وأن النفي مقتصر على بعض الإخوة، وبعض الدراهم، بمنطوق اللفظ، ويدل من جهة المفهوم على أن البعض الآخر جاء من الإخوة وقبض من الدراهم، فلا تكون هذه الصيغة معدودة (من صيغ العموم) حينئذ.
أما لو تأخر النفي فقلت: كل الدراهم لم أقبضها، برفع (كل (على أنه مبتدأ، لكان ذلك نصا بالنفي على كل درهم، وتكون الصيغة حينئذ من صيغ العموم، فإذا نصبت (كلا (فقلت: كل الدراهم لم اقبض، (أو لم) أقبضه، فكلاهما سواء في عدم العموم.
أما مع تفريغ الفعل؛ فلأن المفعول الذي (هو)(كل (، وإن كان مقدما على النفي، غير أن المنفي في نية التأخير، والعامل في المفعول ها هنا في نية التقديم، فكان حكمه حكم (ما) إذا قال: لم أقبض كل الدراهم، أنه جزئية، لا كلية، وأما إذا اشتغل الفعل بالضمير مع النصب، فلأنا نضمر فعلا متقدما على كل (ما) يدل عليه ما بعده، فيصير اللفظ جزئية بذلك الفعل المضمر المتقدم (على (كل، فهما سواء حينئذ، وهذا السر هو الباعث للشاعر على رفع (كل) في قوله:
قد أصبحن أم الخيار تدعي
…
علي ذنبا كله لم أصنع
برفع (كل) مع أن الفعل مفرغ له بسبب أنه لو نصب (كل) لكان في نية التأخير، والفعل في نية التقديم، فيكون قد نفي بعض الذنب، لا كله، ومقصوده البراء مطلقا، فلا يحصل مقصوده حينئذ، أما إذا رفع: كان النفي عاما، فيحصل مقصوده حينئذ، هذا حكم (كل) في تقدم النفي وتأخره.
وأما في الثبوت، فالحكم واحد في التقدم والتأخر (ولو أعلم في لسان العرب صيغة اختلف الحكم فيها في النفي في التقدم والتأخر) إلا هذه الصيغة، وهي صيغة (كل)، وأنها تكون مع فعل للعموم، ومع آخر ليست للعموم، ولم يوجد ذلك إلا في هذه اللفظة خاصة، وأشد الألفاظ بها شبها أسماء الأعداد، فإنها موضوعة للكل من حيث هو (كل)، (ومع ذلك فالنفي فيها سواء تقدم أو تأخر إنما يقتضي نفي الكل من حيث هو كل)، ولا يقتضي شمول النفي لجميع أفراد ذلك العدد، فلا فرق بين قولك: ما له عندي ألف، وبين قولك: ألف ليست له عندي، وإنما يقتضي نفي الألف/ من حيث هي ألف، ويجوز أن يكون له عندك تسعمائة وتسعة وتسعون، فلا يختلف النفي في التقديم والتأخير إلا في لفظ (كل) خاصة، دون جميع ألفاظ اللغة العربية.
وقد وقع لابن عطية في تفسيره، في قوله تعالى:{أفحكم الجاهلية يبغون} ، في أنه قرئ برفع حكم ونصبه، فجعله مخرجا على لفظ (كل) في بيت الشعر المتقدم، وليس كذلك، فإن هذا اسم جنس أضيف، واسم الجنس إذا أضيف لا يختلف النفي فيه متقدما ومتأخرا، فلا فرق بين قولك: ماء البحر ليس نجسا، وبين قولك ليس ماء البحر نجسا، إن نفي النجاسة يثبت لكل فرد من أفراد ماء البحر، ولعله رحمه الله إنما يريد بالتنظير بالبيت الشبه في النصب خاصة دون اختصاص الحكم بالبعض.
تنبيه: هذا إذا وقعت هذه اللفظة مستقلة بنفسها، فإن وقعت تأكيدا، أو تبعا للفظ كقولنا: لم أر القوم كلهم، أو: القوم كلهم لم أرهم، هل يختلف حكمه في التقديم والتأخير، فيعم متقدما في المثال الأول، دون الثاني؟ هذا مما لم أر فيه نقلا، فإن سوينا بين الصورتين، يلزم أن يكون التأكيد منشئا، مع