الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجود، على وجه يكون الخبر صادقا، بل لا يقع الخبر عن وجود هذا النوع إلا كذبا؛ لدلالة البراهين العقلية على استحالة دخول/ مالا يتناهى في الوجود بهذا التفسير، وجميع مسميات الألفاظ العربية ليس فيها شيء يكون أحد نوعية يقبل الوجود والإخبار عن وجوده وتعلق الأحكام الشرعية به، والنوع الآخر لا يقبل ذلك، بل جميع مسميات الألفاظ إما أن تكون قابلة للأحكام الشرعية والخبر عن وجودها وتقبل الوجود في نفسها كالجماد والنبات والحيوان وغيرها من مسميات الأجناس، أو تكون كلها لا تقبل شيئا من ذلك كقولنا: عدم، ومستحيل، ودور، وتسلسل، وغير ذلك مما لا يقبل الوجود بجميع أنواعه وأفراده، ولا يقبل صدق الخبر عن الوجود ولا يقبل حكما شرعيا، إلا أن نفرغ على جواز تكليف ما لا يطاق، فيقبله كله، أما أن يوجد نوع من المسمى يقبل ونوع لا يقبل والمسمى واحد فهذا من خواص صيغ العموم ولا يوجد في غيرها من مسميات الألفاظ.
الخاصية الرابعة لصيغ العموم: انقسام مسماها إلى نوعين:
أحدهما: يمكن تصوره على التفصيل، فالذي يمكن تصوره على
التفصيل هو غير المتناهي المفسر بما له غاية لا يجب الوقوف عندها كالمشركين، والميتة، ونحوهما؛ مما تقدم من مثله، ومنه نعيم أهل الجنة، ومقدورات الله تعالى.
والذي لا يمكن تصوره على التفصيل هو النوع المفسر بمسلوب النهاية والغاية كمعلومات الله تعالى ونحوها، فإن تصورنا لهذه الأفراد مع عدم تناهيها على التفصيل كل فرد على حياله مستحيل عقلا، بل إنما يتصور إجمالا، فتتصوره (من حيث) إنه غير متناهي، فيقع في ذهننا المعلومات مثلا من حيث هي معلومات مع وصف سلب النهاية، فهذان الوصفان يمكن أن يقع مجموعهما في ذهننا، أما الأفراد على التفصيل كل فرد على حياله حتى تستوعب ما لا يتناهى فهذا محال عقلا في حق الخلق، وإنما يحيط بذلك على التفصيل علم الله تعالى.
أما بقية مسميات الألفاظ فهي قسمان:
أحدهما: يمكن تصوره على التفصيل، كأنواع الجماد، والنبات،
والحيوان، فهذا النوع قابل لحصول العلم به في حقنا/ على التفصيل.
والقسم الآخر لا يمكن تصوره ألبتة على التفصيل، بل من حيث الإجمال فقط.
أما التفصيل فمستحيل عقلا وكذلك قسمان:
أحدهما: المستحيلات كلها، فإن القاعدة العقلية: أن كل ما استحال وجوده في الخارج استحال في الذهن، فكما تعذر أن يقع في الخارج ثوب أسود في غاية السواد وهو أبيض في غاية البياض، فكذلك يستحيل تصور ثوب أسود في غاية السواد وهو أبيض في غاية البياض، وكذلك بقية المستحيلات.
القسم الثاني: الأعدام لا يمكن تصورها ألبتة، فإن كل ما يتصوره
الإنسان (لا بد له في الذهن من تحقق) بوجه ما، والعدم نفي صرف، مناف للتحقيق بوجه ما، فالعدم الصرف والنفي المحض لا يمكن تصوره ألبتة.
فإن قلت: يلزمك بطلان إحدى القاعدتين العقليتين القطعيتين:
القاعدة الأولى: أن الحكم على الشيء فرع تصوره، وأخذ الشيء بالرد والقبول فرع كونه معقولا، فما لا يقع في الذهن استحال الحكم عليه.
القاعدة الثانية: أنا نحكم على المستحيلات والعدمات، فنقول: المستحيل لا يقبل الوجود، والعدم يقبل الوجود، إلى غير ذلك من الأحكام، فيبطل حينئذ أحدى القاعدتين، إما أن لا نحكم على المستحيلات والعدمات، وإما أنا نتصور المستحيلات والعدمات، وكلا الأمرين محال، فكيف الخلاص من هذه الورطة؟
قلت: هذه السؤال كان الشيخ شمس الدين الخسر وشاهي يورده ويجيب عنه بأن يقول: الحكم على الشيء إنما يستدعي تصوره من حيث الجملة لا
من حيث التفصيل، ولذلك نحكم على المغناطيس أنه يجر الحديد، وعلى الترياق الفاروق أنه يدفع السموم، مع أنا لا نعلم حقيقة المغناطيس على التفصيل ولا حقيقة الترياق على التفصيل، ونظائر كثيرة جدا.
وإذا كان الذي يشترط في الحكم على الشيء إنما هو الشعور به من حيث الجملة لا من حيث التفصيل، فتقول: نح نتصور المستحيلات من حيث بسائطها لا من حيث حقائقها/ من حيث هي مستحيلات ومجموعات، فإذا قلنا: الجمع بين السواد والبياض محال، فيتصور مطلق السواد ومطلق البياض ومطلق الجمع، ونقول: حصول هذا مطلق الجمع لهذين محال،
وهذه الثلاث هي بسائط هذا المستحيل، وهي ممكنة في نفسها، فما تصورنا ووقع في ذهننا إلا ممكن وكنا بسبب تصورها متصورين لهذا المستحيل من حيث الجملة؛ لأن التصور الإجمالي هو تصور الشيء من بعض وجوهه وبسائطه الشيء هي بعض وجوهه.
وكذلك إذا قلنا: شريك الباري تعالى محال، فإنا نتصور صانع العالم من حيث هو صانع العالم ونتصور مطلق الشريك من حيث هو هو، ونقول: حصول هذا مطلق الشريك لله تعالى محال، فقد تصورنا هذا المستحيل من حيث بسائطه وهي وجه فيه، فقد تصورناه من حيث الإجمال وصح الحكم عليه لذلك، وما تصورنا إلا ما هو موجود في الخارج لا مستحيل، فاجتمع القاعدتان ولم تبطل واحدة منهما، فما حكمنا إلا على ما تصورناه، ولم نتصور مستحيلا في الخارج بل ممكنا.
وأما العدم: فإنه لا بسائط له؛ لأنه لا تركيب فيه، بل تصوره يتصور مقابله وهو الوجود، فإذا قلنا: العدم نقيض الوجود، فإنا نتصور الوجود، ونقول: مقابل هذا الذي تصورناه نقيضه، وكذلك إذا قلنا: عدم العالم قديم، نتصور وجود العالم، ونقول: مقابله قديم، وكذلك بقية الأحكام